كتابة عربية بلا أسئلة كبرى

(ثقافات)

 

كتابة عربية بلا أسئلة كبرى…وأدباء يعيشون داخل قوقعة..! 

يحيى القيسي*

تكمن مأساة الكتاب العرب، ولا سيما الأدباء منهم في أنّهم يختلقون غالبا مجموعة من الأوهام المضللة حولهم ويعملون على بثّها للآخرين وبالتالي تصديقها، ولا نريد بالطبع أن نمرّ على أنّ الشهير منهم لا يطبع أكثر من ثلاثة آلف نسخة لمائتي مليون عربي تقريبا، وهي نادراً ما توزع في بلد الكاتب نفسه، وما عدا قلة منهم استطاعت كسر الأسوار، والاقتراب من القارئ، سواء عبر كتابة ابتزازية تدغدغ العواطف أو كتابة رزينة عالية القيمة، فإنّ الوضع المأساوي الحالي يكاد يطيح بكل أمل…!

على أن المشكلة الأساسية تبدأ من الكتاب أنفسهم، إذ أن معظمهم يتخذ من الكتابة قوقعة لا يكاد يطلّ منها على من حوله، فالكتاب المتورطون بقضايا المجتمع هم قلة، ولا تكاد تجد موقفاً واضحا لمعظم الأدباء العرب مثلاً في القضايا السياسية التي يشربونها ويتنفسونها صباحاً ومساء،وهذا أيضا ينطبق على القضايا الإنسانية، ابتداء من التلوث وحوادث السيارات إلى الموقف مع أو ضد قضايا المرأة والتمييز العنصري وما إلى ذلك، لا عبر كتاباتهم الإبداعية، ولا أيضا في مقالاتهم إن وجدت، فالبعض يفضل الدخول في تفاصيل دقيقة عن تقنيات السرد، والأجناس الأدبية ، والفرق بين القصة القصيرة ، والقصة الأكثر طولا منها، ولا يهمه إن كان المجتمع من حوله يئنّ من الفقر أو القمع أو حتى الجهل..!

حينما يلتقي الأدباء معاً، يبدؤون بنفخ الهالة المحيطة بكلّ واحد منهم، وغالبا ما يغرقون في مستنقع المجاملات والقُبل الجوفاء، وفي حالة مغادرة أيّ واحد من الموجودين المجلس قبل رفقائه فإنّ “النميمة المنعشة” على حد تعبير الشاعر أمجد ناصر تصل إلى أعلى الدرجات، على طريقة أكلت يوم أكل الثور الأبيض، ومن جهة أخرى فقد جربت أحياناً أن اسأل بعض الزملاء من الأردنيين والعرب عن نظرتهم للوجود، وعلى أي أساس ينامون لياليهم هانئين، ولا مؤرق لهم في التفكر مثلا في الكون، والخالق، وما إلى ذلك، أو على الأقل في طرح الأسئلة الأربعة الكبرى:

من نحن ..؟

من اين أتينا..؟

ما دورنا في الحياة…؟

إلى أين نذهب بعد الموت..؟

وفي العادة فإنّ الإجابات تتراوح بين الضحك المدوي، والاستنكار ،وأحيانا الجواب الجاهز : لا أدري ، ولا أرغب بأن ادري، دع المركب يسير..!

بعض الكتاب كان يسارياً في شبابه ، واليوم هو في أول الستينيات، وترك اليساريّة إلى غير رجعة، لكنه دخل في المرحلة الانتهازية ، ولم تستوقفه تلك الأسئلة الوجودية ، وبعضهم دخل في مرحلة التديّن التقليدي، والنظرة النقلية التي كان يحاربها من قبل، وقلة حاولوا البحث من جديد دون ركون إلى الماضي، ولا طمأنينة من الحاضر.

أسوق هذه الأمثلة لأبّين أنّ الوضع المأساوي للكتاب العرب والنظرة غير الطيبة تجاه نتاجهم، تأتي أولاً بسبب أنهم لم يحسنوا أبدا التعامل مع أنفسهم، ولا مع زملائهم، وبعضهم خلط الجيد بالرديء، وقبل أن يسوّق نتاجات ضعيفة،لأنصاف المبدعين وأرباعهم، ولم يأخذ على محمل الجد مسألة الكتابة كخيار وجودي عميق الدلالة،على أن الكارثة الكبرى تكمن في أنهم لا يقرؤون نتاج بعضهم بعضا، وغالبا ما يقول الواحد للآخر : رأيت لك نصاً في الصحيفة الفلانية او الموقع العلاني. لاحظوا كلمة “رأيت” وليس “قرأت” مثلاً.. أما في مجال التثقيف الذاتي الضروري عبر القراءات في علم النفس والتراث والعلوم الحديثة والتاريخ والديانات وما إلى ذلك فعلمها عند ربي، ولا أريد أن أكثر من التعميم هنا، إنّما عرفت أنا شخصيا على سبيل المثال المئات من القراء الكبار الذين لم يكتبوا حرفا واحدا، لكنهم قرأوا كثيراً وعميقا في الآن نفسه، وعرفت وما أزال المئات من الكتاب سواء من الأسماء اللامعة أو المجهولة ، وهي لم تدخل بعد في ألف باء القراءة.

إنّ الكتابة العربية نتاج لثقافة كتابها، وفي الإبداع فإّن العنصر الحكائي الشفوي هو الذي يسيطر على النصوص، ونادراً ما تجد كتابة مليئة بالمعارف، والأسئلة الكبرى ولا حتى الصغرى، وتلك هي المرآة الحقيقية للخواء الذي أشرت إليه، أما الاطلاع على اللغات أو آداب الأمم الأخرى فتلك حكاية أخرى، قد يتسع لها مقال جديد ذات يوم..!

  • نشر هذا المقال عام 2008

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *