اللوحة المتخيّلة والحالمة والواقعية ضمن التفاعل البصري والوجداني والبانورامي

(ثقافات)

اللوحة المتخيّلة، والحالمة، والواقعية ضمن التفاعل البصري، والوجداني، والبانورامي

رنا حتاملة*

أتطرق إلى أعظم الأعمال (اللوحات)، تلك التي تنبثق وتنشأ عن التناغم الحسيّ الخارجي، والنفسي الداخلي، والتي تُشعر الفنان بأنه في مأمن داخلي، أنه من ذاته يرسم ليكون ذاته في اللوحة / بمعنىً ما. وهو يُعرف بأنه الفنان التشكيلي الذي يمتلك لغة بصرية نافذة، ويكون أكثر صمتاً وأكثر إدهاشاً في إيحاءاته، وكأنه في أعماله يقدم إنتصاراً لثورة نشبت في داخله.

يستطيع الإنسان المثقف، مع توالي المدارس الفنية التشكيلية عبر القرون، أن يفرق بينها، رغم أنها جميعاً تتضمن قيماً وجماليات، ولهذا فإن تفاعلنا الوجداني ينخرط في علاقة حوار مع المشهد البَصَري البانورامي (أو المحدود). إنه تفاعل ينشأ عن الرؤية البصرية للخارج المادي المحيط بنا، وغير البصرية التي تختلف عن الأولى بكتابتها هكذا: الرؤيا، وعبر علاقة التفاعل هذه يتخلّق هارموني (موسيقى) الحياة وانسجام عناصرها واتناغمها. هكذا نعاين الألوان تتحدث لغتها الخاصة أثناء امتزاجها على المساحة البيضاء، وباختلاف قوة ضربات الفرشاة عليها. ففي اللوحة الواقعية سردٌ لشعور منقول عن صورة الواقع خارجنا، وهي المدرسة المُسماة بمدرسة الشعب، تكتفي بنقل الموضوع نفسه كما هو، غير معنيَّة بذات الفنان المتفاعلة ورؤيته. إنها أكثر صدقاً والتزاماً في نقل الصورة كما هي، غير أنّنا نجد الفنان الفرنسي ( إدوارد مانيه)، الذي رسم الواقعية، قد دعا إلى التجديد منطلقاً من اللون، في محاولة منه لإيجاد حيّز وخصوصية لذات الفنان، وذلك باختياره الألوان التي يرتاح إليها. وهكذا تحرر متخلصاً من فكرة تكوير الأجسام عبر الظلال.

لكن … هل للواقعية تفاعلها الواضح مع البانوراما (الرؤيا الشمولية)؟

الأجدى أن أسميها تسلسلاً لسرد أحداث واقعية ذات فصول لحكاية بصرية واحدة. وربما أجد لوحة اكتفَت بزاوية مشهد قريب، لتكون هي نفسها، في مشهد آخر، أكثر اتساعاً وأعمق. هذا التسلسل الممزوج بالحدث الواحد، والمشهد المتكرر، إنما له غاية في إيصال الحدث الكُلّي ليتحوّل إلى بانوراما واقعية، لكنها الأصدق. ولهذا، فإن اللوحة المتخيلة لا تتعاكس مع اللوحة الواقعية من خلال تفاعلها البانورامي (المشهد البَصَري) والوجداني (بانوراما متخيلة )؛ إذ أنّ التسلسل يحوز ذات الفنان ووجدانه على نحو أعمق. وهذا ما تطرقت إليه المدارس السوريالية والمستقبلية وغيرها من المدارس الحديثة. فاللوحة المتخيلة قد لا تنتمي إلى مدرسة محددة معروفة، لكنها في الغالب حالة لصورة أو تصور أوجدهما الفنان من خلال خياله وحلمه (لا فرق بين الحلم والخيال هنا) في رأيي، فكلاهما يقدمان بطولة خارقة لفكرة غيبيّة كامنة في عالم اللاواعي، تتجسد فيها نفسية الفنان الذي يتحول إلى شخص آخر – شخص موجود في الحلم الذي يحلمه! وهذا غير مألوف، فيرى العالم كاللغز، إذ يتحول إلى رموز وأحياناً يتمظهر بأشكال واقعية غيبية: كمن يرسم الملائكة، والضوء. إنها رؤيا للمستقبل أو إلى ما بعد المستقبل، وهذا يماثل ما قدمه (سلفادور دالي) السوريالي الاسباني، ما دفعه لأن يرسم خلاف المنطق البصري مبالغاً في ذلك، فقد أنجز دالي رسوماً ولوحات تصل إلى 100 عمل لكتاب دانتي الشهير “الكوميديا الإلهية”. ولا أخفي أيضاً ما وجدته في لوحة الفنان النمساوي (غوستاف كليمت)، وهو أشهر من عرف بحركة الانفصال الفنية في فيننا، أقصد لوحته “القبلة” المشهورة؛ إذ بمقدوري أن أتخيل فيها أن الرجل الذي يقبل المرأة هو من صلب الخيال أو (الحلم)، وذلك يتضح برسمه بلا أقدام، والملائكة هم كذلك في الحلم.

*رنا حتاملة،  فنانة أردنية  ولدت في  14 مارس 1983 – الحصن  – إربد.
حاصلة على درجة البكالوريوس في فنون الجرافيك من جامعة اليرموك، 2005.
عضو رابطة الفنانين التشكيليين ، مؤسسة ومديرة بيت نجم الدين للثقافة سابقاً.
شاركت في معارض فنية على الصعيد المحلي والدولي.
ناشطة في مجال الفنون والثقافة ومدربة معتمدة في الفنون التشكيلية من قبل وزارة الثقافة.
لها مشاركات نثرية أدبية، ومهتمة بقراءة التاريخ والأدب والفلسفة الفنية.
صاحبة فكرة ( الحوت الأزرق للإبداع ) التي أنتجت من خلالها أفكاراً ورسوماً لتصميم أغلفة الكتب وقصص الأطفال.

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *