يحيى القيسي في روايته “باب الحيرة”: رحلة البحث عن اليقين

(ثقافات)

يحيى القيسي في روايته “باب الحيرة”: رحلة البحث عن اليقين

 

صفاء الحطاب*

صفاء الحطاب

(الحيرة طريق أساسي نحو الإيمان) جملة تركها الكاتب لي على سبيل الإهداء، ليفتح أمامي أبوابا من الحيرة في رحلة الإنسان الوجودية، والتي بالنتيجة ستتقاطع مع رحلة كل قارئ، وليطرح فكرة فلسفية عميقة عن رحلة البحث التي يخوضها كل منا، وكيف يمكن أن تتحول رحلة التثبت من “اليقين” إلى “لا يقين” مادي يقابله إيمان عميق باختلاف نموذج الإنسان، وازدواجية فكره وأشواقه وتلك الخصوصية للنفحة الإلهية مع ماديته وطينه وحاجاته المقيدة.

كتب القيسي روايته الفلسفية المكثفة والقصيرة نسبيا بعدد صفحات لا يتجاوز المائة، ليقدم طرحه الفلسفي العميق عن القلق الوجودي للفرد، وجاء العنوان وهو العتبة الأولى؛ ليفتح باب الحيرة على مصراعيه، لنعبر منه إلى مسرح أحداث القصة في مدينة تونس ذات الأبواب المتعددة، والتي يضيف الكاتب لها بابا جديدا، لينطلق في بناء حبكته وسرد قصة الشاب “قيس حوران” الشاب الأردني القادم إلى تونس للدراسة بعد إنهائه خدمة العلم، والمحمل بإرث ثقيل من الموروث الديني والاجتماعي والذي تربى عليه واكتسبه دون تفكير، ومن عالم صاخب بالأحداث السياسية والصراعات التي كان جزءا منها دون خيارات، مما جعله يعاني من عدم استقرار نفسي يصل إلى مرحلة الهذيان أحيانا، وإلى رغبة جامحة بالتعرف إلى الآخرين والانخراط في تجاربهم، بحثا عن نموذج إنساني أقل قلقا وأكثر راحة، ليلتقي بعدة شخصيات مثل “سعيدة القابسي” نموذج الفتاة المثقفة المتمردة والمتفلتة من القيم المجتمعية، و”هاديا الزاهري” المنفتحة بوعي والملتزمة إلى حد ما، ومجموعة من الطلبة القادمين من بلاد الشام لدراسة الشريعة الإسلامية، لكنهم يجدون أنفسهم في صراع بين الموروث والقيود والحاجات والمتاح من المحرمات المقيدة، ليجد القارئ أن كل واحد من تلك الشخصيات كان يعبر عن قلقه الوجودي بطريقته الخاصة، مهما اختلفت الظروف واللغة والفضاء المكاني.

يغوص قيس حوران في المخطوطات القديمة كرمزية للبحث عن الجذور والهوية، ليجد مخطوطا يطرح مواضيع ذات خصوصية عالية، مرتبطة باحتياجات البشر، يختلف تقبلها من مجتمع لآخر، استمرارا لفكرة الصراع والقلق عبر الزمن بين الجسد وحاجاته والنفس وتشتتها، والروح وتجلياتها.

رواية “باب الحيرة” قد تعتبر تأريخا لفترة زمنية معينة في تونس ومن المؤكد أن تغيرات كثيرة طرأت عليها منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي زمن أحداث الرواية، وأيضا منذ صدور الرواية عام 2006، لكنها من المؤكد رواية الإنسان الذي سيبقى غارقا في حيرته وهو يبحث عن حقيقته وعلاقته بذاته وبالكون.

* كاتبة أردنية
**باب الحيرة: صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت2006 وتصدرقريبا عن ألف كتاب وكتاب في بريطانيا بطبعتها الثانية.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *