في مناداة الشعور

(ثقافات)

في مناداة الشعور

سميحة التميمي

وحين تتوقف المبررات والتفسيرات حول لماذا الشعور:

(بعض المشاعر لو تمطرُ سوف يورقُ الصبّار)

هل ستفرض الفلسفة نفسها حين نتحدث عن الشعور، أم تحضر الروح، أم يحضر التأويل أم الشك وضده وما يمكن أن يحضر تالياً(اليقين) ليأخذنا لأسئلة التخمين والظن؟! هل يصبح العقل شيطان الشعور لنبقى نخوض معه حرباً إثر أخرى، فقاتلا أو مقتولا !

 ما الذي يجعلنا نلوذ بمناداة الشعور أوندخل أماكنه كالقلب والفكر والنفس والوجدان، هل هو الهذيان الجوّاني أم الضرورة أم الحاجة أم هو النزاع السلبي والمعارك الداخلية بداخل الذات، أم تأملاتنا العميقة أم خوفنا من العقاب ، أم موت الكثير مما ألفناه من الجماليات أم هو الضوء الفطري الذي به نرى سباقاً بين متألمَين أيهما يصرخ بصوت أعلى أو بين فرحين أيهما تغمره النشوة ويضحك اكثر، إذاً قد يحوّلنا الشعور الى أيتام مليئون بالحزن أو الى فرحين مليئون بالحياة..

إن مناداة الشعور والحالة هذه تحتاج الى/ تأتي من/ مزاج مختلف، قد لا نستطيع التعبير عنه أحياناً وهذا سوف يقلقنا لاحقاً لأن بلاغتنا لن تعيننا كون النداء في حالة المرض أو الألم يقيم في الروح فلا نعرف كيف نكتبه أو نستخرجه من بين كل هذه النداءات الخفيضة والتأملات الباذخة حتى لو أشعلنا كل زاوية من النفس بفوانيس لأناس نحبهم لنكتشف لاحقاً أن تلك التأملات لم تكن عاقلة تماما وأن النفس كانت تتوكأ على عكازة هَرِمةٍ هشة لا تعيدنا أطفالا  نكمل تاريخ طفولتنا بأناشيد فات علينا الفوت ولم نتعلمها مبكرا  فنصرخ فجأة ياا ألمي …

لذلك علينا أن نتعلم  كيف نخرج من الشعور الى الشعور المضاد بأساليب كثيرة،منها الجسد  الذي يُثقل على الوعي بكثرة حاجاته بحيث نتساءل: من الذي يقود الدفة، هل هو الوعي أم الجسد؟ لنبقى نسبح في دوامة يصعب ان نخرج منها، والكتابة واحدة من هذه الأساليب أيضا لأننا نسكب اللغة وحروفها في جُمَلٍ قد تصير قصيدة أو رواية وتلك ليست غاية، إنها وسيلة للتعبير عن الشعور برداء لغوي نعرف أنه لا يوصل للخلود ولا للتخلص من العبء أوالتحايل على الوعي، إن نداءاتنا والحال هذه حيّة مثلنا وإن ارتدّت خالية الوفاض فلن يروينا بعدها ماء الأرض، والعطِشُ لا يرويه السراب! إنها تُمطرإذاً، فليقُم الشعور

أيها الليل: كيف شربتَ كل هذه الثمالة من العتمة والنور

ومن أسقاكها؟!    

في مناداة الليل حين تنتهي مهمة الشاعر بين المحو والكتابة يركض قبل الدهور ليلحق بها ولا يقدر، فيبدأ بافتعال المعارك الوهمية ويحشد ظلمته وشموعه ليكتب تاريخه أو سيرته قبل أن ينتهي في نوبة بكاء تطوقه وتدربه على قراءة سفر من أسفار الحكمة ليبقى الصوت في الحنجرة صالحا للنداء فالليل واحد من جداول الحياة المتَّفق على حياته الكامنة فينا حيث هو نصفها الذي ننتظره كل مساء ففيه تتسلل الحدائق والحرائق وحتى لو قلنا: ما لنا ولليل، فلن نجد ليلاً بديلا، فهل نستطيع أن ننام ونصحو دون نداء ، دون شعور يفضي الى النداء؟ إذاً علينا أن نمارس تلك الحكمة التي هي الفطرة الأولى ونركض خلف أشياء الحياة ونداءاتها بعيدا عن مدّ الليل وجزره.

 وساعة الفرح من فرط زهوها تسكن في النجمة أو في القمر وقد تستدعي البحر ليحل ضيفا على النهرفلا يستطيع الأخير أن يقري ضيفه! لو أن تلك الساعة الفَرِحَة ما استدعتِ البحر الماهر في الرماية والإغراق، والحريق كامن في قلبه، إن (لو) هذه تفتح مكر الشيطان !

وقد تسوق ساعة السعد تأملاً وقد تتدخل الموسيقا بكثيرِ الشجن أو قليله فنحن نذهب اليها لننسى مع اللحن أن في الوردة شوكة أو حتى لا نصاب بالكآبة التي يجب أن نكتب من خارجها عن الشعورالذي يقوى ويضعف حسب شدة المؤثر الذي يعملربدوره كالجرس فيوقظ النائم أو يطفيء المنتشي ألماً متناقضاً يثبت كل احتمال من أجل أن ينقضه ويفتح على كل شك شكّا ينفيه، باحتمال يسقي ذلك النفي من الحقائق وما أكثرها حين تسافر الى البحر سيد الحقائق …

لماذا لا توجد مناداة الشعور إلا في العربية ولماذا المناداة لصيقة بنا ولماذا لا نتنازل سماعا وشرابا وكتابة وقراءة وموسيقا عن الحزن و الشجن أثناء النداء حتى تبتديء السعادات وننقع الشعر بماء العين ويصير حلوا وندركه وعيا سامياً أو عافية ذات مرتبة عليا، عندها ينكتب الشعر من الشعور الحقيقي، ولكني أخاف من عافية الشعر حتى لا تموت غرناطة من جديد وأرى دموع أبو عبدالله الصغير بين يدي موت طويل دون ان يخرج عن أمر الحد والقيد بين يدي دمع وندم رجيم..

إن الموضوع أبعد ما يكون عن المادة فقد يجلد الانسان ذاته تحت تأثير ثقل ما حين لا تطاوعه في الامتثال لهواه  قائلا: انهض،كم صرت ثقيلا أيها الجسد، وانت أيها القلب كان عليك ان تنتصر ولو لمرة واحدة فالساحات خالية ولكنك جبان منذور لهذيان يجب أن تتمرن جيدا على التخلص منه

ان حراك الشعور في نص أدبي يُصاغ بشكل جمالي خالص لفلسفة العلاقة بين الجمال وبين لزوم المدرِك (النفس)  والمدرَك(الآخر) وهذه هي أشياء الحواس وبلغة الفكر وبصياغة لغوية تستطيع ان تنفذ الى عقل القارئ وفكره فهو إذاً مناداة للخلاص او مناداة لمشاركة وجدانية لا يمكن ان يكتمل الجمال فيها الا بالآخر ومعه.

ليس بمقدور الأدب وحده ولا الفلسفة أن تفسر لنا عمق الشعور ونحن ننادي وإلا فاننا سوف نخضع لما يسمى ب التشتت لنحمي حقيقة رغبتنا في النداء وتوقعنا سرعة الإجابة، فإن هجمت المشاعر بشتى أشكالها وفي مرحلة متقدمة منها (سواء حزن أو فرح ) فان الشعور أول ما يمكن أن يحضر كحماية أعلاها مناداة الإله ثم ما دونه من نداءات فقرابتنا للطين الهش تجعلنا نستأنس بالرد على النداء بل وننتظر الإجابة التي تعيد التوازن للفؤاد وللعقل معاً وهناك تقبع الإشراقات والتخيلات  بدءاً من الوحدة إلى مجالسة الناس والأشياء والموسيقا والزهور …

النداء أحد فنون حماية القلب الحميمة، حين ننادي فاننا لا نخون الله ولا نخون أحداً وحين ننادي عروق القلب تغنّي  وتلك في مدوّنة الكلام هي الدلالات الشعورية للنداء، لان النداء على قرابة عقلية وروحية تأملية بالاشراق الجواني  فنحن –في الوعي واللاوعي- نستدعي الشعور على الأشخاص والأشياء حتى أننا نستدعي الفرح (يا سعادتي) والأسف يا أسفي  والالآم(يا ألمي) وعندما نخسر نستدعي الخسارة(يا خسارة) وكذا ما هو أعمق مثل مناداة الاله ومناجاته مثلا:

غفرانك إلهي يا من خلقتني من لب الهشاشة

ما أجمل ألّا أهون، حتى لو أخطأت وخذلتني لغتي

ما أجمل ألا تستبدلني بعابدة أخرى وصلت قبلي

فتلك النداءات الخفيضة أشبعتني ألماً

غير مرة / الليالي الحلوة تأخذني على محمل الجد  إلى الأعالي

فأصيخ الصراخ ،، ياااا ألمي

غير مرة كل القصائد الرائعات تحيلني الى سرب من  حبات عنب

ودواليكَ هكذا / كانَ عنباً، قبله حصرمٌ

قبله عود يابس قبله اللاشيء ، فأبهتُ قائلة:يا لدهشتي

وغير مرة/ رأيت السائس يفكرُ في الخلود والأحصنة تدفع الدمع

يا حزنها..

غير مرة اتكأتُ على جبلٍ صغير وتمنيته وتداً لروحي

غير مَرّة ,,,, أواه يا خيبتي !

ولكن السؤال: هل نظل بيروقراطيين حتى ونحن ننادي الشعور ؟

هل من قطعة موسيقى أو مطر خفيف او غيم كفيف

أو قصيدة نثر …من أجل ذلك الشعور

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *