سارة تيسيديل.. ثالث الشاعرات المنتحرات التي تأثرت بالحضارة المصرية

سارة تيسيديل.. ثالث الشاعرات المنتحرات التي تأثرت بالحضارة المصرية

د. سارة حوّاس

هل الشاعرات اللاتي يشعرن أكثر يتعذَّبن أكثر؟ وهل تحقيق النجاح يمكن أن يُعوض فشلهن في الحُب؟

من خلال قراءتي لشعر آن سيكستون وسيلڤا بلاث وسارة تيسيديل والغوص في تفاصيل حياتهن، وجدت أن الفشل في الحُب كان سببًا رئيسًا لانتحارهن والتخلص من حياتهن البائسة برغم تحقيقهن نجاحات كبيرة في الحياة الأدبية حتى أصبحن من أكبر الشاعرات الأمريكيات في المجتمع الثقافي الأمريكي ونلن أرفع الجوائز.

حكاية سارة تيسيديل

عُرفَت الشاعرة الأمريكية سارة تيسيديل بأنها شاعرة غنائية تحدثت في قصائدها الشعرية عن الجمال والحب والموت ونجحت في دمج تجاربها الشخصية مع شعرها حتى أصبح شعرا اعترافيا، وبهذا سبقت الشاعرتين آن سيكستون وسيلڤيا بلاث في ذلك النوع من الشعر.

عاشت سارة تيسيديل حياة أدبية ناجحة حيث حازت على جائزة ”كولومبيا للشعر” عام ١٩١٨ والتي تُعرف الآن بجائزة ”البوليتزر” عن عملها ”أغاني الحُب”، وهي بذلك تعد أول من نالت هذه الجائزة عن فئة الشعر، لكنها على الصعيد الآخر عاشت حياة مليئة بالوحدة والعذاب النفسي، وأدى ذلك إلى إنهاء حياتها بشكل مأساوي حيث انتحرت بابتلاع جرعة زائدة من الحبوب المنومة وتوفيت على إثر ذلك عام ١٩٣٣.

تنتمي تيسيديل إلى عائلة ثرية إذ عاشت طفولة مدللة ومرفهة، ولكنها برغم هذا عاشت وحيدة في كثير من الأحيان حيث كانت تسكن في جناح منفصل بمنزل عائلتها الكبير، وغالبا ما كانت تُترك وحدها.

ديوان “أغاني الحب” لسارة تيسديل

خبر وفاة سارة تيسديل في الصحف

حياة شاعرة الاعتراف

ولدت سارة تيسيديل في سانت لويس بولاية ميسوري بالولايات المتحدة الأمريكية عام ١٨٨٤، وظلت تدرس بالمنزل حتى التاسعة من عمرها لأنها كانت طفلة مريضة.

عاشت تيسيديل طفولة مدللة ومرفهة، إذ تنتمي إلى عائلة ثرية، ولكنها برغم هذا عاشت وحيدة في كثير من الأحيان حيث كانت تسكن في جناح منفصل بمنزل عائلتها الكبير، وغالبا ما كانت تُترك وحدها.

كما كانت طفلة خجولا تربَّت على أنها عاجزة غير قادرة على مساعدة نفسها؛ وأدى ذلك إلى شعورها بالقلق الدائم والحاجة إلى الاعتماد على الآخرين لتلبية احتياجاتها، وظلت تعاني من ضعف صحتها طوال حياتها حتى أن الممرضات كن يرافقنها دائما.

وصفت سارة تيسيديل هشاشتها ”كزهرة في عالم شاقٍ كادحٍ”، وظل شعور العجز والضعف يرافقها طوال حياتها.

كانت سارة عضوة في مجموعة مكونة من الشابات الفنانات تسمي ”ذا بوترز – The Potters”، في سانت لويس تحت إشراف المربية لي لي روز إيرنست (١٨٧٠-١٩٤٣)، وكان أعضاء المجموعة يطبعن شعرهن ونثرهن وفنهن في مجلة شهرية تسمى ”ذا بوترز ويل – The Potter’s Wheel”.

أطلقت سارة مجموعتها الشعرية الأولى ”سونيتات إلى دوس وقصائد أخرى – Sonnets to Duse and Other Poems” عام ١٩٠٧، وكانت في الثالثة والعشرين من عمرها في ذلك الحين. دوس كانت ممثلة شهيرة في ذلك الوقت، وسارة كانت تحتذيها وتعتبرها أيقونة. ونشرت سارة مجموعتها الشعرية الثانية ”هيلين طروادة وقصائد أخرى – Helen of Troy and other Poems” عام ١٩١١، وأثنى كثير من النقاد على مجموعتيها الشعريتين وعلى إتقانها الأسلوب الغنائي في قصائدها الشعرية.

الحب في حياة تيسينديل

كان لسارة العديد من المعجبين والمحبين، فقد أحبها كثيرا الشاعر الأمريكي ڤاشيل ليندسي (١٨٧٩-١٩٣١) وكتب عنها الكثير من قصائده، لكنها رفضت الارتباط به لاعتقادها أنه لن يستطع توفير الحياة المُرفَّهة التي اعتادتها، وصُدم ليندسي بذلك الرفض وانتحر بعد ذلك.

وفي عام ١٩١٤ تزوجت سارة من رجل الأعمال إرنست فيلسنجر الذي كان معجبا بشِعْرها منذ فترة طويلة، وانتقل الزوجان إلى نيويورك حيث أقاما في سنترال بارك ويست، وكان فيلسنجر يسافر كثيرا نظرا لطبيعة عمله، تاركًا سارة وحيدة تستعيد ذكريات طفولتها التي قضتها في وحدة أليمة أيضا. وبرغم أن زوجها كان رجلا مخلصا محبا فإن مرضها وشعورها بالاكتئاب جعل من الصعب الاستمرار في علاقتهما معا، وانتقلت سارة بعد ذلك إلى ولاية أخرى لإتمام إجراءات الطلاق من دون علم زوجها الذي فوجىء بقرار سارة بالانفصال.

أحد خطابات سارة تيسيديل إلى زوجها في باريس في 20 مارس 1920

الأسلوب الشعري

يمتاز شعر سارة تيسيديل بأنه مليءٌ بالتعبيرات والعاطفة، غنيٌّ باللحن الغنائي، ويمتاز أيضًا بنقاء العاطفة والبساطة والوضوح وأيضا صادق في الإقناع، كما أن قدرتها على صياغة عواطفها المعقدة في كلمات بسيطة عذبة يعكس تأثرها بالشاعرة الأمريكية إدناسانت ڤينسنت ميلاي (١٨٩٢-١٩٥٠)، فقد كانت الكلمات هي الوسيلة الوحيدة لسارة للتعبير عن مشاعرها، وبرغم وصف بعض النقاد بأن شعر سارة يتسم بالسذاجة وعدم النضوج فإنها أصبحت شاعرة ذات شعبية كبيرة في المجتمع الثقافي الأمريكي في ذلك الحين لتعبيرها الصادق عن الجمال والحب.

أما عن أسلوب قصائد سارة الشعري، فكان يتسم بالكلاسيكية، إذ كانت تعبر عن مشاعرها النقية البريئة في شكل  شعري تقليدي أي على شكل رباعيات أو سونيتات. أما من الناحية الفنية، فكانت تكتب باحترافية تامة كأي شاعر محترف متمكن، فقارنها النقاد بالشاعرة الأمريكية الشهيرة كريستينا روسيتي (١٨٣٠-١٨٩٤)، والشاعر الإنجليزي ويليام بليك (١٧٥٧-١٨٢٧)، والشاعر الإنجليزي ألفرد إدوارد هاوسمان (١٨٥٩-١٩٣٦).

في عام ١٩٠٥، ذهبت سارة تيسيديل مع والدتها في رحلة إلى مصر وأوروبا والأرض المقدسة (فلسطين)، وفُتنت سارة بالهندسة المعمارية، وكانت والدتها مولعة بزيارة الأماكن المقدسة حيث إنها كانت امرأة متدينة متزمتة، وبعد عودتهما بفترة وجيزة من رحلتهما، أُصيبت تيسيديل بوعكة صحية أدت إلى إقامتها نحو خمسة شهور في مصحة بولاية كونيتيكت.

مصر في أشعار سارة تيسيديل

منذ بداية قراءتي قصيدة “خيال” “A Fantasy” شعرت بانعكاس تأثر سارة بالحضارة المصرية القديمة حيث كتبت عن زهرة اللوتس والجداول المقدسة، كل هذه الأشياء ترمز إلى وجود أثر للحضارة المصرية في نفسها، وذلك دفعني إلى البحث عن قصائد لها تعكس تأثرها بالحضارة المصرية القديمة، ووجدت قصيدة “To Eleonora Duse II” تعكس شغفها وولعها وحبها لهذه الحضارة العريقة فقالت:

“A lone Egyptian plays an ancient flute”

“مصري وحيد يعزف على الناي القديم”

و أيضا:

‏”Beside the Nile , by desert breezes fanned”

بجانب النيل، تهب عليه نسائم الصحراء

كما قرأت لها قصيدة باسم ‘”To Sappho II’” كتبت فيها عن مصر بكل وضوح”

“Oh tell us we shall find beside the Nile”

“أخبرنا أننا سنجد بجانب النيل..”

أما عن أهم أعمال سارة تيسيديل: “أغاني الحب” عام ١٩١٨، و”اللهب والظل” عام ١٩٢٠، و”نصر غريب” عام ١٩٣٣.

سارة تيسديل شاعرة أمريكية استطاعت أن تبدع و تنجح في ظل ظروف نفسية صعبة ظلت ترافقها طوال حياتها، تحدت المرض والفشل في الحب، وأبدعت وكتبت مشاعرها التي سطَّرتها في شكل شعر رقيق مرهف مليء بالمشاعر النقية التي تنم عن شخصية حساسة عاشت بقلب طفلة بريئة، حاولت أن تنأى بروحها عن ضعفها لكنها فشلت في النهاية وقررت أن تضع حدا لحياتها البائسة بانتحارها الذي هز كيان المجتمع الثقافي الأمريكي، الذي لا يقتنع إلى يومنا هذا بأسباب انتحارها الغامضة.

 

 

خَيالٌ

“A Fantasy”

صَوتُهَا كالمَاءِ الجَارِي

الذي يَفِيضُ على الصَّخرِ

في الغَابَاتِ البَعيدَةِ السَّاكِنةِ

حَيثُ يَلعَبُ الهُدُوءُ وَحدَهُ.

أفكَارُهَا كَزَهرَةِ الُّلوتَسِ

 تُزْهِرُ بِالجدَاوِلِ المُقَدَّسَةِ

تَحتَ أقوَاسِ المَعبَدِ

حيثُ يَجلِسُ الهُدُوءُ و يَحلُمُ.

قُبُلاَتُهَا هي الوَرْدُ

الذي يَتَوَهَّجُ،

بينَما ينتَشرُ الشَّفَقُ

في حَدِيِقَةٍ فَارِسِيَّةٍ مُغلَقَةٍ

حَيثُ يَنَامُ الهُدُوءُ

  • عن موقع شهرزاد

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *