أنا والفيسبوك وهواك

(ثقافات)

أنا والفيسبوك وهواك

د. صحر أنور

هذه الجملة قد تصلح لمطلع أغنية جيدة، على غرار مقطع أغنية الموسيقار محمد عبد الوهاب ” أنا والعذاب وهواك “، بعد أن أصبح الفيسبوك له دوركبير في العلاقات العاطفية والزوجية، وعلاقات الأصدقاء، إذ صارت العلاقات مضطربة بعد ما زاد نشرها على الملأ من خلال صفحات أصحابها الشخصية.

ماذا لو أظهر لك الفيسبوك هذه الرسالة ؟ ” إجابتك مزيفة “، ماذا لو سألك: هل أنت صادق في اعجابك بالمنشور؟ ماذا سيكون رد فعلك وأنت تضغط على زر “إعجاب” أو “حب” من أجل المجاملات المستردة أو لمصلحة ما فقط ، هل ستمتنع عن الضغط على زر الإعجاب، أم سوف تسأل نفسك إن كان هذا المنشوريعجبك حقًا أم لا ؟ وفقًا لسيكولوجية الفيسبوك، فإن “الإعجاب”هو بمثابة إيماءة سهلة وسريعة لإبداء الموافقة أو الدعم، أو قد يكون لتأكيد شيئًا ما عن أنفسنا أو ما نميل إليه، بالإضافة إلى أنه طريقة مثالية للتعبير عن التعاطف الافتراضي بين الأشخاص.

هناك الكثير ممن يصابون بالحزن والإحباط من عدم حصد منشوراتهم عددا كبيرا من الإعجاب، ينتابهم شعور بتدني احترام لذواتهم فنجدهم يشرعوا في استجداء المتابعين بصور متعددة منها الإعجاب بكل منشوراتهم وصورهم، ملاحقتهم لهم بالرسائل على الخاص، الإيحاء بالإعجاب الشخصي للطرف الآخر لاستمالته ولفت الأنظار إليه، عرض خدماتهم ومساعدتهم له، وهكذا، وفي حالة الوصول لمرحلة اليأس يبدأ في كتابة منشورات ساخرة بأن مثلا صور ومنشورات النساء تحصد المئات والآلاف من الايموشن والتعليقات بالمقارنة بالرجال، أو أن الموضوعات التافهة تنال أعجاب عددا أكبر من الموضوعات الفكرية والعميقة.

صارت الآن مقاييس ومعايير التقييم للذات الفيسبوكية مختلفة، أصبحت ليست بجودة المحتوى وإنما بعدد ما يحصد هذا المحتوى من إيموشن (Emotions) ، كلما زاد عدد الإيموشن دلَّ ذلك على زيادة المعجبين بك وبمنشوراتك، وأنك أصبحت من المشاهير في العالم الفيسبوكي، وقد يمنحك الفيسبوك علامته الزرقاء المميزة أيضًا، لكنك في الحقيقة إن خرجت من دارك قد لا ينتبه إليك أحد، هناك أشخاصًا يصابون بالدهشة والفزع عندما يوجدون في الأماكن العامة ولا يتعرف عليهم أحد، ولا حتى يلتفتوا إليهم، يصابون بالصدمة، فتكون العودة إلى عالمهم الفيسبوكي الذين يشعرون فيه بأنفسهم وبشهرتهم وأنهم نجوم تتلألأ في سماءه والابتعاد عن الواقع الذي يتجاهلهم هو القرار الأنسب إليهم. إذ يرون في هذا العالم الافتراضي مكانًا يضمهم ويضم وحدتهم حيث يمكنهم الحصول فيه على الدعم المعنوي.
بعد ارتفاع نسب الطلاق بسبب الفيسبوك ظهرت أبعاد أخرى أكثر عمقًا وتعقيدًا خاصة عند النساء اللاتي شعرن بالصدمة والحزن عند اكتشاف أزواجهن أو من يحببن وضع إيموشن حب لامرأة أخرى على فيسبوك، أدى إلى شعورهن بالخيانة وفقد الثقة التي نتج عنها تهديد العلاقات الزوجية والعاطفية.

اليوم صرنا نحمل الهوية الفيسبوكية، ربما يظهر يوما ما في المستقبل شرائح رقمية كبطاقات شخصية لكل شخص تحمل هويته الفيسبوكية أو قد تضاف إلى بطاقات هويتنا الشخصية، تقوم بتحديد الانتماءات والمجموعات التي ينتمي إليها المستخدمون. تحليل مشاعرهم عن طريق قواعد بيانات تحليلية لتحليل الأنماط والمعطيات المتاحة من خلال ملاحظة المستخدمين للإيموشن. من الإحصائيات الأخيرة أن مصر احتلت المركز التاسع عالميا والأكثر استخدامًا لمنصة الفيسبوك، حيث بلغ عدد مستخدميه عن طريق االهاتف المحمول 68.53 مليون مستخدم بنهاية إبريل 2022، بينما احتلت الهند المركز الأول والولايات المتحدة المركز الثاني التي تستخدم 77 فيها % من النساء الأمريكيات متصفح فيسبوك في مقابل 61% من الرجال، أندونيسيا المركز الثالث كما أظهرت أن الإناث والأقليات العرقية تميل في كثير من الأحيان إلى استخدام الفيسبوك أكثر من الذكور.

  • كاتبة من مصر

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *