بينما كنتُ لا أزال في بطن أمي، (الحاجة مليحة سلامة أبو عقيل الرواشدة، والتي كان الناس في بلدتنا يقولون عنها (مليحة شيحة) نسبة لأمها شيحة الدغامين، والصراحة لا أعرف اسم أبيها لجدتي، لكن أعرف أشقاءها الثلاثة، وكانوا جيراننا بالترتيب، لا يفصلهم عن دارنا الجديدة (فيما بعد)، في منطقي الصفي في البلد، سوى دار شقيقتي الكبرى ودار عمي، وهم الحاج عطا وفهيد وعبيد، أخوال أمي، وكانوا وأبناؤهم وبناتهم وأحفادهم من أحسن الناس، في تعاملهم وعلاقتهم بوالدتي وخالتي، واللتان كانتا تكنَّان لهم تقديرًا وحبًا كبيرين).
أقول: قبل ولادتي، كانت الأجواءً ملبدةً بالتَّرقبِ والقلق والغضب، كانت مصر تتصدر المشهد العربي والدولي، فقد خرجت منتصرةً من العدوان الثلاثي عليها من قبل اسرائيل وبريطانيا وفرنسا، بحجة تأميم قناة السويس، وبدأت مصر تشنُّ حرب استزاف ضد (إسرائيل)، فيما كانت الأردن تحكم الضفة الغربية، كما صارت تسمى بعد نكبة عام 1948م، وبعد أن تم إعلان قيام (اسرائيل) بعد قرار (تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية) الذي أصدرته الأمم المتحدة عام 1947م، والذي على إثره ضاعفت العصابات الصهيونية مجازرها وعملياتها الإجرامية لتهجير أكبر عدد من سكان فلسطين في ذلك الوقت، ولما تنادت الجيوش العربية من مصر أيام الملك فاروق، ومن العراق أيام الملكية ومن سوريا ولبنان بعد الاستقلال، وحتى من السعودية، ومن شرق الأردن بالطبع، والذي كان لا يزال تحت الإنتداب البريطاني، كما فلسطين والعراق والجزيرة العربية، ومصر والسودان، حسب إتفاقية سايكس بيكو.
كان قائد الجيش العربي الذي دخل لإنقاذ فلسطين، ومنع قيام اسرائيل، هو الجنرال البريطاني جون كلوب باشا، (أبو حنيك)، الذي تهشم حنكه، من شظية قذيفة ألمانية خلال مشاركته مع الجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى في فرنسا، عام 1917م، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، انتدبه الجيش البريطاني للعمل في العراق، الذي خضع للإنتداب البريطاني، ومن هنا جاءت بعض الروايات الشعبية العراقية، تؤكد أن العراقيين هم من أطلقوا على كلوب باشا لقب (أبو حنيك)، ليس لأنه لم يكن يجيد التحدث بالعربية كما يشيع البعض، فقد تعلمها وصار يتقن اللهجة البدوية، ولكن جاءت التسمية، لأنه طلب من جنوده، محاصرة ذئب، وعذبوه حتى أقعى مستسلمًا تحت سيارة الروفر الانجليزية، فمدحه شاعر بدوي وقال فيه:
يديم عز الانجليزي الصاحب
سوا سواه ما حدا سواها (سوا سواه يعني عمل عملًا أو صنيعًا لم يسبقه إليه أحد)
خلى سباع البر ترعى ذياخها
والذيب لو شاف الغنم خلاها
عندها ثارت حفيظه أحد بدو شمّر الحاضرين من الغيرة، وقال: نحنا سباع البر فَشرت، وأطلق النار على كلوب وأصابه في حنكه ولذا سمي أبو حنيك.
استطاع أبو حنيك هذا، أو جون كلوب باشا، تعلًّمَ اللهجة البدوية، وتوحيد القبائل البدوية العراقية، بعد ذلك ثم نقله عام 1930 إلى شرق الأردن، واستطاع أن يوقف الغزوات المتبادلة بين القبائل البدوية في شرق الأردن، بعد أن أسَّسَ قوات البادية، ثم صار قائدًا للجيش العربي عام 1939م، ولأنَّ قيادة الجيوش العربية التي دخلت لإنقاذ فلسطين عام 1948 كانت بقيادة الملك عبدالله الأول، فقد صار كلوب باشا عمليًا هو قائد الجيوش العربية، التي دخلت لمنع تنفيذ قرار التقسيم، وإنشاء الكيان الجديد!
شاءت الصدقة أن أتعرف على فارس ابن كلوب باشا هذا، في نهاية الثمانينيات فقد كان لي صديق اسمه وائل المشهل، وكان فارس متزوجًا من شقيقته، وقد فهمت منه أنهم ايرلنديون وليسوا انجليزًا، وأنه ولد في منتصف الثلاثينات في القدس، وأطلق عليه اسمه العربي، الملك عبدالله الأول، فارس كان قد أعلن إسلامه في الأزهر الشريف في القاهرة، حين كان في الثامنة عشرة من عمره، وعلى عكس والده فقد صار مدافعًا شرسًا عن القضية الفلسطينية، وكان يتقن العربية كتابة ولفظًا، وحين رفضته جامعة اكسفورد بسبب ميوله السياسية المخالفة، درس في جامعة لندن وكانت رسالته “النازية والصهيونية علاقات واتفاقيات”، عمل مدرسًا للغة الانجليزية في كلية وادي السير ثم عمل في الإذاعة الأردنية ثم التحق للعمل في عدة وكالات عالمية لتغطية أخبار القضية الفلسطينية، ثم انتقل للعيش بداية السبعينات للعمل مع الصليب الأحمر لخدمة المخميات الفلسطينية في لبنان، وحمل السلاح دفاعًا عن الثورة الفلسطينية في لبنان، وبعد خروج الثورة من لبنان عام 1982 التحق للعمل في قبرص، وتنقل في أكثر من موقع حتى عمل في وكالة الأنباء الكويتية، وتوفي في الكويت في حادث سير عام 2004، كان فارس يشبه والده كثيرًا في الشكل، ولكنه كان يعتبر نفسه أردنيًا فلسطينًيا، كما أجاب إحدى الصخفيات الأجنبيات حين سألته أنت بريطاني وتدافع عن الثورة الفسلطينية، فقال لها أنا فلسطيني من القدس، وكان شكله يبدو انجليزيًا وليس عربيًا، لكنه كان يحب اللغة العربية ويتقنها ويكتب بها، كما يكتب باللغة الانجليزية، وترك عدة كتب من بينها (نجمة داوود والصليب المعقوف). أوصى أن يدفن في القدس التي ولد فيها وأحبها لكن الاحتلال رفض تنفيذ وصيته.
نعود إلى الجيوش العربية وحرب الإنقاذ، التي تبيَّن فيما بعد أن هذه الجيوش دخلت لتنفيذ قرار التقسيم، بل تم منح هذا الكيان الجديد المزيد من الأراضي الفلسطينية خلال الهدنة، وبعدها، والتي لم تكن حتى بريطانيا تعنيها، أو ترغب بمنحها لليهود في وعد بلفور.
ساهمت بعض الجيوش العربية التي دخلت إلى فلسطين، بنقل أعداد كبيرة من الفلسطينيين خارج فلسطين، حماية لهم من نيران اليهود، وبناء على وعود بإرجاعهم، بعد أيام قليلة، من تحقيق النصر، ولذا حمل الكثيرون مفاتيح بيوتهم، وبعض الملابس الخفيفة، وتم ترحيل أعدادٍ كبيرة منهم بواسطة شاحنات عسكرية، وعبر القطار الذي كان يعمل من ميناء حيفا إلى دمشق وحلب والمدن السورية، ومن هنا جاءت الشتيمة الساخرة عند الفلسطينيين (يلعن أبو ترينك)، كما قال لي الروائي يحيى يخلف ابن مدينة سبخ قرب صفد، أن اللاجئين الذين كان يتم تحميلهم من المدن الفلسطينية في شمال فلسطين لم يكونوا يعرفون وجهتهم، ولا مستقرهم الجديد، فكان القطار ينقل البعض إلى شمال الأردن، وإلى درعا، وآخرين إلى دمشق أو إلى حمص وحماة، أو حلب، ولذا تفرق أهل البلدة الواحدة، على عدة مخيمات، وحين كانوا يلتقون بعد وقت، يشتمون “الترين” الذي فرقهم عن بعض، أو جاء بهم إلى مخيماتهم الجديدة.
ما أن حلَّ شهر أيار وقبل إعلان قيام اسرائيل في منتصفه، حتى كانت العصابات الصهيوينة قد نجحت في تهجير ما لا يقل عن 800 ألف مواطن فلسطيني، (تعدادهم الآن سبعة ملايين) بعد أن لجأت العصابات الصهيونية إلى تنفيذ مذابح جماعية في العديد من البلدات والمدن الفلسطينية لإخافة العرب ودفعهم إلى الهجرة.
تعرض الشعب الفلسطيني لأكبر صدمة في تاريخه، وتم اقتطاع الجزء الأكبر من وطنه، ونفي مئات الآلاف خارج مدنهم وقراهم، وتم الاتفاق في الأمم المتحدة، التي أسست وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، UNERWA؛ ((تشغيلهم وليس إعادتهم))، على إقامة مخيمين للاجئين على الأقل في كل مدينة فلسطينية، ففي قطاع غزة، أنشئت ثماني مخيمات، وداخل الضفة الغربية، إنشئ ثمان وعشرين مخيمًا، وفي الأردن أربعة عشر مخيمًا، وفي لبنان خمسة عشر مخيمًا، تم تدمير ثلاثة منها في منتصف السبعينيات خلال الحرب الأهلية في لبنان، وهي مخيم تل الزعتر والنبطية وجسر الباشا، وفي سوريا أحد عشر مخيمًا من أشهرها مخيم اليرموك الذي تعرض للكثير من الدمار خلال الحرب في سوريا، وتشرد منه الآلاف، أما في العراق ومصر فلم يتم إنشاء مخيمات، فقد تم تسليم مصر إدارة قطاع غزة الذي نال حصته من المخيَّمات، رغم الإكتظاظ السكاني فيه، (ومصر حتى اليوم تستقبل آلاف اللاجئين العرب من سوريين وفلسطينيين وعراقيين وسودانيين وليبيين وأفارقة، ولم تفكر بإقامة أي مخيم على أراضيها،)، أما في العراق تم تسكين عدد من الفلسطينيين، ربما لا يزيد عددهم على اثني عشر ألفًا، في مناطق سكنية عادية في بغداد.
بعد الهدنة التي فرضت عقب حرب ال48، تم التوقيع على معاهدة “رودس”، وتم الإتفاق على تغيير بعض الحدود لصالح اسرائيل أيضًا، فقد تم منح اسرائيل أجزاء كثيرة من منطقة المثلث في فلسطين، والتي تضم العديد من المدن والقرى والتجمعات السكانية، فيما استغلت اسرائيل حالة الهزيمة والتشتت العربي، وقامت عام 1950م باحتلال مدينة بئر السبع، وأراضي كثيرة من بلدتنا، والقرى المجاورة لنا، وأكملت احتلالها لصحراء النقب وصولًا إلى أمِّ الرشراش على البحر الأحمر ، وبذا أحكمت السيطرة على قطع العالم العربي من الوسط، وفصل الدول العربية في آسيا عن الدول العربية في شمال أفريقيا.
كانت سنوات الخمسينيات صعبة جدًا على الشعب الفسلطيني، سواء الذين سكنوا في مخيمات الشتات، أو أولئك الذين ظلَّوا تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، أو الذين هجروا حتى من مدنهم وقراهم، (بعضهم هجر أكثر من أربع مرات)، أو التي ظلوا فيها، أو الذين عاشوا في الضفة الغربية، أو في قطاع غزة، وقد تبيَّن أن اسرائيل محت عن الوجود أكثر من 485 قرية فلسطينة نهائيًا.
هذه الأرقام حقيقية، وقد أكد لي ذلك الروائي الفلسيطيني محمد علي طه والذي زرته في قرية كابول في منتصف التسعينيات التي يسكنُها الآن، بعد ترحيلهم من بلدة المغار، وزرت وإياه أثار عدة قرى فلسطينية تم مسحها عن الوجود، حتى وقفنا على “بير الصفا” الذي كان يذكر كثيرًا في الغناء الشعبي الفلسطيني:
ع بير الصفا وردت حليمة جدايل سود وأرختهن حليمة
رَوَّحن يا الشًّقر ما إنكن غنمية
حليمة سهيل ونجوم الضحى
والبعض يجعل حليمة (شقرا) وجدايلها شقراء ويستبدل الشقر بالسمر،
ع بير الصفا وِردتْ حليمة جدايل شقر وبرمتهن حليمة
روحن يا السمر ما إنتن غنيمة غنيمة البيض حلوات العصاب.
بدأ تأثير النكبة، وحرب ال48 على المستوى العربي، فقد كشف الشعب العربي، أن الكثير من أنظمته، متواطئة في تلك الجريمة، وفي مصر قام الضباط الأحرار بثورة 23 يوليو 1952 بسبب اتهام الملك فاروق، بإرسال أسلحة فاسدة لمحاربة اليهود، وقد تمت محاصرة الجيش المصري في الفالوجة، وكان بينهم عدد من الضباط الأحرار ومن بينهم جمال عبدالناصر، وكانت تلك الأحداث وضياع الجزء الأكبر من فلسطين، السبب المباشر للثورة في مصر، وحدوث العديد من الاضطرابات والتغييرات في العالم العربي، وتبلور المد القومي العربي، والذي صعد إلى قيادة العديد من الأقطار العربية مثل سوريا والعراق واليمن والجزائر وليبيا فيما بعد.
فرضت بعد ذلك وحدة الضفتين على نهر الأردن، عام 1952، والتي لم توافق عليها إلا ثلاث دول، هي بريطانيا والعراق (كان لا يزال الحكم الهاشمي فيها) والباكستان، والتي رفضتها الجامعة العربية، ولكن الوحدة صارت أمرًا واقعًا، وصارت الضفة الغربية التي ولدت في إحدى قراها الجنوبية، فيما بعد، جزءًا من المملكة الأردنية الهاشمية، وأصبح كل سكان الضفة الغربية مواطنين أردنيين.
بعد قيام الثورة في مصر، وطرد الاحتلال البريطاني من أراضيها، وقفت الدول الغربية ضد جمال عبدالناصر، وإلى جانب اسرائيل، وشكلت الولايات المتحدة الأمريكية وبموافقة بريطانيا، حلف بغداد من إيران والعراق وتركيا والباكستان لمجابهة المدّ الشيوعي، وكان هذا الحلف يناصب القاهرة العداء، بينما كان النفس الشعبي العربي يؤيد عبد الناصر وثورته، وكان يحظر على المواطنين التعامل مع مصر، وحتى الاستماع إلى إذاعة “صوت العرب” من القاهرة، لكن ذلك لم يمنعهم من حب جمال عبدالناصر، وتعليق صورته في بيوتهم البسيطة.
“السَّموع” هي البلدة التي ولدت فيها، تقع على (حدود) الضفة الغربية الجنوبية، أي جنوب مدينة الخليل، (سميت بهذا الاسم نسبة إلى النبي ابراهيم خليل الرحمن، والذي عاش فيها 1800 قبل الميلاد ودفن فيها وزوجته سارة وابنه اسحق ويعقوب ويوسف ولوط ويونس)، وقد تم احتلال العديد من قرى الخليل الغربية، عام النكبة 1948م، ولكن شاء الحظ الجغرافي، أن تكون بلدتنا آخر القرى الجنوبية في محافظة الخليل، وهي ملاصقة لأراضي بئر السبع، والتي احتلت عام 1950، وتم انتزاع الكثير من أراضيها الجنوبية، من قبل القوات الاسرائيلية، والقرى المحاذية لها مثل الظاهرية غربًا ويطا وبني نعيم شرقًا، بعد وضع خط الحدود عقب اتفاق الهدنة، في جزيرة رودس، تلك الحدود التي تم التلاعب فيها حسب لجان الترسيم، والتي كان بعضها يزيح الحدود، عشرات الأمتار، إذا وجد من يدفع له الرشوة، ولكن كان أغلب الناس فقراء، في تلك الأيام لا يملكون المال.
قامت اسرائيل بعد ترسيم الحدود، بإحاطتها بسلسلة من الأشجار، والكثبان، ضمن مشروع الخط الأخضر الذي بناه “الكيرن كيمت” الصندوق القومي اليهودي، والذي تبرع بإقامته ثري يهودي أسترالي.
ولأن بلدتنا، هي الأقرب للأراضي المحتلة، والأوسع حدودًا، والأسهل للعبور منها إلى الداخل، صارت بوابةً للعابرين إلى ما خلف الخط الأخضر، وإلى أراضي بئر السبع وصحراء النقب التي يعيش فيها بدو النقب، والتي ظل فيها عدد كبير من أبناء بلدتنا، الذين كانوا يعملون هناك، فحملوا الهوية الاسرائيلية، ومنحتهم القبائل البدوية أسماءها، لحمايتهم.
وسهَّل وجود هؤلاء عملية التواصل للكثيرين، وعودة الكثير من أصحاب الأرض لزراعتها، ولكن بسبب وجود الفرسان على حدود الضفة الغربية، وحرس الحدود الإسرائيلي، “مشمار غفول” من الطرف الثاني، صار التنقل أكثر صعوبة، ولكن لم يكن يعدم الراغبون في التسلِّل، طرقًا سرية للتنقل، ويبدو أن اسرائيل كانت تغض النظر عن أولئك العابرين، والمهربين، من أجل تسهيل مرور الجواسيس أيضًا، إلى داخل أراضي الخط الأخضر، والتي صار يقول عنها الناس “البلاد”.
أقيم مخفران أردنيان على مقربة من الحدود، وهما “رجم المدفع” غربًا قرب بلدة “الظاهرية” ومخفر “الأصيفر” شرقًا جهة أراضي بلدة “يطا” المجاورة، عدا عن المخفر الرئيس الموجود في علية “العنيد” وسط البلدة، وكانت هذه المخافر الحدودية، (التي يشرف عليها الفرسان، وهم فرقة من الجيش العربي، أسسها جون كلوب باشا، كانوا يركبون الخيول، و يشرفون على مراقبة الحدود مع كيان الاحتلال، ويتجبرون في حياة الناس بشكل قاس وفظ، تصل أحيانًا إلى درجة الضرب بالسياط، والاعتقال، والحبس والغرامة، وفي أقلها إجبار الفلاحين على طهو الطعام الذي يطلبونه، وخاصة الدجاج البلدي، وبعضهم كان يجبر الفلاحين على إطعام الخيول سكرًا، حين كان السكر شحيحًا ويباع كمكعبات).
كانت هذه المخافر، تقوم بأكثر من وظيفة، وعلى رأسها، منع المتسلِّلين والمهربين، وضبط الحدود.
سنوات الخمسينات التي لم أعشْها، كانت صعبة، مليئة بالمتغيرات، وجاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، بحجة تأميم قناة السويس، ليزيد الطين بلة، ويمدد قوة إسرائيل التي احتلت قطاع غزة وصحراء سيناء. ولكنها كانت المسمار الأخير في عرش الإمبراطورية البريطانية التي لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها، واستغلت الولايات المتحدة العدوان الثلاثي، لتُخرج بريطانيا من اللعبة، وتتحمل هي ورثة الاستعمارين البريطاني والفرنسي فيما بعد.
كان الشعب الفلسطيني يحاول التكيف مع أوضاعه الجديدة، وتفتيته في عدة أجزاء ودول، وكان الخوف والقلق على المصير المجهول يعم الجميع، وكان أبي يخاف أصلًا من الفرسان ورجال الدولة، ويدعو الكثير من الموظفين والمارين إلى بيتنا لتقديم الطعام لهم.