جاسم خلف إلياس: التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية

(ثقافات)

جاسم خلف إلياس:

 التّـنظير الذي يَخلو من التّطبيق ناقصٌ، ولا يُمثل الكلية النّقدية

حاوره: إدريس الواغيش

 

 

جاسم خلف إلياس أديب عراقيّ تخصّص في النقد القصصي، وسطع فيه نجمُه، على غير عادة أبناء العراق، أغبهم كتب في الشعر ونظّر له. حاصل على دكتوراه في الأدب العربي الحديث، شاعر وناقد، عضو الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، عضو في نقابة الصحافيين العراقيين، حاصل على عضوية الاتحاد الدولي للأكاديميين العرب، كما عمل عضوًا في «هيئة إدارية اتحاد أدباء نينوَى». نشر العديد من الدراسات النقدية في الصحف والمجلات العراقية والعربية، وعمل مُحرّرًا ثقافيًّا في مجلة «فواصل» وجريدة «مستقبل العراق». صدر له في الشعر: «نوافذ تحتشدُ بالمَسافات» وأيضا «أسمّيك الندى وأكنّيك البَهاء»

وفي النقد، صدر له:                              

1- ضوء يجترح الأفق(قراءات في القصة القصيرة) عام 2004

2- شعرية القصة القصيرة جدا  (دراسة نقدية) عام 2010

3- جماليات التجريب القصصي التعبيري، الانزياح النوعي- عام 2016

4- التّشاكل الاغوائي، قراءات في سرانية الشعر الأنثوي – عام 2019

 فاعلية التداخل الأجناسي في الخطاب القصصي -عام 2020

وله أيضا دراسات وبحثوث أكاديمية، بالإضافة إلى كتب عديدة مساهمًا ومشاركًا فيها أو مشرفًا عليها ومقدِّمًا لها. وقد كان العراق دائمًا مرجعًا شعريًّا لعديد من الشعراء، بعضهم طبع المشهد العراقي والعربي ببصمتهم. أعطوا ملامح جديدة للقصيدة العراقية والعربية، وتركوا بصماتهم الواضحة فيها. أذكر هنا أسماء وازنة على سبيل المثال، لا الحصر: بدر شاكر السياب، عبد الوهاب البياتي، نازك الملائكة، سركون بولص، بلند الحيدري وأسماء أخرى أبدعت في أجناس مثل: القصة، الرواية، الفنون التشكيلية وغيرها.

سطع اسم جاسم خلف في السنوات الأخيرة، واختار له طريقا مختلفا، انحاز إلى النقد، ولكن دون أن يتخلى عن كتابة الشعر. اشتهر كناقد ومنظر لجنسي القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا على وجه التّحديد. في هذا الحوار، حاولنا أن نَسْتَبْيِنَ رُؤاه حول هذا الجنس الأدبي، وكان لنا معه هذا الحوار، الإبحار في عوالم النقد القصصي ومرجعياته.

س 1-أستاذ جاسم خلف إلياس، كثيرون تخصّصوا في النقد، ولم يُعَرِّفوا لنا ماهية النّقد في غياب مرجعيات غربية تُدرّس في الجامعات، إن جاز التعبير، هل النقد نشاط فكري؟ أم أنه صياغة عربية جديدة لمرجعيات غربية، وفق ما يراه خرّيجو الجامعات؟

    ج – إذا كانت الكتابة الإبداعية: قصة، قصيدة، رواية…..إلخ، نشاطًا لغويًّا يقـدّم المؤلف بوساطته رُؤيته للعالم، فقد حاولت الخطابات النقدية التي اشتغلت على هذه الكتابات أن تتعامل مع المَعايير التي تتحكم في هذه الأنشطة اللغوية تعاملا جزئيًّا في بداياتها المُتواضعة، كأن تسعى إلى تقويم المعاني أو تكشف الصُـوَر البلاغية وغيرها، ومن ثم اتّسَعت دائرة النقد، وكثر الكلام فيه، وتسللت إليه نتائج بحوث علم الجمال، الاجتماع والنفس والفلسفة والتاريخ والأسطورة، إلخ. وبعدها حدث تغيّرًا نوعيًّا في النقد، اذ اتّفق مُعظم الباحثين على أن الكُشوفات النقدية المُعاصرة عمّقت تمظهُراتها، بعيدًا عن الانغلاق المنهجي الذي يُحيل النص إلى سياق خارجي: تاريخي، نفسي، اجتماعي…إلخ، وذلك برصد المفاهيم النّصية واشتغالاتها للعمل على خلخلة النسق النقدي التقليدي المُساير لخُمول المُعطيات المُحصّنة باجترار الثوابت، والعمل على تشكيل خطاب نقدي مُغاير، يشتغل بفاعلية في الخصائص العلائقية والتحليل الجمالي في مقاربات منهجية حديثة، وغير منهجية تُعاين النص الأدبي، وتفيدُ من المفهوم الغربي، ولكن دون الخضوع له أو الانبهار به حَـدّ التّـقديس، وإنما الإسفادة منه في قراءة خطاباتنا الأدبية، بقدر ما تسمح به النصوص المقروءة. وعلى هذا الأساس، فالخطاب النقدي يبقى فاعلية قرائية تسعى إلى استنطاق النص، وإضاءة عتماته وفك شفراته …. إلخ.

2- لو تركنا النقد في أجناس أخرى، مثل: السينما، التشكيل، المسرح…إلخ، وقد تخصّص فيها نقاد آخرون أو تطاوَلوا عليها، ونحدّد هدفنا بدِقّة: نقدُ السَّرديات أو النقد القصصي، كيف ترى مستواه في العراق، وفي العالم العربي؟، هل يمكننا القول بأنّ هناك نقاد مُتخصّصون؟

ج – ما زال النقد القصصي، سواء أكان في العراق أو في الوطن العربي، يُعاني من أزمة على صعيد التنظير والتطبيق قياسًا بالنقد الشعري أو الرّوائي، وحسب ظنّي المتواضع أن سبب ذلك يعود إلى الاهتمام بالشعر والرواية أكثر من الاهتمام بالقصة القصيرة. المتخصّصون في النقد القصصي قليلون، وقد نذكر منهم على سبيل المثال، لا الحصر: عمر الطالب، عبد الالة أحمد، شجاع العاني، محمد مينو، عبد الله أبو هيف، أحمد جاسم الحسين… وغيرهم.

3- كثيرون يقولون، ولو من باب الادّعاء، أن النقد القصصي والشعري لم يتخلص بعدُ من مرجعية الرّواية، كما تعلمه النقاد العرب من الغرب، بمن فيهم المغاربة والمشارقة على حدّ سواء، بماذا تردّ على هؤلاء؟

ج – ربّما أتفق معك على أن النقد القصصي لم يتخلص من مرجعيته الرّوائية، ولكن النقد الشعري سبق النقد الرّوائي بقرون طويلة، سواء في النقد الغربي أو العربي، وشاهدنا على ذلك كتاب (فن الشعر) لأرسطو، وكتاب (فنّ الشعر) لهوراس، وكتاب (نقد الشعر) لقدامة بن جعفر، على سبيل المثال لا الحصر.

4 – غالبية النقاد العرب يميلون أكثر إلى التّنظير، ولا يؤسّسون لثقافة نقدية جادّة، لمن تميل الكفّة عندك أكثر للتّنظير أم للتّطبيق؟ وهل استطعت أن توفق بينهما؟

ج – التنظير الذي يخلو من التطبيق يبقى ناقصًا، ولا يمثل الكلية النقدية، في كتابي: “شعرية القصة القصيرة جدا”، كما في “جماليات التجريب القصصي” يُعاضد التنظير والتطبيق كل منهما الآخر، أمّا هل وُفّقت في ذلك، أم لا ؟ فهذا يتوقف على القارئ، وهو الذي بإمكانه الاجابة عن هذا السؤال.

5 – هل عندكم في العراق ما يستحق المتابعة إبداعيًّا في المشهدين الشعري والقصصي في الوقت الرّاهن، بعد غياب الأسماء الكبيرة؟ أم أن ما يُكتب من أعمال، لا تعدو أن تكون مُجرّد  ”هَـرْوَلة” نحو الجوائز؟

ج –  لا يُمكن أن يخلو كل من المَشهدين الشعري والقصصي من مُبدعين في المَجالين، على الرّغم من رحيل الأسماء الكبيرة، أذكر على سبيل المثال، لا الحصر: السِّياب، البَياتي، نازك، بلند الحَيدري، سركون بولص وغيرهم في المشهد الشعري، وأيضا محمود جنداري، عبد الملك نوري، غانم الدباغ، وغيرهم في المشهد القصصي. كلما يذهب جيل، يأتي جيل آخر، ربما يكون فيه من هو أكثر إبداعًا، كما في المشهد القصصي تحديدًا. وظهور بعض القصاصين على سبيل المثال: نزار عبد الستار، لؤي حمزة، جابر خليفة، وغيرهم أثروا المشهد القصصي، ولكل واحد منهم تفرّده الخاص.

6 – كيف ينظر الناقد جاسم خلف إلى هذه الهجرة الجماعية، من القصة والشعر نحو للرواية؟ هل ترون أن هذه الهجرة تخدم الرّواية العربية؟

ج – نعم، هناك كثير من الشعراء أو القصاصين هجروا إنتاجاتهم السابقة، واتجهوا إلى التأليف الرّوائي. إن ظاهرة تحوّل الشعراء إلى كتابة الرّواية، لا تخصُّ العرب وحدهم، فقد سبقنا الشعراء الغربيون في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، يوهان غوته (Goethe) وفيكتور هيجو (Hugo)وجيمس جويس(Joyce)، وصامويل بيكت(Beckett)، وويليام فوكنر(Faulkner) وغيرهم. أما في عالمنا العربي، نجد شعراء، من أمثال: عبد الخالق الركابي، عباس بيضون، أمجد ناصر، المنصف الوهايبي، حسن نجمي وعبد المنعم الأمير، وكلهم تحوّلوا من كتابة الشعر إلى كتابة الرواية.

7 – الرّواية كجنس أدبي قديم، ظهر في الغرب، وفرض وجوده عمليًّا، واستطاع أن يزاحم أبناء عمومته من السَّرديات الأخرى كالقصة بأنواعها، أم أنه امتداد لهم، على اعتبار أن القصة رواية قصيرة، كما يصنّفها بعض النقاد؟

ج – كل من الرواية والقصة القصيرة لها اشتراطاتها الفنية، وإن تقاربت تلك الاشتراطات، وهناك فرق بين شعرية الرواية و شعرية القصة القصيرة، بوصف الشعرية قوانين الخطاب الأدبي. نعم هناك كثير من الروائيين الذين طوّروا بعض قصصهم إلى رواية، وذلك لأن القصة ذاتها فيها مقوّمات الرواية، ولكن هذا لا يعني أن كل قصة قصيرة يمكن أن تتطوّر إلى رواية.

8 – أغلب الرّوائيين يبدعون وينتقدون أعمال زملائهم في نفس الوقت، هل هي ظاهرة صحية؟ أم أن الناقد يجب أن يكون متخصّصًا، والمبدع كذلك؟

ج – لا ضير أن يكون المبدع ناقدًا في الآن ذاته، وأساسًا يُعَـدّ الشاعر والقاص والروائي الناقد الأول الذي يرى نتاجه الإبداعي. وحين تتعاضد مهارة الابداع مع مهارة النقد، تنتج لنا كتابة نقدية واعية باشتغالها القرائي، ولكن يبقى التخصص النقدي له الأولوية في تناول الأعمال الروائية.

9 – ما هي الطرق الأوفر حظًّا للنّاقد الناجح؟ هل هي الشواهد التي يحصل عليها الباحث من الجامعة؟ أم أن النقد هو تذوُّق وتراكم تجارب في القراءة أولا وأخيرًا، ولا علاقة له بالشواهد الجامعية والديبلومات.

ج – الخطاب النقدي، سواء أكان أكاديميًّا أو انطباعيًّا، يعتمد على  التذوق وتراكم تجارب القراءة، والنقد الأكاديمي لا يختلف عن النقد الانطباعي، سوى في التنظيم والترتيب ومنهجية الكتابة النقدية، وضبطها حسب المصطلحات التي ترد في هذا المنهج أو ذاك.

10 – لماذا يتخصص أغلب النقاد في الرّواية والشعر؟

ج – لا يُمكن حصر الناقد في نوع واحد من الأنواع الأدبية، الناقد بحُكم تخصّصه في مقاربة النصوص يتجاوز الأحادية، ويسعى إلى أن يكون مُلِـمًّا بالأنواع الأدبية كافة.

11 – أعود بك إلى سؤال جوهري، وقد يكون مـُزمنًا ويُطرح دائمًا، هل النقد إبداع؟ أم هو تابعٌ ونبشٌ في إبداع الآخرين؟

ج – لا شك في أن النقد إبداع…

12 – بماذا تردُّ على من يدَّعون بأن الناقد مُجرّد لاحق، وأن المُبدع هو الأصل؟

ج – لا يختلف اثنان على أن النص يسبق النقد، وإلا كيف تتم مقاربة النص؟ وهذا ليس بعيب على النقد أن يكون تاليًا للنص، ولكن العيب، وللأسف، في أن ينظر المُبدع نظرة دونية إلى النقد، وعدم الاهتمام به. أذكر في سبيل الدّعابة، عندما صدر كتابي: “شعرية القصة القصيرة جـدًّا”، أخذت عدة نسخ معي إلى المقهى الذي كنا نجتمع فيه كل يوم جمعة، وعند إهدائي الكتاب إلى بعض الأدباء، اعتذر أحد الشعراء بلباقة جميلة عن قبول الإهداء، لعدم قراءة النقد مُطلقًا، وربما يفيد منه غيره.

13 – هل النقد اختيار طوعيّ، مثله مثل الإبداع في أيّ جنس أدبي؟ أم أن الناقد يلجأ إلى النقد، حينما يفشل في عملية الإبداع؟

ج – نعم، كثير من المُبدعين تحوّلوا في التأليف الأدبي من الشعر أو القصة إلى النقد، ولا أرى ضرورة أن يكون الفشل هو السبب في هذا التحوُّل، وإنما حين يجد الشاعر أو القاص نفسه في النقد، فلا ضير من التحوُّل والكتابة فيه. ثم لا ننسى، أن كثيرًا من الشعراء تحوّلوا من كتابة الشعر إلى الرّواية، ليس لأنهم غير قادرين على الإبداع الشعريّ، وإنما لأن الشاعر وجد نفسه في الخطاب الرّوائي أكثر إبداعًا.

14 – لقد تصادم الأدب على مرّ العصور، وفي كثير من الأحيان مع المُقدس الديني والأخلاقي والسياسي، لماذا بقي النقد في منأى عن هذا التصادم؟ هل هو حيادي؟ أم أنه غير جريء، مثل الإبداع في مختلف المجالات الأدبية؟

ج – ومن قال أن النقد بعيدٌ عن التّصادم مع المُقـدَّس، والأخلاقي والسياسي؟ أين ذهب محمد أركون، وعلي حرب وغيرهم…؟

15 – هل يُجدّد الناقد قناعه، وهو يتعامل في كل مرة مع ظاهر أدبية جدية؟ أم أن النقد استمرارية أدبية؟

ج – من المُؤكّـد أن الناقد كغيره من المبدعين، يسعى إلى التجدّد دائمًا، ويتعامل مع كل ظاهرة أدبية وفق المؤطرات التي تؤطرها، ولكن دون الابتعاد عن الظواهر الأخرى التي قد ترتبط بتلك الظاهرة. الناقد شمولي بحكم تخصصه، ولذلك لا بد من إحكام سيطرته على مسيرته النقدية وتطوُّرها.

16 – لو رجعنا إلى الأدب الرّقمي الذي ظهر في بعض دول العالم العربي على استحياء، هل اقتحمه النقد؟ وكيف تعامل معه؟

ج – كما ظهر الإبداع الرّقمي على استحياء في بعص الدول العربية، ظهر النقد الرّقمي على استحياء أيضًا، وللأمانة ما زال النقد الرّقمي لم يُواكب العملية الإبداعية الرّقمية الرّصينة – لا أقصد الكتابات التي لا تستحق القراءة – ويبدو لي أن سبب ذلك، هو غزارة المُنتَج.

17 – علاقة المُبدع دائمًا ما تكون متأزمة مع الناقد؟ ما هي الأسباب في نظرك؟ هل هو تعالي الناقد على المُبدع والنص، كما يوصف به دائمًا؟

ج – السلوك المُتعالي لا ينفرد به الناقد عن المُبدع أو العكس، وإنما هو سلوك سلبي متبادل بينهما، ويتوقف ذلك على مدى وَعْي كل منهما بأهمية الآخر، فالمبدع والناقد وجهان لعملة واحدة، وكل تعال مرفوض في العملية الإبداعية.

18 – المشرق العربي كان متقدمًا في العملية الإبداعية الحديثة على المغرب العربي، لأسباب تاريخية وأحيانًا موضوعية، وهو الشيء الذي حاول المغرب أن يعوّضه بأسبقية في النقد، ولذلك كانت علاقة المغرب مع المشرق تسودها دائمًا هذه الندّية، وتحكمها بعض المقولات الجاهزة، من قبيل: “الشرق يُبدع والمغرب يُصوِّب وينتقد”، أو مقولة كنا قد تلقيناها منذ الصغر على لسان لغوي مغربي، حينما قال للمَشارقة يومًا في إحدى المناسبات: “ألهتنا أخطاؤكم عن التأليف”. هل هناك روابط بين النقاد العرب، يمكن أن تتبلور، كي توصلهم في الأفق القريب إلى وضع رُؤية نقدية عربية موحدة مثلا؟

ج – للأمانة العلمية، أنا شخصيًّا تتلمذت على كتابات النقاد المغاربة، وترجماتهم لكثير من مؤلفات النقاد الغربيين، وقد خدَمَتهم في ذلك اللغة الفرنسية، كما هو مُتعارف عليه. أما عن الرّوابط بين النقاد العرب، وهل يمكن أن تتبلور، كي توصلهم في الأفق القريب إلى وضع رُؤية نقدية عربية مُوَحّـدة؟، أقول وأنا واثق من كلامي: لا توجد نظرية نقدية عربية، ولن تنوَجِـد في المُستقبل، لأننا غير مُؤهّـلين لذلك. ولا أنكر، أنه لدينا ملامح نقدية عربية، أما نظرية نقدية، يمكننا عبرها مقاربة النصوص الأدبية، فهذا مستبعدٌ جدًّا.

19 – ما هي أنواع المشاكل التي قد تواجه الناقد، وهو يقتحم عملا شعريًّا أو قصصيًّا؟

ج – من المشاكل التي تواجه الناقد، وهو بصدد مقاربة نص شعري أو قصصي، معرفته بقوانين الخطاب الأدبي لذلك النوع أولا، وعدم إلمامه بالنظريات النقدية التي تمنحه الحصانة التي تؤهله للمقاربة.

20 – جنس القصة القصيرة جدًّا خلق جدالا واسعًا، بين قابل ورافض له، ما هي مقومات القصة القصيرة جدًّا الناجحة؟

ج – لا تتعدى المقومات الرئيسة للقصة القصيرة جدًّا العناصر القصصية: الحدث والشخصية والزّمان والمكان، والتقنيات التي تختلف من قاص لآخر: العنوان، المفتتح، الاختتام، التناص، المُفارقة.. وغيرها. وقد تناولت ذلك في كتابي: “شعرية القصة القصيرة جدًّا” بشكل مُفصّل.

21 – من بين المؤاخذات الكثيرة على القصة القصيرة جدًّا، أنها خرقت كل مقومات اللغة التقليدية في الحكي، وقلصت المسافة بين الدّال والمَدلول، إلى أيّ مدى نجح هذا الجنس الأدبي في تحييد اللغة، وتغييب الشخصيات وعناصر الحكاية؟

ج – نعَم، القصة القصيرة جدًّا لا تحتوي على عناصر الحكي، وهكذا تبقى رهينة السعي إلى تحييد القصصية بكل ما تعني، لغة وحدثا وشخصية وغيرها.

22 – بين شعرية القصة ورشاقتها ووميض القصيدة الوَمضة، تنمحي حُدود النظام اللغوي، ماهي التأشيرة الحقيقية للدّخول إلى عوالم هذا الجنس؟

ج – يتحدّد التشاكل والتبايُن بين الشعري والسّردي في قصيدة النثر أو الوَمضة والقصة القصيرة جدًّا بالكثافة، والخيال، وقوّة الأسلوب، والاستعمال الإيحائي للكلمات، إذ تجود اللغة بأقصى طاقاتها التعبيرية دون الابتعاد عن الطابع السّردي، الضغط النوعي المُتوَلد من تماس قصيدة  الوَمضة مع القصة القصيرة جدًّا، يحاول استلاب هُـوية كل منهما في بعض الأحيان، إلى حَـدّ يصعب التفريق بينهما، وقد تجلى هذا الضغط بشكل خاص في القصص التي خلت من (القصصية) بوصفها (المُهَيْمِـن) على آليات القص، واعتمدت على مركزيتها الداخلية وزمنها النفسي، وتتابع تفصيلات مُحدّدة. وكذلك قصيدة الوَمضة النّـثرية التي تخلو من الإيقاع، ولأن قصيدة النثر قد تخلت عن مسار التقليد الشعري ومحدداته التقليدية، مثل: الوزن، والقافية…إلخ، ولم يعد انتماؤُها إلى النص الشعري سوى الميثاق المُتعارف عليه بين الشعر والمُتلقي، لذا فقد تحدّد الاقتراب بينهما عبر الاشتراطات الفنية التي تحدّد التوافق والتفارق بينهما.

23 – الكثيرون يقولون أن القصة القصيرة جدًّا صيحة عابرة في الكتابة، بماذا تجيب على هؤلاء؟

ج – نعم، قالوا عن قصيدة التفعيلة صيحة عابرة، وعن قصيدة النثر كذلك، وأثبتا رُسوخَهما في الفضاء الإبداعي بشكل جدّي وواع، وستثبتُ القصة القصيرة جدًّا لهؤلاء المُتقوّلين بأنها نوع أدبي راسخ جدًّا، وكفانا ركضًا وراء النُّعوت التي تُـلقى جزافًا على هذا النوع أو ذاك

24 – أصدرت قبل أيام كتابًا نقديًّا بعنوان: “فاعلية التداخل الأجناسي في الخطاب القصصي”، ما هي هذه الفاعلية باختصار، لو أمكن ذلك؟

ج – يُعَـدُّ التداخل الأجناسي تقانة فاعلة في تحولات القصّ، بوصفه (عَبْـر نوعي) حسب تعبير إدوار الخراط، فتداخل الشعري بالسردي، التشكيلي بالسردي، السينمائي بالسردي، المسرحي بالسردي وغيرها، من التحوّلات التي تمظهرت في المشهد القصصي بشكل واضح، فهو بعموم اشتغالاته في الفضاء النصّي، فعل قصدي يتوخّى مُسوّغات واعية لاجتراح نصّي، ينفتح على الأنواع الأدبية والفنية بمختلف أنواعها وأساليبها وأنماطها وصِيَغها وتقنياتها وغيرها. ومنذ أن تنوَّعت الكتابة القصصية، ومارس كتابها التجريب في ستينات القرن الماضي، وما رافق ذلك من تمرُّد على الثابث والمألوف، مرورًا بكتابات الأجيال التي تلت العقد الستّيني، وُصولا إلى الرّاهن القصصي، نجد أن النصّ القصصي، وإن تداخل مع أيّ نوع أدبي أو فني آخر، لا يتبنّى اشتراطات ذلك النوع، وإنما يفيد منها، من أجل إثراء النص الجديد. ولعل التداخل الشعري السردي يتسَيّـدُ هذا الفضاء، ويُعَـدُّ من المهارات العالية التي تأخذ القارئ إلى منطقة التشويش النوعي، لا سيما في النص المفتوح وقصيدة النثر والقصة القصيرة جدًّا.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *