عاصفة النّشيد… وهيب نديم وهبة

(ثقافات)

عاصفة النّشيد…

وهيب نديم وهبة

“كلّما كبر اللّه في قلبك

كلّما صغر كلّ شيء،

كلّ شيء بالمعنى الحرّفيّ للكلمة

1

سَقَطَ ذَاتَ لَيْلَةٍ مَاطِرَةٍ، كِتَابُ عَاصِفَةِ النَّشِيدِ،

كَانَ فِيهِ الْعِشْقُ خَيْمَةً،

وَالْمَحَبَّةُ قَصْرَ الشَّوْقِ فِي لَيْلَةِ عُرْسٍ…

 

كَانَتْ خِيَامُ الْكَنْعَانِيَّاتِ الْعَاشِقَاتِ أَعْرَاسَ

الصِّبَا وَأَفْرَاحَ الْمُنَى وَبِدَايَاتٍ تُهَلِّلُ النَّشِيدَ

وَالْخَوَاتِمَ.

 

كَانَتْ عَرُوسُ الْيَقِينِ قَدِ انْعَطَفَتْ مِنْ جَهَالَةٍ

إِلَى عَلْيَاءِ الْعَقْلِ (الْإِيمَانِ) فَاعْتَنَقَتْ مَحَبَّةَ اللهِ.

2

(قَالَتْ:) الْفَمُ الَّذِي يَلْهَجُ بِذِكْرِكَ، مُقَدَّسٌ…

وَيُقْبِّلُ سَمَاءَ كِتَابِكَ، مُقَدَّسًا…

 

يُقْبِّلُ الْخَاشِعُ الْعَلِيمُ لِرِيشَةِ الْغَيْمِ… تُرسَمُ

قُبُلَاتُ جَمْرِ الشَّوْقِ عَلَى بَيَاضِ الْعَرْشِ.

أَشْهَى مِنْ طِيبِ عَسَلِ النَّحْلِ، الرَّاقِيَةِ، الْعَالِيَةِ

مِنْ كُرُومِ الْخَوْخِ، الطَّالِعَةِ مِنْ الْبَسَاتِينِ

وَالْعَابِرَةِ أَحْرَاشَ الصَّنَوْبَرِ الْعَبِقَةِ بِرَائِحَةِ طِيبِ

ريحِ الْجَنَّةِ… وَأَحْلَى وَأَبْهَى مِنْ تَفَتُّحِ زَهْرِ اللَّوْزِ

وَالنَّوَّارِ…

… كَمَا تَنْحَنِي أَعْنَاقُ الْأَشْجَارِ لِلرِّيحِ… أنْحَنِي بَيْنَ ذِرَاعَيْكَ

بِوَضاعَةٍ وَتَحنَانٍ وَجَمَالٍ… كَمَا يَجْرِي الْجَدْوَلُ رَقْرَاقًا،

يَرْوِي بِذْرَةً، يُنْعِشَ زَهْرَةً، يَحْضُنُ شَجَرَةً…

يُعَانِقُ ضِفَافَ الْيَابِسَةِ…

يَجْرِي فِي دِمَائِكَ فِي مَائِكَ فِي شَرَايِينِي…

عَانِقْنِي… اجْمَعْنِي كَمَا يَجْمَعُ الْبَحْرُ الْمَاءَ…

 

ازْرَعْ قَمْحَكَ فِي جَسَدِي سَتَنْمُو السَّنَابِلُ…

سَتَعْلُو،

سَيَهْتِفُ الْمَرْجُ مَرْجِي، خَالِدًا أَبَدِيًّا…

انْثُرْ عِطْرَكَ مِلْءَ طَقْسِ الْكَائِنَاتِ، أَقَالِيمُ الْعَالَمِ تَعْرِفُ…

لِرَائِحَةِ جَسَدِكَ عَبَقُ الْأَرِيجِ الْعَائِدُ مِنْ مُرُوجِ الْكَرْمِلِ إِلَى أُورْشَلِيمَ.

3

تَجَمَّعَتْ كُلُّ أَزَاهِيرِ الدُّنْيَا بِالرَّحِيقِ…

لِأَنَّ (اسْمَكَ)

جَمَعَ حَوْلَ عَبِيرِهِ الْفَوَّاحِ،

أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةَ اللَّوْنِ وَالشَّكْلِ وَالْكِيَانِ…

وَسَكَبَهَا فِي بَوْتَقَةِ الِانْصِهَارِ

كَيْ يُولَدَ الْإِنْسَانُ.

4

… وَرَكَضَتْ وَرَائِي، ضُمَّنِي إِلَيْكَ… أَنَا ضِلْعٌ

مِنْ ضُلُوعِكَ… أَصْبَحْنَا كَمِثْلِ الْغَيْمِ نَعْدُو…

 

قُلْتُ: هِيَ مُثْقَلَةٌ بِالْمَاءِ وَقَلْبِي بِالْهِيَامِ…

هِيَ تَعْدُو وَتَسْقُطُ فَوْقَ جَسَدِ الْأَرْضِ…

وَأَنَا أَعْدُو وَرَاءَكَ يَا خَالِقِي إِلَى السَّمَاءِ…

أَدْخِلْنِي هٰذَا الْفَلَكَ الْمُضَاءَ…

الْقَنَادِيلَ الْمُعَلَّقَةَ…

 

صَفَاءُ الرِّيحِ، هُدُوءُ الْحَرَكَةِ، بَهَاءُ جَمَالِ

الرَّوْعَةِ، فِي تَنَفُّسِ الْمَكَانِ…

أَدْخَلَنِي فِنَاءَ جَنَّتِكَ بِعِشْقِي السَّرْمَدِيِّ.

 

بِهٰذَا الْعِشْقِ أَدْخِلْنِي…

يَدِي عَلَى سِرِّ قَلْبِي وَقَلْبِي مِلْكُ خَالِقِي…

الْآنَ (نَفْرَحُ)

 

نَسْعَدُ، نَسْتَقْبِلُ السَّعَادَةَ بِيَدَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ إِلَى

الْأَعْلَى إِلَى ابْتِهَالَاتِ ذِكْرِكَ…

بِالْحَقِّ يَتَقَرَّبُونَ مِنْكَ…

يَتَقَرَّبُونَ مِنَ السَّمَاءِ.

5

يَا مَنْ أَتُوقُ إِلَيْهِ فِي يَقظَتِي وَسُهَادِي وَلَيْلِي…

وَنَهَارِي…

كُلَّمَا تَرَاكَضَتْ خُطُوَاتُ الشَّمْسِ

عِنْدَ الْمَغِيبِ…

أَسْأَلُ نَفْسِي الْحَائِرَةَ:

هٰذِهِ النَّارُ الرَّاحِلَةُ – لَوِ اقْتَرَبَتْ مِنَّا لَحَرَقَتِ

الْكَوْنَ… سُبْحَانَ مَنْ رَفَعَهَا إِلَى الْعَلْيَاءِ.

 

و … أَنَا أَتَعَبَّدُ فِي مِحْرَابِكَ كَأَنَّنِي دُونَ سَائِرِ

الْخَلقِ وَحْدِي أَعْبُدُكَ.

6

إِنَّ خُطُوَاتِ الرُّعَاةِ الَّتِي سَارَتْ عَلَى أَنْغَامِ

أَصْوَاتِ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي أُنْزِلَتْ مِنَ السَّمَاءِ كَيْ

تَقُودَ الْبَشَرِيَّةَ…

بِالْعَدْلِ وَالتَّسَامُحِ وَالسَّلَامِ

فَتَحَتْ لَنَا أَبْوَابَ الْعَرْشِ وَالْمَلَكُوتِ.

7

شَبَّهتُكَ يَا نَشِيدِي بِالْغَمَامِ…

يَتَشَكَّلُ بِالْعِطْرِ وَالْمَاءِ، بِالْخَيْرِ وَالرَّهْبَةِ…

وَحِينَ قَفَزَ الْغِنَاءُ مِنْ ضُلُوعِي…

وَرَكَضَ عَلَى وِهَادِ الرُّعَاةِ فَوْقَ سُفُوحِ كَرمِلِي…

شَبَّهتُكَ يَا نَشِيدِي،

هَدِيلَ الرَّسْمِ فِي مَرْكَبَاتِ غَيْمِ السَّمَاءِ.

8

بِلَوْنِ الْمَغِيبِ وَحُمْرَةِ الْأُفُقِ

وَخَمْرَةِ وَلَهِي

وَعِشْقِي وَسَكَرَاتي فِي صَحْوَتِي…

وَكُلِّ مَتَاعِ مِيرَاثِي…

مُزَرْكَشَةٌ صَاغَهَا الْجِنِّيُّ لِجَمَالِكَ.

 

مَعَ نُقُوشِ مَدِينَةٍ خَلَقَهَا اللهُ كَالسِّحْرِ…

أَرْضًا مِنْ رُوحِ أَرِيجِ الزَّهْرِ

وَشَذَا الْكُرُومِ…

تَجمَعُ حَوْلَهَا أُمَمَ الْعَالَمِ.

9

(قُلْتُ:) عَيْنَاكِ حَمَامَتَانِ،

تَسْتَيْقِظَانِ عِنْدَ شُطْآنِ الْفَرَحِ،

تَرْكُضَانِ بَيْنَ الْكُرُومِ…

بَيْنَ الثِّمَارِ وَبَرِيقِ النَّظَرِ…

أَحْبَبْتُ فِيهِمَا خَالِقِي

فِي تَكْوِينِ

رَسْمِ الصُّوَرِ…

10

مَسَاؤُنَا وَعَشَاؤُنَا هٰذَا الْحُبُّ الشَّارِدُ… كَغَيْمَةٍ تَعْشَقُ سَمَاءً…

كَرِيحٍ يَهْتِفُ بَلْسَمَ أَسْرَارِ الشَّجَرِ… كَنَهْرٍ يَجْرِي إِلَى مُبْتَغَاهُ،

كَأَنَّنَا مَا غَادَرْنَا الْمَرَاعِي وَالْبَوَادِي وَالْقِفَارَ.

حَمَلْنَا رَائِحَةَ الْأَرْضِ وَحُبَّنَا وَاقْتَرَبْنَا مِنْ السَّمَاءِ بِنَشِيدِ الْكَائِنَاتِ…

بِالتَّغَنِّي لِلْخَالِقِ.

11

تَعُودُ الْمَلَائِكَةُ إِلَى مَلَكُوتِ الْغَيْمِ…

مُثْقَلَةً بِرَذَاذِ أَرِيجِ النَّشِيدِ…

وَتُمْطِرُ الدُّنْيَا بِالْغِنَاءِ.

 

من ديوان (ما يرسم الغيم 2022)

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *