هل يحق للمخرج المبالغة بالمشاهد الجنسية باسم الواقعية؟

(ثقافات)

السؤال المعلق:

هل يحق للمخرج المبالغة بالمشاهد الجنسية باسم الواقعية؟

أحمد طملية

في حديثه لملحق الدستور الثقافي في حوار  أجراه طلعت شناعة قبل سنوات ، يقول المخرج الأردني محمد عزيزية إن مشهد الاغتصاب في مسلسله “قضية رأي عام” الذي عرض خلال شهر رمضان، في ذلك الحين، لم يكن مكتوباً في النص ولكنه حرص على تصويره حين تتعرض الممثلة يسرا مع زميلتيها لاعتداء من ثلاثة شبان ليسوا في وعيهم. جاء المشهد في (28) ثانية شعر المشاهد وكأنها زادت عن الثلاث الدقائق.

إذا كان المخرج عزيزية قد تعمد هذه الإطالة في تصوير مشهد الاغتصاب ، بل وأضافته رغم أنه ليس مكتوباً في النص ، فأنما قصد تصوير بشاعة المشهد الذي سيقوم بعد ذلك المسلسل كله عليه ، حين تدور المجريات حول محاولة الممثلة (يسرا) أخذ حقها بالقانون بسبب واقعة الاغتصاب تلك.

 نحن هنا نتحدث عن مشهد وعن رغبة المخرج في إظهار بشاعته ، ولكن ماذا عندما يفهم المخرج خطأ فيتحول قصد إظهار البشاعة وكأنها محاولة إيحاء جنسي، كما حدث مع المخرج علي بدرخان في فيلم “الكرنك” ، حين طلب أن يبدأ مشهد الاغتصاب بقيام الممثل بشق قميص الممثلة( سعاد حسني) لتتهاوي أزرار القميص وينكشف جانب يسير من نهديها. إذ لاحظنا أن المنتج استغل هذه اللقطة ليجعلها تتصدر “أفيشات” الفيلم ولوحات الإعلان عنه ، كما أن بعض المشاهدين استغل اللقطة لإشباع نهم ما.

لقد قدم المخرج الأردني محمد عزيزية واقعة اغتصاب عبر مشهد قاربت مدته الدقيقة ، وعلى شاشة التلفزيون ، وهو الجهاز الأخطر لكونه الأقرب إلى الناس ، حابساً أثناء ذلك أنفاس المشاهدين ، فمنهم من اعتراض ، ومنهم من أشاح بوجهه ، ومنهم من شعر بأن المشهد طالت مدته عن الحد اللازم ، ونجح في النهاية بإيصال ما يريد إيصاله، ألا وهو تصوير بشاعة المشهد. وعلي بدرخان قصد أيضاً إظهار بشاعة المشهد، دون أن يحفل بما تناثر من إيحاءات لا علاقة له بها.

كأن قصد المخرج إننا أمام واقعة اغتصاب ، أي ينبغي ضمناً الترفع عن أية إيحاءات يمكن أن تتراءى في الذهن ، ولكن الذي يحدث فعلاً أنه حتى الاغتصاب يدخل في دوامة الايحاءات ، فسمعنا من يرفض ومن يتحفظ على إطالة المخرج عزيزية لمشهد الاغتصاب ، فماذا لو كان المشهد ليس اغتصاباً بل تجسيداً لعلاقة عاطفية ، أو لقاء غرامياً ، أو لحظة اندفاع من قبل الحبيبين ، فهل تشفع الواقعية للمخرج كي يمعن في تفصيل مشهده؟ وماذا إذا تعدى المشهد حدود التعبير عن المطلوب منه ، وأصبح مادة خصبة يقتات عليها المحرومون جنسياً ، أو الباحثون عن لحم طري يتموج أمام أعينهم على مدى الشاشة البيضاء؟ وهل المخرج محق في واقعيته ، أم أن عليه أن يلجاً إلى فن الإيحاء على نحو يسمح له بأن يوصل فكرته بأقل التفاصيل الممكنة؟ وهل المشكلة مشكلة مخرج أم مشكلة مشاهد ، أو بالأحرى مشكلة شريحة معينة من الجمهور تحمّل المشهد ما لا يحمله أحياناً؟

 إن مثل هذه الأسئلة لها جذور ، ولها تداعيات ، خاصة في عالم السينما، حيث فرص التعبير أوسع بكثير من النطاق الذي يفرضه التلفزيون، فنذكر على سبيل المثال، أن ما من يوم يمر إلا نسمع أو نقراً عن ممثلة ترفض سيناريو فيلم لكونه يتضمن مشاهد ساخنة. وكثيراً ما يصرّ المخرج على المشهد الساخن ، إذ يعتبره توظيفاً درامياً يعبر عن حميمة المشهد العاطفي ، وأنها ضرورية للوصول إلى مصداقية المشهد ، كما عبر عن ذلك المخرج رضوان الكاشف حين قال “إن السينما مثل الدنيّا فيها قضايا كثيرة منها الجنس ، وعلى المخرج أن ينقل ذلك إلى الشاشة”، ناهيكم عن حسابات المنتج الذي يرى فيها ميزة تسويقية لانتشار الفيلم ، على أرضية أن المشاهد يرغب بأن يتابع المشهد الساخن على الشاشة ، بل هو يبحث عنه.

 نلاحظ على هذه الأرضية، إذا ما وافقت الممثلة على المشهد ، تجد المنتج قد أبرزه في دعايته للفيلم ، حتى أننا صرنا نرى ملصقات لأفلام توحي بالمشاهد الساخنة دون ان تتضمنها بالضرورة ، حيث أن مثل هذه اللقطات لا يتعدى زمنها في كثير من الأحيان عن ثوان معدودة.

والملاحظ أن هناك جدلاً يثار حول المشهد الساخن ، وأغلب هذه الجدل يدور حول القبلة تحديداً ، هل ثمة ضرورة لها ، وألا يمكن أن يمر المشهد دون أن تنطبق الشفتان على بعضهما البعض؟

 ومن ضمن ما يثار أيضاً الموافقة على الطرح الجريء دون أن يتم التعبير عن ذلك بشكل علني وفصيح ، كما نلمس ذلك في أداء الممثلة فردوس عبدالحميد ، فهي ترفض المشهد الساخن إلا أنها لا تمانع من تقديم طرح جرئ كما فـي فيلم”طائر على الطريق”حين قدمت شخصية امرأة تعاني في حياتها الزوجية لارتباطها بشخص ثري عاجز عن إشباع رغباتها الجنسية. كذلك ، فإن ليلى علوي تتحفظ على القبلة العلنية ولكنها لا تمانع من تقديم مشاهد ساخنة تتضمن الكثير من العريّ ، والإيحاء الجنسي.

ونلاحظ ، في هذا السياق ، أن القبلة هي مبعث الجدل والخلاف ، حتى بالنسبة للمثلات اللواتي يوافقن على الظهور “بالمايوه” ، مع ملاحظة أن القبلة لم تكن موضع جدل في تاريخ السينما المصرية ، بل إنها كانت موجودة ومألوفة في أغلب الأفلام ، تقدم بمناسبة ودون مناسبة ، وسواء في سياقها أو خارج السياق تماماً ، فثمة الكثير من الأفلام التي تختتم بمشهد لقبلة على الشاشة بين الحبيبين بعد صراع مع الأحداث. أذكر في هذا السياق ، المشهد الختامي لفيلم”خلي بالك من عقلك”لـ عادل إمام وشريهان ، فقد كان يمكن ، فعلاً ، تجاوز القبلة الختامية طالما أن الفكرة وصلت إلى المشاهد ، ألا وهي أن الزوجين تمكنا ، أخيراً ، من أن يعيشا حياتهما الزوجية بشكل طبيعي ، بعد أن تم تجاوز العقدة النفسية لدى الزوجة ، حيث كانت ترتعب كلما أقترب منها زوجها لتداعيات لها علاقة بطفولتها وتعرضها لمحاولة اغتصاب. أما فيلم “أبي فوق الشجرة”فلقد حطم الأرقام القياسية في عدد القبل ، لدرجة أن جمهور الدرجة الثالثة كان يعدّها أثناء العرض وقد بلغت (99) قبلة.

 أما اليوم ، نجد المشهد الساخن والقبلة تحديداً باتت مبعث سؤال ، وأحياناً استهجان ، فما أن ينتهي العرض حتى يخرج الأمر من يد المخرج ويصبح الكل مسؤولاً عن تصرفاته. ونلاحظ أن الممثلة التي توافق على تقديم مشاهد ساخنة تتعرض لانتقادات وسهام الأسئلة ؟ كما حدث مع الممثلة منة شلبي التي لم تسلم من أقلام النقاد بسبب المشاهد الساخنة التي ظهرت بها بفيلم”الساحر”، فاضطرت إلى القول:”إن الشخصية التي أديتها بفيلم الساحر ليست أنا “. ولدرجة أن أحد الصحفيين وجه سؤالاً للممثلة  رولا محمود بسبب المشاهد التي ظهرت بها بفيلم”مواطن ومخبر وحرامي”فقال لها:”ألم تخجلي وأنت تؤدين مثل هذه المشاهد داخل البلاتوه ؟” فردت بالقول:”وهل يخجل الطبيب أوالمحامي وهو يقوم بعمله ، وأنا أقوم بعملي وهو التمثيل “. فعاد وسألها : “ولكن ألست معي أن بعض المشاهد كانت زائدة عن الحد ؟ “فترد:”هذه وجهة نظر المخرج وأنا احترمها ، وطالما ارتضيت أن اقدم معه الفيلم ، ووافقت من البداية ، فعلي أن أنفذ تعليماته ، وكما قلت وظيفتي هي التمثيل “.

إن السؤال الذي يطرح نفسه: إلى أي مدى يخدم المشهد الساخن البعد الدرامي بالفيلم السينمائي؟ وإلى أي حد تشفع الواقعية للمخرج إذا خرج مشهده إلى فضاءات وإيحاءات أخرى ، كما حدث مع المخرج صلاح أبو سيف في فيلم”حمام الملاطيلي”، الأجرأ في تاريخ السينما المصرية ، فلقد أمعن أبو سيف في تفصيل واقعية المشاهد الساخنة التي تضمنها الفيلم لدرجة أن العرق راح يتصبب من جباه الكثيرين ، مع العلم أن المخرج قصد من هذا الامعان تصوير الحرمان والعطش للحب في زمن كانت فيه القاهرة تضطرم تحت نيران هزيمتها في الـ 67 ، وبلغ التشظي في ناسها مبتغاه؟

ومن ضمن الأسئلة التي تثار ما هو المقصود من المشهد الساخن؟ إذا كان الجنس ، أي التعبير عن الغريزة الجنسية فهذا شي ، وإذا كان الحب ، أي التعبير عن لحظة حب رقيقة فهذا شي آخر؟

وبيقى سؤال المشهد الجنسي على الشاشة معلقا.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *