” التشبث بالوطن في الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ “

(ثقافات)

” التشبث بالوطن في الرواية الفلسطينية قبل العام ١٩٤٨ “

عادل الأسطة

هل بدت فكرة التشبث بالأرض ، في الرواية الفلسطينية قبل ١٩٤٨ ، واضحة ؟

صدرت قبل ١٩٤٨ روايات عديدة أولاها ” الوارث ” لخليل بيدس ( ١٩٢٠ ) و ” الحياة بعد الموت ” لإسكندر البيتجالي ( ١٩٢٠ ) ، تلتها روايات تاريخية واقعية ورمزية . كتب الأولى نجيب نصار ، فأصدر ” في ذمة العرب ” و ” شمم العرب ” ، وكتب نفسه الثانية ” مفلح الغساني ” و ” أسامة العدناني ” وكتب جمال الحسيني ” على سكة الحجاز ” و ” ثريا ” ومحمد العدناني ” في السرير ” ، وكتب الثالثة إسحق الحسيني ” مذكرات دجاجة ” .

وباستثناء روايتي ” على سكة الحجاز ” ( ١٩٣٢ ) و ” مذكرات دجاجة ” ( ١٩٤٣ ) يمكن القول إن الرواية لم تقارب موضوع الأرض . وإذا ما عرجنا على المسرحية فإنها قاربته ، وهنا أشير إلى ” الملاك والسمسار ” لمحمد عزة دروزة ( ١٩٣٥ ) وقد ضاعت ، و ” وطن الشهيد ” لبرهان الدين العبوشي ( ١٩٤٦ ) .

عندما صدرت ” الوارث ” و ” الحياة بعد الموت ” لم تكن فكرة فقدان الأرض تدور في خلد الفلسطينيين إلا أقلهم ، وربما نظروا إلى فكرة تهجيرهم منها على أنها ضرب من الخيال الأقرب إلى الخرافة . لقد اختار بيدس القاهرة مكانا لروايته ولم يكتب عن الصراع الفلسطيني الصهيوني ، وكتب البيتجالي عن فلسطين تحت حكم الدولة العثمانية في سنوات الحرب العالمية الأولى .

مع صدور وعد بلفور وازدياد الهجرة اليهودية وشراء الأراضي وتفاقم الأوضاع في عشرينيات القرن ٢٠ بدأ الخوف يدب في قلوب بعض الكتاب والأدباء فكتبوا في الموضوع .

أبرز رواية أتت على خطر التفريط بالأرض هي روابة ” على سكة الحجاز ” . اختار جمال الحسيني قرية ستة الفلسطينية التي باعها صاحبها الإقطاعي إميل بك إلى اليهود مكانا ، القرية التي هجر سكانها المزارعون ، في نهاية الأمر ، منها ، ليهيموا في المدن ويتحسروا على أيامهم ، وليعود بائع الأرض في أيامه الأخيرة ، وقد قارب الجنون ، إليها ، ليزورها فيراها عالما آخر .

لقد ظلت هذه الرواية من ١٩٤٨ حتى العام ٢٠٠٠ تقريبا ، حيث أعيدت طباعتها ، ذات تأثير شبه معدوم في الأدب الفلسطيني لضياعها وقلة اطلاع الكتاب عليها ، وحين قرأ الشاعر علي الخليلي طبعتها الجديدة ولاحظ عدم احتفاء دارسي الرواية بها شط بعيدا وزعم أن السبب يعود إلى خوف النقاد من الاقتراب منها ، بسبب موضوعها الخطير ، ولا أذهب إلى ما ذهب إليه . لقد ضاعت الرواية إلى حين حتى اكتشفت ، شأنها في ذلك شأن أعمال روائية فلسطينية أخرى لم تحظ بالدراسة ، مع أن موضوعها لا يشكل خطورة على من يقاربه .

إبراهيم الابن الشرعي لإميل يحب أخته غير الشرعية من أبيه دون أن يعرف أنها أخته ، وحين يريد الزواج منها ويعرف الأب يصارحه بالحقيقة ، فيكتشف أنه ” إنما هو ضحية من ضحايا والده . بل ذبيحة تقدم للتكفير عن ذنوبه . هذا ما كتب له . هذا حظه في الدنيا . هل كان أسوأ حظا من أولئك الفقراء التعساء الذين أخرجهم أبوه من ديارهم وناولهم إلى يد البؤس والشقاء ؟ إذن فمصيبته في والده ، وظلم والده ، وكيد والده ! ومتى كانت هذه المصائب ؟ ومتى كان هذا الظلم ؟ ومتى بدأ هذا الشقاء ؟ يوم أن باع ستة ، ويوم أن نثر بأهل ستة بالفضاء الواسع فإذا كل منهم يدعو الله

عليه ويطلب الانتقام منه … ” .

الرواية الثانية هي ” مذكرات دجاجة ” التي حظيت بانتشار واسع وتلق لافت توزع بين معجب بها وناقد لطروحاتها حد الاتهام بالخيانة ، كما ذهب الناقد فاروق وادي ، على الرغم من رمزية الرواية التي تقول الواقع من خلال معادل رمزي له في عالم الدجاج وصراعه فيما بينه على المأوى – أي فلسطين .

ثمة دجاج غريب طاريء ودجاج مقيم ، معادلان لليهود الغربيين والفلسطينيين ، وما تقترحه الدجاجة هو التخلي عن المأوى وإصلاح العالم كله وبذلك تحل المشكلة .

الطرح السابق لا يختلف عن رؤية رشيد بك في رواية ( ثيودور هرتسل ) ” أرض قديمة جديدة ” ( ١٩٠٢ ) حيث يبيع أرضه دون إكراه لليهود ليستأجرها منهم ، ويعيش معهم ، فهم الشعب الذي جلب النور إلى فلسطين .

لنقرأ في ” مذكرات دجاجة ” :

” سيحوا في الأرض ، وتوزعوا بين الخلق ، وانشروا بينهم المثل العليا ، والمباديء السامية . وإني لواثقة بأننا سنلتقي في مأوانا هذا بعد أن نطهر العالم أجمع – لا وطننا الصغير فحسب – من هذه الضلالات ” ( الصفحة قبل الأخيرة ) ، والدجاجة الحكيمة ستسلك مسلكهم بعد ” وإني لن أتخلف عنكم فسأعمل كما تعملون ” .

في العام ١٩٦٢ كتب ناصر الدين النشاشيبي رواية ” حفنة رمال ” وأتى فيها على ما جرى ، في قرية النعامي قرب الرملة ، قبل العام ١٩٤٨ . إن الرواية من حيث زمنها الروائي ترتد في كثير منها إلى ما قبل ١٩٤٨ ، خلافا لزمنها الكتابي الذي لم يكن بعيدا .

تعرض العصابات الصهيونية على ثابت أن يبيع أرضه . يرفض إغراء المال ، فترسل له العصابات سارة ، يهودية الأم عربية الأب ، لتغويه ، فيتحرك فيها دمها العربي وتعلمه بالحقيقة وتقف إلى جانبه ، ومع ذلك يقتله اليهود في أرضه ويجرون جثته إلى أرض المستوطنة ، زاعمين أنه تسلل إليها واعتدى على سارة .

وعموما يمكن القول إن الرواية الفلسطينية لم تقارب هذا الموضوع ، قبل العام ١٩٤٨ ، مقاربتها له بعد النكبة حيث حضر حضورا لافتا وهو ما لاحظناه لدى غسان كنفاني وإميل حبيبي وغيرهما ، ولدى الشعراء والقصاصين .

ولعلني أواصل الكتابة ، فالتهجير هو مطلب الدولة الإسرائيلية في هذه المقتلة والمهلكة وحرب الإبادة الدائرة

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *