الروائي والتشكيلي الأردني محمود عيسى موسى: أحلم بكتابة رواية العودة إلى فلسطين الوطن والأم

الروائي والتشكيلي الأردني محمود عيسى موسى: 

أحلم بكتابة رواية العودة إلى فلسطين الوطن والأم

حاوره: عمر أبو الهيجاء

تركز اهتمامي باللغة المحكية من باب التوفيق لأنني أشعر بعد النكبة بأن كل شيء مهدد بالضياع من تفاصيل بلادنا فلسطين، هذا ما ذهب إليه الروائي الأردني/الفلسطيني محمود عيسى موسى، مؤكدا أن اللغة هي البطل الرئيسي في مجمل أعماله، والواقع هو النبع المتدفق والأبدي الذي نهل منه، معتبرا أن الرواية بمثابة البوتقة التي تنصهر فيها الأجناس الأدبية الأخرى، فنجد فيها الشعر والشعرية والمسرح والسينما والتصوير واللوحة التشكيلية.

“الناشر الأسبوعي” التقته حاورته حول منجزه الإبداعي الروائي والتشكيلي وقضايا إبداعية أخرى فكانت هذه الرؤى.

• محمود عيسى موسى كاتب متنوع، كتب في التشكيلي والمسرح، وفنان تشكيلي وروائي، إلى النص الشعري، في هذا التنوع الإبداعي أين تجد نفسك؟

– بصراحة وبلا لف ولا دوران، أجد نفسي في جميع الأجناس التي ذكرت، للرواية بشكل خاص مكانة كبيرة بينها وخاصة أني بدأت بكتابة الرواية وأنا في السنة الإعدادية بالمدرسة، وبالمرتبة الثانية يأتي الفن التشكيلي وإن كنت لا أفصل بين مقومات هذا التنوع، التشكيل مُتضمن في داخل نصوصي الروائية، كما أن النفس السردي يعثر عليه المتابع أو المتلقي في أعمالي التشكيلية، فروايتي “أسطورة ليلو وحتن” رسمتها في لوحات تشكيلية قبل أن أكتبها كنص أدبي.

• “اسطورة ليلو وحتن” نصك الملحمي الروائي، هذه الأسطورة الأدبية التي نحتها فنيا.. هل هي أسطورة وطن؟

– من خلال قراءتي للأساطير سواء في بلاد ما بين النهرين، أو الأساطير اليونانية تفجرت في داخلي كوامن أجهلها فوجدت نفسي غارقا في تفاصيلها التي توجت فيما بعد بـ”اسطورة ليلو وحتن” كنت أحدث نفسي رغم أن زمن الأساطير قد ولى، أحدثها لما لا يكون لنا أسطورتنا الخاصة والتي تدل علينا في كل الأزمنة وإن كان هناك مادة اسطورية على جانب كبير من الأهمية في أوغاريت لهذا شددت الرحال صوب “أم قيس” في شمال الأردن لتحديد الموقع الجغرافي لهذه الأسطورة، عندما رأت عيني المثلث الجغرافي الأسطورة “الأردن، فلسطين، سوريا” هبت نسمة شفيفة من ماء بحيرة طبريا وخلبني حجر النمل على الشاطئ، قلت هذا هو الموقع وأنا مركب الأسطورة، من هنا اشتغلت على الأسطورة دون الاعتماد على ما سبق من الأساطير في التاريخ الإنساني ونحت اسم الأسطورة نحتا، كما اشتغلت على اللغة اشتغالا دقيقا في المعنى والمبنى لتكون “اسطورة فلسطين وبلاد الشام” بحيث نلمس الأسطورة في كل تفاصيل هذه الرواية أسطرة المكان والإنسان والحجر.

• في مجمل أعمالك الروائية والنثرية تتجلى اللغة لتكون بطلا إلى جانب الشخصيات المستقاة من الواقع، كيف وظفت السرد الشفوي في هذه الأعمال؟

– بداية اللغة هي البطل الرئيسي في مجمل أعمالي، والواقع هو النبع المتدفق والأبدي الذي نهلت منه وسأبقى أنهل منه ما حييت، لأن واقعنا يمتلك خصوصية تندر بين الشعوب، فما أحدثته نكبة فلسطين سيظل يكتب عنه الروائيون في زمننا هذا وفي الأزمان الآتية، اضافة إلى أنني أعتبر أن الآباء والأجداد لجيلنا هم أهم الرواة فمنهم تعلمت الكثير ومنهم عرفت تفاصيل البلاد التي اغتصبت ومنهم فُتنت بأساليبهم السردية الشفوية فعملت جاهدا إلى توظيف ذلك في السردية الكتابية، وكنت أدرك أن نقل الواقع كما هو لا ينتج أدبا مهما فكان جُل فعلي الكتابي على خلق عجينة ممهوكة من ما توارثته من أحاديث وروايات شفاهية وصياغتها صياغة أدبية حداثية مطعمة بتقنيات سردية خاصة أدعي أنه لم يسبقني إليها أحد، هذه العجينة الممهوكة هي خلاصة تجربتي بين الواقع والتخييل.

• الرواية بجمالياتها التعبيرية واللغوية هل تماهت أعمالك الروائية مع الأجناس الإبداعية الأخرى؟

– لقد تماهت الأجناس الإبداعية في الأعمال الروائية وليس العكس، فأنا أعتبر أن الرواية بمثابة البوتقة التي تنصهر فيها الأجناس الأدبية الأخرى، فنجد فيها الشعر والشعرية والمسرح والسينما والتصوير واللوحة التشكيلية، وربما سيقال مستقبلا عن الرواية أنها أم الفنون كما كان يقال عن المسرح “أبو الفنون”، قد تجد في أعمالي المسرح والمسرح الغنائي في رواية اسطورة “ليلو وحتن” كما تجد أيضا لوحات تشكيلية تكاد أن تكون بصرية وتشكيلية في أعمالي الأخرى.

• ديوانك “زبدو فاكهة الفضاء” سرد شعري تمثل في “قصيدة النثر”، امتاز هذا العمل بالتشكيل والسرد لنرى ذلك جليا هذ التنوع في تجربتك؟

– لا أدعي أنني شاعر كما الشعراء، إن هي إلا تجارب كتبتها في أزمنة مختلفة تداخل فيها كل العناصر المتنوعة في تجربتي الخاصة، تداخل فيها السرد والتشكيل التي جمعتها مؤخرا و أصدرتها في مجموعة أسميتها “زبدو وفاكهة الفضاء” لم أعتمد فيها عمود الشعر العربي العريق والمتعارف عليه والذي تربت ذائقتنا منذ الطفولة عليه، ولا على شعر التفعيلة وإنما أطلقت العنان لحرية اللغة مع احترامي للتجارب المهمة في شعرنا العربي في أشكالها الثلاثة المختلفة، في حين أني اعتمدت هذا الأسلوب في شهاداتي الإبداعية.

• في أعمالك الروائية هناك اشتغال على اللغة المحكية في روايتك الأولى “حنتش بنتش”، هذا الاشتغال إعادة وإحياء للمفردات المنسية في اللهجة الفلسطينية؟

– تركز اهتمامي باللغة المحكية من باب التوفيق لأنني أشعر بعد النكبة بأن كل شيء مهدد بالضياع من تفاصيل بلادنا فلسطين، بل أكثر من ذلك ما زلت أحسُ باستمرارية الاغتصاب منذ سنة 1948 وللآن، وخوفا على هذه الثروة اللغوية الهائلة التي تعبر عن الوجدان الجمعي لهذا الشعب المغتصب والمحتل أرضه، فأهمية المحكية بأهمية الإنسان الذي يتحدث بها، بأهمية الثوب المطرز ونباتات البلاد وأشجارها، بأهمية بيوتاتها وحواكيرها وسهرات القمر، بأهمية المأكولات الشعبية وأطباق القش وأدوات الحرث.

وحتى لا يضيع هذا الموروث العظيم كما ضاعت البلاد العظيمة وجدتني أؤلف مزيجا نادرا في الكتابة الروائية بين اللغة الفصيحة واللغة المحكية في رواية “حنتش بنتش” وهناك أمر آخر فيما يتعلق باستخدام المحكية حيث أنها لغة الشخوص الواقعية في الرواية التي لا يمكن لأي صياغة باللغة الفصيحة أن توصل التعبير والمدلول والمعنى كما توصله اللغة المحكية.

• التشكيل السردي في مبنى منجزك الروائي ثمة سخرية لاذعة، كيف استحضرت وبنيت هذه السخرية لتكون نهجا وفتحا جديدا في الرواية الحديثة؟

– أهم ما في الرواية المتعة التي تنعشها في أعطاف القارئ، لذلك يجب أن نقدم له هذه المتعة في ثنايا العمل الروائي وخاصة إذا كان موضوع هذا العمل ذو طابع مأساوي وقاس في كل تفاصيله، فإدخال لعبة السخرية اللاذعة بفنية عالية وموظفة توظيفا منسجما مع آليات السرد وغير نافر ما من شأنه كسر حدة القسوة وعنف المأساة، وهذا يظهر جليا في رواية “حنتش بنتش” رواية النكبة، وفي رواية “بيضة العقرب .. السيرة السرطانية”.

• النقد والإبداع، هل هناك أزمة في النقد والإبداع، إن كان هناك أزمة برأيك أن تكمن هذه الأزمة، وكمبدع هل أنصفك النقد”؟

– في الإبداع لا يوجد أزمة، لأن نهر الإبداع شديد التدفق من تجارب الكتاب في الوطن العربي، الأزمة تكمن في النقد الذي لم يستطع أن يواكب العمليات الإبداعية، هناك نقد المجاملة والمحاباة، النقد الحقيقي يشكل أهم الروافع للنتاج الإبداعي.

حقيقة أقولها في الجانب الأخر للسؤال، لم ينصفني النقد كما لم ينصف الكثير من المبدعين، وإن حظيت بكتابات ذات طابع حميم من الأصدقاء.

• هل أنجز محمود عيسى موسى ما يريد إبداعيا؟

– أحلم بكتابة رواية العودة إلى فلسطين الوطن الحبيب والأم، والتي أنجزت الجزء الأول منها وهو رواية “حبيبتي السلحفاة” أتمنى أن يسعفني جسدي المتعب في انجاز هذا العمل الروائي.

( ويذكر أن محمود عيسى موسى، فنان تشكيلي وروائي وناقد تشكيلي ومسرحي، حاصل على اجازة في الصيدلة من جامعة دمشق في العام 1976، عمل مدرسا لعلوم الأدوية والصيدلانيات والعقاقير الطبية، وشغل منصب رئيس فرع رابطة الكتاب في إربد، رئيس ومؤسس رواق الحصن للثقافة والفنون، رئيس فرقة مسرح الفن في إربد، رئيس تحرير مجلة أوراق في رابطة الكتاب، عضو نقابة الصيادلة، مثل الأردن في العديد من المؤتمرات والمهرجانات والملتقيات في التشكيل والرواية والمسرح والنقد في عدد من الدول العربية، وأقام العديد من المعارض الشخصية والمشتركة في الفن التشكيلي محليا وعربيا.

وله العديد من الإصدارات ففي الرواية له : “حنتش بنتش، اسطورة ليلو وحتن، مكاتيب النارنج، بيضة العقرب .. السيرة السرطانية، الشمبر، حبيبتي السلحفاة”، وله مجموعة شعرية “زبدو فاكهة الفضاء”.

وله في النقد: الفنان محمد مريش.. سيرة ونقد تشكيلي، وكتاب هاملت المعاكس.. قراءات في المسرح، وصدرت له “الأعمال التشكيلية الكاملة” من إعداد وتحرير الروائي محمد رفيع، وكتاب “الضحكة الأبدية.. محمود عيسى موسى” إعداد وتحرير الفنان والكاتب صالح حمدوني، وكتاب “المكان والتراث” دراسة نقدية في روايات محمود عيسى موسى وصافي صافي للناقد الفلسطيني رائد الحواري).

  • عن الناشر الأسبوعي

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *