(عودة آدم) ديوان القصيدة الواحدة

(ثقافات)

(عودة آدم) ديوان القصيدة الواحدة
 محمد بنقدور الوهراني

بين الضمير، (أنا)، في أول السطر، وبين الاسم، (جدران)، في آخر الكلام، تنطلق الحكاية.
وبين؛

أنا آدم
أول رجل على هذه الأرض
أومأ للشمس وناداها باسمها.

وبين؛
وفي طريقي التي تنتهي
لتبدأ بعدها طريق
سأخلط الأمل بالماء
وأدهن الجدار.

بين هذين المقطعين، الأول والأخير، يكتب الشاعر عبد الرحيم الخصار قصيدته (عودة آدم)، وبينهما، كذلك، نستطيع تلمس الطريق الشعري والوجودي لقصيدة (عودة آدم)، أو بالأحرى، ديوان عودة آدم.
قليلة هي الدواوين الشعرية التي كتبت بنفس واحد ورؤية واحدة وقصيدة واحدة.
ما الذي يجعلني أقر بأن (عودة آدم) هو ديوان القصيدة الواحدة؟
ما هو المسوغ الفني والجمالي الذي يدفعني إلى اعتبار الديوان قصيدة واحدة؟
هل هو عدم خلو الديوان من فهرس عام؟


هل هو عدم وجود أي تبويب أو تصنيف لنصوص الديوان؟
هل هو عدم وجود أسماء وعناوين لقصائد مستقلة وممكنة في الديوان؟
كل هذه الإحالات يمكن أن تكون صالحة في تأكيد تصنيف الديوان في خانة دواوين القصيدة الواحدة.
ولكن، هناك إحالة أكثر دقة وأكثر إحاطة، تتجاوز التحديدات الفنية التي رافقت ديوان (بساط الريح) وديوان (عبقر) للشقيقين الشاعرين فوزي وشفيق معلوف، باعتبارهما أول من طرق ديوان القصيدة الواحدة.
هذه الإحالة مرتبطة بقدرة قصيدة النثر التي ينتمي إليها الشاعر عبد الرحيم الخصار في تملك نفس شعري واحد يمكن أن يستمر طويلا إلى حدود بناء ديوان شعري كامل.
وبصيغة أخرى، كيف يمكن لقصيدة النثر، التي خبرناها، والتي تسير الآن في اتجاه الاختزال الشديد، والتكثيف الكبير، الذي أدى إلى ظهور أنواع من الكتابة قد نسميها قصيدة المقطع الواحد، أو نسميها الشذرة أو اللمعة أو هلم جرا، والإمعان في الابتعاد عن الموضوع الشعري وما يتعلق به، كيف يمكن لهذه القصيدة أن تتوفر على هذا النفس الشعري الطويل؟
كيف استطاع عبد الرحيم الخصار الانفلات من قيود قصيدة النثر، في نسختها الأخيرة المزيدة والمنقحة، والعودة إلى النسخة الأصل، سواء عند العرب أو الغرب؟
من أين تستمد قصيدة (عودة آدم) أحقيتها وقوتها لكي يسمى بها ديوان عبد الرحيم الخصار (عودة آدم)؟
لنتفق بأن تجربة ديوان القصيدة الواحدة في المغرب تكاد تكون منعدمة، لذلك يأخذ ديوان (عودة آدم) خصوصيته وأهميته وجدواه.
ولنتفق بأن كتابة ديوان واحد بقصيدة واحدة يحتاج إلى تمكن وإحاطة ونفس ورؤية ومنهج و دراية.
اعتمادا عليه، سأنطلق من فرضية ترتبط بالنهج الفني الذي اتبعه الشاعران معلوف، والنهج الذي اختاره الشاعر الخصار.
اعتمد الإخوان معلوف على طيمتين لهما أثر وتأثير  على المخيال والوجدان العربيين، شفيق اعتمد على الطيمة أو الموضوعة (بساط الريح)، وفوزي اعتمد على موضوعة (عبقر)، وكلاهما سمى ديوانه بهذه الطيمة.
وعليه، هل يمكننا اعتبار موضوعة أو طيمة (آدم) هي ما يحدد الإطار الفني والرؤية الفكرية للشاعر عبد الرحيم الخصار، خاصة وأن الديوان مسمى بهذه الموضوعة كذلك، (عودة آدم)؟
ما هي الحمولة المحتملة والممكنة لموضوعة (آدم)؟
هل يمكننا اعتبار موضوعة (آدم) لها علاقة بأسئلة الوجود والموت ومصير الإنسان؟
هل طيمة (آدم)، بكل حمولاتها التاريخية والدينية والاجتماعية، هي الفكرة العامة التي قامت القصيدة على أساسها؟
قبل هذا وذاك، وقبل البحث عن جواب، وقبل أي تحليل أو استقراء أو تأويل، قصيدة عودة آدم هي حالة روحية ووجودية وعاطفية واحدة.
قصيدة (عودة آدم) دفقة شعورية وشعرية واحدة، قذفها الشاعر عبد الرحيم الخصار مرة واحدة في وجوهنا، وتركها تعيش مصيرها وحالها وأحوالها، تماما كما الإنسان، تماما كما أبي البشرية، كما آدم.

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *