(ثقافات)
سؤال الثقافة في كتاب (أسئلة الباحث العربي) للكاتبة أمنة برواضي
الدكتور امحمد امحور
صدر أخيرا للكاتبة أمنة برواضي كتاب (أسئلة الباحث العربي: دراسة ادبية) عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع في مصر، ويقع في أربعمائة وثمانية وسبعين صفحة من الحجم الكبير. وقد بذلت فيه مجهودا مثمرا، حيث استجوبت بلغة أدبية ونقدية راقية خمس كاتبات، وخمسة وعشرين كاتبا، تتوزع اهتماماتهم بين النقد، والسرد، والشعر، والمسرح، والسينما، والصحافة، وهو ما مكنها من استخلاص مواقف نقدية وأدبية وفنية تنضح براهنيتها الثقافية في زمن كورونا الذي أنعش التربة الثقافية ومدها بنسغ الحياة، فقد كانت الملجأ والملاذ للمكتوين بحرقة الأسئلة وصعوبة الحياة بعد أن سدت منافذ الحياة، وظل الناس يتحسسون أنفاسهم، وما أضيق العيش لولا فسحة الثقافة ومن وراء حجاب. والجميل في هذا الكتاب هو احتفاؤه بسؤال الثقافة، بعد أن ظنت به فضاءات الثقافة قبل الحجر الصحي سنين عددا، وتوارى المثقفون خلسة وراء حواسيبهم ومذكراتهم، ينتقدون الواقع الثقافي عن بعد، وكأن الشأن الثقافي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن النخبة المثقفة، وظل الجميع يتغنى بليلى التغيير الثقافي، وهي عنهم مراودة لعوب، تتشفى في واقعهم الثقافي البئيس والكئيب.
وحسنا فعلت الكاتبة أمنة برواضي حينما اجترحت منهجا علميا يستجيب للذوق الأدبي في زمن كورونا وأيام الحجر الصحي تحديدا، حيث استثمرت إمكانيات التواصل الاجتماعي وانطلقت من المتون النصية التي أنتجها الكتاب المستجوبين لتمتح منها أسئلة أدبية وفنية ونقدية على غرار تلك الأسئلة التي طرحها أبو حيان التوحيدي على مسكويه في كتابه الهوامل والشوامل، ولسان حالها يتغيى من يمتلك المعرفة والثقافة زمن الحجر الصحي، وتقنية السؤال والجواب كان لها قصب السبق في تشكيل المخيال الأدبي، وصياغة السؤال الثقافي بشكل بديع على مر التاريخ.
لقد تحكمت المرجعية الفلسفية والذخيرة الفكرية في الحوارات التي يتضمنها كتاب أسئلة الباحث العربي، وظل جل الكتاب المستجوبين حريصين كل الحرص أن يحظى لديهم سؤال الثقافة براهنيته الخاصة زمن وباء كوفيد19، وكذلك كان، ولا غرو إن كثرت الندوات الثقافية على النت، وتفاعل المجتمع الشبكي، وتحركت المياه الآسنة تحت جسر النصوص الإلكترونية، وتهافت الباحثون على المواقع الالكترونية الجادة.
نقرأ في الحوار الذي خص بها محمد دخيسي أبو أسامة كتاب الباحث العربي ما يلي: استطاع الكثير من المبدعين أن يخرجوا من إطاراتهم الضيقة إلى فضاء أوسع، وأن يحققوا ذواتهم بكل ما يرونه معبرا عن دواخلهم ولواعجهم. . . لكن مع الأسف، مع كثرة النشر اختلط الحابل بالنابل فصرنا أمام كم من النصوص، لا نعرف تصنيفها، إلى جانب ما يعانيه أصحابها من ضعف لغوي حاد لا نكاد نحدد مواطنه، حتى نتأسف لما آلت إليه اللغة العربية وآدابها (ص:31).
وإذا كانت المواقع الالكترونية قد فتحت آفاقا واعدة لنشر النصوص الأدبية فإنها بالأحرى قد كشفت المستور وأبانت عن مستوى ضعيف لبعض الكتاب الذين لم يمتلكوا ناصية اللغة، ولا يمكن أن نصوغ سؤال الثقافة أو نملك مشروعا ثقافيا بلغة مهلهلة.
والموقف النقدي الذي ينتصر للنصوص الادبية المنسوجة بلغة راقية هو القاسم المشترك بين كل الكتاب المستجوبين في كتاب أسئلة الباحث العربي على اختلاف مشاربهم الفكرية ومرجعياتهم الفلسفية وذخائرهم الأدبية . ولهذا السبب صعب على الناقد امحمد امحور أن يتحدث عن حركة ثقافية حقيقية في المنطقة الشرقية على الرغم من تنظيم ندوات، وملتقيات، ومعارض، ومهرجانات من قبل جمعيات ثقافية انحزت أنشطة محدودة في الزمان (ص:14).
أما الناقد نور الدين أعراب الطريسي فهو ينوه بالحركة الأدبية بالمنطقة الشرقية التي استطاعت أن تصل بالمنطقة إلى المستوى العربي، ذلك أن الشرق المغربي يشق طريقه ويقود قاطرة الأدب والثقافة، ومدينة وجدة تحولت إلى عاصمة للثقافة العربية (ص41). يقارن الدكتور مصطفى الرمضاني بين المدن المغربية من حيث وضع التجربة المسرحية بالجهة الشرقية، ويستنتج خصوصية مغربية تتمثل في الحرص على الجدية في تناول الموضوعات ذات الطابع الاجتماعي والسياسي، والابتعاد عن السوقية في مجال الكوميديا، ويلاحظ أن هناك تجارب متميزة في مجال الكوميديا السوداء والمسرح النقدي (ص89).
والباحث عيسى الدودي أخذ على عاتقه دراسة الأدب من منطلق البحث في مواطن الالتقاء بين الآداب العالمية والأدب العربي، وبين الأدب الإسباني والأدب الأندلسي (ص122). إنه يعمق النظر في درجات المثاقفة التي تمت بين الأدب المغربي والأدب الإسباني.
والباحث بوزيد العلى يرى ان النموذج التنموي سيبقى منقوصا ما لم يتضمن هندسة حقيقية لمشروع قائم على سياسة ثقافية واضحة المعالم، فالتنمية لن تقوم لها قائمة في ظل السبات الثقافي الطويل المحاصر بغياب البنيات الثقافية (ص137).
أما الباحث محمد يحيى قاسمي الذي يحمل مشروعا ثقافيا طموحا يهدف إلى الرقي بالأدب المغربي بيبليوغرافيا فقد عقد مقارنة ذكية بين إصدارات الرجال الأدبية وبين إصدارات النساء فخلص إلى أن الساحة الثقافية العربية على العموم والمغربية بالخصوص أثبتت أن هناك تراكما إبداعيا مهما من لدن المرأة، لذلك وجب الاهتمام بهذه الظاهرة من حيث الحصيلة والخصوصية (ص172).
وإذا كان كتاب الباحث العربي يضم حوارات أجرتها الكاتبة أمنة برواضي مع كتاب وكاتبات من مختلف أرجاء المغرب، ومن الجزائر وفلسطين والعراق ومصر. ويلاحظ هيمنة الكتاب الرجال المستجوبين إذ لم تحض الكاتبات بالقسط الأوفر من هذه الحوارات.
وعلى الرغم من أهمية الكتاب وراهنيته والمشروع الفكري والحضاري والثقافي الذي يراهن عليه بعض الكتاب المستجوبين، إلا أنه يظل ينقصه التصنيف والترتيب ضمن ضوابط علمية دقيقة، ولعل الناشر يتحمل وزر هذا التهافت إذ لم يراع المجهود المبذول من قبل الكاتبة أمنة برواضي، والحاجة إلى نسخة مزيدة ومصنفة ومنقحة لا محيد عنها، لاعتبارات عديدة؛ أهمها إيلاء عناية خاصة للكاتبات والمبدعات من داخل المغرب وخارجه بهدف تدقيق سؤال الثقافة بشكل عميق، وكذا إخضاع الكتاب لتصنيف الحوارات والتراجم والسير وفق معايير علمية عالمية، فلا يمكن أن نضع كل الأسماء الثقافية في طبقة واحدة، والتحقيب التاريخي الذي يعتمد على الأجيال قد يفيد في هذا السياق. وأقترح هذا التحقيب:
-
الجيل الأول: الدكتور مصطفى الرمضاني، الدكتور محمد يحيى قاسمي، الدكتور جميل حمداوي، الدكتور مسلك ميمون، الدكتور عبد السلام بوسنينة.
-
الجيل الثاني: محمد دخيسي أبو أسامة، عيسى الدودي، فريد امعضشو، امحمد امحور، فريد بوحيدة، لحسن ملواني. .
-
الجيل الثالث: محمد أعزيز، عبد الرحمان الصوفي، الرضواني نجمة، سانية غشير. . . .