أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

حاوره: نضال برقان

 

ما بين أسئلة المشهد الثقافي المحلي من جانب، والمشهد الثقافي العربي من جانب آخر، نطوف بمعية أحد كتابنا المبدعين، هو أو إحدى كاتباتنا المبدعات، مما يتيح لنا سبر أغوار مشاغل ومختبرات المبدعين، والاستماع لأصواتهم الداخلية، ورؤية المشهد الثقافي من حيث ينظرون، وصولًا إلى تحقيق فهم وتفاعل وتواصل أكثر إيجابية بين الطرفين، إضافة إلى محاولة جادة لتحريك الساكن في المشهد الثقافي وجعله أكثر تفاعلًا وتأثيرًا …
وفي الحوارية الآتية نحلّ ضيوفًا على الأديب موسى إبراهيم أبو رياش…
هيئات ثقافية كثيرة من حيث العدد، في مختلف مدن المملكة، منها ما هو رسمي ومنها ما هو أهلي، ترى، وبحسب ما ترى شخصيًا، ما مدى فعالية تلك المؤسسات، بوصفها مراكز تنوير وتثقيف، على أرض الواقع؟ ومن ثَمّ كيف تنظر إلى وزارة الثقافة وما تقوم به بهذا الصدد؟
– إذا أردنا التكلم بصدق وصراحة، فإني «أسمع جعجعة ولا أرى طحنًا»؛ فعندنا هيئات ثقافية بالمئات دون إنتاجية أو فاعلية أو أثر ملموس، ما عدا بضع هيئات تحاول أن تقدم شيئًا مختلفًا، لكن قوة التيارات العكسية أكبر منها بكثير. ولا أظن أن هذه الهيئات تعد مراكز تنوير وثقيف، بل إن معظمها (مشيخات)، وإلا ما الذي يبرر وجود هذا العدد الكبير من الهيئات التي لا تختلف في أهدافها المعلنة ونشاطاتها المتشابهة تمامًا؟ ولا أبالغ إن رأيت أن ضررها أكبر من نفعها؛ لأنها بورمها توهمنا بوجود حركة ثقافية نشطة، وفي الحقيقة لا يوجد شيء يستحق أن تُشدُّ إليه الرحال.
ولا بد من الإشادة بما تقوم به مؤسسة عبدالحميد شومان، فنشاطاتها النوعية وديمومة برامجها تستر عوراتنا الثقافية. وفي المقابل، فإن رابطة الكتاب الأردنيين التي من المفترض أن تقود الحراك الثقافي ويكون لها بصمتها في كل وقت، تقوم بدور متواضع على استحياء لا يتناسب وتاريخها العريق وعدد أعضائها الكبير. أما وزارة الثقافة فدورها جيد من خلال مجلاتها الثقافية وإصداراتها ومكتبة الأسرة وغيرها، ولكن هذا لا يكفي، فالمأمول كثير، ومدن وألوية الثقافة فكرة رائعة، لكنها تحولت إلى فزعات وفعاليات مؤقتة منقطعة لا يبنى عليها برامج مستدامة تنهض بالفعل الثقافي.
تحديات جمّة تواجهها المجتمعات العربية، ثقافيًا وسياسيًا واجتماعيًا، ترى هل تنتظر دورًا ما للمثقف، في (الاشتباك) مع تلك التحديات، أم لعلها ليست مسؤوليته؟
– المثقف بصفته مواطنًا أولًا، فهو معني بكل شيء في وطنه، ويترتب عليه دور أكبر من غيره على اعتبار -كما يزعم- أنه أكثر وعيًا وحساسية تجاه التحديات المختلفة. ولا يكفي أن يشير إلى أوجه الخلل وينتقد، بل لا بد أن يكون له دور في تلمس الحلول، وإشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق.
ما مفهوم الكاتب الملتزم مجتمعيًا في نظرك؟
– مفهوم الكاتب الملتزم يتقاطع مع إجابة السؤال السابق؛ بأن يكون المثقف مواطنًا فاعلًا، يعبر عن هموم ومشكلات مواطنيه بصدق وشجاعة، ويساهم في رفع مستوى الوعي والتنوير، وأن يكون جزءًا نشطًا مبادرًا من المجتمع لا علّة أو عالة عليه.
ما علاقة المثقف المنتج بالجهات الرسمية؟ هل تجمعهما علاقة تعاضد أم تضاد؟
– إذا صدقت النيات فهما في الجهة نفسها، يسعيان لذات الأهداف والغايات، ولكن في معظم الأحوال ثمة اختلاف وتنافر، فرؤية الجهات الرسمية تختلف -في الغالب- عن رؤية المثقفين، وقد تكون المصالح والأنانية سببًا للاختلاف. ووجود استراتيجية مستقرة للثقافة وخريطة طريق واضحة، يساهم في توحد الطرفين والتقائهما، وابتعاد من لا يريد على بينة وبصيرة، ولكن ضبابية العمل الثقافي وتهميش دور وزارة الثقافة وعدم وجود اهتمام رسمي جدي بالثقافة، مهد الطريق لبذر التباعد والافتراق، وساهم في ذلك أن مسؤولي الجهات الثقافية الرسمية والأهلية ليسوا مؤهلين للعمل الثقافي، ولا يملكون مهارات وقدرات التواصل والارتقاء بالثقافة.
هل يمكن للمثقف تهيئة المزاج المجتمعي العام لتقبل أفكار جديدة؟
– توارى دور المثقف، وتراجع كثيرًا لصالح أدوات أقوى وأكثر تأثيرًا من مثل وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية والإنترنت، وفاعلية «مؤثر» واحد تتجاوز فاعلية مئات المثقفين. ويجب أن نعترف أن دور الثقافة بشكل عام تراجع، ولم يعد لها تأثير يذكر في حياة المجتمعات وتحولاتها، وتم ذلك بفعل فاعل بالتأكيد، ويتحمل المثقفون مسؤولية كبيرة في ذلك؛ بسكوتهم وتشتتهم وضعفهم ومحدودية اشتباكهم مع مجتمعهم ومشكلاته.
عدوان شرس وطاحن ارتكبه الاحتلال الصّهيونيّ في غزّة، ترى ما إمكانية أن يُحدِث ذلك تحوّلًا في مشهديّة الثّقافة والإبداع في الوطن العربيّ؟
– العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة، لم يسبق له مثيل في التاريخ، وفي المقابل، فإن صمود الشعب الفلسطيني في غزة وصبرهم وتحملهم لم يسبق له مثيل أيضًا، فصمودهم أسطورة، وهو نصر لا شك فيه مهما كانت النتائج ومآلات هذا العدوان النازي.
من المفترض أن يحدث هذا العدوان تحولًا جذريًا أو على الأقل ملموسًا في مشهدية الثقافة والإبداع في الوطن العربي، ولكن التجارب السابقة تشي بخيبة الأمل، فالخدر بلغ النخاع، وسرعان ما ننسى ويعود كل إلى سابق عهده. نعم، قد يحدث تحول على المستوى الفردي لبعض المثقفين، لكنه لن يكون ظاهرة أو حالة ملموسة. وما يصدر من كتب تواكب الحدث جهد مشكور، ولكن أثرها مؤقت، وسحابة صيف؛ فالمطلوب مراجعات عميقة، وتحوّل نفسي وفكري حقيقي، ينعكس على الإبداع بفنونه المختلفة.
كيف ترى واقع الأدباء الشباب في الأردن؟ وبحكم تجربتك الأدبية الممتدة، هل من كلمة تقولها لهم؟
– من خلال تجربتي في برنامج ما قبل النشر في مختبر السرديات الأردني، ومتابعتي لما ينشر في مجلة صوت الجيل وغيرها، فيمكن القول إن أدب الشباب مبشر بالخير، وثمة أصوات كثيرة تعد بالكثير، ولكن تكمن مشكلة الأدباء الشباب في أنهم لا يعترفون بالمرجعيات والأبوة أو القدوة الثقافية، فهناك فجوة بين الأجيال، وأرى أن المسؤولية تقع على عاتق الكبار أن يبادروا لاحتضان هؤلاء الشباب من خلال برامج ثقافية وإبداعية تنير لهم الطريق وتفتح لهم الآفاق.
وأقول للأدباء الشباب، أنتم الأمل بمستقبل إبداعي أفضل، ولكن عليكم أن تتواضعوا أولًا، وتقرأوا ثانيًا وثالثًا وعاشرًا، وأن لا تتسرعوا بالنشر على مستوى نص أو كتاب، وأنه ليس عيبًا، ولا يقلل من شأنكم وإبداعكم أن تستعينوا بمن تثقون بهم من الأدباء الذين سبقوكم تجربة وخبرة، وتستمعوا لنصائحهم وتوجيهاتهم وإن كانت قاسية. ولا تكتبوا شيئًا إلا إذا شعرتم بحاجة ملحة لا مرد لها، وكنتم بين خيارين لا ثالث لهما: الكتابة أو الكتابة.
في ظل العصر الحالي، ما هو الجنس الأدبي الذي تعتقد أنه وبجدارة، أثبت أنه (ديوان العرب)، ولماذا؟
– سواء أعجبنا أم لا؛ فالرواية هي التي تتصدر المشهد؛ نشرًا وقراءة ونقدًا وبيعًا واهتمامًا على مختلف الصعد بما فيها الفعاليات الثقافية والجوائز. وأرى ذلك أمرًا طبيعيًا، فالرواية تشكل ملاذًا للقارئ، وتمنحه فرصة للهروب من واقعه البائس، ليعيش حياة أخرى قد تتشابه أو تختلف مع حياته، وفي كلتا الحالتين يجد فيها نوعًا من السلوى والعزاء وربما الأمل.
ماذا عن انشغالاتك الراهنة؟ ماذا تقرأ؟ ماذا تكتب؟
– الوضع الإنساني في قطاع غزة، وما يتعرض له الأهل هناك من محرقة وإبادة، وسط عجز المجتمع الدولي أو سكوته المريب، يشغلني كثيرًا كما يشغل غيري، وما زلت أقرأ وأكتب وأحرر، ولكن بوتيرة أقل. أقرأ هذه الأيام رواية «المهندس» للصديق سامر المجالي، وأكتب مراجعات لبعض المجموعات القصصية والروايات، وأعد لإصدار مجموعتي القصصية الثالثة صيف هذا العام إن شاء الله.

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *