شكوى اللغةُ العربية إلى ساكنيها

(ثقافات)

شكوى اللغةُ العربية إلى ساكنيها

(في اليوم العالمي للغة العربية)

مرزوق الحلبي

1.

لا أطيق الذين يحرسون بابيَ في النهارِ

والليلِ، فلا ينخذلُ فاعلٌ ولا تقومُ قائمةُ مفعولٍ،

ولا يلتَقِي ساكنانِ،

ولا يُصرفُ ممنوعٌ، ولا ينكسرُ النحوُ

ثُمّ ينسرِبُونَ فِي اللَّيلِ إلَى الحاناتِ

يتلبسونَ النِّساءَ الوَحيداتِ كالعَفارِيتِ

وينْصرَفُونَ مِن البابِ الخلفيِّ

يتحسّسونَ الخدوشَ في وجوههم

2.

لا أطيقُ ذاكَ الذِي ينفجرُ غَضَبًا

عندَ كُلِّ خطأ في القواعِدِ

لكنهُ يصطفُّ أبدًا معِ الطاغيةِ ينكّل بجثّة العدلِ،

ومثلَه الذي يحوّل كلَّ خطأ إملائيًّ إلَى فَضِيحةٍ

لكِّنه يشتغلُ سيَّافًا فِي السَّرايا

ومثلَه الَّذي يفتَحُ زنزانةً كلّما انكسر شطرٌ من العروضِ

لكّنه يحبسُ زوجته في المزهرِيَّةِ طِيلةَ النَّهارِ

ويَمْنَع ابنَتَهُ منَ الدُّخولِ فِي بابِ الحُلمِ

3.

لو أمكنني لصرفتُ حرّاسًا على بابي،

إذا مرّ طير فوق رأسي

أطلقوا النارَ

وإذا سرَت رعشةٌ فِي جَسَدِي

أطلَقُوا عليَّ

وإذَا طلِعتْ وردةٌ بينَ الحروفِ،

مِن تلقائِهَا

حرقوا الحروفَ

وإذا أزهرَ الوشمُ عَلَى ذِرَاعِيَ قطَعوها

وإذَا اقْتربَتْ لُغةٌ مِنِّي بِقصدِ التّعارفِ

نسَفُوا الجُسورَ!

4.

لو أنّني حرّةُ السيرِ في الليلِ وَحْدِي

غيرُ حبِيسةٍ في الكُتبِ المغبّرةِ

ولا أسيرةُ الفتوحاتِ

لاهتديتُ إلَى حِيلةٍ

تُساعِدُنِي عَلَى تجريدِكُم مِنِّي

ومحو كلِّ القواميسِ المُلطّخةِ بِدِماءِ ضَحايَاكُم!

فتظهرون على عُريكُم بدون لغة،

تغسلونَ بِمُحَسِّناتِها أيديكم

وتزيّنونَ مجازرَ الطَّاغيةِ بالمقدِّماتِ،

5.

أغَاظنِي مِنْ بيْنكُم

شَاعرُ غيرُ شَهمٍ،

يتحدّث عن حرّيتهِ هوَ

ويزجّ بالقصائدِ

بينَ صَدْرٍ وعَجز

ويُنهي حياتَها بالقوافي!

6.

أكثر مَن يقهرني

الذين يزجّون بي مع لُغةٍ أخرى غيرِ ودودة،

أو لُغتينِ

ويصرخون في قلبي أن يصمت

ألاّ يخفق

بدعوى حاجتهم إلى الوصولِ

أنظرُ إلى المرآةِ

فلا أرى وجهي ولا أعرفهم!

7.

لو كان في يديّ الخيارُ

لصَرَفتُ كلَّ مدرّسي النحوِ والصرْفَ

وكلّ أساتذةِ اللغةِ في مدارسكم

إلى التقاعد القسريِّ

فهمُ همُ الذينَ كتموا صرختي

ممسكون بمفاتيح سجني

وهم المتستّرون على عارهم معي

بكيلِ المديحِ إلى طيبةِ قلبي

واتّساعِ مداي!

8.

يقتلني مرّتين

أولئك الذين يزنونَ بِي

ويفتكون بي

ويذبحون بي

ويقبضون على أرواح الناسِ بي

ثم يأتون في آخرِ الليلِ

يلتفون بأسمائي الحُسنى ولا يتوبون!

 (شباط 2018)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *