كل شيء من أعلى إلى أسفل

(ثقافات)

كل شيء من أعلى إلى أسفل

مرزوق الحلبي

 

في الحروبِ

يموتُ الناسُ

والماءُ

والهواءُ

والبيوتُ

بقذيفةٍ واحدَةٍ

*

في الحروبِ

تُكتبُ للقصائدِ

أعمارٌ قصيرَة

*

في الحروبِ

تولدُ كلُّ القصائدِ

مع ضيقٍ فِي الرئتيْنِ

وكسورٍ في الإيقاعِ

*

في الحروبِ

تموتُ الناس

لتحيا العقائدُ

*

في الحروبِ

تضيقُ الحياةُ كخرمِ إبرةٍ

ويتّسع التأويلُ

*

في الحروب

تأتيكَ الحقائقُ

من تحتِ الأنقاضِ

ومن أروقةَ المَشافِي

*

في الحروبِ

كلُّ الرقصِ حولَ طوطمِكَ

وكلُّ صورِ النصرِ

والهُتافِ

لا تُسعفُ القتلَى

*

في الحروبِ

يُقايضُ السماسرةُ

الجثَثَ بالجثثِ

دونَ أن يرفَّ لهمْ جفنٌ

*

في الحروبِ

كلُّ شيءٍ مهيّأ كي

كي تبدو جميلةً

فانظر إليها بقلبِكَ

*

في الحروبِ

ستنجو إذا لمْ تُجنّ

*

في الحروبِ

إغواءُ الشياطينِ

فلا تذهب إذا أومأت

ولا تمتثِل!

*

في الحروبِ

تموتُ التفاصيلُ

فلا وردةً على شبّاكٍ

ولا وردة في كتاب

ولا وردة في مزهريّة،

ولا وردة على قبر جماعيّ

*

في الحروبِ،

كلّ الطُرقاتِ

تؤدّي إلى الآخِرَة

*

في الحروبِ

نقع جميعُنا في حُفرةٍ

فكيفَ نخرجُ

من قصيدةٍ مُغلقةٍ!

*

في الحروبِ

يطيرُ اليمامُ من سطوحِ البيوتِ

ويبحثُ عن نجمةٍ في السماء

*

في الحروب

لا أحدَ تقولُ له الحقيقَة

فالجميعُ صرَعتهُم الأكاذيب

*

في الحروبِ

تموت الحقيقةُ

سوى دميةٍ عثَرَ عليها المسعفونَ

في الردمِ

*

في الحروبِ

يكبرُ العجزُ

ويصغر واحدنا كحبّة القمحِ

*

في الحروبِ

ابتسمْ للناجين

وقُلْ كلامًا طيّبًا للمُسعفين

وصدّق لُعبةَ الحظّ

*

في الحروبِ

يطلعُ أبطالُنا من الأساطير

ويذبحون أبطالَهم

ويستوِي الكون

*

في الحروبِ

يجرّب السلاطين حظَّهم

في اغتيالِ الجوهرِ البشريّ

وينجحون

*

في الحروبِ

لا أحدَ يعود من القصائد سالمًا

ولا اللغةُ

ولا المجازُ

*

في الحروبِ

يُطلقون على كلِّ شيء،

عليكَ

وعلى وجودِكَ

وعلى قصائدِك

فاتركها تفرّ من دفاترِكَ

ربّما كُتبتْ لها الحياةُ

*

في الحروبِ

يغنّي الجنودُ في جنازاتِهم

ويرقصون

*

في الحروبِ

ينتهي التأويلُ

عند أوّلِ جنازةِ لطفلٍ باسمٍ

*

في الحروبِ

تختلطُ الحدودُ

والمعانِي

بدماءِ القتلى

*

في الحروبِ

تحرسُ الكلابُ قبورَ أصحابِها

ريثَمَا تجفُّ

*

في الحروبِ

تعجُّ المقابرُ

بالحياةِ

ويستأنسُ الموتى

*

في الحروبِ

يُقامرُ السلاطينُ

بفائضِ الطائراتِ لديهم

وفائضِ القوّةِ

والتعاريصِ

ويجتمعونَ ِفي آخرِ الليلِ

للصلاةِ آمنين

*

ستغيّرُ الحربُ وجهتَها

إن أنت فكّرتَ بغيرِك

ستخفّ وطأتُها،

كلّما لم تُعجبْك صورتُك في المرآة

ستنتهي،

إن أنتَ أحببتَ لغيرِك مَا تُحبُّ لنفسِك

فافعلّ

وقُلْ

هي القصيدةُ أنقذتْني وأنقذتْه

*

في الحروبِ

كمَا في الحُبّ،

لو أن الفتى حجرٌّ!

*

في الحروبِ

يبدو الموتُ أنيقًا

في خطّةِ الجنرال

*

في الحروبِ

لا تثقْ بالله ولا بمُرسَليه

من الرجالِ البيضِ

ثِق فقط بمَن قاست لكَ نبضَ قلبِك

بمَن ناولتكَ الدواء

بمَن ذرفتْ دمعةً ونصبتْ لكَ خيمةً

في العرَاء

*

في الحروبِ

كلّ شيءٍ يُكتبُ من أعلَى إلى أسفَل

هذه القصيدةُ

والأسماءُ الحُسنى كلُّها

والناسُ

والبيوتُ

والأشجارُ

والشياطين

والروايةُ

والراوي

كلّها أشياء

تدكّها الطائرات

وتغور في الأرض

*

في الحروبِ

يصيرُ الوقتُ

غولًا

ونحن أبناء الحكايةِ

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. بكيت وتأملت. سكتُّ وصرخت. انقدتني الكلمات:
    “ستغيّرُ الحربُ وجهتَها
    إن أنت فكّرتَ بغيرِك
    ستخفّ وطأتُها،
    كلّما لم تُعجبْك صورتُك في المرآة
    ستنتهي،
    إن أنتَ أحببتَ لغيرِك مَا تُحبُّ لنفسِك
    فافعلّ
    وقُلْ
    هي القصيدةُ أنقذتْني وأنقذتْه”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *