“خمسون عاماً وراء الميكروفون” لسالم العبادي: رحلة مع العمل الإذاعي والتحريري من عمّان إلى لندن

(ثقافات)

“خمسون عاماً وراء الميكروفون” لسالم العبادي:

 رحلة مع العمل الإذاعي والتحريري من عمّان إلى لندن

 

يحيى القيسي*

هذا كتاب من إصدارات وزارة الثقافة الأردنية مؤخراً، وقُدّر لي أن أطلع عليه مخطوطاً إذ أرسله إلي صاحبه المذيع الألمعي والمحرر المتميز سالم كايد العبادي طالباً بتهذيبه الشديد وتواضعه الجم أن أقرأه  وأبدي فيه رأياً، وهذا أمر أسعدني حقّاً وأقدره لكاتبه الذي يرصد فيه رحلته الإذاعية الطويلة التي تمتد على نصف قرن من الزمان على أقل تقدير.

أنا من جيل تربّى على سماع الإذاعات، ويعرف صوت العبادي من خلال إذاعة بي بي سي البريطانية إضافة إلى أصوات كثيرة ألفناها لفترة طويلة قبل أن ينقضّ التلفاز على المشهد الحياتي اليومي في قرانا ويأخذ حصته من المتابعة، ثم بعد ذلك مشاغل الحياة التي لا تنتهي، لهذا فإن السيرة الذاتية لمثل هؤلاء المذيعين الذين ألفنا أصواتهم تبدو لنا إضافة مهمة وتغني المشهد الإعلامي أيضاً، فوراء كل تجربة تقف الكثير من الخبرات الذهبية والعقبات أيضاً التي من الضروري أن نتعرف عليها.

جاء الكتاب في سبعة فصول خُصّص الأول منه لتقديم من قبل بعض الشخصيات من أصدقائه ومتابعيه، ثم بدأ يسرد ذكرياته في الفصل الثاني عن بداياته في قرية الصبيحي حيث ولد عام 1949، وأول ظهور للراديو هناك، ودراسته في كلية الشهيد فيصل الثاني بعمان، ثم تعرفه على رئيس الوزراء الأردني الأسبق أحمد اللوزي، وترشيحه للعمل في الإذاعة الأردنية وبداياته هناك عام 1970 .

الفصل الثالث يُعد محوريّاً في هذا الكتاب الراصد لتجربته فهو مُخصّص لعمله في هيئة الإذاعة البريطانية  BBC لمدة ربع قرن وهذه الإذاعة الشهيرة التي يعرفها القاصي والداني تأسست عام 1938 في قسمها العربي وبقيت متماسكة حتى إغلاقها بداية العام الجاري 2023 بكل أسف،  ويتناول العبادي بعض تفاصيل هذا العمل وتحدياته وذكرياته في الغربة، ولقائه مع الملك عبدالله الثاني والأمير الحسن، كما يضع بعض خلاصات تجربته عن عمله في بريطانيا والدروس المستفادة منها، ومما يروي:

“كان لعملي في BBC  فوائد كثيرة على الصعيدين المهني والشخصي، فعلى صعيد العمل أصبحت مؤهلا  لأداء كافة المهن في منصات الإعلام، وتنقلت  في العمل من رئيس فريق إخباري إلى محرر ومذيع الأخبار والبرامج الإخباري والحوارية، كما عملت مراسلا ميدانيا لتغطية أحداث ومؤتمرات كبرى للإذاعة والتلفزيون في دول عربية وأجنبية..”.

كما يرصد فوائد أخرى على الصعيد الشخصي ويتناول ذكرياته مع المستمعين أيضاً.

الفصل الرابع من الكتاب جاء تحت عنوان ” من ذاكرة الإذاعات” فيما تناول الفصل الخامس بعضاً من مخاطر مهنة الإعلام، وبعض المواقف التي حصلت معه خصوصاً حينما كان يقوم بزيارات لبعض الدول من أجل التغطية الإذاعية للأحداث، وبالتالي فإنّ الكثير من التفاصيل قد تناولها في الفصل السادس حيث رحلاته المبكرة الكشفية إلى الضفة الغربية، ولاحقا إلى جنوب أفريقيا، وبعض ذكريات الثورة المصرية عام 2011، مرورا بالسودان قبل الثورة عام 2008 وانتخابات البحرين 2002  وتكريمه من قبل سلطنة عمان.

الفصل السابع والأخير احتوى على بعض الحوارات التي تناولت تجربته مثل تلك التي أجراها الإعلامي عامر الصمادي، وبعض المقالات والشهادات عنه تحت عنوان “خواطر إذاعية”، ويهمنا هنا أن ننقل بعض ما أشار إليه العبادي في مقال له بعنوان “الصحفي الملتزم والحوار الهادف” يقول فيه عن خصائل المذيع، وهي بالفعل حكم ذهبية يمكن الأخذ بها كمرشد في طريق العمل الإعلامي من صاحب تجربة طويلة في الوطن العربي والعالم الغربي مثله، يقول فيها:

“من الفضائل التي يجب على المذيع أن يحرص على اتباعها الإخلاص والانتماء إلى الإذاعة التي يعمل فيها، وعمل كل ما من شأنه زيادة عدد متابعيها، وهذا لا يتحقق بالادعاء أو مجرد التظاهر به، وإنما بالجهود الدؤوبة لتزويد إذاعته بخبر مهم أو عاجل، ولا يقتصر هذا الخبر على السياسة بل حتى عن قضايا محلية تفيد السامع..”

كما أنه يشير إلى أمور أخرى يجب التحلي بها مثل:الاحترام المطلق للمستمع، والخلق والإبداع والتقارير الملونة في انتاج برامج ذات طابع جاذب للمستمع..، والتنوع أي إشراك المرأة في البرامج لتحقيق العدالة بين الجنسين، والعمل الجماعي لأنه من ضرورات النجاح، كما أن على المذيع متابعة آخر ابتكارات عالم الاتصالات والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي.

أخيراً فإن كتاب الإعلامي سالم العبادي بمادته الغنية وصوره النادرة يضيف إلى المكتبة العربية تجربة غنية يستفيد منها المستمعون والمحبون وطلبة الإعلام والمذيعون، فالسير الذاتية تتميز بصدقها وأنها تقدم خلاصات مفيدة لمن يبحث عن الخبرة ومعرفة تفاصيل الماضي لكي يستفيد منها في حاضره ومستقبله، وأتمنى على أصحاب الخبرات في المجالات الاجتماعية والإعلامية والاقتصادية والسياسية أن يقدموا شهاداتهم عن تجاربهم للجيل الجديد، فمن لا ماضي له لا مستقبل له.

*روائي وباحث أردني يقيم في بريطانيا

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *