باسم الدلقموني يخط “المضامين الفكرية في مسرحيات جمال أبو حمدان”

باسم الدلقموني يخط “المضامين الفكرية في مسرحيات جمال أبو حمدان”

عزيزة علي

 

عمان- صدر، بدعم من وزارة الثقافة عن الآن ناشرون وموزعون، كتاب بعنوان “المضامين الفكرية في مسرحيات جمال أبو حمدان”، للمخرج والناقد المسرحي باسم الدلقموني.
في مقدمته للكتاب، يقول الدلقموني “إن الهدف من هذا الكتاب هو تقديم تصور شامل لبناء المسرحية (كونها نصاً درامياً) في الأردن. وقد قدم أبو حمدان أعماله المسرحية التي أثارت الانتباه ولفتت الأنظار؛ لكونها تحفل بتفاصيل الحياة اليومية، إضافة لارتباط هذه الأعمال بالزمان والمكان. وقد استطاعت أعمال أبو حمدان أن يُبنى عليها توازن بين البنية والحدث وأن تتجاوز الزمان والمكان الأصليين، والحدث بظروفه التاريخية والمحلية، واستحقت أن تكون محور دراسة هيكلية للمسرحية الأردنية، لأن هذه الأعمال لم تتناولها الدراسات النقدية والأدبية في الأردن إلا على نحو عابر”.
ويشير المؤلف إلى المسرحيات التي تناولتها هذا الكتاب، وهي: “مسرحية (المفتاح) العام 1969، مسرحية (علبة بسكويت لماري أنطوانيت) العام 1971، مسرحية (حكاية شهرزاد الأخيرة في الليلة الثانية بعد الألف) العام 1974، مسرحية (القضبان) العام 1978، مسرحية (ليلة دفن الممثلة جيم) العام 1992″، مبينا أنه تم اختيار هذه الأعمال في ضوء ترتيبها الزمني. وقد توزع البحث إلى ثلاثة فصول؛ الفصل الأول فيه استعراض لنشأة المسرح منذ الفترة الإغريقية إلى عصرنا، مركزاً على تأثيراته في حركة التأليف في المسرح العربي عموماً وفي المسرح الأردني على وجه الخصوص، وكما يتضح في مسرحيات جمال أبوحمدان.
ويتابع الدلقموني، قائلا “كانت البدايات المسرحية في الأردن تتناول القيم الأخلاقية والتربوية والدينية، ومن ثم اتخذت مسارها نحو الاتجاه السياسي حيث حركة التحرر العربي من وجود الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، والاتجاه التاريخي الذي كان يستمد مادته من التاريخ العربي والإسلامي. ثم عالجت قضايا ومشاكل عاشها الوطن العربي إلى نكبة فلسطين، إلا أنها ما لبثت أن عادت نحو القيم الاجتماعية والأخلاقية. وقد كانت حركة التأليف قد اتجهت في فترة السبعينيات إلى المسرح الغنائي، فقد ألَّف الكتّاب مسرحيات ذات طابع فلكلوري وشعبي عالجت تلاحم الشعبين الأردني والفلسطيني. وفي مرحلة الثمانينيات والتسعينيات زادت حركة التأليف المسرحي، وظهر كتاب جدد أعدوا واقتبسوا وألفوا الأعمال التي عالجت القيم الفكرية والاجتماعية والسياسية، وهي الآن من أهم مراحل المسرح الأردني”.
يتوقف الفصل الأول، كما يقول المؤلف، عند دراسة التأثيرات الفكرية في مسرحيات جمال أبو حمدان التي اتسمت بالرمزية والتعبيرية، فيما يتحدث الفصل الثاني عن مولد المؤلف ونشأته وتأثيرات القصة والشعر في كتابة المسرحية وكيف قدّم مسرحياته، واهتمامه بالشكل والمضمون في تأليف النص المسرحي. وقد تم تحليل خمسة أعمال مسرحية من حيث البناء الدرامي والشخصيات واللغة والحوار والجو العام، ومن حيث الزمان والمكان أيضاً، إضافة إلى دراسة مضامينها وطلب الإنسان للعدل والمساواة وحرية المرأة، مع التركيز على الحس الجمعي لهذه المسرحيات التي تخترق حدودها الإقليمية والقومية إلى العالمية في معالجتها الإنسانية.
أما الفصل الثالث فتناول النتائج والخلاصة، وذلك من خلال دراسة وتحليل أعمال أبو حمدان، منذ أن ظهر فن المسرح، أدى دوره كفن إنساني له تأثيره في الأنساق الاجتماعية كافة، من خلال ما قدمه من طروحات فكرية وجمالية أسهمت بتنمية المجتمعات، وتشخيص مشكلات الواقع وتناقضاته، في محاولة لتحقيق الإصلاح والتوجيه الاجتماعي. وتشكلت مضامين الأدب المسرحي من عدد من المعاني والرموز والقيم الفكرية، التي تسهم بمجملها في التعبير عن المقولات التي يُراد الكشف عنها وإيصالها للمتلقي.
ويرى الدلقموني أن شكل المضمون في النص المسرحي هو صورة مجتزأة عن الواقع، ومارس دوره في تحديد الشكل. وليس هناك من مضمون إلا كان الإنسان ذاته نقطته البؤرية. ومهما تنوعت معطيات الأدب، سواء كانت تجربة معينة أو هدفاً تعليمياً، فسيبقى السؤال الأساسي متعلقا بالإنسان وحركته في الوجود، مشيرا إلى أن المضمون في العمل الفني يتجاوز حدود السكون من خلال حركته الدائبة وتطوره المستمر الذي يعكس.
وبشكل جدلي، تناقضات المجتمع وتحولاته الداخلية، وهو الذي يأتي أولا ليولد الشكل وليس العكس. وكان طبيعيا أن يأخذ المسرح العربي بشكل عام، والأردني بشكل خاص، دوره في التعبير عن الواقع وما يرتبط به من مضامين فكرية، من خلال تقديم مسرحيات تناولت الحياة المعاصرة ومشكلاتها في حدود البيئة المحلية، أو تلك التي تعرضت لقضايا الأمة العربية المصيرية ومعاناتها.
وقد اقتضت معالجة تلك الأوضاع الاجتماعية أن يتجه الأديب المسرحي إلى خيارات فكرية وفنية متعددة قامت على تصوير قضايا الواقع الاجتماعي ومشكلاته، وتصوير التناقضات الاجتماعية التي طغت على طبيعة العلاقات والأنظمة، محدثة فجوة بين أطراف الصراع الذي أصبح يعبر عن نفسه بصيغ وأشكال متعددة.
وكتب تقديما للكتاب د. يحيى البشتاوي، يشير فيه إلى أن تجربة جمال أبو حمدان الأدبية كانت إحدى التجارب المهمة في المشهد الثقافي الأردني والعربي. وقد تنوعت نتاجاته الأدبية، وكان له دوره في تطوير الكتابة المسرحية، وتقديم إضافة نوعية إليها، فقد شكلت كتاباته علامة فارقة في المسرح العربي، إذ انتقل فيها من نمط الكتابة التقليدية والبسيطة إلى التجريب والبحث عن أشكال جديدة.
ويضيف البشتاوي أن أبو حمدان احتفى كثيرا باستلهام التراث في مسرحياته، وكان يهدف من وراء ذلك إلى أن تكون مسرحياته قريبة من روح الشعب الذي ينتمي إليه ومن قضايا الأمة. وهذا الاتجاه نحو التراث هو ملمح عصري في الأدب العربي جاء نتيجة لمطالب فكرية وروحية سعى أبو حمدان للتعبير عنها، لما في هذا العصر من تناقضات، وشيوع سياسة القمع والقهر، وغياب العدل الاجتماعي. وقد طرحت مسرحياته عددا من القضايا الإنسانية والوطنية والقومية، كما أنها شكلت إضافة جديدة في الكتابة المسرحية؛ حين استجاب أبو حمدان لروح المغامرة والتجديد بوصفهما سمتين غالبتين على مستوى الرؤية والتشكيل.
ويرى البشتاوي أن هذا الكتاب لمؤلفه الفنان باسم الدلقموني، يأتي للوقوف على المضامين الفكرية في مسرحيات جمال أبو حمدان، ودراسة بعض نصوصه دراسة عميقة؛ بوصفها قد ارتبطت بالواقع الإنساني ارتباطاً وثيقاً، ولامست دواخل أبناء الجنس البشري على اختلاف فئاتهم. لافتا إلى أن الدلقموني يسلط الضوء على عدد من نصوص أبو حمدان المسرحية، ضمن معطيات المذاهب المسرحية كالرمزية والتعبيرية.
كما يشير البشتاوي إلى أن المؤلف يتناول مضامين تلك النصوص وآليات التعبير عند الكاتب. ويحسب للمؤلف تجربته المسرحية الثرية في الإخراج، ونشاطه الدائم في البحث في العلوم المسرحية، وتحليله لمدى انعكاس الفلسفات والحركات السياسية والاجتماعية عليها، وهو في كتابه يسلط الضوء على نافذة من تجربة أبو حمدان المسرحية، لم تأخذ الاهتمام الذي يليق بها من الباحثين.
وفي خاتمة الكتاب، يقول الدلقموني إن نتائج هذه الدراسة تبين أن مسرحيات أبو حمدان اتسمت بالرمزية والتعبيرية، وكان الهم العربي شغله الشاغل، وقد كان لديه استشراف المستقبل بالنسبة للوضع العربي وما آل إليه من انحطاط وتدهور، كما أنه غلب على مسرحياته الحزن والنزعة التشاؤمية، فهو قاتم في نظرته للأشياء، لقد دعا في مسرحياته إلى الحرية والعدالة، وأفرد جانبا مهما على المشاهد العربي الاستجابة له اعتمادا على الحس الجمعي وطالب بالديمقراطية.
ويشير المؤلف إلى أن أبو حمدان استخدم شخصية المرأة في تحريك خطوط أعماله المسرحية ونسيجها، بمسار متوازٍ؛ فالمرأة تعني الإنسان مرة وتعني الوطن مرة أخرى. وقد أعطاها دوراً لتأخذ مكانتها الصحيحة في المجتمع العربي لأنه لا ينظر إليها نظرة عداء وتخلف، وتم تناول القيم الفكرية التي قدمها أبو حمدان، سواء كانت قيما اجتماعية أو قيما سياسية، وهي شغل الإنسان العربي الشاغل في الأقطار العربية وما آلت إليه، وما تزال تتلقى الضربات تلو الضربات دون الاستفادة من هذه التجارب، بالرغم من كل الدروس والعبر التي تناولها الكتاب والمفكرون العرب من خلال أعمالهم الأدبية والدرامية بالذات. إن الكاتب والمفكر يقدم أعماله المباشرة وغير المباشرة، ليعبر عما في حواسه ودواخله من معاناة وتعسف مما وقع ويقع على الإنسان العربي، وهذا ما يطرحه أبو حمدان في أعماله التي تتمحور وتتبلور عبر الاتجاهات المختلفة، فهل نجح في تقديم هذه الاتجاهات؟
ويقول المؤلف، إن أبو حمدان نجح بتوصيله لنزعته، لقوميته العربية لتصل هذه الأمة لمجتمع واحد لا تبعده المسافات، بل إن أعماله تجاوزت محيطه العربي لتتسم بالإنسانية في التعامل والتحاور والمحبة. وحاول أبو حمدان أن يطالب بحق الإنسان العربي في العيش بحرية بمعناها الشامل في التعبير عن رأيه، وأن يُحترم كإنسان. ومطلبه هذا جاء ضمن نظرته للواقع العربي القاتم المظلم من خلال مسرحيات “حكاية شهرزاد الأخيرة في الليلة الثانية بعد الألف”، “المفتاح” و”القضبان”.

* عن الغد

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *