الأسرى وسابعة الجهات: مع الأسرى في العيد
عادل الأسطة
في العيد، ماتت أم عسكر التي كتب عنها غير روائي، وفي العيد، اتصل بي الأسير أبو الخطاب هيثم جابر.
كان هذان الحدثان فاتحة لإعادة قراءة بعض صفحات من أعمال أدبية أنجزها الأسرى وغيرهم عن اجتياح نابلس في العام ٢٠٠٢، وكانا أيضا فرصة لسؤال الأسير عن العيد في السجن وما هي طقوسه هناك حيث الجهات الست مغلقة ولم يبق لهم سوى الجهة السابعة، والجهات السبع والجهة السابعة منها قرأت عنها في رواية الأسير كميل أبو حنيش «الجهة السابعة» (٢٠٢١) وقد صدّر جزءها الثالث ببيت شعر لأحمد شوقي هو:
«ولو أن الجهات خلقن سبعا
لكان الموت سابعة الجهات»
فحقا ماذا يبقى للأسير المحكوم بعدة مؤبدات وقد أغلقت في وجهه الجهات الأربع والسماء والأرض؟
في اتصال أبو الخطاب سألته عن العيد في السجن وطقوسه. هل يحتفل الأسرى بالعيد وكيف؟ هل يصنعون كعك العيد؟ وكيف يقضون اليوم الأول منه؟
حتى اللحظة لم أقرأ نصا أدبيا لأسير يصور فيه هذه المناسبة ومناسبة رمضان في داخل السجن، علما بأنني قرأت، مؤخرا، فقرة عن الأسير وليد دقة تأتي على أكثر شيء مشتاق له «بره»، أو حتى يبكيه، وهو أن يسأله أحد ما سؤالا عاديا جدا افتقده في السجن، سؤالا على شاكلة:
– معك فراطة – أي فكة نقود. ليس المهم أن يكون معه أو لا يكون. المهم أن يسأله. (عن صفحة حسام الرزة).
وقد عرفت من أبو الخطاب أن إدارة السجن في هذه المناسبة تتساهل معهم قليلا كأن تسمح لهم بزيارة بعضهم في الغرف. عرفت منه هذا وعرفت أن الأسرى أيضا يصنعون كعك العيد قدر ما استطاعوا وأنهم يؤدون الشعائر المعتادة في اليوم الأول.
الحديث عن الأسرى ارتبط أيضا بموت أم عسكر المرأة النابلسية التي يعرفها كثير منهم معرفة جيدة، ولما كتبت فقرة عن رحيلها أشرت إلى أنني سأكتب عنها مقالا، وهكذا أخذت أنظر في الأدبيات التي ذكرتها وأسأل بعض المهتمين بكتابة (بروفايلات) عن شخصيات مهمة إن كانوا كتبوا عنها، ومن هؤلاء بسام الكعبي الذي سألته أيضا إن كان زار مخيمه؛ مخيم بلاطة، في العيد، فأجاب بأن الحواجز لم تشجعه.
سؤال بسام وإجابته ذكراني برواية غسان كنفاني «أم سعد» ورؤيتها للحبوس، فالحبس ليس في السجن وحسب. إن حياتنا كلها حبوس في حبوس، ولفرط استشهادي بعباراتها لا أظن أن القراء بحاجة إلى كتابتها كاملة ثانية.
كما لو أن ما كتبه كميل أبو حنيش في روايته عن حياة الأسرى حيث الجهات الست مغلقة بدأ ينطبق على المدن الفلسطينية.
في روايته الأشبه بسيرة روائية نقرأ عن تجربة الكاتب في انتفاضة الأقصى واعتقاله في العام ٢٠٠٣، وللرواية معي قصة.
من داخل السجن، اتصل بي كميل قبل نشر روايته المذكورة يطلب مني رأيا نقديا فيها، فعرضت عليه أن يرسلها لي ورقيا، فأنا حتى اليوم نادرا ما أقرأ الكتب إلكترونيا. عندما قرأتها راقت لي لأنها تأتي على تجربة فلسطيني شارك في انتفاضة الأقصى ورواها من الداخل. لقد كان السارد/ كميل مشاركا في الأحداث ومنتميا إلى فصيل، فلم يكتب عن الحدث من الخارج، وغالبا ما ألتفت في نقدي إلى هذا الجانب – أعني الكتابة من داخل الحدث والكتابة من خارجه، وراقت لي الرواية أيضا لأنها تثير أسئلة وتأتي على جوانب إنسانية في حياة الأسير مثل الحب وعلاقته بالمرأة، وراقت لي لجرأته في تناول الموضوع، وفيما بعد صارت لي الرواية مهمة لجوانب نقدية تتمثل في قراءة أعمال أدبية عديدة كتبت في الموضوع نفسه وعن المكان نفسه في الفترة نفسها. كيف يروي غير راوٍ، وكيف يكتب غير كاتب في الموضوع نفسه؟ ما هي نقاط التشابه والاختلاف في زاوية الرؤية واللغة وأسلوب القص؟
عندما أعلمت كميل أنها راقت لي وليس هناك ما يمنع نشرها قال لي:
– لقد رفعتني من الأرض إلى السماء.
كانت نفسية كميل متعبة، فبعد أن أنهى الرواية عرضها على ناقد أدبي لم يشجعه على نشرها وطلب منه أن يجري تعديلات كثيرة عليها، ما أشعره بالإحباط.
في العيد، لم أكن داخل السجن ولكني عشت مع السجناء وأدبهم، علما بأنني لم أظل قابعا في البيت، فلقد زرت الأقارب في نابلس وقرى رام الله وضاحية البريد في القدس، غير مكترث لأزمة على الحواجز قد تحدث، أو لمفاجآت قد يدفع قسم منا حياته ثمنا لها لمجرد وجوده في المكان. «أكثر من هالقرد ما سخط الله» يقول مثلنا ونحن منذ وعينا على هذه الفانية نسمع من يردده، وقد صرنا نردده.
- عن الأيام