(ثقافات)
مجموعة شعرية …ما بعد الحداثة!
منجي الحدادي
بدأ في السنوات الأخيرة أو على الأقل في العقدين الاخرين يطفو على السطح ما يسمى بقصيدة النثر، فبعد أن تخلصت القصيدة العربية من تعدد الأغراض( مدح، هجاء، غزل، فخر..) إلى الغرض الواحد، و هو ما اعتبر تحديثا للقصيدة العربية، جاء الوقت التي صارت القصيدة تتلون بمعاني سردية و قصصية و كلمات اعجمية و حتى رسوم…
ماذا يعني كل هذا ؟ يعني التخلص من الحقيقة المطلقة بل التخلص من المطلق نفسه، و صار بالتالي كل اجتهاد مباح. و يرى أنصار هذا التوجه أن المبدع ابن بيئته، وعليه فلا بد أن يتكيف مع محيطه، لذلك صار هناك خيط رفيع بين الرداءة و الابداع بين الابتذال و الاجتهاد بين الافلاس و التميز. و من يريد أن يمشي في هذا الطريق عليه أن يدرك انه يسير فوق حقل ألغام .
و هنا تتنزل مجموعة الدكتور منذر شفرة الموسومة ( و ما نوى…فارتوى)الصادرة عن الأمينة للنشر القيروان-تونس.
جاءت مجموعته الشعرية على هذا المنحى. و قد استهلها بمقدمة شرح فيها مفهومه للقصيدة ما بعد الحداثة و في هذا نقتبس من مقدمة مجموعته هذه الفقرة.
(لقد شهدت النهضة الادبية في العالم العربي من بعد التأثيرات الغربية و العالمية أصداء عديدة من التّلوينات الشّعرية و الرّمنطقية و الرّمزيّة، فضاءات من التعبير داخل بنية القصيدة و هي تتوق نحو التّحرّر من قيود التّقليد و النّمذجة و السير على خطى الأول)
من الواضح أن الدكتور يسير نحو تفجير القصيدة من الداخل، و بالتالي اعادة بناء القديم و تشكيله، و هذا الأمر كان من المفروض أن يحصل منذ زمن بعيد، ليس للقصيدة فحسب بل للتراث برمته. إن اجترار الماضي أصبح عقدة تلازمنا منذ عقود كثيرة، لا نحن ذهبنا الى الامام و لا عدنا الى الوراء و شكلنا بالتالي مشروعنا الحضاري. و هنا يمضي شفرة أكثر صرامة و يضيف في مقدمة مجموعته:
(بعيدا عن التقسيمات الاجرائية بين أشكال كلاسكية للشعر العمودي و الحر و الكتابة النثرية نعتقد أن الابداع الادبي يتطور بالتفاعل مع أبعاد إنسانية جمالية تعبر فضاء الشكل إلى روح الامكانات الضامنة لشجن و و جدانية حضور الذات و نضيف الى ذلك تداخلا للأجناس الفنية داخل المنظومة الأدبية حيث نجد المسرح و الرسم التشكيلي و السينما و نجد للفلسفة نصيبا في كل هذا أيضا).
و ربما نعرض هذه القصيدة التي تعطينا هذا الانطباع الذي أراد أن يقوله الشاعر:
الاميرةElectre
Clyemnestre
مهما يكن منه و ما تكونين…أيّها الغريب لا تدع التّلذّذ يأخذ منك بعض النصيب.أحرى بك أن تساعدني إن كنت أهلا لإلكترا. و لنا أن نرى غدا بإقناع إيجست فلم تلك أحلك من ليلتي هذه. دعي الرّجل إلكترا…
Electre
فات الأوان فقد طوقتني أذرعه…
Clyemnestre
متى شئت فأنت خبرت تطويع الحديد…
Electre
أما الحديد فنعم و أمّا حديده فلا…
Clyemnestre
ما الذي حدّثك به ضدّ أمّك حتّى قبلت به أيضا ؟
Electre
لم يكن لدينا الوقت لنتحدّث لا عن أمّي و لا أمّه فاختف عن ناظري لنبدأ مقالنا.
إذن بات من الواضح التوجه الذي اخذه شاعرنا، و على الرغم من معارضة الكثيرين لهذا التوجه، و التي تبدو مخاوفهم معقولة لكنها غير مبررة، لأن البقاء فوق الشجرة لن يحافظ على مكانتها الحضارية التي فقدنها بل سيجعلها تندثر و يلفها النسيان .
و قد نجح شاعرنا في خلق عمل متكامل فيه من الشجاعة و قوة الطرح و الحجة ما يجعلنا نثق في هذه الخطوات حتى ننفض على تراثنا كله الغبار و نعيد معالجته و نلحق بالأمم المتقدمة.
مجموعة شعرية في غاية الإتقان و مبنية على البحث و الاستلهام، بعيدا عن الحشو و الاستعراض. اجتهد من خلالها منذر شفرة حتى يمهد مثلما فعل آخرون في تجاوز الخوف و كسر حاجز الصمت، و التشبث المستميت بالموروث على حاله و جعله من المقدس الذي لا يمكن الاقتراب منه بتعلة الخوف على هويتنا.