إبراهيم طوقان: مواجهة مبكرة مع الصهيونية

(ثقافات)

إبراهيم طوقان : مواجهة مبكرة مع الصهيونية

 (1323 ـ 1360هـ  =1905 ـ 1941م)

زياد أحمد سلامة

 

مشوار الحياة… النشأة والتعليم والعمل:

   تعود أصول عائلة طوقان الى عرب الموالي القاطنين في حماة من بلاد الشام، وقد ترك جدهم عبدالله منطقة حماة وسكن منطقة البلقاء بالأردن؛ ثم نزل أعقابه مدينة نابلس، وفي هذه المدينة الجميلة العريقة ولد “إبراهيم عبد الفتاح داود آغا طوقان” في أسرة ذات ثراء ووجاهة،  مما سمح له بأن يتلقي تعليماً رفيع المستوى، فبعد دراسته في (المدرسة الرشادية) في نابلس [1914 ـ 1918] أكمل دراسته الثانوية في مدرسة المطران (سانت جورج) في القدس (1919 ـ 1923)، في القدس تعلم على يد الأستاذ نخلة زريق الذي حبب إليه اللغة العربية وآدابها، ثم التحق بالدائرة العربية في كلية الآداب في الجامعة الأمريكية في بيروت  ـ وكانت تعرف وقتئذ بالكلية ـ لينال (البكالوريوس) في الآداب، وقضى فيها ست سنوات 1923 – 1929على أيدي أساتذة مرموقين منهم الأديب المعروف أنيس المقدسي واللغوي جبر ضومط.[1] وجبران بخعازي وجبرائيل جبور وسلم المشنوق وعباس إقبال وأسد رستم.[2]

في نـفس العام (١٩٢٣ (رحل إلى بـيروت ليـدخل الجامـعة الأميـركية وقـد قضى عامـاً دراسياً واحـداً عـلى سـبيل الإعـداد لـلـجـامعـةĒ ثم قـضى في الجـامـعـة خـمس سنـوات (وكـان حـقـها أن تـكون أربع سـنوات ولـكن مرضه الـتكرر أدى إلـى انقطـاع) فتـخرج في الجـامعـة عام ١٩٢٩ وقد حصل على درجة البكالوريوس في العلوم.[3]

عرفه أخوه أحمد بالأسـتاذ سعيد تقي الدين أول ناقد مـوجه تعهد موهبته. والشاعر بشارة الخوري (الأخطل الصغير).

وهناك تعرف على العديد من الشعراء والأدباء؛ وأسس هناك مع اللبناني البيروتي عمر فروخ،  والسوريين الحمويين وجيه ونديم البارودي والعراقي البغدادي حافظ جميل “دار الندوة” الأدبية عام 1926، وقد اختار كل واحد مهم اسماً أدبياً مستعاراً من أحد الأدباء القدماء، فكان اسم إبراهيم طوقان هو (العباس بن الأحنف)، وقد غلبت على هذه الحلقة روح المرح والهزل وكثرت مساجلاتها الغزلية، وكان أشعر هؤلاء إبراهيم طوقان، وكان لـ (دار الندوة) ـ كما أفاد الدكتور عمر فروخ سجلٌ تدون فيه وقائع الجلسات والمساجلات الشعرية، وبقي الدفتر في عهدة (كاتب دار الندوة) نديم البارودي[4]. أضف إليهم سعيد تقي الدين الذي أصبح من أوائل القصاصين والروائيين اللبنانيين. وعندما كان طوقان في الجامعة الأمريكية لقبته الصحف اللبنانية بـ (شاعر الجامعة).

   عـام ١٩٢٦ عـرف أول حب، وكـان في الحـاديـة والـعـشـرين مـن عـمـره، أمـا المحـبـوبـة فـهي الـتي يـرمـز لاسـمـهـا في مـقـدمـات الـقـصـائـد (م. ص = مـاري الـصـفـوري) وهي فلسطينـية انضمت إلى الجامعة عامـاً واحدًا (١٩٢٥-١٩٢٦ (ولاحقتها أحلام الشباب من الـطلاب ولـكـنـهـا وقـعت في هـوى إبـراهـيم وفـيـهـا نـظم إحـدى إبـداعـاته المـيـزة -قصيدة: “في المكتـبة” وانهمر شلال الغـزل وعنها كانت معـظم قصائده في هذا الفن. انتهت علاقة الحب بزواج (م. ص) ولكنها ظلت تحافظ على مودة بإبراهيم.[5]

   عمل بعد تخرجه معلماً في نابلس في كلية النجاح الوطنية لمدة عام واحد، وكان من زملائه في ذلك العام الدراسي الشيخ عبد الحميد السائح، الذي أصبح رئيساً للمجلس الوطني الفلسطيني، في حين كان من طلابه الشاعر عبد الرحيم محمود، الثائر الذي استشهد عام 1948؛

   بعـد عام واحـد من مغـادرته مقـاعد الـدرس في الجامـعة الأمـيركـية بـبيروتĒ طـلبـته هذه الجـامـعـة (١٩٣٠ (لـيـقـوم بـالـتـدريس فـيــهـا بـقـسم الأدب الـعـربي، كـان هـذا بـواعـز سـيـاسـة جديدة لـتعـين عـدد من الشبـان المسـلمـين من متخـرجيـها الجـدد ومد جسـور بين الجـامعة والمجتمعات الـعربـيـة القـريبـة، بـخاصـة الخلـيجـيـة، وقع إبراهـيم عقـداً لـلعـمل مدته ثلاث سنوات. كانـت هذه العودة إلى بيـروت منحى مؤثراً في حـياته، فبيروت الـطالب غير بيروت الموظف. لقد زاد جموحاً، وزاد طموحًا كذلك، فعـرف مرغريتا الأندلسية (التي كتب فيها: غادة إشـبيـليـة) والتـقى بالـدكـتور نـيكل الـبوهـيمي؛ وسـاعده في تحـقيق كـتاب “الـزهرة” (أو نصفه الأول المتاح وقتها) [6].

 وفي هذه المرحلة البيروتية عام 1930كان يتردد على (مقهى النجار) الواقع في (ساحة البرج)، وكان هذا المقهى ملتقى أهل القلم في ذلك العهد، وعلى رأسهم: الأخطل الصغير، أمين تقي الدين، الدكتور نقولا فياض، أديب مظهر، سعيد وخليل تقي الدين، عمر فروخ، إلياس أبو شبكة، ميشال زكور وآخرون[7]. وعمل هناك عامين ثم عاد الى فلسطين بسبب مرضه، إذ كان يشكو من ألم مبرح في معدته، وأثناء حفل تخرجه في الجامعة انتقل من الحفل الى سرير المستشفى مباشرة، ولقد لازمه هذه المرض مذ كان طالباً في مدرسة المطران بالقدس، وكثيراً ما اقعده ذلك المرض عن مواصلة التحصيل العلمي، أو أعاقه عن العمل، وبالإضافة إلى ما كان يعانيه من قرحة في معدته، وصمماً في أذنه اليمنى لم تُجْدِ معه العمليات الجراحية نفعاً؛ كان يعاني أيضاً من استعداد في أمعائه للالتهابات، وقد اضطر لعمل عمليتين جراحيتين لمعالجة بعض من آلامه هذه،[8]

   استقال إبراهيم طوقان بعد عمل عامين اثنين في الجامعة الأمريكية، وبسبب أزمة اقتصادية مرَّت بها الجامعة الأمريكية في بيروت تم إخراج عدد من المدرسين فيها بينهم طوقان[9]

 فعمل في المدرسة الرشيدية في القدس، ثم عمل في دار البلدية في نابلس عامين، وبعد ذلك عمل في دار الإذاعة الفلسطينية منذ عام 1936 لمدة أربع سنوات ليكون أول مراقب للقسم العربي فيها، كان يكتب للإذاعة الأحاديث الأدبية والقصص والروايات التمثيلية، وينظم الأناشيد للبرامج الخاصة، وتصدى أثناء عمله في الإذاعة لفئة غير عربية كانت تسعى سعياً حثيثاً لتنشيط اللهجة العامية وجعلها الغالبة على الأحاديث المذاعة، واستطاع أن يهزمها، وقد فُصل من عمله نتيجة لدسائس ومؤامرات اليهود والإنجليز.

    تمت إقالته من عمله في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر سنة 1940؛ و”في مساء اليوم الذي أقيل فيه إبراهيم من عمله في الإذاعة، خفّ صديقه أكرم بك الركابي إلى السيد طالب مشتاق، قنصل العراق في القدس يومئذٍ، وأطلعه على ما جرى لإبراهيم، وفي محادثة تلفونية من قبل السيد طالب، الصديق المحب، سُجّل اسم إبراهيم في وزارة المعارف في بغداد ليزاول مهنة التعليم في أحد معاهد العلم هناك، ولقد كان ذلك بسرعة، ودون أخذ وردّ، إذ كان إبراهيم معروفاً لدى الأوساط الأدبية الرفيعة في العراق. ولقد لاقى من والده معارضة شديدة بشأن ذلك الرحيل، وإلحاحاً عليه بالبقاء عنده في نابلس، ولكن إبراهيم، على بره بوالده براً يفوق الوصف، وعلى تعلقه العجيب بوالديه وإخوته ـ حسب وصف شقيقته فدوى ـ  سافر إلى العراق وهو عازم عزماً أكيداً على عدم العودة إلى فلسطين مدى الحياة!. وجد إبراهيم على أبواب بغداد من ينتظره من الأصحاب العراقيين، وفي بيت السيد محمد علي مصطفى، الأستاذ في دار المعلمين العليا، نزل إبراهيم وأسرته معززين مكرمين، وفي دار المعلمين الريفية في الرستمية، باشر عمله.”[10]

 ولم يلبث أن عاوده المرض بعد شهرين من وصوله العراق، فعاد الى نابلس، ثم ادخل المستشفى الفرنسي في القدس، حيث أصيب بنزيف حاد، فانتقل إلى رحمة بارئه مساء الجمعة (2/5/1941) في القدس ودفن في نابلس.

وكـذلك حمـلت مـقالاته الـصحـفيـة صـفات وكـنى أخرى فـهو: كـما جاء فـي صحـيـفـة الـدفاع -الـفـلـسـطيـنـيـة): شاعر الجامـعـة، شـاعـر الوطـن، بلـبل فـلـسـطين الصداح، الأديب النابغ الأستاذ، شاعر فلسطين الألمعي، شاعر الحب والثورة، أبو جعفر [11].

ثقافته الواسعة ومعرفته باللغات

   فتح إبراهيم طوقان عينيه في بيته على مكتبة ثرية، فيُذكر أن عائلة «طوقان» كانت (وربما لا تزال) تمتلك واحدة من أهم المكتبات المنزلية في البلاد كلها إلى جانب عائلة الخالدي في القدس، بل إن مكتبة آل طوقان بالذات سوف تكون بعد ذلك بسنوات وبالتحديد خلال الأيام الأولى التي أعقبت هزيمة الخامس من حزيران1967، واحتلال الضفة الغربية موضع اهتمام، بل جشع وعدوانية وزير «الدفاع الاسرائيلي» موشي ديان، الذي زار بيت العائلة ونهب بعض محتويات المكتبة من الكتب النادرة والمفقودة[12].

  أما عن ثقافته؛ فمنذ يفاعته كان مولعاً بالشعر، وتُحدِّثُ أخته الشاعرة الكبيرة المرحومة فدوى طوقان بأنه كان يطارح جده الشعر والزجل والعتابا عندما كان صغيراً، وفي المدرسة الرشادية في نابلس درس على يدي معلمَيْن (أزهريين) بينما كان أساتذته في المطران من المتأثرين بالمدرسة اليازجية في الأدب والنقد، وكان من معلميه في المدرسة الإنجليزية نخلة زريق مدرس اللغة العربية، الذي فَتَّحَ عينيه على كنوز الشعر العربي.

  أجاد إبراهيم طوقان اللغة العربية إجادة تامة، وإلى جانبها أجاد اللغة الانجليزية وألمَّ بالفرنسية والألمانية، وقد تعلم الإسبانية من أجل صديقته الإسبانية، وتعلم التركية لغة جدته، ودرس التوراة وتاريخ (العبرانيين)، كما كان يحب كتاب الأغاني لأبي فرج الأصفهاني أحد أهم كتب التراث العربي، وحدثنا بأنه كان يرجع الى تاريخ الطبري وتفسير الزمخشري. كما ساند المستشرق التشيكوسلوفاكي لويس نيكل (الذي سمى نفسه عبد الرحمن) في تحقيق كتاب (الزهرة) لأبي داود الاصفهاني الظاهري وقد نُشِر هذا الكتابُ في بيروت عام 1932، وقام بتحقيق ديوان العباس بن الاحنف (الشاعر العباسي المتوفى عام 192هـ الذي قال البحتري عنه بأنه أغزل الناس، وكان شعره كله غزلاً)، وقد تأثر إبراهيم بالعباس في غزلياته، إلا أنه لم يقم بنشر تحقيقه لهذا الديوان، وقد تأثر طوقان بمعلمَيْه الأزهريين في المدرسة الرشادية، و يتضح ذلك (بالمسحة) الدينية التي تبدو في بعض أبيات شعره، حيث التأثير القرآني الواضح في نظمه ومن ذلك قوله:

اليوم يشرب موطني كأس ***الهناء لكم دهاقا

ففيه تأثر واضح وتناص بقوله تعالى في سورة النبأ: “إنَّ للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا، وكأساً دهاقا” وكذلك قوله:

والله مد لكم يدا ***تعلو على أقوى يد

 فالتأثر هنا بقوله تعالى في سورة الفتح “يد الله فوق أيديهم” واضح جلي، وأمثال هذا في شعر طوقان كثير، أورد استقصاء له (المتوكل طه) في كتابه: (حدائق إبراهيم) وكذلك الدكتور يوسف بكار في كتابه (إبراهيم طوقان: أضواء جديدة) وأشار إلى هذا الدكتور إحسان عباس في تحقيقه لديوان إبراهيم طوقان.[13]

  أما ثقافته العربية (التراثية) فواضحة في نثره على وجه الخصوص، فقد كتب عام 1940 قصة (عقد اللؤلؤ) التي اقتبسها من كتاب (الاعتبار) لأسامة بن منقذ، وقدمها في المذياع في أحد برامج الأطفال، وبث حديثاً إذاعياً عن حياة (السموأل)[14] وسنتحدث هنا مطولاً عن مقال السموأل وما جرَّ على طوقان من متاعب:

السموأل

  غاص طوقان في كتب التراث مثل كتاب الأغاني للأصفهاني والشعر القديم، لتظهر لنا شخصية الباحث عميق الثقافة، وهنا وبتاريخ (30/9/1937) بث طوقان حديثاً إذاعياً عن السموأل بن غريض بن عاديا ( المتوفى نحو عام 560م)  ، تلك الشخصية اليهودية التي عاشت في العصر الجاهلي، وكان يسكن خيبر، والذي اشتهر بين الناس أنه مثال للكرم والوفاء بالعهد، إذ يقال بأنه فضَّل الوفاء بعهده مع امرئ القيس (الشاعر الجاهلي 497ـ 545م) على أن ينقذ ابنه من القتل، وتذهب الرواية إلى أن امرأ القيس استودع عند السموأل دروعاً، قبل سفره إلى قيصر الروم حاملاً كتاباً من السموأل إلى الحارث الغساني بالشام ليوصله إلى قيصر بالقسطنطينية، وهنا جاء الحارث بن ظالم وطلب من السموأل دروع امرئ القيس؛ ليأخذها منه، ولكن السموأل أبى إعطاء الحارث الأدرع لأنه التزم بردها لامرئ القيس عندما يعود ويطلبها، وتحصن السموأل بحصنه، فظفر الحارث بابن السموأل الذي كان راجعاً من الصيد، فخير الحارثُ السموألَ بين تسليم الدروع وبين قتل ولده، فيأبى السموأل، ويضرب الحارث وسطَ الغلام بالسيف فيقطعه قطعتين.[15]

  وتعلل الروايات سبب رفض السموأل انقاذ ابنه من بين يدي الحارث وفاءً منه لامرئ القيس، لكن إبراهيم طوقان بيَّن أن تصرف السموأل لم يكن حرصاً على الأمانة ووفاءً بالعهد، وإنما كان حرصاً على المال الذي آثره على وحيده.

  لم يكتف ببيان حقيقة السموأل، بل ورد قصيدته المنسوبة اليه والتي مطلعها:

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عِرْضَه        فكل رداء يرتديه جميلُ

وقال بأنها قصيدة منحولة لأن راويها دارم بن عقال أحد أحفاد السموأل من الدعاة المهرجين وجريء على الانتحال، قال الأستاذ خير الدين الزركلي في ترجمة السموأل في كتابه “الأعلام”: وفي علماء الأدب من ينسبها لعبد الملك بن عبد الرحيم الحارثي.[16]

 والقصيدة من أولها إلى آخرها ليس فيها ما يدل على جاهليتها لا لغة ولا تفكيراً، ويلفت نظرنا إلى الوضع في الأبيات التالية المنسوبة للسموأل:

تسيل على حــدِّ الظُّباة نُفُسُنا         وليست على غير الظٌّباة تسيلُ

يُقَرِّب حُبُّ الموت آجالنا لنا         وتكرهـــه آجالهـــــــم فتطولُ

فما أغرب أن يكون هذا القول من السموأل، وما أبعد أن يكون للجاهليين المعاصرين لامرئ القيس مثل هذا الأسلوب[17]، وذَكر طوقان أن نقاداً ثقات عنوا بمسألة السموأل منهم الأب لويس شيخو اليسوعي، وروحي بك الخالدي المتوفى سنة 1914، وكان هذا البحث في مجلات محترمة كـ (المشرق) و(المنادى) وكتب معروفه منها (شعراء النصرانية للأب لويس شيخو). ودار البحث حول يهودية السموأل؛ فأثبتها الخالدي، وأنكرها شيخو، مقرراً نصرانيته، كما أن التحقيق أضْعَفَ شأن الرواية المنقولة عن علاقة امرئ القيس بالسموأل، ووقف متردداً في قبولها.[18]

  هاجت الصحف العبرية وحملت جريدة (دافار) حملة عنيفة قاسية على طوقان طالبت فيها المسؤولين محاسبته أولاً وإقصاءه ثانياً من منصبه، لأنه سخَّر المذياع لإثارة الفتن وجعل منه أداة خصام لا أداة سلام ـ حسب قولهم ـ .[19] وقال طوقان: ” إن (دافار) لم تكن منصفة بأخذها (نتيجة البحث) دون البراهين التي أدَّت إلى هذه النتيجة، ولو أنها تجردت عن الغرض لرأت أنني تناولتُ امرأ القيس أعظم شعرائنا وأخلصهم عروبة، بنقد صارم وقسوة لا رأفة فيها، فبيَّنتُ مواطن الضعف العديدة في أخلاقه، وذهبتُ إلى أنه تآمر على أمته في قصده ملك الروم متهماً إياهُ بالخيانة العظمى!، ثم تابع وقال: أما الثقة الذي رجعت إليه في التعليق على قصة السموأل فهو (أبو الفرج الأصبهاني)، صاحب كتاب (الأغاني) وقد ورد ذكره في الحديث المذاع!”[20]

   لقد تسببت هذه القصة في مشكلةٍ لطوقان مع القائمين على الإذاعة من الإنجليز واليهود؛ ومهدت لإخراجه منها، وسيكون الحديث عن عمل إبراهيم في الإذاعة وإخراجه منها.

إبراهيم طوقان في الإذاعة الفلسطينية:

    تأسيس الإذاعة: عام 1935 أرادت السلطات البريطانية إنشاء محطة للإذاعة في فلسطين، فتحدثت مع الأستاذ خليل السكاكيني ليكون المسؤول عن القسم العربي فيها ولكنه امتنع عن ذلك، ثم دعت الأستاذ عادل جبر والأستاذ رفيق التميمي للأمر نفسه، ووقع الاختيار على الشاعر المرحوم إبراهيم طوقان.[21]

   وتم الافتتاح في القدس في 30/3/1936 وفي حفل الافتتاح قال المذيع العبري عن “فلسطين” بأنها “أرض إسرائيل”، مما أثار غضب العرب، فانسحب السكاكيني من الحفل ولم يلق كلمته، ويقول السكاكيني في يومياته “وقد اضطرت الحكومة على إثر انسحابي أن تعلن أنها منعت اليهود من أن يسموا فلسطين أرض إسرائيل”.

    كانت الإذاعة تبث بثلاث لغات، هي العربية والإنكليزية والعبرية، كان حاكم القدس (ستورز) قد قام بنفسه باختيار موظفي محطة الإذاعة.[22] وكان البث باللغة العربية أربع ساعات ونصف وثلاث ساعات ونصف باللغة العبرية، وساعتين ونصف باللغة الإنجليزية، [23]وعند افتتاح المحطة كان عدد أجهزة الراديو في البلاد ما يقرب من 21,000 راديو. وكانت قوة المحطة 20 كيلو واط وتبث على 44901 متراً بما يساوي 668 كيلو سايكل[24]

هدف الإنجليز من إنشاء الإذاعة:

  في حفل افتتاح الإذاعة ألقى المندوب السامي (أرثر واكهوب) كلمته حيث ذكر عن منفعة المحطة للأهالي في المدن والقرى الفلسطينية، وأن المحطة لن تكون لها صلة بالسياسة بل سيكون الهدف الرئيسي للمحطة نشر الثقافة العامة والمعرفة، وذكر أن الأمور الدينية لن تهمل في نشراتها اليومية، كما أشار في كلمته إلى فائدة المزارعين الذين سيستمعون إلى المحطة عندما يشرح لهم المذيع عن وسائل تحسين الزراعة، وستكون برامج المحطة أيضاً الموسيقى والأغاني وبث الروح الموسيقية الشرقية والغربية. وفي نهاية كلمته ترجم خطابه إلى اللغتين العربية والعبرية.[25]

 يقول الدكتور تيسير جبارة: كما خطط الإنجليز أن تكون الإذاعة بعيدة عن السياسة بل تعليم الفلاح عبر الأثير الأمور الزراعية والفلاحة وغيرها من أعمال يدوية وليست فكرية. ولكنهم فشلوا في تخطيطهم، بل وقف المذيع العربي مع الثورة والإضراب وهذا أدى إلى الشكاوى الصهيونية إلى الإنجليز بإسكات الصوت العربي وقد حقق الصهاينة بعض النجاح لأن المحطة تبث بالعربية والإنجليزية والعبرية.[26]

 ولكننا سنرى أن الإذاعة قد خدمت أهداف السياسة الإنجليزية لا سيما أيام الحرب العالمية الثانية، وأنها استقدمت متحدثين لتمجيد السياسة البريطانية، وممن قام بهذا الدور الأدباء محمد عبد القادر المازني وعباس محمود العقاد وآخرون، ومن ذلك: ألقى المازني حديثة من محطة الإذاعة الفلسطينية في القدس، في اليوم العاشر من شهر تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1940 بدعوة من محطة فلسطين اللاسلكية، قال المازني: اتجه العرب في الحرب الماضية، إلى بريطانيا، بطبيعة الحال، فقد كانت في حرب مع تركيا، وكانت هي الدولة الكبيرة الحرة القادرة على معونتهم، والمستعدة لذلك، ولأن بلادهم واقعة على طريق إمبراطوريتها، فمن الممكن والمرغوب فيه، أن تقوم بين الفريقين علاقات مودة وتعاون لخيرهما معاً.  وبريطانيا تدافع عن كيانها وتذود عن حقيقتها، أو تقاتل في سبيل الحرية لنفسها، والعالم ضمناً. وقد صارت القضية التي تدافع عنها، هي قضية الحرية العامة للأمم، كبيرها وصغيرها. ولم يجئ هذا عفواً وإنما جاء للتطور الطبيعي الذي حدث في إمبراطوريتها هي نفسها، فقد كان لها في أول الأمر مستعمرات وأملاك، وكانت تسيطر على هذه الأملاك سيطرة القوي على الضعيف، والمتحضر على المتخلف. ولكن الحرب الماضية جاءت بتطّور عميق فتحولت العلاقة بينها وبين هذه الأملاك، إلى شركة حرة بين شركاء متساوين في الحقوق والواجبات. وصارت إمبراطوريتها مجموعة حرة من الأمم الحرة، ولكل واحد من هذه الأملاك حرية الرأي والتصرف والتقرير”.

 وأضاف: ومن هنا صارت الدولة البريطانية إمبراطورية، ليس من همّها ولا من غاياتها، الاستيلاء على البلدان الأخرى بل أن تعيش معها في سلام وتعاون وتبادل المنافع، لا تعتدي، ولا يُعتدى عليها.

“يقابل هذا، إن ألمانيا وإيطاليا دولتان، قامتا تطلبان الأملاك والمستعمرات وتنشدان التحكم في مصائر الشعوب واستغلالها، لخيرهما وحدهما، فلا أمان لضعيف معهما.

 وقال: “إن العرب يعرفون بالتجربة ومن الواقع أنها جماعة من الأمم، يسهل جداً، ومن الطبيعي أيضاً، أن تكون حليفةً وصديقةً لجماعة الأمم البريطانية. ويعرفون أنه لا مطمع لبريطانيا في بلادهم وأن كل ما تحرص عليه، هو سلامة إمبراطوريتها، فإذا اطمأنت إلى ذلك، ووثقت منه فلا مأرب لها بعد ذلك. وقد حررت بريطانيا فعلاً بلاداً شتى للعرب عاشت معها في سلام ووئام مثل مصر والعراق والحجاز، وهناك بلاد أخرى للعرب، لا يزال ينقصها أن تفوز بحقها في الحرية، وهذه أملها الوحيد، منوط بتقليم أظافر، الطغيان النازي والفاشي، وانتصار قضية الحرية العامة”.

 وقال: وأحب أيضاً، قبل أن أختم هذا الحديث، أن أقول، إني أرجو أن يكون إدراك الإنكليز لهذه الحقائق التي أشرت إليها، صحيحاً تاماً، كإدراك العرب.[27]

وفي حديث آخر قال محمود عباس العقاد أذاعه من محطة الإذاعة الفلسطينية في القدس يوم 14/10/1940 قال فيه بعد أن هاجم النازية: “وعلى هذا أردد ما اعتقدته، وآمنت به، وتمنيته من اليوم الأول، وهو أن النصر للحرية لا محالة، وأن شريعة الغاب لماضٍ لا رجعة له، ولا غلبة له، وأن التاريخ يكون عبثاً من أسخف العبث، لو بطل اليوم كل معنى من معاني الأخلاق والآداب، ولم يبق إلا معنى القوة الغاشمة والسطوة البهيمية، وإن حلّ محلها المدفع والدبابة، محل المخلب والناب.[28]

  وأما خليل تقي الدين فقدَّم حديثاً بعنوان “ليل الانحطاط وفجر النهضة” أذيع في شهر رمضان المبارك 1360 هجرية 1941م، تحدث عن فضل نابوليون الذي إذا دخل بلداً استصحب في حاشيته، رجال العلم والأدب والتاريخ وعلماء الآثار. وكان له الفضل في إنشاء أول مطبعة في مصر، ثم أخذ يتحدث عن محمد علي الذي أخذ يبعث البعوث إلى أوروبا وينشئ المدارس، ويشجع العلماء والأدباء، على نحو لم تعرفه الآداب العربية، منذ زمن طويل.

   ثم يقول: “ما كاد يتناصف القرن التاسع عشر، حتى أوفد الغرب إلينا رسلاً جدداً، أخذوا بأيدي أبناء الأقطار العربية، وذلك حين أنشئت في بيروت، الجامعتان الكبيرتان، الأميركية واليسوعية. وكان أعجب ما في أمرهما، أنهما كانتا تكملان بعضهما بعضاً، فالجامعة الأميركية كانت تحمل إلى البلدان العربية الثقافية الانكلوسكسونية، والجامعة اليسوعية كانت رسول الثقافة اللاتينية، وكانتا على تزاحمهما تبعثان حركة في الأوساط الفكرية”.[29]

   تعرض الأستاذ الأديب راضي صدوق لهذه المواقف: فلما تحدث  في كتابه “ديوان الشعر العربي في القرن العشرين” عن “إبراهيم عبد القادر المازني” ألمح إلى علاقاته [الفكرية] مع الإنجليز والذي يُلمح من خلالها أنه كان [عميلاً] للإنجليز، فقد ذكر شغف المازني بالشعر الانجليزي وتأثره بعدد من شعرائهم أمثال (شيلي، اللورد بيرون، هازلت، توماس هاردي) وقال : ويبدو أن هذا الشغف الأدبي تطور إلى ” علاقة خاصة” مع سلطات الاستعمار البريطاني في مصر، فقد أوفدت هذه السلطات المازني والعقاد إلى فلسطين ( التي كانت تمور بالثورة على مظالم الانتداب البريطاني والغزو الصهيوني) في مهمة لإقناع المجاهدين الفلسطينيين بوقف ثورتهم ووقف الإضراب التاريخي عام 1936، وقد أنزلتهما سلطات الانتداب في فندق الملك داود بالقدس، ولكنهما اضُطرا للانسحاب، والعودة إلى مصر، بعد تعرضهما لمحاولة اغتيال من قِبَلِ ثوار فلسطين، ثم انتدبت بريطانيا المازني ليخطب في الفلسطينيين من دار الإذاعة الفلسطينية لاستمالة الفلسطينيين والوقوف مع بريطانيا، وقد ألقى المازني مجموعة أحاديث في شهر تشرين أول عام1940مركزا على ” معدن التشابه بين معدن الفطرة العربية ومعدن الفطرة الإنجليزية، وإن كانت تخفى بين مظاهر الحياة للشعبين، وأن هذا التشابه يظهر عند البحث في الأدبين، على الرغم من اختلاف الصور وأساليب التعبير. كما أن أساليب التفكير عند العرب والإنجليز في جوهرها واحدة”[30].

  تعيين طوقان

  قابلتْ لجنة الإذاعة إبراهيم طوقان أواخر عام 1935.[31] قد اشترط أن لا تتحدث الإذاعة بالسياسة سوى في نشرات الأخبار، لأنه يعرف كيف ستوجه بريطانيا الإذاعة لمصلحتها، ولكن اليهود لم يلتزموا بهذا الشرط.  وقد باشر عمله مع افتتاح الإذاعة يوم 30/3/1936.

   سياسة طوقان في الإذاعة وعمله فيها

  كتب الدكتور زكي المحاسني في كتابه (شاعر فلسطين– إبراهيم طوقان) قائلاً: كان إبراهيم طوقان يريد أن لا تقل إذاعة القدس بشيء عن إذاعة مصر التي سبقتها إلى الظهور فكان يدخل عليها كل ما ينفع الوطن والشعب، فتنبه رجال الحكم إلى هذه الطريقة التي سار عليها.[32]

 كان دور طوقان وتأثيره على أداء الإذاعة الفلسطينية قد قاد إلى تعيين سلطات الانتداب البريطاني، عجاج نويهض كمدير عام للإذاعة في مسعى منها لتقليص دور إبراهيم طوقان والطاقم الفلسطيني عموماً، الذي سعى إلى جانب ما قام به على الصعيد الوطني السياسي إلى إبراز الفن والأدب الفلسطيني والعربي لدرجة تحولت معها إذاعة “هنا القدس” إلى منبر وحاضنة للمثقفين والفنانين العرب الذين وفدوا لها من مختلف الأقطار العربية وأصبحت أهم وسائل إبراز أعمالهم وتطوير وصقل مواهبهم، وهذا كان بسبب نشاط إبراهيم طوقان.[33]

نشرة الأخبار:

 كانت الإذاعة تقدم نشرة الأخبار في الساعات 7.15 صباحاً والثانية ظهراً والسادسة والتاسعة مساءً وتستغرق كل إذاعة من نشرة الأخبار ربع ساعة.

ومن المعروف أن الانجليز كانوا القائمين على تنفيذ سياسة البرنامج العربي، وخصوصاً نشرة الأخبار التي كانوا يشرفون على كل شاردةٍ وواردةٍ فيها، وكانوا يسيرونها حسب غاياتهم وأهوائهم ويبثون ما بين السطور أفكارهم المغلوطة وأساليبهم الملتوية، ولم يكن لمديري القسم العربي أي سلطة فعلية على ما يبث في نشرة الأخبار.[34]

 حماية اللغة العربية الفصحى

اهتمت الجهات الإنجليزية أن يستعمل القسم العربي اللغة العربية الدارجة بدلاً من اللغة العربية الفصحى وحجتها في ذلك أن اللغة الدارجة ترضي أذواق الجماهير وتقرّب لهم فهم الأحاديث، والروايات المسرحية، وبرامج الأطفال وحتى الأغاني.[35]

   تحدثت جريدة الدفاع عن حفل افتتاح محطة الإذاعة الفلسطينية منتقدة هؤلاء الذين شاركوا ولبوا الدعوة لحضور الحفل بأنهم يحضرون الاحتفال وهم إنما يحضرون الكارثة، وعن مصير اللغة العربية كانت الجرائد الفلسطينية متشائمة من مصير اللغة العربية فذكرت “ما ندري أتكونين الثالثة في الترتيب أو حتى تحذفين.[36]

  ولكن كان لإبراهيم طوقان رأي آخر يقوم على التمسك باللغة العربية الفصحى، كتب الدكتور زكي المحاسني في كتابه (شاعر فلسطين– إبراهيم طوقان) قائلاً: وحارب طوقان أسلوب استعمال اللغة العامية في الإذاعة بل أراد استعمال الفصحى في حديث الإذاعة، وقد غضب عليه المستعمرون لاستعماله الفصحى، مضى إبراهيم في عمله دون كلل، فكانت البرامج التي أشرف عليها مزودة بكل ما يبعث على وعي الشعب ويوقظ فيه النقمة على الفساد ويذكره بمآثر العروبة وعبقرية الأبطال الفاتحين.[37]

  يقول الدكتور تيسير جبارة بأن الشعب الفلسطيني لم يكن راضياً عن الإذاعة الفلسطينية التي يتحكم بها الإنجليز والصهاينة، علماً أن هذه الإذاعة كانت قد أنشئت بأموال عربية فلسطينية، ولم يرض الشعب الفلسطيني أن تكون لغة أخرى تزاحم اللغة العربية في الإذاعة الفلسطينية، حتى إن بعض الكتاب مثل إبراهيم الشنطي أطلق عليها اسم محطة بابل بدلاً من محطة الإذاعة الفلسطينية، فكتب معلقاً في جريدة الدفاع [38]تحت عنوان “هس اسكتي هل عرفت يا محطة بابل: إنها محطة الإذاعة الجديدة التي بدأت عملها بقولها القدس تتكلم بينما كانت القدس الممثلة في زعمائها جالسة على الكراسي تشرب الشاي، إنها المحطة التي يديرها الكاتب اليهودي الأدون شورر لكي يتفاهم اليهود مع جيرانهم العرب بواسطتها على نحو ما كانت تعمل المرحومة بريث شالوم، إنها المحطة التي تجاهلت مهد عيسى وبراق محمد، وراحت تسمي فلسطين العربية أرض إسرائيل إنها المحطة التي لا تستحق من جميع السامعين المساكين إلا لقب محطة بابل القرن العشرين”[39]

واستمر هذا النزاع قائماً بين إبراهيم والسلطات الحاكمة وأذناب السلطات الحاكمة، والصهاينة الذين كانوا يحبون الدسّ والوقيعة بين الحكومة البريطانية الحاكمة وإبراهيم مدير قسم البرامج العربية. ووقف إبراهيم وقفة جبارة وبيّن للفئات المناوئة الحاقدة على العرب واللغة العربية أن القسم العربي لن ينوي نقل لغة امرئ القيس، والنابغة الذبياني إلى المستمعين بل نقل اللغة العربية السهلة الممتنعة التي تفهمها أغلبية متعلمة قطعت شوطاً في المطالعة وقراءة الكتب الأدبية والعلمية الصادرة عن دور النشر في كل من فلسطين ومصر وسورية ولبنان.

وكان في مرات أخرى يقول عند مهاجمة آرائه في الجرائد المأجورة واليهودية: إن الفلاح الفلسطيني على وعي تام بما يدور حوله وهو يسمع الأخبار بالفصحى ويتفهمها جيداً ويعلق عليها تعليقات ذكية ويعرف الأغراض البعيدة التي ترمي إليها افتتاحيات الصحف والأخبار المحلية. وكان أنصار اللغة العربية وأصدقاء إبراهيم يخوضون معه هذه المعارك ويردون على الأكاذيب والأضاليل وينبهون أن اللغة العربية هي الجامعة بين شتى الأقطار العربية والهادفة إلى حفظ التراث والداعية إلى وحدة العرب وحريتهم.[40]

   مع الحجاج إلى مكة

    من أهم البرامج التي سعت إليها الإذاعة هي مرافقة الحجاج إلى موسم الحج للديار الحجازية عام 1940م، حيث كان مراسل الإذاعة ينقل أخبار القافلة والحجيج مدة مكوثهم في الحجاز، وقام بتغطية هذا البرنامج الشاعر إبراهيم طوقان من منبر الإذاعة، وقد استهل حديثه بنشيد قدمه خصيصاً للحجاج بعنوان “أشواق الحجاز” وقد قام بتلحينه الموسيقار ابن عكا يحيى اللبابيدي مدير قسم الموسيقى في الإذاعة، وغناها يحيى السعودي، ومطلع النشيد:

بلاد الحجاز إليك هفا              فؤادي وهام بحب النبي

ويا حبذا زمزم والصفا         ويا طيب ذاك الثرا الطيب[41]

  المؤامرة الصهيونية

 بالإضافة إلى الحملات التي قام بها الصهاينة وإعلامهم المركّز حول اللغة العربية الفصحى فقد قاموا بحملات أخرى واحتجوا بأساليبهم المعروفة على الموضوعات التي كانت تلقى، احتجوا على الموضوعات التاريخية، والدينية، والأمثال العربية وحجتهم في ذلك أن الموضوعات على اختلاف اتجاهاتها، والتمثيليات على تباين أهدافها، إنما غايتها أن تحفز العرب على الثورة ضد الكيان الصهيوني وضد الحكومة البريطانية، كما كانوا يهاجمون برامج الأطفال ويدّعون أن مثل تلك البرامج إنما تهدف أول ما تهدف للدعوة إلى القوة، والى تنشئة جيل عربي يعرف واجباته نحو أرضه، ويستعد أن يسفك دماءه في سبيلها. وكانت تفسر الأحاديث والقصص والأمثال ومسرحيات الأطفال والكبار تفسيراً سياسياً عنصرياً.

وعندما قدمت “فرقة الجوزي” رواية صلاح الدين الأيوبي في 1 / 11 / 1936 تأليف نجيب حداد وتلخيص جميل الجوزي، وعلى لسان الراوية (وكنا في بدء إذاعاتنا نبدأ المسرحية على لسان الرواية توضيحاً وتسهيلاً لفهم المستمعين) وكان نص البداية: “رواية صلاح الدين الأيوبي من الروايات القوية التي تظهر البطولة العربية في أجلى مظاهرها وتبيّن الشهامة التي قام بها البطل الخالد صلاح الدين الأيوبي بحروبه مع الصليبيين. والعبرة في تقديم هذه الرواية هي أن نقتدي بأولئك الأبطال الذين دافعوا عن بلادهم وأراقوا دماءهم في سبيل تمجيد البقعة التي نشأوا فيها وترعرعوا”.

ولكن ما كادت الفرقة تنتهي من إذاعة المسرحية الإذاعية حتى انهالت التلفونات على القسم العربي من الهيئات الصهيونية احتجاجاً على المقدمة التي ذكرتها الراوية كما صدرت جرائدهم في اليوم التالي منددة بالرواية التي تمجد بطولة العرب وتسامحهم ووقفاتهم الإنسانية التي وقفها صلاح الدين أمام خصمه ريكاردوس قلب الأسد، وأوّلو المسرحية بأنها حملة على الغرب وتمجيد فاضح للعرب. ولنا عودة إلى موضوع الرقابة في الحديث عن “المسرحيات في الإذاعة الفلسطينية”.[42]

عقد اللؤلؤ:

بعد قيام الحرب العالمية الثانية، قدم إبراهيم طوقان قصة تحت عنوان “عقد اللؤلؤ” كان قد اقتبسها من كتاب “الاعتبار” لأسامة بن منقذ وهي تدور حول الأمانة وقد أوّل المشرفون على البرنامج أن “الأمين” بطل القصة إنما يرمز إلى المفتي الحاج أمين الحسيني. ونظراً لأن الحاج أمين مناوئ كبير للحكومة البريطانية وعدو لدود لها، فإن المسؤولين اعتبروا عمله هذا خروجاً على “العرف المسلكي”.[43]

     والقصة في حدّ ذاتها لا تمت إلى السياسة بصلة ولا دخل لها بالحاج أمين الحسيني مفتي الديار الفلسطينية وإنما خرّجها اليهود وأوّلوها كما يحلو لهم ويروق ودسوا لأسيادهم الانكليز وأقنعوهم أن القصة ترمز إلى مناوأة الانكليز وحضّ الشعب العربي الفلسطيني على الالتفاف حول الحاج أمين الذي هو العدو الألد للإنكليز وللصهيونية.[44]

  وفي الثلاثين من شهر أيلول عام 1937 ألقى إبراهيم من الإذاعة الفلسطينية القسم العربي الذي كان يديره، حديثاً بعنوان “حقيقة وفاء السموأل” أحدث ضجة كبيرة في الأوساط الصهيونية اليهودية، كما شكا علماء اليهود[45] وكانت من ضمن الأسباب التي أدت لإخراجه من الإذاعة.

الخروج من الإذاعة:

  تقول الشاعرة فدوى طوقان؛ شقيقة الشاعر في مذكراتها عن الأجواء التآمرية التي عايشها إبراهيم وهو في الإذاعة: “كانت وراء إقالته من الإذاعة عوامل عدة. فمنذ اضطلاعه بإدارة القسم العربي فيها وقف اليهود له بالمرصاد. لم يكن يسعد الجهات الصهيونية إطلاقاً وجود مثل إبراهيم في مؤسسة ذات خطر كبير في توجيه الرأي العام العربي في فلسطين، كان إبراهيم عنصراً محرضاً، يتخذ من مركزه الكبير في الإذاعة أداة للعمل ضد المصلحة الصهيونية، كم وكم ثارت الصحافة العبرية ضده، وكم وجهت إليه أصبع الاتهام بسبب الأحاديث التي كان يدرجها في البرنامج العربي لأدباء فلسطين ممن كانوا يساهمون في تقديم مختلف الموضوعات الأدبية والاجتماعية والدينية، وقد اتهمته الصحافة العبرية بمعاداة السامية”.[46]

   وبالعودة إلى قضية السموأل؛ (التي تحدثنا عنها سابقاً) فبعد أن دارت حوارات ومماحكات شديدة بين طوقان وأدباء يهود حول القضية، ضغط الصهاينة على المسؤولين الإنجليز في الإذاعة الفلسطينية، فأجبروا طوقان على الاستقالة من منصبه في أول أكتوبر/تشرين الأول 1940م.[47]

      كان إبراهيم طوقان يعرف دسائس الإنجليز وأنهم أنشأوا هذه الإذاعة لخدمة مصالحهم بالدرجة الأولى، لذلك اشترط لقبوله منصب “مراقب القسم العربي” في الإذاعة على استقلالية شبه كاملة في العمل وعلى أساس ألا يُدْخِلَ الإذاعة في أمور سياسية ـ ما عدا نشرة الأخبار ـ فكان له ذلك، ولكنه عمل في الوقت نفسه ـ وبأسلوب ذكي ـ من أجل بثِّ مضامين تبعث على استنهاض وعي الشعب وتوقظ فيه النقمة على الفساد، وتذكِّره بمآثر العروبة وعبقرية الأبطال الفاتحين”[48] وقد استلم منصبه في الإذاعة  في شهر (3/1936) أي قبل شهر واحد من الإضراب الشهير الذي خاضه الفلسطينيون (28المحرم 1355 ـ 26 رجب 1355هـ = 20/4/1936ـ 12/10/1936 والذي استمر 175 يوماً).

  استمر طوقان في عمله في الإذاعة إلى أول أكتوبر/تشرين الأول 1940م، وجاءت قضية الحلقة التي أذاعها عن السموأل واتهام الصهاينة له بالعداء للسامية السبب الأبرز لتنحيته عن هذه الوظيفة، ولكن  شقيقته الشاعرة فدوى تضيف سبباً آخر، فتقول بأنه كانت هناك أيضاً دسائس ووشايات قام بها منافسون له عرب يعملون معه في الإذاعة من باب الغيرة والحسد، وتضيف:” ثم كانت الحرب العالمية الثانية، وكانت الرقابة؛ فقام بعض المشرفين عليها من منافسيه العرب بالتحريض عليه لدى السلطات البريطانية، وقام الدس، وكان دساً لئيماً فاتهم بتسريب الدعاية في برامجه ضد الحلفاء، وأقيل من مصلحة الإذاعة الفلسطينية ليأخذ منافسُه مكانَه”.

أسباب الخروج من الإذاعة:

   يقول الدكتور عمر فروخ في كتابه (شاعران معاصران): “اشتدت الحملة على إبراهيم وعلى ما يُعِدُّهُ هو للإذاعة، أو ما يقبله ليذاع في البرنامج العربي، ولقد اتخذت هذه الحملة ثلاث صور (وذلك حسبما ينقله فروخ عن فدوى طوقان في كتابها “أخي إبراهيم”):

  1. كانت الجهات اليهودية ترى أن القسم العربي كان موجهاً (عربياً) يُمَكِّنُ من إعداد القوى العربية في المستقبل لمقاومة اليهود.

  2. ورأى الإنجليز القائمون على المحطة أن (توحيد المناهج) كان يمنع توطين الاستعمار، إنهم كانوا يريدون ـ فيما يؤيدونه مثلاً ـ إحلال العامية محل الفصحى، وملء البرنامج بأشياء طريفة خفيفة لإلهاء الناس (وتمييعهم) لا لإيقاظهم وشد عزائمهم.

  3. ثم كان هناك خصوم إبراهيم الشخصية في الإذاعة نفسها وفي خارجها.

  4. ويضيف عمر فروخ سبباً آخر لإقالته من الإذاعة هو “مواقفه الوطنية المشرفة”. (ص 63).

  وقال فروخ: على أن هذا وأمثاله لا يمكن أن يُتخذ عذراً رسمياً لإقالة إبراهيم، لقد كان هذا كله مزعجاً لإبراهيم، ولكن لم يكن مضراً به، وأخيراً سنحت الفرصة لإزاحة إبراهيم، فكانت قصة “عقد الؤلؤ”.[49]

   الشخص الذي قصدته الشاعرة فدوى طوقان هو الأستاذ عجاج نويهض الذي ذكر في مذكراته “ستون عاماً مع القافلة العربية”  بأنه كان على خصومة مع الشاعر إبراهيم طوقان، وبطبيعة الحال فإن نويهض يدافع عن نفسه ويلقي اللوم على طوقان بأنه سبب الخلاف بينهما فروى في مذكراته عازيَاً الخلاف لأسباب شخصية بحتة، فروى أن الذي بادر بالعداء والمشاكسة هو إبراهيم، لأنه لم يرتح إلى مجيئ نويهض للإذاعة، وصار يُعرب رحمه الله عن استيائه هذا بطرق مختلفة، وأضاف نويهض أن إبراهيم كان يسعى لدفعه للاستقالة من الإذاعة من خلال مضايقته.

  عمل الصهاينة على إخراج إبراهيم من الإذاعة لأنهم كانوا يرونه خطراً على مشروعهم ومحرضاً ضدهم، وكان من حجج الصهاينة أن هذه المواضيع التي يلقيها إبراهيم طوقان تحفز العرب إلى الثورة على اليهود. فقالوا بأنه بلغت قصائد إبراهيم طوقان التي ألقاها في الإذاعة خمساً وسبعين قصيدة، منها أربعون قصيدة في القضية الوطنية، وقالوا: كان إبراهيم طوقان يذكر الأمثال العربية والأحاديث الدينية والقصص الوطنية عبر الأثير، فكان المستعمرون الإنجليز والصهاينة يقولون له: إن فيها ما يدعو إلى الثورة لأنك تدعو فيها إلى القوة في تنشئة الأطفال وإعداد الجيل وإيقاظ الهمم.[50]

 ومن المواضيع التي ادَّعى الصهاينة أن طوقان استخدمها لتمرير رسائل ضدهم وتحريض الشعب على الثورة على الإنجليز واليهود، مثل قصة “عقد اللؤلؤ” وقصة “السموأل” ومسرحية “صلاح الدين الأيوبي” وغيرها. وإكراماً للصهاينة طلب الإنجليز من إبراهيم طوقان ترك العمل في الإذاعة الفلسطينية بعد أن عمل فيها مدة أربع سنوات كانت كلماته وشعره قد أغاظا الإنجليز.[51]

 سنقتبس فقرات مطولة من مقال للأستاذ رفيق الحسيني بعنوان “ابراهيم طوقان.. الشاعر الذي نظم قصيدة “موطني” … ومات قهراً” ففيه شرح مسهب لدور بريطانيا في إقصاء إبراهيم طوقان عن الإذاعة، يقول الحسيني في مقاله:

” ولكن ما حقيقة إقالة ابراهيم طوقان من منصبه كمدير للقسم العربي في اذاعة حكومة الانتداب في 1940؟

    روى طالب مُشتاق، القنصل العراقي العام في القدس في تلك الفترة، في مذكراته، عن معرفته بحدوث خلاف بين عجّاج نويهض وإبراهيم طوقان، ويقول أنّ صديقه جلال زريق، وكان موظفاً في القسم العربي من السكرتارية العامّة في حكومة فلسطين، راجعه يوماً وهو في القدس وأبلغه بأنّ إبراهيم فُصل من عمله في دار الإذاعة “لخلاف نشب بينه وبين عجاج نويهض، مدير القسم العربي [الحالي] بدار الإذاعة”، وطلب زريق من مشتاق تأمين عمل لإبراهيم في العراق، الأمر الذي لبّاه مُشتاق، إذ عُيِّن إبراهيم أستاذاً للّغة العربية في إحدى المدارس الثانوية.[52]

 وأضاف الحسيني: وللبحث عن السبب الحقيقي، لابد من العودة إلى صيف العام 1940، عندما بدأت الإذاعة وبعض صحف فلسطين – ومنها جريدة فلسطين – بتسويق شخصيات موالية لبريطانيا، ومنها فخري النشاشيبي، وهو أحد قادة “المعارضة” وكان قد شكل في العام 1938 مجموعات عربية مسلحة نعتها بـ “فصائل السلام”، موّلها وسلّحها البريطانيون والصهاينة. وكان الهدف من “فصائل السلام” ضرب فصائل الثوار واضعافهم وتشويه سمعتهم. وكانت جريدة فلسطين نفسها، قبل عام ونصف، قد نعتت فخري بأسوأ الكلمات واصفة فعلته بالـ “نكراء” بعد إرساله كتاب إلى المندوب السامي في عز الثورة – في نوفمبر 1938 – يتهجم فيه على الحاج أمين الحسيني وقيادة الثورة، وحملت عليه بشكل لا مثيل له آنذاك ونشرت مئات برقيات الاستنكار لفعلته! ولكن وبفعل فاعل، بعد وقوع الحرب العالمية الثانية، بدأت جريدة فلسطين نقل أخبار فخري كأحد أهم قيادات الشعب العربي في فلسطين. وكمثال، قامت الصحيفة بنشر كلمته كاملة في اجتماع يافا في 7 آب/أغسطس 1940 والتي أعلن فيها أن مصير العرب الفلسطينيين “مرتبط بمصير الديمقراطية التي تدافع بريطانيا العظمي عنها … دفاع المستميت لتحقيق المُثل العليا والأهداف النبيلة…”وفي 17 آب/أغسطس من العام نفسه – نشرت “فلسطين” خبراً مُستفيضاً عن الحفلة التي أقامها “فخري بك النشاشيبي وعقيلته لقواد وضباط الجيش البولوني المُحالف” والتي“… حضرها أصحاب السعادة قناصل الدول الإسلامية بالقدس وأصحاب الفضيلة أعضاء المجلس الاسلامي الأعلى ومفتش المحاكم الشرعية وكبار ضيوف القدس ومن بينهم صاحب السعادة جبرائيل تقلا باشا صاحب “الأهرام” الغرّاء، والوجيه توفيق بك مفرّج والسيدة عقيلته، وحضرة مدير الأوقاف العام، وفضيلة شيخ الزاوية المولوية … فكبار ضباط الجيش البريطاني وقد عرفنا من بينهم سعادة قائد الطيران العام ورئيس أركان الحرب، فكبار موظفي حكومة فلسطين وضباط البوليس وغيرهم كثيرون من الأدباء ورجال الصحافة في البلد. وقد قدم جميعهم تلبية لدعوة الأستاذ فخري بك والسيدة عقيلته إلى حفلة الشاي التي أقامها على شرف قُواد وضباط الجيش البولوني المُحالف في فلسطين … [وقد] اختلف الجميع إلى موائد الشاي والحلوى والفاكهة التي حفلت بكل شيء شهي لذيذ … وأمضى الكل وقتاً بهيجاً للغاية …”

وقد حضر عجاج نويهض، وكان آنذاك موظفاً في القسم العربي في الإذاعة بالقدس، حفل الشاي هذا بالإضافة إلى مجموعة من قيادات “المعارضة” وعدد من الشخصيات الموالية للحكم البريطاني. ويقول البعض أن حضور نويهض لذلك الاجتماع كان أحد أسباب الخلاف الذي تفاقم بعد أسبوعين بين عجاج نويهض ومديره إبراهيم طوقان، حيث اعتبر الأخير أن حضوره لحفل أقامه مؤسس “فصائل السلام” أعطى انطباعاً بأن الاذاعة ليست محايدة وبأن العاملين فيها منحازون لبريطانيا ومعادون لثورة فلسطين الكبرى، في الوقت الذي كان مجموع الشعب الفلسطيني يحقد على بريطانيا لقمعها ثورته الكبرى قبل عام وتنكيلها بالثوار.

وتؤكد الشاعرة فدوى طوقان، شقيقة ابراهيم وكانت تعيش معه وأسرته في القدس، في مذكراتها “رحلة جبلية، رحلة صعبة، سيرة ذاتية” – أن موضوع فصله من الإذاعة كان قضية سياسية، شارحة أنّ ذلك حدث في تشرين أول/أكتوبر 1940، نتيجة لاحتجاجات اليهود ضد ابراهيم بعد أن اتهموه بترويج اللاساميّة من خلال أحاديثه الإذاعية، ونقلت ترجمةً لأقوالٍ نشرتها الصحف العبرية الصهيونية تحتج على ما أذاعه طوقان عن “السموأل”، الشاعر اليهودي الذي اختلف مؤرخو الأدب العربي حول وجوده أصلاً وحول علاقته المزعومة بأمرؤ القيس. وقد أضافت فدوى بأن الحكومة البريطانية ناقشت ابراهيم في الموضوع، “فردّ عليها رداً علمياً ومنطقياً”.

 وقال رفيق الحسيني: ولكن، بحسب ما كتبته فدوى، عندما اشتدت الرقابة على الإذاعة خلال الحرب العالمية، “قام بعض المشرفين عليها من منافسيه العرب بالتحريض عليه لدى السلطات البريطانية، وقام الدسّ، وكان دسّا ً لئيماً فاتهم بتسريب الدعاية في برامجه ضد الحلفاء، وأقيل من مصلحة الإذاعة الفلسطينية ليأخذ منافسه مكانه”. ومع أن فدوى لا تذكر تفاصيل عن “الدسّ” ضدّ أخيها، ولا اسم الشخص العربي الذي اختلف أخوها معه، ولكن يمكن الاستنتاج أنها كانت تقصد عجاج نويهض كونها كتبت أنّه أخذ مكانه في العمل.

كما توضّح قصة أوردها اسحق درويش أحد القياديين المقربين من الحاج أمين الحسيني في مذكراته، طبيعة الدسّ الذي جرى ضد إبراهيم طوقان وهي عبارة عن ملاحظة دونّها درويش في بغداد بتاريخ 29 أكتوبر 1940:

” في كتاب الاعتبار لأسامة بن منقذ قصة شخص وجد عقد لؤلؤ بينما كان يطوف في الكعبة، وأعاده لصاحبه، وكان بينهما علاقة ودية، ووفاءً بالعهد. اتخذ ابراهيم طوقان هذه القصة موضوعاً يلقيه على الأطفال، ودعا الشخص الذي أعاد عقد اللؤلؤ أميناً، وصاحب العقد الذي وفى لمن وجده وفاءً … وقدَّمها ليلقيها … مكر عجاج له بعد إلقائها، وأوهم السلطة أن المقصود من هذه القصة الاشادة بفضائل السيد محمد أمين الحسيني.”

وبالفعل، فقد أخذت الإذاعة في القدس – بعد إقالة ابراهيم طوقان – منحاً جديداً في الإعلام المُوجّه لصالح بريطانيا وحلفائها، فمثلاً سمح مديرها الجديد لأحد المسؤولين في حكومة الانتداب بالقدس (جيمس سومرفيل) بإلقاء حديث مُترجم للدعاية عن زيارة المستر كيث روش حاكم القدس البريطاني إلى قرى قضاء رام الله واستقباله هناك بالأرز والزهور من قبل مخاتير المنطقة ووجهائها واقامة الولائم على شرفه. كما أحضر عجاج الأدبين المصريين عباس محمود العقاد وعبد القادر المازني إلى فلسطين، وكانا انكليزيا الهوى، فتحدثا في اذاعتها عن مكارم أخلاق بريطانيا ومحاسن ديمقراطيتها ولم يوفرا جهداً في قدح ألمانيا وايطاليا ودول المحور الأخرى.

ولذلك فمن الممكن الجزم بأن شاعر فلسطين الكبير أقيل من وظيفته ليس بسبب خلاف شخصي (أو حقد دفين) مع شخصية فلسطينية أخرى، وإنما بسبب تصديه لمطلب حكومة الانتداب استخدام القسم العربي في اذاعة فلسطين للدفاع عن مناقب بريطانيا العظمى وديمقراطيتها التي ليس لها مثيل وللهجوم على ألمانيا وإيطاليا وتأليب الرأي العام العربي عليهما.

وللأسف فقد لعب بعض الوجهاء الفلسطينيين الذين أشادوا بالإمبراطورية البريطانية وعظمتها وحبها للحق والواجب في تلك الفترة، دور عازفي الموسيقى على السفينة “تيتانيك”، فعزفوا أحلى الألحان والباخرة تغرق في المحيط، ففنى الركاب ولحق بهم العازفون … ولم يشفع لهم عزفهم الجميل ولا ولائهم الكبير لمالكي السفينة الغارقة!”.[53]

هل كانت قصيدة (أيار) هي السبب؟!

  يذكر الأستاذ عمر فروخ أن السبب الأساسي لإقالة إبراهيم كانت قصيدة نظمها وكان مطلعها:

           وردٌ وصحنٌ وغيدٌ في البجامات **** يا شهرَ أيارَ يا شهر الكرامات

وفي هذه القصيدة تهجم إبراهيم على أشخاص أصدقاء للإنجليز ذكرهم بأسمائهم.[54] وسنفرد لهذه القصيدة فقرة خاصة بها.

   يقول الأستاذ نصري الجوزي في كتابه عن الإذاعة الفلسطينية (نقلاً عن كتاب عمر فروخ): “هذه القصيدة في المجون، وهي عجيبة من العجائب في حسن التصوير والسبك في الشاعرية. وقد لاقت هذه القصيدة رواجاً كبيراً وانتشرت بالرواية والاستنساخ أكثر من شعره الذي نشر في الصحف والمجلات. غير أن في هذه القصيدة تعريضاً شديداً بأحوال دينية معينة وبأشخاص كانت تحتضنهم السلطة الانكليزية ذكرهم إبراهيم بأسمائهم”.[55]

“وحرص إبراهيم على ألا تحمل هذه القصيدة قرائن مادية تكشف عن شخصيته فنسخها على الآلة الكاتبة ولكنه ترك نسخة منها في درج مكتبه، بدائرة الإذاعة، ويبدو أن بعض خصومه في الإذاعة عرف بأمر القصيدة وعرف بأمر النسخة التي في الجرار (الدرج) فدل عليها رؤساءه”.”وقامت الحجة على إبراهيم في ذلك، ومن مأمنه يؤتى الحذر”.

ويقول عمر فروخ: هكذا أقيل إبراهيم من منصبه بدار الإذاعة في أول تشرين الأول عام 1940.[56]

قصيدة يا شهر أيار!

   هذه القصيدة غير منشورة في ديوان “إبراهيم طوقان” ومع ذلك تُنسب إليه، وفيها ذمٌ مكشف للديانة النصرانية وإساءة لها، لا سيما للسيدة مريم عليها السلام، مما يدفع للترجيح أن هذه القصيدة ليست لطوقان ـ على الأقل في بعض أبياتها ـ بل نُسبت إليه لأمر ما، فلماذا يعمد طوقان إلى هذا الهجاء لديانة سماوية في وقت لم يكن فيه أي خلاف أو صدام بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، أضف إلى ذلك أن تدين إبراهيم طوقان كان تديناً عادياً كباقي الناس ليس فيها حدة وتطرف تجاه الأديان الأخرى، كان حرياً لو كان إبراهيم معنياً بهجاء الأديان أن يهجو الدين اليهودي (وهو أمر غير جائز شرعاً) كون الصراع مع اليهود كان على أشده، ورأيناه يدخل في ردود مع الشاعر الصهيوني (ينجمان بيالك رؤبين) الذي نشر قصيدة بعنوان “أنشودة النصر” هجا فيها العرب بألفاظ بذيئة، وفيها شبه العربَ بالفئران الخارجة من جحورها، وسخر من ثورتهم، وسنتحدث عنها لاحقاً. في القصيدة كسوراً عروضية لا تليق بشاعر كإبراهيم.

  ومن غير المعقول أن يكتب قصيدة ستخرجه من دينه لمجرد أن أحب فتاة نصرانية لم يستطع الزواج منها بسبب اختلاف الدين، وحسب “إبراهيم مشارة” في مقال له والذي يذكر أن قصة القصيدة “أن طوقان كلف بفتاة مسيحية فخطبها لكن أهلها رفضوا تزويجها منه لكونه مسلما فكان منه أن هاج وماج وأرغى وأزبد وكتب هذه القصيدة السرية في التعريض برهبان الكنيسة في صورة متهتكة فاحشة غصت بألفاظ السباب والتهتك ولا ريب أن تعريضه بالرهبان لا ينسحب على عامتهم كما أن التعرض للمسيحية من شأنه أن يلهب الحماسة الدينية ويبعث على التعصب عند المسلمين والمسيحيين على السوية وتبادل السباب بين أبناء الملل والطوائف المختلفة وهو ما تنبهت له السلطات فمنعت هذه القصيدة من الظهور بأي شكل من الأشكال وظلت إلى اليوم تتبادل سرا بين العارفين بنوادر هذا الشعر. وتظل هذه الحالة لا تتبع كل راهب ولا تتعلق البتة بملة إخواننا المسيحيين ولكنها نفس الشاعر الهائجة المائجة لم تهدأ إلا بهذا البركان الذي نفث حممه فكادت أن تحرق الجميع:

فل وورد وغيد في البجامـــــات *** يا شهر أيار يا شهر الكرامـــــات

واتلو زبورا كتابا غير ذي عوج *** هيهات مثله في الفسق هيهــــــات

رجوت غفرانك اللهم ملتمســـــا *** سرد الخطايا بسرد الاعترافــات[57]

وقام هناك من رد على هذه القصيدة بما هو أسوأ مما فيها.

 يؤكد الدكتور عمر فروخ وهو صديق مقرب للشاعر إبراهيم طوقان أن القصدية لطوقان الذي عرف اللهو والمجون في بيروت منذ عام 1931[58]

صراع مع شاعر صهيوني

   نشرت جريدة (دوارها يوم) الصهيونية بتاريخ 10/9/1929م ـ إثر اندلاع ثورة البراق ـ قصيدة للشاعر الصهيوني (ينجمان بيالك رؤبين) بعنوان “أنشودة النصر” هجا فيها العرب بألفاظ بذيئة، وفيها شبَّه العربَ بالفئران الخارجة من جحورها، وسخر من ثورتهم، وعيرهم بأنهم أبناء (هاجر/ زوجة سيدنا إبراهيم وأم إسماعيل أب العرب) جارية (سارة / زوجة سيدنا إبراهيم ووالدة إسحاق حيث ينسب اليهود أنفسهم إليه) وقال ذلك الشاعر إن العرب ليسوا إلا قطاع طرق، وأهل خيانة.

  وبعد أن قرأ إبراهيم طوقان القصيدة كتب قصيدة يرد فيها رداً قوياً على رؤوبين، بدأ القصيدة بتقديم فقال: “نشرت الجريدة اليهودية (دوار هايوم) قصيدة لشاعر اليهود رئوبين، نقلتها إلى العربية جريدة فلسطين. وعنوان القصيدة ” أنشودة النصر”، أتى فيها الشاعر على الحوادث الأخيرة في فلسطين مشيداً بذكر اليهود وشجاعتهم في الطعن والضرب زارياً على العرب (أبناء هاجر وإسماعيل) خوفهم ووحشيتهم وهزيمتهم! زاعماً تارة أنهم عزل مظلومون وأن العرب ـ على تسليح الإنجليز لهم ـ كانوا لصوصاً وقطاع طرق وأهل خيانة وغدر، يعتدون على الأطفال والشيوخ والنساء، وقد نظمتُ هذه القصيدة رداً على ” أنشودة النصر” غير معترض كثيراً إلى الحوادث بقدر اعتراضي إلى تاريخ اليهود وتوراتهم” وقبل أن نورد قصيدة طوقان، لنقرأ شيئاً من قصيدة الشاعر اليهودي:

  “أحاط بنا الأعداء، وألبوا علينا المدينة والقرية، وفتحت الصحراء فاها، خرج الفلاحون من أوكارهم، من دير ياسين[59] مأوى الذئاب، من المالحة التي تبنى بأموال اليهود، من قالونيا من شعفاط من بيت صفافة، ومن صور باهر مكمن اللصوص. تجمعوا من منازلهم، وجاءوا بالعصي يتظاهرون، وكان السلاح الناري، مخبوءاً تحت عباءاتهم. وتقاطروا من أنحاء البلاد: أشرار يافا، نفاية البحر العكر وجاء وحوش الصحراء للبلد من جبال اليهودية ومن سهول أريحا، جاءوا للتنكيل والتدمير والسلب، بدو سود تتدلى شعورهم. رجال حرب منذ الطفولة، وخلفهم الفلاحون يموجون بمن فيهم من التماسيح المعتدين، وأبناء الارستقراطية الخبثاء المداورين…”حاربنا أعداءنا على أبواب القدس، وماجت الجموع في مسجد عمر، حتى كأن المسجد مغارة قطاع طريق، أو بيت معد لعشرات الألوف من قاذورات سكان فلسطين. حرَّضهم المحرضون فأجابوهم بما في مناطقهم من خناجر: هيا بنا الى منازل اليهود، منازل اليهود الغنية التي لا حماة فيها. تعالوا نضرب اليهود. نقتلهم. نذبحهم. نرث أموالهم كلها. وانقسموا الى قسمين رئيسيين، اتجه أحدهما الى باب العامود، الى دار الحكومة، وهناك وقفوا بالباب وتلقوا النصائح ثم عبروا الميدان والشارع ذاهبين الى ميشوريم.  أفسح البوليس العربي المجال، واندفع فارس الصحراء الى الشارع ومدّ خرطومه في حلق الشارع اليهودي. بدو سود تتدلى شعورهم. رجال حرب منذ الطفولة، وخلفهم الفلاحون يموجون بمن فيهم من التماسيح.  المعتدين، وأبناء الارستقراطية الخبثاء المداورين”.

  هذه إذاً صورة العرب القتلة اللصوص الوحوش الذين تربوا على القتل والذين يجتمعون لقتل اليهود، فماذا في الطرف الآخر؟

   “حينئذ خرج رجال إسرائيل، نزلت بقية الشعب العظيم. نزلوا وسلاحهم مسدد الى وجوه الأعداء وأيديهم مستعدة للعمل. شقت القذائف النارية قلب الصفوف الأمامية. وشق الرعب قلوب الألوف، فولوا الأدبار يعلوهم الخجل. أبناء القرى وأبناء الصحراء معاً، والشرطة أيضاً، وكان الارستقراطيون أسرع في الفرار. ناجين بالأرواح”.

  هكذا إذاً جاء اليهود وهَزموا هذه الجموع بسرعة وسهولة؟!!

   وأما القسم الثاني [من العرب] فولى وجهه شطر طريق يافا وجبارين هنوس وعين موشة (أحياء يهودية في القدس). هاجوا وماجوا واندفعوا الى البيوت يقتلون وينهبون. وحينئذ ارتفع يمين موشة فجزت رقاب أبناء إسماعيل الذين هلعت قلوبهم وذابت. من سبعة طرق هربوا من البلد يتزاحمون مكتوفي الرؤوس، رَجَمَهم شبابنُا بالأحجار، وبصقت نساؤنا في وجوههم. كيف فر أبطال العرب؟ كيف صاروا خفاف الأرجل في الهزيمة. ووقف الهاربون بعيداً في الجبال فنظروا هزيمتهم وعدوا جرحاهم، وكان الجرحى أكثر من الخجل. وبعد ذلك أرسلوا وفودهم للمدن والقرى يقولون “امنحونا إعانات”. جاءوا من أنحاء البلاد. ملأوا التلال كالجراد. عسكروا في مدينة داود. أحاطوا بها من كل فج. وكانت بنادقهم بنادق جنود معدة للقتل ونطاقاتهم مثقفة الرصاص. وظلوا يتواردون، ويتوارد عليهم السلاح الناري بالسيارات من مستودعات القدس ومن المستودع الضخم الذي أعد بدراهمنا في شرق الأردن.  ثبتت أقدام المدافعين فلم يتقهقروا، وامتدت أيديهم فلم ترجع فارغة.  فما أكثر قتلاكم يا أبنا هاجر؟ تقهقر العدو يعلوه الخجل: فر كالكلب المضروب ذنبه مدلى الى الأرض.  وقام حراس صهيون فحافظوا على الطرق وهناك سيارة مسرعة فلحقوا بها وأوقفوها وقسموا بينهم ما كان فيها من أسلحة جيدة منتخبة. وأطل “ملز” العميد من الشباك متسائلاً: لماذا تقهقر الجيش العربي؟ لماذا تزعزعت أقدام أفراده العديدين؟ وقد رد عليه موظفوه الأذكياء، قائلين: ها هم يضربون ويدمرون، ها هم يقطعون نسل إسرائيل. وها هم يذلون عزة اليهود. واجتمع المشايخ والموظفون ورؤساء العائلات يتشاورون في جحورهم. اجتمعوا في المدينة القديمة لا يجرأون على الخروج منها. أرسلوا المنشورات فوزعت في أنحاء فلسطين: صرخة مرة وغليان ثعبان قد داسته الأقدام.  وجاء في المنشورات: “الله لنا. فاز أعداؤنا في القدس. استولوا على المسجد ذبحوا أبناء عمنا. نحن وحدنا الذين نجونا. تعالوا أنقذونا!  ولكن من ينقذكم يا مختلقي الأكاذيب، يا زعماء العائلات النبيلة. يا شجعاناً في ذبح العزل من السلاح، وفي شق بطون الحاملات وفي سحق جماجم الأطفال. على من تتكلمون وجموعكم ذابت، ورموش الصحراء قذفهم الهواء الى حيث كانوا. ووحوش القرى تفرقوا كالغنم بغير راع، بل كالقطيع الخائف المنزعج، قلوبهم كقلوب الأرانب، أو كقلوبكم أنتم تماماً. يا أبناء صهيون الشجعان، يا من كرستم أنفسكم للتضحية، وأنتن يا بنات صهيون المخلصات، وأنتم يا أبناء الشعب الذي لا يخضع. اخرجوا جميعاً راقصين على نغمات الطبول. إنه يوم عيد لنا في القدس، عيد النصر للأجيال القادمة، وأنتم اسمعوا يا من في الخارج. لقد كانت الحرب في سبيل صهيون المقدس، في سبيل مدينة داود الجديدة. المدينة التي حزمت وسطها واستعدت، وخرجت مقابلة أعداءها جميعاً ثم هزمتهم وفرقتهم بسيفها ونبالها. اسمعوا هذا يا من في الخارج. تعالوا إلينا عشرات الآلاف. تعالوا لنتقوى ونفوز. حينئذ تهمد فلسطين ونعيش مطمئنين.”[60]

  هذه صورة العرب: أعداء، اجتمعوا على اليهود، ذئاب، لصوص، يبنون ديارهم بأموال اليهود، ويغدرون بهم ـ أي ناكرو المعروف ــ نفايات، قتلة، سالبون….

  أما صورة اليهود، فعلى العكس من ذلك، لنقرأ: ” حينئذ خرج رجال إسرائيل، نزلت بقية الشعب العظيم. نزلوا وسلاحهم مسدد إلى وجوه الأعداء وأيديهم مستعدة للعمل”، ثم يناديهم:” يا أبناء صهيون الشجعان ، يا من كرستم أنفسكم للتضحية، وأنتن يا بنات صهيون المخلصات، وأنتم يا أبناء الشعب الذي لا يخضع” …

 أما ردُّ إبراهيم طوقان على هذا الشاعر اليهودي، فقد جاء فيه[61]:

(هاجر) أمنــــــــــا ولود رؤومُ          لا حســـــــود ولا عجوز عقيمُ

(هاجر) أمنا ومنها (أبو العرب)         ذاك النبــــــــي…. الكريــــــم

نســـــــــب لم يضع، ولا مزقته          بابل، أيهـــــا اللقيـــــــط اللئيم

ودم في عروقنا لــــــــــــم يرقه          سوط فرعون، والعذاب الأليم

هــــرم خالــــد يغشيــــــــه ظل          من عبوديِّة لكــــــــم، لا تريم

يا يهودي، كيف عِلْـمُك بالتوراة           قل لــــــــــي، أم فاتك التعليمُ

يوسف باعــــــــــه أبوكم يهوذا          إن َّحــــــــب الدينار فيكم قديم

وكفرتم بنعمة الله، حتـــــــــــى          ضاق ذرعاً بالكفر(موسى) الكليمُ

يشـــهد التيه أنكم شعبَ إسرائيل         شعـــبٌ منـــذ الخــــروج أثيمُ

ثم يذكِّر اليهود بما قاله في حقهم الشاعر الإنجليزي وليم شكسبير:

أي(رؤبين) أمــــــــــــا قرأتم!؟          بلى، أنت شــــــــــاعر مشؤومُ

وشكسبير خــــــــالد القول فيكم          أمر (شيلوخ) في الورى معلوم

غير أن الذي منهم (شــــكسبير)         تناسوا مــــــــا قال ذاك العظيمُ

ثم يهدد اليهود ويتوعدهم بما سيقع بهم، فيقول:

لبن الأرض فاض سُمـــاً زعافاً          ودماً، فانزلوا بهـــــــــا وأقيموا

واشربـــــوه ملء البطون هنيئاً          هكذا تشربُ الذئــــــــــابُ الهيمُ

يا يهودي لا عليــــــــــك سلامٌ          وإذا شئتَ لا عليك (شــــــــلوم)

 تعتبر هذه القصيدة ” أعنف قصيدة في الأدب الفلسطيني قبل عام 1948، في هجاء اليهود والانتقاص منهم، وكما يقول الباحث عادل الأسطة: “يبدو أن إبراهيم طوقان نفسه كان يرى أن هذه القصيدة نتاج ظرف ما، أدت غرضها حين نظمها، على الأقل بالنسبة له شخصياً وللعرب الذين صُوروا سلباً في قصيدة رئوبين، وبالتالي كانت القصيدة أعادة اعتبار للذات القومية إزاء الانتقاص منها الذي أبداه رئوبين في قصيدته، وانطلاقاً من هذا فلم يؤثر إبراهيم طوقان ضم القصيدة إلى ديوانه الذي أراد نشره فلم تظهر في الطبعة الأولى من ديوان إبراهيم، هي وقصائد أخرى، لقد أثبت أحمد طوقان في الديوان القصائد التي كان إبراهيم قد جمعها وأعدها لتشكل ديوانه، وضُمت هذه القصيدة ” في الرد على رئوبين ” إلى أشعار إبراهيم، عام 1975 فقط في طبعة دار القدس الصادرة في بيروت، تلك الطبعة التي أشرف على إصدارها الدكتور إحسان عباس.[62]  وربما كان سبب استبعاد طوقان لقصيدته هذه أنها مباشرة جداً وتبدو وكأنها قصيدة “ردح” أكثر منها قصيدة “فكرة” ولِمَا فيها من تسرع في الانتقاص من قدر السيدة “سارة” زوجة سيدنا إبراهيم عليه السلام وذلك في قوله:

(هاجر) أمنــــــــــا ولود رؤوم          لا حســـــــود ولا عجوز عقيم

فهو يصفها بالحسود العقيم، وهذا غير لائق بزوجة نبي وأم نبي، ولكنها العاطفة الثائرة التي سببتها قصيدة ذلك اليهودي “رئوبين” وما فيها من انتقاص للعرب الذين يسميهم بالإسماعيليين، باعتبار ان العرب هم نسل إسماعيل وأمهم الجارية هاجر؛ جارية أمِّ (اليهود) سارة، فكان حرياً بالشاعر أن لا يهبط إلى مستوى ذلك الشاعر بذيء اللسان.

مكانة طوقان الشعرية

  كانت الأسماء الشعرية في فلسطين في مطلع القرن العشرين، عندما تفتحت شاعرية طوقان، معدودة؛ أشهرهم كما يذكر الدكتور إحسان عباس: (اسكندر البيتجالي، برهان الدين العبوشي، محمد العدناني، إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، عبد الكريم الكرمي (ابو سلمى) ومحي الدين الحاج عيسى، ومطلق عبد الخالق، وإبراهيم الدباغ، ووديع البستاني، وحسن البحيري، ومحمود الافغاني) ويذكر الدكتور إحسان عباس بأن ابراهيم طوقان هو أكثرهم شاعرية، فيقول: (واذا احتكمنا الى الطاقة الشعرية وهي التي تعلن عن نفسها في الجزالة المحكمة المتفردة أو العذوبة السلسة السائغة، وفي القدرة على الابتداع في التصوير، وفي تنويع المبنى الشعري لدى تنوع الموضوعات، وفي المزج المناسب بين العاطفة والفكر، وفي الاتكاء المتعادل على الموهبة والثقافة (أو التجربة) لو فعلنا ذلك لما وجدنا بينهم من يستحق اسم الشاعر سوى واحد هو إبراهيم طوقان، ويتلوه أبو سلمى ولكن لا يوازيه. ويقول أيضاً (ثم بارح إبراهيم منطقة جميع الشعراء في قصائد كانت يومئذ فتحاً جديداً مثل “الفدائي” و “الثلاثاء الحمراء” و “غادة اشبيلية” و “الحبشي الذبيح” و “مصرع بلبل” ففيها شارف حدود الدرامية والرمز، ولم يكن متقدماً في هذا الكشف على شعراء فلسطين وحسب، بل على شعراء جيله في العالم العربي”.[63]

 أما الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي فقالت عن شعر إبراهيم طوقان: “عندما يكتب شعراً ذاتياً فإن لهجة شعره تجيئ رقيقة متوهجة العاطفة، وعندما يكتب عن التجربة الوطنية فإن لهجة هذا الشعر تراوح بين الاحتفال البلاغي بالبطولة والشهامة والتضحية، وبين السخرية الهازلة إذ يهاجم أدواء الوطن وتلك النفوس الصغيرة التي تضافرت على انتهاك حرمة الجهاد وقدسية التضحية، وهو أبرع الشعراء المعاصرين قبل مظفر النُّواب باللجوء إلى السخرية اللاذعة كوسيلة للهجاء السياسي، إلا أنه يظل أكثر حفاظاً على جماليات الشعر وتهذيبه من النُّواب، حتى في أشد قصائده تصويراً هزلياً لمثالب الوطن وعلله”.[64]

  ومن خلال النظر في أعمال إبراهيم طوقان الشعرية نجد أنه كتب في الغزل والرثاء والسياسة ومواضيع متفرقة أخرى، ففي مجال الغزل كتب الكثير، لا سيما أثناء مرحلة الدراسة في الجامعة الأمريكية ومن اشهر قصائده: عند شباكي/ في المكتبة/ معين الجمال/ حملتني نحو الحمى أشجاني/ حيرة/ في دير قديس….. الخ، ومن قصيدة (في المكتبة) نقرأ نموذجاً للشعر الرقيق الملامس للقلب:

وغريرة في المكتبـــة      بجمالـــــها متنقبة

أبصرتها عند الصباح     الغض تشبه كوكبه

   راقبتها فشــــهدت أنَّ      الله أجزل في الهبة ..

ومن قصائده السياسية: الشهيد/ الثلاثاء الحمراء/ تفاؤل وأمل/ إلى بائعي البلاد/ يا رجال البلاد/ فلسطين مهد الشقاء/ الفدائي/ حطين/ وغير ذلك، ولقد تحدث في شعره السياسي عن جوانب كثيرة من جوانب القضية الفلسطينية، منها التناحر الحزبي؛ فقال:

ما لكم بعضكم يمزق بعضـــا          افرغتم من العدو اللدود؟

كل هذا استفاد ما بين فوضى          وشقاق وذلـــــــة وهجود

واشتغال بالترهات وحب الــذ         ات عن نافع عميــم مجيد

وعن السماسرة؛ بائعي الأراضي لليهود، أو المسهلين لعملية البيع؛ قال الشيء الكثير ومن ذلك:

يا بائع الأرض لم تحفل بعـــاقبة       ولا تعلمت أن الخصم خـــــداعُ

لقد جنيت على الأحفاد؛ وآلـهفي       وهم عبيــــــد وخــــدام، وأتباع

وغرك الذهب اللماع تحــــرزه       إن السراب كمــــــا تدريه لماع

فكر بموتك في أرض نشأت بها       واترك لقبرك أرضا طولها باع

وسخر من الزعماء والفاسدين متهكماً فقال:

حبذا لو يصوم منــــا زعيــــــــم         مثل (غاندي)، عسى يفيد صيامه

لا يصم عن طعامه في فلســـطيـ         ـن يموت الزعيم لولا طعامـــــه

ليصم عن مبيعه الأرض ويحفظ         بقعة تســــتريح فيــها عظامـــــه

وقد اشترك إبراهيم طوقان في نظم قصيدة عن السماسرة مع عبد الرحمن عبد المجيد، والشيخ محمد البسطامي وكلهم شعراء من مدينة نابلس. ومنها هذه الأبيات:

رعاكَ اللهُ ما تَصْنَـ ـعُ      لو لاقيتَ سمسارا ؟!

إذا ألفيتُهُ في الـــــدا رِ     أهدمُ فوقه الـــــــدارا

وأجعلُ فوقه الأحجارَ     لا أترُكُ أحجـــــارا!

وأجمعه بمِلقــــــــاطٍ      وأُضرِمُ فوقه النـــارا

أُصوِّبُ بين عينيــــهِ      أدقُّ هناك مســـــمارا

     أُعلّقُ «لوحةً» فيها:       “ألا قُبِّحتَ سِمسارا!”[65]

وهاجم أولئك الصارخين الذين يكتفون بالقول والصراخ دون العمل:

أنتم (المخلصون) للوطنيــــة          أنتم الحـاملون عبء القضية

أنتم العاملون من غير قـــول          بارك الله في الزنود القويـــة

(وبيان) منكم يعادل جيشـــــاً          بمعدات زحفـــــــــه الحربية

و(اجتماع) منكم يرد عليــــنا          غابر المجد من فتوح أميــــة

ما جحدنا (أفضالكم) غير أنَّا          لم تزل في نفوسنا أمنيــــــــة

في يدينا بقية من بــــــلاد…           فاستريحوا كي لا تطير البقية

وكان أكثر ما يغيظه هو قلب الصحافة للحقائق؛ ومنها حقيقة السماسرة؛ فقال في قصيدة أخرى:

للحق سطر في صحافتنا وللتضليل نــــهر

قلب صحائفها يطل عليك بهتـــــان وهجر

للخاملين نباهة فيها وللأغمــــــار ذكـــــر

هذا يقال له الزعيم…. كما يقال لــــــه حر

وهناك سمار البلاد فانه الشــــــهم الأغر..

فالمدح مثل القدح تضمنه لهم خضر وحمر

(والخضر والحمر هي ألوان النقد الفلسطيني آنذاك).

  لقد أبدع إبراهيم طوقان في قصائده التي تحدث فيها عن مقاومة المُنْتَدَب والمستعمِّر البريطاني والطامع الصهيوني، وتقف في طليعة هذه القصائد قصيدتا “الثلاثاء الحراء” وقصيدة “الفدائي” ذائعة الصيت، لاسيما بعد أن كانت قصيدة “الفدائي” هي أغنيةَ مقدمة مسلسل “التغريبة الفلسطينية” الذي كتبه الشاعر وليد سيف وبُث في رمضان 1425/2004م.

   من أشهر قصائده قصيدة “موطني”، التي كتبها في سنة 1934، وانتشرت في كل أرجاء الوطن العربي، وقد لحنها الموسيقار محمد فليفل، وأصبحت النشيد الوطني غير الرسمي لدولة فلسطين. كما أصبحت نشيد العراق، بعد الغزو الأميركي لهذا البلد سنة 2003.

الثلاثاء الحمراء

   كتبها طوقان إثر قيام سلطات الانتداب والاستعمار البريطاني بتنفيذ حكم الإعدام بالأبطال الثلاثة: فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم، يوم الثلاثاء 17/6/1930، وهم من أبطال ثورة البراق التي حدثت عام 1929 إثر المواجهة الكبيرة التي حدثت بين المسلمين واليهود، ذلك أن الصهاينة نظموا مظاهرة ضخمة في تل أبيب يوم 14/8/1929 في ذكرى ما يُسمى خراب الهيكل؛ أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل، حتى وصلوا إلى قرب حائط البراق والذي يسمونه بحائط المبكى؛ وهناك رفعوا العلم الصهيوني، وأخذوا ينشدون النشيد القومي الصهيوني  (الهاتكفا، ومعنى كلمة هاتيكفا بالعربية: الأمل) وشتموا المسلمين والعرب عموماً؛ وأطلقوا صيحات التحدي والاستفزاز، وطالبوا باستعادة حائط البراق زاعمين أنه الجدار الباقي من هيكل سليمان، واشتدت المواجهات في اليوم التالي الذي صادف احتفال المسلمين بذكرى المولد النبوي الشريف، وبعد الانتهاء من صلاة الجمعة توجه المتظاهرون المسلمون إلى الجدار الجنوبي ـ حائط البراق ـ وحطموا لليهود منضدة كانت موضوعة فوق الرصيف وأحرقوا بعض الأوراق التي تحتوي على نصوص الصلوات اليهودية الموضوعة في ثقوب حائط البراق، واستمرت المواجهات في اليوم الثالث حيث أصيب عدد من الطرفين، وتناهت الأخبار للعرب والمسلمين عن نية الصهاينة احتلال الحائط لتثبيت (حقهم!) المزعوم وفرض الأمر الواقع، فتنادى المسلمون للصلاة يوم الجمعة التالي، وهنا حصلت مواجهة كبرى بين الطرفين وتدخلت قوات الاستعمار البريطاني لصالح الصهاينة، وانتقلت الاشتباكات إلى مدن أخرى مثل صفد والخليل وبيسان ويافا وغيرها،  وكانت حصيلة المواجهات وقوع 133 قتيلاً و239 جريحاً، ووقع من المسلمين 116 شهيداً و232 جريحاً، واعتقلت سلطات الاحتلال البريطاني نحو 400 عربي، وحكمت على عدد منهم بالسجن مدداً مختلفة، وحكمت بإعدام 26 عربياً؛ خَففت الحكم على معظمهم؛ في حين أصرت على إعدام الشهداء الثلاثة، وفي المقابل أصدرت حكومة الاحتلال الإنجليزي حكمها بإعدام اثنين من اليهود، ولم يُنفذ هذا الحكم، بل استبدلت الحكم بإعدام يهودي اتهم بجريمة قتل عربيين في يافا بالسجن لمدة عشر سنوات،[66] وقد تم إعدام الأبطال الثلاثة فأثار نقمة أهالي البلاد،[67] وهنا كتب الشاعر إبراهيم طوقان قصيدته الخالدة “الثلاثاء الحمراء” وفيها يصف ساعات استعداد الأبطال للإعدام، إذ قررت سلطات البغي أن تُنفَذَ أحكام الإعدام في سجن عكا بشكل متتابع يفصل بين إعدام كل بطل والآخر ساعة من الزمن، وصَوَّر طوقان في بداية القصيدة التكبيرَ وقرعَ الأجراس الذي سبق الإعدام، ثم قارن بين ما فعله الإنجليز وما تم أيام محاكم التفتيش التي مارستها السلطات الإسبانية والكنائس في حق من تبقى من المسلمين في الأندلس بعد (طردهم) من تلك البلاد نهائياً عام 1592م. وفي وصفه إعدام الشهيد الأول فؤاد حجازي قال:

“أنا ساعــة النفس الأبيه    الفضل لــــــي بالأسبقيه

أنا بكر ساعـــــــات ثلا    ث كلـــها رمز الحمـــيه

أودعتُ في مهج الشبيـ     ـبـــة نفحـةَ الروح الوفيه

لا بد من يوم لــــــــهم     يَسقـي العدى كأسَ المنيه

ما نال مرتبة الخلـــــو     د بغير تضحيةٍ رضيــــه

عاشت نفوسٌ في سبيـ     ـل بلادها ذهبت ضحيـــه

   أما الساعة الثانية فقد وصف فيها مشاعر محمد جمجوم، وكان من المقرر أن يتم إعدام الشهيد عطا الزير بعد حجازي، ولكن جمجوم حطم قيده وزاحم رفيقه على الدور حتى فاز ببغيته.[68]وفيه قال إبراهيم طوقان:

“أنا ساعة الرجل العتيد     أنا ساعـة البأس الشديدِ

أنا ساعة الموت المشـ     ـرف كـل ذي فعل مجيد

بطلي يحطم قيــــــــده     رمزاً لتحطيم القيــــــود

زاحمتُ مَنْ قَبْلي لأسـ     ـبقها إلى شرف الخـلود

وقدحتُ في مهج الشبا     ب شرارة العزم الوطيد

ثم تحدث عن بطل الساعة الثالثة، الشهيد الأخير: عطا الزير

“أنا ساعة الرجل الصبــو   ر أنـــا ساعة القلب الكــبير

رمز الثبات إلى النهــــــا    ية في الخطير من الأمــور

بطلي أشد على لقـــــــــا    ء الموت من صم الصخور

جذلان يرتقب الــــــردى    فاعجب لموت في ســـرور

يلقى الإله (مخضب الــ      ـكفين[69]) في يوم النشــــور

ثم يختتم طوقان قصيدته بقوله:

” أجسادهم في تربة الأوطان      أرواحهم في جنة الرضوانِ

وهناك لا شكوى من الطغيان     وهناك فيض العفو والغفران

                         لا ترجُ عفواً من ســـــــــواه     هو الإله

                         وهو الـــذي ملكـــــــت يداه      كل جاه

 جبروته فوق الذيــن يغرهم       جبروتهم في برهم والأبحــرِ”

  لاقت القصيدة صدى طيباً وقوياً لدى المستمعين والقرآء، فتروي أخته الشاعرة فدوى طوقان أنه يوم حفلة (كلية النجاح) السنوية في نابلس، ولم يكن قد مضى على تنفيذ حكم الإعدام بهؤلاء الشهداء أكثر من عشرة أيام؛ فالنفوس لا تزال ثائرة، والعواطف مضطربة، وفي تلك الحفلة ألقى إبراهيم  قصيدته (الثلاثاء الحمراء) وذهل عن الجمهور، وشعر كأنما خرج من لحمه ودمه، فكان يلقي بروحه وأعصابه، فما انتهى حتى كان بكاء الناس يعلو نشيجه، ثم تدافعوا خارج القاعة في حالة هياج عظيم، حتى لقد قال (بعضهم): “لو أن إبراهيم ألقى قصيدته في بلد فيه يهود لوقع ما لا تحمد عقباه!”.[70]

قصيدة “الفدائي”

 عام 1930عينت الحكومة البريطانية السير بنثويش اليهودي لوظيفة النائب العام في فلسطين، الذي أمعن في تعذيب العرب واضطهادهم بسن القوانين التعسفية، ولما ثقلت على العرب وطأته كَمَنَ له المناضل عبد الغني أبو طبيخ، عند مدخل دار الحكومة في القدس، وأطلق عليه النار، فجرحه، وكاد يودي بحياته، فنظم إبراهيم طوقان في هذا الشاب الجريء قصيدته المشهورة “الفدائي”، وقد علق عليها الشاعر اللبناني بشارة الخوري في جريدة البرق البيروتية في 9/6/1930 بقوله:” أتعرف شيئاً عن الشاعرية المتوثبة التي تجيش بها النفوس الظمآى إلى حريتها!؟ أتعرف شيئاً عن البلاغة؟ تطلقها الشفاه الملتهبة دماً وناراً؟ تعرَّف عليها إذن في هذه القصيدة:

” لا تسل عن سلامته         روحه فوق راحته

بدَّلتــــــــــــه همومه         كفناً مـــن وسادته

يرقب الســـاعة التي         بعدها هَوْل ساعته

هو بالبــــــاب واقف         والردى منه خائف

فاهدئي يــا عواصف         خجلاً من جراءته

صامتٌ؛ لو تكلمــــا         لَفظَ النــار والدما

قل لمن عاب صمته         خُلِقَ الحزمُ أبكمـا

وأخو الحزم لم تزل         يده تسبق الفمـــــا

لا تلوموه قــــد رأى        منهجَ الحقِّ مظلما

مرَّ حينٌ فكاد يقتلُـــهُ       اليأسُ……..إنمـــا

هو بالباب واقـــــف        والردى منه خائفُ

فاهدئي يا عواصف         خجلاً من جراءته

ثم يتابع بشارة الخوري فيقول: فهل رأيت صوراً أروع تداخلا، وأمعن تكاملاً من هذه الصور المتلاحقة المتماسكة، بحيث تتوالى كأنما القصيدة كلها بيت واحد من مطلعها إلى وسطها إلى غايتها لا تتوانى ولا تتعثر”.[71]

   كتب إبراهيم طوقان القصة والمقالة والنقد الأدبي؛ بالإضافة إلى الشعر، ومن ذلك: “جبابرة التأليف بين الأمس واليوم” وهي مقالة نشرها في مجلة الأماني البيروتية لصاحبها صديقه وزميله الدكتور العلامة عمر فروخ، وقد وقَّع إبراهيم تلك المقالة بتوقيع (الأحنف) في العدد 30 سنة 1939 و”أدب المنادمة عند أبي نواس” في العدد 14 و”مأساة ديك الجن الحمصي” في العدد 5 سنة 1941، ومن مقالاته وتمثيلياته التي عملها لدار الاذاعة: مؤامرة على الفصحى/ عقد اللؤلؤ/ وفاء مزعوم/ أشواق الحجاز، وقد قام الشاعر المتوكل طه بجمع أعمال إبراهيم طوقان (الشعرية والنثرية) ورسائله الشخصية في المجلد الضخم (حدائق ابراهيم: أوراق إبراهيم طوقان ورسائله ودراسات في شعره) وصدر في عمان عام 2004 .

أنـــاشـــــــــــــــــــــــــــــيد

كتب إبراهيم طوقان عدداً من الأناشيد في مناسبات مختلفة ومنها:

نشيد رثاء الملك غازي (ملك العراق 1912 -1939) ثاني ملوك المملكة العراقية حكم من (8 سبتمبر 1933) ولغاية وفاته في (4 أبريل 1939). والنشيد من تلحين: يحيى اللبابيدي، وأُذيع من محطة القدس عام 1939.

راية روعَّها خطب عراها        خفقتْ والهة فوق ذراهـــــا

والصَّبا مرّت بها نائـــحةً         جزعاً تنعي إلى الدنيا فتاها

وبين السنوات 1939 1945 أي ما بين سني الحرب العالمية الثانية، كان المسؤولون البريطانيون يبذلون جهوداً جبارة لتحبيب الشعب العربي الفلسطيني بالسياسة التي ينتهجونها، ويتحدثون ما وسعهم الحديث عن حرية الشعب البريطاني والديمقراطية التي يتمتع بها، كما كانوا ينددون بالمحور خصوصاً الشعب الألماني، ويعددون مساوئه ومثالبه ويتهمونه بالديكتاتورية والقسوة، والجبروت.

 لذا كانت نشرات الأخبار الأربع تغطي أخبار المعارك الطاحنة والقتال الدائر بين الحلفاء والمحور مع الدس الموجه الذي كانت ترتأيه السياسة البريطانية.[72]

ولكن.. ولكن..!

ومع كل الدعاية التي كانوا يقومون بها ضد الشعب الألماني، فإن الشعب العربي الفلسطيني، في الظروف الحرجة التي يعيشها، كان يميل إلى انتصار المحور، أي الألمان تخلصاً من الانكليز وظلم الانكليز، ومن سياستهم الخرقاء التي كانوا يتبعونها لتهويد فلسطين.

ولم تنطل على الشعب العربي الفلسطيني كثرة الأباطيل والأراجيف التي كانوا يتبعونها في الإذاعة، والسموم التي كانت مخابراتهم تبثها، لعلمهم بان الانجليز كانوا يمهدون لأسيادهم الصهاينة من أجل اغتصاب فلسطين وإنشاء وطن قومي لهم على أرضها.

قصيدة مهجورة للشاعر

  اعتاد الشعراء استبعاد بعض قصائدهم من أعمالهم عند نشرها في ديوان، أو عند صدور أعمالهم الكاملة، ورأينا الشاعر محمود درويش يسقط ديوانه الأول “عصافير بلا أجنحة” كاملاً، وكان قد صدر في عكا 1960، فقد أسقطه الشاعر عندما نشر أعماله الشعرية الكاملة عام 1973، وكان الشاعر أحمد رامي صاحب طريقة خاصة في نشر ديوانه الذي حرص أن يكون اسمه دائما “ديوان رامي” ولكنه في كل طبعة كان يصدرها لديوانه يجري تعديلات عليه من خلال عملية الحذف والإضافة، وهذا ما فعله الشاعر إبراهيم طوقان نفسه، فقد أورد المتوكل طه في كتابه “الكنوز” والذي أورد فيه “ما لم يُعرف عن إبراهيم طوقان” ومن هذا الذي لم يُعرف عن إبراهيم بعض قصائد وجدها في منزل شقيقته الشاعرة فدوى طوقان وبين أوراق الشاعر وأشيائه وصوره[73]. ولكن ومن خلال نظري في مختلف طبعات ديوان طوقان وبعض ما كُتب عنه وجدت قصيدة لم ترد في ديوانه الأخير الذي أشرف عليه الدكتور إحسان عباس وطبعاته الأخرى؛ وهي قصيدة (نحن….؟ حقائق مؤلمة) نشرها الدكتور حسني محمود في كتابه: شعر المقاومة الفلسطينية: دوره وواقعه في عهد الانتداب/ الجزء الرابع ص71 وقد نقلها عن جريدة الاتحاد العربي (السبت 24 صفر 1344-12/ايلول/ 1925 السنة 1) والقصيدة في خمسة وعشرين بيتاً ومطلعها:

تطوح بنا كارثات الزمن       وترشقنا بسهام المـــــــــحن

ونحن نساعدها بالفــعال       كأن بها وجـــــــــلا أو وهن

ولم ندرع لاتقاء الـــعدو       وخلف العدو ملاك كــــــمن

ولم نكترث لليالـــي غد        وديجورها الحالك المرجحن

ويورد الدكتور حسني محمود تفسيراً لعدم ورود هذه القصيدة في ديوان إبراهيم طوقان فيقول: “وليس أصدق في الحكم على هذه القصيدة من رأي صاحبها؛ فلم تحظ بقبوله فيما بعد. وكان يولي العاطفة النصيب الأوفر من العناية في الشعر فقال فيها” إنها باردة العاطفة، مفككة الأوصال، رخوة المعنى والمبنى. وهل أدلُّ من هذا العنوان عليها؟ واعتبرها مع بعض قصائده التي لم يرض عنها فيما بعد حذلقة، فلم تُنشر في ديوانه الذي بدأ في تنظيم قصائده وترتيبها إعداداً لنشره في أثناء حياته”.[74]

وكان أحمد طوقان شقيق الشاعر وجامع ديوانه قد أسقط عدداً من قصائد إبراهيم ولم يضمنها طبعة الديوان الأولى التي صدرت عام 1955 منها قصيدة “تحية مصر” التي نُشرت أول مرة في جريدة “البرق” اللبنانية في 24/12/1931 بسبب مطلعها:

تحية لك يا مصر الفراعين      ذوي المآثر من حيٍّ ومدفون[75]

وقال الدكتور يوسف بكار أيضاً بأنه “قابل الأستاذ عمر فروخ وهو صديق للشاعر طوقان ولديه قصائد إبراهيم طوقان جميعها، وطلب منه أن يزوده بهذه القصائد ليقوم بنشرها، فرفض”[76]

حكاية ديوان إبراهيم طوقان:

  يقول الدكتور عمر فروخ عن ديوان طوقان قبل أن تصدر طبعته الأولى: “على أن ديوان إبراهيم لن يضم كل شعره، فإن إبراهيم نفسه كان قد اختار ما يريد نشره من شعره ونَسَخَهُ بيده، ثم عاجلته المنون فحالت بينه وبين تحقيق غايته، وهناك قصائد أسقط منها إبراهيم أبياتاً، وهنالك قصائد أسقطها إبراهيم جملة، وفي هذه القصائد التي أسقطها جملة جميع ما قاله في الهجاء والمجون، وهو غير قليل”.[77]

  صدر الديوان في ست طبعات أو نشرات، خمس منها في دور نشر لبنانية، وكانت الطبعة الأخيرة قد صدرت عن مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بالكويت عام 2002، ويقول عنها الدكتور يوسف بكار بأنها أوفى النشرات لأن معدها ماجد الحكواتي أفاد من النشرات جميعاً؛ ومن صحف ومجلات وكتب أخرى.[78]  وقال الدكتور بكار في مناسبة أخرى عن طبعة البابطين هذه:” جمع الحكواتي سبعة نصوص جديدة غير معنونة: ثلاث قصائد قصيرة، وأربع مقطعات وهي جميعاً من الإضافات الحقيقية لشعر إبراهيم الذي لما يكتمل جمعه”.[79]

 ويمكن تتبع صدور طبعات ديوان إبراهيم طوقان على النحو التالي:

  1. الطبعة الأولى بعنوان “ديوان إبراهيم طوقان” وصدرت عن دار الشرق الجديد في بيروت عام 1955م. وكان ملحقاً بهذا الديوان: دراسة متخصصة عن الشاعر والديوان ـ للدكتور زكي المحاسني، ومقدمة للديوان للأستاذ أحمد طوقان شقيق الشاعر، وقصة حياة الشاعر بقلم الشاعرة فدوى طوقان.

  2. ديوان إبراهيم؛ إبراهيم عبد الفتاح طوقان، دار الآداب في بيروت عام 1965م

  3. الطبعة الثالثة وصدرت بالعنوان نفسه عن دار القدس في بيروت عام 1975م وهي بتحقيق الدكتور إحسان عباس، وقد رُتِبَ الديوان حسب تاريخ كتابة القصائد، وقد كتب الدكتور إحسان عباس مقدمة لهذا الديوان بعنوان “نظرة في شعر إبراهيم طوقان”

  4. “ديوان إبراهيم طوقان” صدرت عن دار العودة في بيروت عام 1988م، وهي طبعة دار الشرق الجديد نفسها.

  5. الأعمال الشعرية الكاملة: إبراهيم طوقان، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، عمان؛ بيروت (ط2/ 1993) وفي هذه الطبعة: نظرة في شعره بقلم إحسان عباس، مقدمة بقلم فدوى طوقان بعنوان: (أخي إبراهيم).

  6. الطبعة الخامسة وصدرت عن مؤسسة عبد العزيز البابطين في الكويت عام 2002م، وهي من إعداد وترتيب الأستاذ ماجد الحكواتي.

   كان إبراهيم طوقان يزمع نشر ديوانه أثناء حياته، فقام بجمع قصائده واختيار المناسب منها الذي يريده في هذا الديوان، ولكن أجله القصير لم يمهله من تحقيق رغبته وأمنيته، فقام بذلك شقيقه أحمد طوقان، بينما قام بتحقيقه عدد من المهتمين، فبعد وفاته وجد شقيقه أحمد أن الوفاء لأخيه يقتضيه إكمال أعماله ؛ فظهرت الطبعة الأولى للديوان 1955م عن دار الشرق الجديد في بيروت، وقد حافظ أحمد طوقان علي القصائد التي اختارها إبراهيم وعددها (77) قصيدة  واقتصر عمله على تشكيل بعض الكلمات، وشرح بعض المناسبات، مع إضافة عشر مقطوعات غزلية، وبلغت أبيات هذا الديوان (1455) بيتا تقريباً، واحتوي هذا الديوان – بالإضافة للقصائد – مقدمة لأحمد طوقان وكتيباً كانت قد أصدرته فدوي طوقان بعنوان “أخي إبراهيم” أصدرته في يافا عام 1946، ثم  تم ترتيب القصائد حسب الموضوعات مع نشر بعض القصائد الطويلة المنفردة.

   بقي الكثير من نتاجه الشعري ضائعاً مجهولاً لا يعرفه إلا قلة من المعاصرين للشاعر والمتصلين به. حتى أصدرت دار القدس في بيروت عام1975طبعة جديدة للديوان مثل نقلة جديدة؛ إذ ضمت الأشعار التي احتوتها الطبعة الأولى وأضافت إليها (36) قصيدة جديدة دون أن تذكر مصادرها، وبلغت أبيات هذه الطبعة (2132) بيتاً تقريباً، وقد اتبعتْ هذه الطبعة طريقة جديدة في الترتيب وهو الترتيب التاريخي للقصائد حسب تاريخ نظمها أو نشرها، واحتفظت للأناشيد بحيز خاص. وظلت هاتان الطبعتان الأساس المعتمد لكل ما صدر بعدهما، فنهجت طبعتا دار العودة ودار المسيرة نهج طبعة دار الشرق الجديد ؛ بينما اتبعت طبعة المؤسسة العربية للدراسات و النشر طبعة دار القدس (ولما اشرف الدكتور إحسان عباس على طبع الديوان نشره حسب التسلسل التاريخي للقصائد)  .وعندما قررت مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري إصدار طبعة جديدة لديوان إبراهيم طوقان بمناسبة انعقاد دورتها الثامنة في البحرين ووجدت أن من حق هذا الشاعر الكبير عليها الذي لايزال الكثير من تراثه مغيباً؛ أن تتحمل مسؤولية خاصة تجاهه في هذا الظرف الاستثنائي، فكلفت من يبحث عن تراث الشاعر المفقود، فبحثت في الدوريات والكتب في  القاهرة ودمشق وعمان وبيروت؛ وتم الاطلاع علي أغلب ما كُتب عن إبراهيم طوقان، وقد تم جمع كل ما أمكن الحصول عليه من قصائد أو مقطوعات أو أبيات للشاعر ولم يستثن من ذلك إلا ما خرج عن حدود اللياقة، فمن المعروف أن للشاعر أبيات مكشوفة قالها في سهرات أُنس مع بعض أصدقائه، وتم استبعاد أي مقطوعة غلبت عليها العامية، ولقد تطلب ذلك الكثير من الجهد والصبر والعنت، لأن بعض الدوريات تاهت أو تيه عنها، ولقد حرص المعنيون على تسلسل القصائد زمنياً داخل كل باب، وجمع ما تناثر من أبيات ومقطوعات للشاعر في باب خاص، وأُفرد ملحق خاص لأربع قصائد اشترك إبراهيم طوقان في نظمها مع شعراء آخرين . بلغت عدد قصائد ومقطوعات هذه الطبعة(158) قصيدة، وبلغ عدد أبياتها (2530) بيتا”.[80]

أعمال إبراهيم طوقان الكاملة:

   جمع الدكتور الشاعر “المتوكل طه” آثار إبراهيم طوقان النثرية والشعرية ورسائله، ونشرها في عدد من الكتب بدءاً في ” الكنوز: ما لم يُعرف عن إبراهيم طوقان، مؤسسة الأسوار، عكا 1998″ ثم أعاد نشرها في ” من أوراق الشاعر إبراهيم طوقان” مؤسسة البابطين، الكويت 2002″ وأخيراً في:” حادئق إبراهيم، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت 2004″ وكان قد نشر رسائل إبراهيم إلى فدوى مستقلة في كتاب “هذا ما لزم”، بيت الشعر، رام الله 2000”[81] وللمتوكل أيضاً كتاب (الساخر والجسد) دراسة في شعر إبراهيم طوقان.

 كتب إبراهيم طوقان عدداً من القصص والروايات التمثيلية للإذاعة الفلسطينية، ومعظمها مفقود.

حول الشاعر:

   قرر اتحاد الكتاب الأردنيين إعلان جائزة سنوية باسم الشاعر إبراهيم طوقان وذلك في حفل ذكراه المئوية في أيلول عام 2005.

  مُنح اسمه وسام “القدس للثقافة والفنون” في يناير/ كانون الثاني سنة 1990.

   صدر عنه العديد من الدراسات والكتب نذكر منها:

  1. 1. رسائل إبراهيم طوقان إلى شقيقته فدوى، دار الهجر، بيت الشعر، رام الله 2004.

  2. 2. د. عمر فروخ، شاعران معاصران طوقان والشابي، بيروت، المكتبة العلمية، 1954.

  3. 3. البدوي الملثم، (يعقوب العودات)، إبراهيم طوقان في وطنياته ووجدانياته، المكتبة الأهلية، بيروت،1964.

  4. 4. د. زكي المحاسني، إبراهيم طوقان، شاعر الوطن المغصوب، القاهرة، دار الفكر العربي، د.ت. (1956).

  5. 5. عبد اللطيف شرارة، إبراهيم طوقان، دراسة تحليلية، دار صادر، بيروت، 1964.ط2 دار بيروت للطباعة والنشر 1982

  6. 6. وليد جرار، شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان، عبد الرحيم محمود، مطبعة الخالدي، عمان، 1984.

  7. 7. حنا أبو حنا، ثلاثة شعراء، منشورات مجلة مواقف، 1995.

  8. 8. الدكتور يوسف بكار: (إبراهيم طوقان: أضواء جديدة)

مسلسل إبراهيم طوقان

  تم تقديم سيرة حياة الشاعر إبراهيم طوقان في مسلسل تلفزيوني بعنوان (إبراهيم طوقان) من تأليف وسيناريو وحوار الكاتب محمود شقير، وإخراج موفق الصلاح وتم عرضه عام 1984وهو من بطولة محمد القباني، وزهير النوباني وقامت بدور فدوى طوقان الفنانة ريم سعادة

  منحته منظمة التحرير الفلسطينية، في كانون الثاني/ يناير سنة 1990، وسام “القدس للثقافة والفنون والآداب”.

الوفــــــــــــــــــــــاة

 بعد أن ترك إبراهيم العمل في الإذاعة الفلسطينية عام 1940سافر إلى العراق ليدرّس في دار المعلمين الرسمية ولكن لم يكد يمضي شهران على إقامته في العراق حتى وقع فريسة العلة والمرض فعـالجه الـطـبيب عـلاجاً وقـتـيـاً وأوصى بإعـادته إلى مـوطـنه (تحـسبـاً للاحـتـمالات) وبالفعل عاد فوراً إلى نابلس قبل انتهاء الفصل الدراسي الثاني، ونقل إبراهيم إلى المستشفى الافرنسي في مدينة القدس، ومكث هناك أياماً معدودة، وقد فارق الحياة في الثاني من شهر أيار (مايو) 1941 وهو يسند رأسه إلى صدر أمه.[82]

  نُقل جثمانه إلى نابلس وسُجى في الجامع الكبير حيث تمت الصلاة عليه، ثم شُيِّع في موكب مهيب شارك فيه كشافة كلية النجاح والأعيان والعلماء والوجهاء في نابلس ووفود البلاد إلى المقبرة الشرقية

   تقول فدوى في ختام حديثها عن أخيها إبراهيم: “كان لإبراهيم رحمه الله مصحف صغير، لا يخلو منه جيبه، تبركاً به من جهة وليكون في متناول يده كل حين من جهة أخرى، فلما توفاه بارئه، كان ذلك المصحف تحت وسادته، ولا تزال إلى اليوم ثنية ثناها في إحدى صفحات سورة “التوبة” وكانت هذه الآيات الشريفة آخر ما تلاه إبراهيم من كتاب الله أثناء مرضه”.[83]

****

[1] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[2] عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 28
[3] محمد حسن عبد الله: إبراهيم طوقان: حياته ودراسة فنية في شعره، مؤسسة البابطين، 2000، ص 13
[4] انظر: (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان ….120
[5] محمد حسن عبد الله: إبراهيم طوقان: حياته ودراسة فنية في شعره، مؤسسة البابطين، 2000، ص 13
[6] محمد حسن عبد الله: إبراهيم طوقان: حياته ودراسة فنية في شعره، مؤسسة البابطين، 2000، ص 14
[7] انظر: (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان ….156
[8] وليد صادق سعيد جرار: شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ص 83
[9] عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 38
[10] موقع ديوان العرب:” إبراهيم طوقان شاعر فلسطين الأول، تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩بقلم أوس داوود يعقوب
[11] محمد حسن عبد الله: إبراهيم طوقان: حياته ودراسة فنية في شعره، مؤسسة البابطين، 2000، ص 11
[12] جريدة الثورة: الملحق الثقافي؛ راسم المدهون: الثلاثاء 28/6/2005م‏
[13] ديوان طوقان بتحقيق الدكتور إحسان عباس ص 245.
[14] نشر الأستاذ يعقوب العودات في كتابه عن إبراهيم طوقان نص الحديث الذي أذاعه إبراهيم طوقان عن السموأل، أنظر: (يعقوب العودات (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان في وطنياته ووجدانياته، المكتبة الأهلية، بيروت، ط1/ 1964 ص94
[15] أنظر: (يعقوب العودات (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان في وطنياته ووجدانياته، المكتبة الأهلية، بيروت، ط1/ 1964 ص95
[16] خير الدين الزركلي “الأعلام، ج ٣ -الصفحة ١٤٠.
[17] ما يُرجح أن تكون القصيدة منحولة على لسان السموأل أن القائل هنا يتحدث عن حب التضحية وحب الموت، وكراهية ذلك عند الخصوم، وحبُ الموت والتضحيةُ في سبيل المبدأ لم يكن من صفات الجاهليين؛ أو حتى اليهود الذين هم أحرص الناس على حياة كما وصفهم القرآن الكريم. (أنظر أيضاً: (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان في وطنياته …ص98)
[18] وليد صادق سعيد: شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ص 105
[19]  انظر: (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان …. ص99
[20] انظر: (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان ….101
[21] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[22] تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[23]  تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[24] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[25]    تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[26]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[27] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[28] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[29] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[30]راضي صدوق: ديوان الشعر العربي في القرن العشرين، ج 1، ط 1، ص 59(ترجمة إبراهيم عبد القادر المازني).
[31] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[32]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[33]    تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[34] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[35] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[36]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[37]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[38]    تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[39] تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[40] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[41]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[42] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[43] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[44] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[45] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[46] مجلة الدوحة، العدد 100(4/1984) ص 120(الحلقة السابعة من مذكرات فدوى طوقان: رحلة صعبة.. رحلة جبلية).
[47] وليد صادق سعيد جرار: شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ص 99ـ 106
[48] رفيق الحسيني: إبراهيم طوقان: الشاعر الذي نظم قصيدة “موطني”… ومات مقهوراً، موقع كل يوم12/4/2023
[49] عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 55
[50]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[51]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[52]   رفيق الحسيني: “ابراهيم طوقان.. الشاعر الذي نظم قصيدة “موطني” … ومات قهراً” مقالات الخامسة للأنباء، 12/4/2023
[53]   رفيق الحسيني: “ابراهيم طوقان.. الشاعر الذي نظم قصيدة “موطني” … ومات قهراً” مقالات الخامسة للأنباء، 12/4/2023
[54]   تيسير جبارة: هنا القدس: إذاعة فلسطين الأولى، مركز الأبحاث في منظمة التحرير الفلسطينية
[55]  عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 55 و56، ونصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[56] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[57] إبراهيم مشارة: حين يقذع الشعراء، الحوار المتمدن (العدد: 6996) 22/8/2021)
[58] عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 34 و43
[59] دير ياسين وما يرد من أسماء هي قرى فلسطينية تحيط بالقدس، دمَّر اكثرها اليهود وعملوا في بعضها مذابح شنيعة كمذبحة دير ياسين في شهر نيسان 1948.
[60] وردت ترجمة هذه القصيدة في بحث: “الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني “للدكتور عادل الأسطة، والمنشور على الإنترنت.
[61] عن هذه ـ المعركة الفكرية الشعرية ـ أنظر أيضاً: يعقوب العودات (البدوي الملثم): إبراهيم طوقان في وطنياته ووجدانياته، المكتبة الأهلية، بيروت، ط1/ 1964 ص 42
[62] انظر كتاب: وليد صادق سعيد: شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ص 149 وبحث “الأديب الفلسطيني والأدب الصهيوني “للدكتور عادل الأسطة، والمنشور على الإنترنت.
[63] الموسوعة الفلسطينية، القسم الثاني
[64] سلمى الخضراء الجيوسي: موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر (الشعر 1) ط 1، 1997 ص323.
[65] موقع ديوان العرب: براهيم طوقان شاعر فلسطين الأول 4تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٩بقلم أوس داوود يعقوب
[66] كامل محمود خلة: فلسطين والانتداب البريطاني (1922ـ 1939) ص 289 وما بعدها، صفحة312
[67] الموسوعة الفلسطينية، القسم الأول، الجزء الأول ص 614(بتصرف).
[68] أبدى الشهيد محمد خليل جمجوم ثباتاً شديداً عند إعدامه فقد ردد مع زميليه الآخرين ترديد نشيد “يا ظلام السجن خيم، إننا نهوى الظلاما”
[69] طلب الشهيدان عطا الزير ومحمد جمجوم (وهما من الخليل) حناءً ليخضبا أيديهما كعادة أهل الخليل في أعراسهم.
[70] انظر مقدمة ديوان إبراهيم: أخي إبراهيم لفدوى طوقان
[71] وليد صادق سعيد: شاعران من جبل النار: إبراهيم طوقان وعبد الرحيم محمود ص 151
[72] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948
[73] المتوكل طه:” الكنوز “ما لم يُعرف عن إبراهيم طوقان”، دار الشروق، عمان؛ رام الله، ط 1 / 1999 الصفحات 7 ــ 21.
[74] حسني محمود: شعر المقاومة الفلسطينية؛ دوره وواقعه في عهد الانتداب، الوكالة العربية للنشر والتوزيع 1984ج1 ص 68وانظر أيضاً (د. عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 82)
[75] يوسف بكار:” البدوي الملثم وإبراهيم طوقان. كتاب وخطاب” مقال في جريدة الرأي الأردنية 23/9/2005
[76] انظر كتاب: شاعرا فلسطين: إبراهيم وفدوى طوقان، مؤسسة عبد الحميد شومان، مراجعة وتقديم: ناصر الدين الأسد، مقال الدكتور يوسف بكار والتي عنوانها “إبراهيم طوقان وشعرنا القديم: الموقف والأداة” ص 77
[77] عمر فروخ ـ شاعران معاصران، منشورات المكتبة العلمية ومطبعتها ـ بيروت ـ ط1/1954 ص 710
[78]   : شاعرا فلسطين: إبراهيم وفدوى طوقان، مؤسسة عبد الحميد شومان: ص69
[79] يوسف بكار:” البدوي الملثم وإبراهيم طوقان. كتاب وخطاب” مقال في جريدة الرأي الأردنية 23/9/2005
[80] موقع مؤسسة عبد العزيز البابطين “تعريف بديوان إبراهيم طوقان”
[81] انظر كتاب: شاعرا فلسطين: إبراهيم وفدوى طوقان، مؤسسة عبد الحميد شومان، مراجعة وتقديم: ناصر الدين الأسد، مقال الدكتور يوسف بكار والتي عنوانها “إبراهيم طوقان وشعرنا القديم: الموقف والأداة” ص 69
[82] ومحمد حسن عبد الله: إبراهيم طوقان: حياته ودراسة فنية في شعره، مؤسسة البابطين، 2000، ص 16وشاعران معاصران: عمر فروخ، بيروت 1954
[83] نصري الجوزي “المقدسي: تاريخ الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” 1936 ـ 1948

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *