الصراع السياسي في التاريخ الإسلامي

الصراع السياسي في التاريخ الإسلامي

إبراهيم عبد المجيد

 

هذا كتاب مهم صادر هذا العام عن «دار المحرر» في مصر لإيهاب بديوي الكاتب والباحث والروائي الذي صدر له عدد من الروايات المهمة مثل «سقارة» و»ميراث النار» و»جبل الفواخير» و»عروس الحضرة» ومجموعات قصصية مثل «أمواج البحر الميت» و» قلوب مسجونة» وكتب نقدية مثل «بناء السرد ومناقشات في الرواية والقصة» و»تقنيات السرد القصصي عند نجيب محفوظ» من ثم فهو متعدد الإبداع والفكر.. يعيش في الإسكندرية مكتفيا بكتاباته بعيدا عن صخب القاهرة، حين التقينا كان حديثي معه عن هذه الظاهرة السكندرية، التي تجعل كتابها يعيشون في حالة من الرضا والاستغناء، رغم إنجازاتهم، والتي كانت أحد أسباب انتقالي في بداية سبعينيات القرن الماضي إلى القاهرة، حيث الصخب، وكيف قلت لأصدقائى من الكتاب في سهرة لنا، نحن هنا نعيش في رضا كبير واستغناء، وتمر بنا الأيام، لكني أريد أن أكون وسط القاهرة، التي جعلتها مركزيتها للأسف بوابة الوجود للكاتب والفنان بما فيها من صراعات ولقاءات.
هذا موضوع كتبت عنه كثيرا، متحدثا عن كتاب وفناني الإسكندرية الذين أنجزوا وينجزون أعمالا رائعة في الفنون، ولا يأخذون حظهم من الاحتفاء مثل كتاب القاهرة. هذه المركزية اللعينة التي لا أعرف كيف تستمر معنا، رغم أن العالم صار صغيرا، وشبكات التواصل الاجتماعي جعلتنا في أحضان بعضنا، فما معنى الوجود الشخصي وسط موجات القاهرة!
المهم أن الكتاب يناقش ويحلل ويعرض الصراع السياسي في التاريخ الإسلامي، وله عنوان فرعي هو «من سقيفة بني ساعدة إلى انهيار الدولة العثمانية» أي أنه منذ وفاة الرسول محمد بن عبد الله عليه السلام. هذا التاريخ موجود في كتب كثيرة متفرقة لكتاب كثيرين، لكنه ليس بهذا الشمول. ففيه كل الأحداث السياسية وليس حادثة واحدة ولا عصرا واحدا. ليس مجرد تأريخ لكنه تحليل ومناقشة الآراء التي وردت في كتب وأبحاث شهيرة، يتضح منها منهج الباحث وأيديولوجيته، وتكون محل مناقشة هنا. رغم أن هناك كتبا كثيرة جدا لمؤرخين قدامى تناولت الأمر باعتباره أحداثا تاريخية، إلا أن حقيقته كانت صراعا سياسيا يختبئ قليلا، لكن كثيرا ما يكشف نفسه ويصل إلى الحرب، يناقش مثلا أصل التشيع، كما جاء في الكتب، وكيف اختلف عليه علماء الشيعة والسنة والمستشرقون. علماء الشيعة يرون أنه ظهر في عهد الرسول متجليا معنويا في من رأوا إمامة علي بن أبي طالب، ثم تجلي عسكريا مع موقعة الجمل. هو يري أنه يمكن التوفيق بين الرأيين، باعتبار أن الوجود المعنوي الباطني للتشيع في زمن الرسول، لم تظهر له آثار مادية وحركية، إلا في ما بعد، عند اشتعال المعارك بين علي بن أبي طالب والخارجين على سلطته. علماء السنة يرون التشيع غريبا على الإسلام وبدعة في الدين الإسلامي، ولم يوجد في عصر الرسول ولا عصر أبي بكر ولا عمر بن الخطاب من عرفوا بالشيعة. بين المستشرقين من يربط بين الشيعة وأصول غير إسلامية يهودية أو فارسية أو معتمدة على ركائز غنوصية. في كل ذلك يضرب الأمثلة بالكتب والدراسات والأسماء، ثم يأتي الحديث عن تأسيس الدولة الإسلامية الكبرى في الثاني عشر من ربيع الأول في العام الحادي عشر الهجري، أو السابع من يونيو/حزيران عام 632 م . دائما يأتي بالتاريخ الهجري والأفرنجي المقابل باليوم والشهر والسنة.

المشهد العالمي مع ظهور الدولة الإسلامية الأولى وظهور النبي محمد عام 611 م وكيف كان هناك حراك عالمي كبير.. قوى ناشئة متمددة مثل الساسانيين في فارس والإمبراطورية الرومانية التي كانت منقسمة، قبائل العرب كانت متحدة في مواجهة القوي الفارسية، وعلامة عليها مثل موقعة ذي قار عام 609 م. باختصار يشرح الوضع وكيف كان ممهدا لظهور الإسلام. يأتي التأسيس الثاني وهو دولة الخلافة الراشدة. توفي النبي محمد المؤسس دون أن يكون له خليفة أو نظام واضح للحكم، كأنه أرادها دولة ديمقراطية حديثة لا توريث فيها ولا وساطة، والحكم بالانتخابات المباشرة، وهو ما حدث في اجتماع ما يمكن أن نسميه مجلس الأمة، من ممثل لكل قبيلة أو مجموعة تمثل الأكثرية في سقيفة بني ساعدة لتحديد من يخلف الرسول، ومن هنا جاء لقب خليفة. هذه نقطة مهمة جدا غابت دائما عن من يتحدثون من رجال الدين عن شكل الحكم في الإسلام للأسف. المهم اجتمع الأنصار أولا في السقيفة واتفقوا على تولي سعد بن عبادة. وصل الخبر لأبي بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح فأسرعوا للاجتماع وتم ترشيح أبو بكر وتفاصيل ذلك. كيف تم الانتقال السلمي، وكيف يمكن تخيل الحرب لو أصر الأنصار مثلا على اختيارهم. صار الحكم للمهاجرين، أبي بكر بعده عمر بعده عثمان بلا توريث. هنا تم تحديد من لهم الحق في انتخاب الرئيس والبيعة لمن يتفقون عليه، وتحددت معالم دولة حديثة بتأثيث جيش قوي وتوزيع عادل للثروة. يأتي الحديث عن تأسيس الدولة الأموية وما جرى من صراع بين دولة الشام التي كان على رأسها معاوية بن أبي سفيان، ودولة الخلافة التي اختارت علي بن أبي طالب. تمشي مع الأحداث كلها حتى استقرار الحكم لبني أمية. الحروب التي جرت بعد مقتل عثمان، وعلى رأسها معركة صفين. تفاصيل ذلك كله يوما بيوم حتى أُسست الدولة الأموية الأولى، فصار لها معاوية خليفة المسلمين بعد مقتل علي بن أبي طالب، وتنازل الحسن بن علي عن الحكم حقنا للدماء، والمفاوضات التي جرت في ذلك. يأتي التأسيس الثاني للدولة الأموية مع مروان بن الحكم الذي استولي على الحكم في فترة انتقالية مضطربة ثم ورّثه لأبنائه. الصراع السياسي مع الدولة الأموية وتأسيس الدولة الزبيرية بقيادة عبد الله بن الزبير، حتى استشهد في قلب الكعبة عام 73 هجرية. على الجانب الآخر كيف نشأت دولة الأندلس والفتح الإسلامي للأندلس قبل انهيار الدولة الأموية. رحلة مع تاريخ الأندلس حتى انهيارها والخلفيات السياسية وصراعاتها وراء ذلك كله. ننتقل إلى نشاة الدولة العباسية والعصور العباسية المختلفة بين الصعود العظيم والهبوط المدوي. العصور الثلاثة للدولة لعباسية وبعض المؤرخين يرونها أربعة. العصر الأول عصر القوة والتوسع، ثم عصرالنفوذ التركي، وتفاصيل ذلك من اعتماد الخلفاء على الأتراك في الحكم بدلا من الفرس، ثم قفزة إلى عصر النفوذ البويهي الفارسي، كرد فعل لعصر النفوذ التركي، ثم العصر الرابع عصر السلاجقة. وهكذا من صعود بغداد حتى دخول المغول وانتقال الخلافة العباسية إلى الوجود الصوري في مصر. كيف خلّف الصراع على الخلافة وراءه قتلى في العائلة الواحدة وبين أفرادها من الأباء أو الإخوة أو الأبناء. يقف مع العلوم والآداب بكل تجلياتها من شعر وقصة وتأريخ وترجمة بتوسع رائع خلال العصر العباسي وفي الأندلس، ثم يأتي الحديث عن الدول التي انشقت عن العباسيين مثل، الأدارسة في المغرب ودولة الأغالبة التي بدأت في العصر الأموي والدولة الطولونية في مصر. حديث ضافٍ عن مؤسس كل دولة وكيف تمددت وزالت. مثال منها كيف تمددت الدولة الطولونية إلى الشام، وكيف خلف خمارويه أباه أحمد بن طولون، وما واجهه كل حاكم من قلاقل وثورات بالتفصيل، وكيف تصدعت الدولة الطولونية. كيف ظهرت الدولة الفاطمية. تصاعد نفوذ الشيعة مع الطائفة الإسماعيلية وأيضا الدولة الحمدانية في الشام، وهكذا حتى الدولة المملوكية في مصر ثم الدولة العثمانية، وصولا إلى محمد علي، ثم حضور الاستعمار إلى العالم العربي فصار تحت احتلال بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وكيف تقسمت الدول العربية.
ويسأل سؤاله الأخير هل هناك دولة عربية مؤهلة لقيادة العالم العربي في الفترة المقبلة لتستعيد أمجاده. يسأل القارئ ما هي هذه الدولة ويعدنا بكتاب مقبل عنها.

روائي مصري

عن القدس العربي

شاهد أيضاً

سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في أبوظبي للكتاب

(ثقافات) سوسن دهنيم وأحمد زايد يوقعان كتابيهما في جناح مؤسسة العويس بمعرض أبوظبي للكتاب   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *