التعلق..وهمٌ جميل

(ثقافات)

التعلق..وهمٌ جميل

د. صحر أنور

 

. لا أدري لماذا لم يتوقف الزمن قبل الفراق؟ لماذا اختارت لنا الأيام الفراق؟ لا أدري إن كنت أنا مازلت أنا أم أنني أصبحت شخصا آخر لا أعرفه ؟ أشعر أنني تم اقتلاع جذوعي، فلم أعد أدري أين ولا من أنا؟ كنت أعرف نفسي به، أراني بعينيه، فلماذا غاب عني دون سبب، لماذا تركني أموت وهو ُيدرك أن شريان قلبي موصول بوريده؟ كنت قد حرمّت على قلبي الحب والغرام، أغلقت عليه بقسوة وإحكام بعد ما أرهقته توالي الخيبات. إلتقيت به صدفة، ظهر كنسمة ربيعية مرّت على خريف قلبي فأزهر بين يديه، كنت أقترب من الحب بحذر، ولكنه أقتحم حصاري وكسر كل قيودي، محا كل مخاوفي، و أوجاعي، زرع بدلاً منهما أمانا وحنانا وشوقا وغراما. استسلم له قلبي كطفل وديع، نام على كفيه، أحببته حباً لم أعرفه من قبل، لم أكن أعلم أن للحب خمر إلا عندما بات يروي عشقه شغاف قلبي حتى الثمالة، كان لا يتركني لحظة..يحيا معي كل أيامي من صحوي إلى نومي، صوته أصبح لا يفارق أذني يتابع أدق تفاصيلي، من فرط سعادتي لم أشعر أني على الأرض، بل طائر بين السحاب، أعانق الزهور وأداعب الفراشات، كأنني أحيا في عالمٌ سحري. باتت روحي تسكن روحه، لا..بل أصبح كلّي، كنت أمازحه دوماً قائلة: أنت كالجنّي الذي تلبَّسني، فيرد ضاحكاً: ” يا حبيبتي أنت كل ما فيك أنا”

وفجأة غاب.. اختفى تماماً !! زلزال دمر كوني.. كل كياني اهتز؟ هل كنت في الحقيقة أم في الخيال؟ رحت أبحث عنه، عن أشياءه التي معي..أتلمس فيها عطره، فقدت الإتزان، هجرت الصحو والحياة، كيف أصحو بدون صوته، كيف أبدأ يومي وهو ليس معي، أصبحت ييتيمة، تائهةٌ فاقدة للوعي و الاتجاه. هذه الحياة ليست حياتي التي عشتها معه ذات يوم، انتظرت.. مرت أيام وأيام ولم يعد. هرعت إلى الطريق..لا أعرف له مكاناً ولا أتذكر عنواناً، رحت أبحث عنه بين الوجوه، أقرأ رسائله مرات ومرات حتى حفظتها بكل حروفها، أسمع رسائله الصوتية كي يملأ صوته أذني لأشعر أنه معي لم يفارقني، أحلامى تئن..وقلبى الحائر معى يحن، تملكنّي الحزن ، أدركت أنني قد بلغت حدود اليأس، بدأت أسقط ويتساقط مني كل ما بداخلي من قوة، وجدتني وحدي في مفترق الطرق، مرةً أخرى وحيدة دون روح، ما أصعب من التعود على وجود إنسان صار توأم روحك، يلازمك، يتسلل إلى قلبك يبعث فيه الحياة ثم ينسحب فجأةٌ آخذاً معه شريان قلبك. أشعر أني بحاجة للبكاء كثيراً بعدما أصبح صراخي المكتوم كاد يخنقني، أحتاج أن أبكي لأجلي ولأجل غصّة بقلبي تؤلمني، أبكي إنهيار أحلامي وثقتي. ولكن لا..لابد أن أكون بخير..أو أدعى ذلك، لابد أن أبدأ من جديد ولا أدري كيف، فكل ما أشعر به الآن إنني أحاول أن أعود للحياة مرة أخرى، نظرت حولي أبحث عن كفٌ يؤازرني، لم أجد غير يدي..مددت يدي إلي يدي لتنقذني من السقوط. . الآن أعترف أني لم أستطع النسيان، ولكني أعترف أيضاً أني أصبحت أقوى، أعدت قلبي إلى حصاره، وأنذرته ..

إياك والحب مرةً أخرى، إياك والتعلق، فالتعلق ماهو إلا خيط وهمي جميل، يأخذنا إلى حالة من الإدمان لأشخاص تتعلق بهم قلوبنا، تروح أرواحنا معهم، ثم يرحلوا..فنصبح بعدهم صرعى لنوبات الهوى والحنين، نهيم تيهاً في طرقات الشوق ولا نعرف كيف الرجوع، فسلامٌ عليك أيها الحبيب أينما كنت، وسلامٌ عليك ياقلبي. لا تحزن، فلا شيء يستمر.. ولا شيء يعود. نقطة عطر: تأخذنا الروح بهدوء إلي الأماكن الخفية بداخلنا . لإلقاء السلام على ذكريات كانت لنا فيها حياة .

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *