الخيال العلمي هل يغدو حقيقة في فيلم ( كل شيء في كل مكان في ذات الوقت)

الخيال العلمي هل يغدو حقيقة

في فيلم ( كل شيء في كل مكان في ذات الوقت)

دعد ديب

شكلت أفكار الخيال العلمي ارهاصات للكثير من الاختراعات العلمية التي كانت فيما مضى اشبه بحلم خيالي ولكن التطور المتسارع للتكنولوجيا وخاصة قطاع الاتصالات التي جعلت من العالم قرية صغيرة نستطيع التواصل مع أي كان بأي بقعة من العالم ومن خلال الصوت والصورة والتراسل، ومن هنا جاءت الحفاوة الكبيرة باستقبال الفيلم الاميركي ((كل شيء في كل مكان في ذات الوقت))
Everything Everywhere All At Once (2022)
من بطولة “ميشيل يوه ، جوناثان كي كوان” واخراج “دان كوان ودانييل شاينرت” والذي حصد سبع جوائز بحفل الاوسكار2023 جائزة أفضل فيلم- جائزة أفضل مخرج – جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي – جائزتين لأفضل ممثل في دور ثانوي -جائزة أفضل مونتاج – جائزة أفضل سيناريو أصلي

حيث تدور فكرة الفيلم حول مهاجرة صينية تقحم في عملية انقاذ العالم من شرور متخيلة حيث انها وحدها من يمكنها ذلك عبر الاكوان المتوازية للعوالم الاخرى الموجودة على مستوى الكون ، هذا الامتحان الذي تواجهه يخفي في خلفيته اسرة مفككة فهي على الرغم من انها اختارت زوجها عبر قصة حب دون موافقة اهلها والذين قاطعوها لفترة طويلة، مع ذلك نرى أن الزوج الذي يظهر مسالمًا في غالب الأحيان يعد أوراق الطلاق بينه وبينها، وهي نفسها تعاني صعوبة في تقبل مشاكل ابنتها وعلاقاتها ومثليتها وسمنتها لذا التساؤل الذي يطرح نفسه هل هذا الفشل في حياتها الاجتماعية وتردي وضعها المهني في إدارتها لمغسلة العائلة والصعوبات مع مشرفة الضرائب هو الأمر الذي يؤهلها للمهمة المنوطة بها في انقاذ الكون، أو ما هو الرابط بينهما، هل يعني أن الفشل الكبير يخفي إمكانيات أكبر للنجاح .

النصف الاول من الفيلم يسير بشكل عادي حول متاعب اسرة وعلاقاتها بينما يتطور الجزء الثاني بشكل متسارع يسرق الأنفاس نتيجة متغيرات كونية فيها من الفانتازيا والخيال الشيء الكثير، وعلى الرغم من ميلنا للغرابة التي تكتنف أعمال يشطح فيها الخيال بعيدًا وللدهشة من وجود عوالم أخرى وعن امكانية وجود الفرد نفسه في عالمين وامكانية انتقاله بين العوالم والسيطرة على وعي أشخاص آخرين، هذا التداخل المحير قد يصح في العوالم الروائية والمتخيلة، ولكن هل من حقيقة علمية تخاطب العقل في هذا؟ ترى ماذا تقول ميكانيكيا الكم في هذا وماذا تقول الفيزياء الكوانتية وأساسات نظرية الكوانتم.

من الملاحظ أن الفيلم أقرب لأفلام الاكشن والمطاردات وأقرب للكوميديا نظرًا للمفارقات الساخرة والسرعة في الحركة شحن المشاهد بالتوتر والانفعال وعدم امكانية التثبت من أن الشخص ذاته بداخل جسمه حيث تستطيع الجهات المعادية مشابهة الاشخاص بالشكل بمضامين مختلفة مما يدخل المشاهد في دوامة للتثبت من معرفة البطل الحقيقي في العمل وما الاكوان المتعددة الا كمية الاحتمالات الممكنة التي يتوجب على الفرد اختيار واحدًا منها وعلى ضوء خياره تتحدد حياته اللاحقة، فالبطلة تقوم أحيانًا بالتدريس، وأحيانًا أخرى تقوم ببعض أنواع العلاجات التقليدية، وأحيانًا ثالثة تُقرر أن تغني وتقوم أيضاً برعاية والدها المريض مما أوحى لموظفة الضرائب بأنها تقوم بأعمال عدة تتهرب من ضرائبها، وما هذه الأعمال إلا الخيارات المتاحة أمامها التي كان من الممكن أن تغير حياتها بشكل كلي.

إن منطقة التجريب في طرح امكانيات متخيلة لوجود الاكوان المتوازية يتجول بها كائن موزع بين آلاف منها عبر وعي أناس آخرين والمقدرة على حيازة مهارات مختلفة توفر إمكانية إلقاء النظر على حياتنا الماضية واللاحقة ويمر من خلالها ليقاتل وينجح في الانتصار على الشر المزعوم ووجود الإبنة جوبو توباكي التي خرجت من رحم ايفلين البطلة الرئيسية كمتدربة معادية توازيها في معرفة العوالم والتجول فيها، فهي رغم اعتراضها على سلوكها ومثليتها في الواقع ليكون قبول الآخر رغم عدم قناعتنا به وبخياراته نتيجة نصل اليها لننتهي بمقولة الفيلم بأن الخطر الرئيسي يكمن في الخوف على المشاعر والاخلاق نعم هذه هي الفكرة التي تهدد العالم فقدان التعاطف بين البشر وزوال الاخلاق التي تحمي إنسانية الإنسان إذا فهمنا العمل من هذه الزاوية يكون التأكيد على هذه الفكرة ضمن الغرائبية والتطور التقني المتسارع والايقاع الصاروخي للعصر يجب ألا ينسينا الاخلاق والمشاعر لأنها الصفة التي تميز الانسان عن الجمادات الاخرى وعن عالم الآلة المصمت الفارغ من الاحساس والروح.

  • عن الصباح العراقية

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *