مجدي.. ليس – أبداً – جزءاً مِنْ نَحْنُ

(ثقافات)

مجدي..

ليس – أبداً – جزءاً مِنْ نَحْنُ

مصطفى عبادة

أحياناً أسأل: مِمَّ يخاف أمثال مجدي؟

الوطن رهنُ إشارتهم، جمعوا منه المال والشهرة، لا يتأخر عنهم في شيء، يصادقون كبراءه، ويسبون نساءه، كأنا نجونا من: “مستعمرٍ بادٍ إلى مستعمر أخفى”، بلسان “البردوني”، أصبحوا يعبرون عن الوطن، ويقولون عن أنفسهم إنهم قوته الناعمة، إنهم النجوم التي صنعت التاريخ، وهم في هذا صادقون، لأن التاريخ صار على مقاسهم، التاريخ الذي يعرفونه، تاريخ الحكايات والنمائم، تاريخ القنص واللصوصية، والنتش، وفرض الذات بقدرة الوجود الجسدي والجلد السميك.

مِمَّ يخاف مجدي؟

 – إنه لا يخاف، لأن الخوف يمنحنا هوية، أو يحدّد هويتنا كبني آدمين، ومثله منزوع من كل شيء، ومنزوع منه كل شيء، هو وأمثاله سادة لا يخافون، سادة غير ما نعرف، السيد الحق، الذي يستمع بعمق للضعف البشرى، ومن يكتشف أن الضعف يفيض برأفة لا تنضب، والذي يتدفق من خلال المشاعر النبيلة التي يمكن أن يولِّدها الخوف، ومثلُ مجدي لا يخاف، إنهم من يسميهم علم النفس: الأشخاص المعتلون اجتماعياً الذين يفتقرون إلى التعاطف، لكن افتقارهم إلى الضمير أكبر.

هناك أشخاص يتحولون إلى معنى أكبر من الحياة، لأنهم تخلّوا عن الحية، وماتوا بما آمنوا، أو خلّدوا ما آمنوا إبداعاً، تركوا روحهم فيما خلّفوا، هكذا نذكر “مارتن لوثر”، و”نجيب محفوظ، وعشرات الأسماء الذين لم تكن الحياةُ وحدها أكبر همهم، ومبلغ علمهم، ولم يجعلوها أداة أو طعاماً لا يكفون عن حشوه في جوفهم، المدهش – أيضاً – أن ذلك قد يكون متكرراً ومعروفاً للجميع، لكن كيف للمجتمع أن يستسلم أمام نوعية هي الأسرع نمواً وانتشاراً، وصارت في كل مكان وفى كل مجال، إنهم يفتخرون بأنهم لا يعرفون شيئاً عن العالم، يقولون ذلك بكل صدق، بوجه جاد ونبرة صوت حادة.

كيف يتواطأ المجتمع مع مثل هؤلاء، كيف يستسلم؟ الواقع أنه استسلم، فرأينا هذا الشخص الذي يحارب ويجتهد من أجل أن يكون فاسداً، لا من أجل أن يفضح الفساد، الشخص الذي لم يكن أبداً جزءاً من “نحن”، بل هو دائماً: أنا. الإنسان حين يصبح أكبر من وطنه، وأكبر من مجاله، الشخص الذي هو علامة على سلالة من سلالات الاغتراب المزمن التي تتكاثر فينا، وتعمق عزلة الجادين والحقيقيين وهروبهم أمام اللصوص والقتلة، الشخص الذي فوق وطنه، لا وطن له، يبيع أي شيء وكل شيء، الذي ليس جزءاً من أي “نحن”، لا يخاف، الأنا هي الوطن، هي البيت والأصدقاء، ونجاح المصادقة حق مكتسب، والتحويم فوق كل شيء نجومية، والـ “نحن” بالنسبة له مرض يسخر منه، حتى لو عاش ألف عام، لا يشعر أبداً بأنه إنسان عادي، لأنه قتل بداخله جميع الأشياء، لا يستطيع أن يصادق أو يبتهج بالحياة، لا يستطيع الشعور بالفضول أو الشجاعة أو النزاهة، فارغ من كل شيء.. ولا يخاف.

مِمَّ يخاف مجدي؟

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *