(ثقافات)
صورة المرأة في إيفا مجموعة قصصية للكاتبة وداد أبو شنب
قراءة بديعة النعيمي
يعتبر موضوع المراة من أبرز الموضوعات التي اهتم بها الأدب العربي ومن هنا كانت القصة وخصوصا الواقعية الأقدر على رسم شخصيات تعكس صور المرأة بحيث تكون أقرب من الحقيقة ومن الواقع الإجتماعي.
ومن هنا فقد تطرقت مجموعة وداد أبو شنب (من إصدارات الآن ناشرون وموزعون/2021) إلى إثارة قضايا متعددة تخص المرأة بدءا من موضوع الأسرة وانطلاقا من الزواج مرورا برصد العلاقة بين الزوجين والأبناء وانتهاء إلى ما قد تؤول إليه هذه العلاقة من انفصال وغيره. كما عرضت موضوعات أخرى تخص المرأة مثل العنوسة ,الخيانة ,تعدد الزوجات ,كبت حريتها بأغلال العادات البائدة. وبالرغم من أن المتلقي يلمس من الكاتبة تعاطفا ضمنيا مع المرأة إلا أنها جعلت لصوت الرجل حقا ففردت له مساحة ضمن مجموعتها لسنا بصدد الحديث عنها في القراءة التي بين أيدينا.
وقد تعددت صور المرأة في هذه المجموعة فجاءت لتلامس وتحاكي الواقع. فأظهرت من خلال تلك الصور مواطن معاناة المرأة كالأرملة والمطلقة والوحيدة والمستسلمة العاقر وغيرها الكثير من الصور نستعرض بعضها في هذه القراءة.
جسدت وداد أبو شنب صورة الزوجة الباهتة المستكينة والمغلوبة على أمرها في شخصية أم علقم في القصة الموسومة ب (أم علقم) فعلى لسان الساردة عن أم علقم التي كانت مثالا للمرأة الشرقية التقليدية ص101( كانت تخفي قهرها العائلي عن الجميع بابتسامتها البسيطة ,وإن ظهرت أحيانا أمشاج الحزن التي تغلغت مع العمر وأصبحت جزءا من تجاعيد وجهها). فأم علقم ذات شخصية مستسلمة لواقعها لا تحاول التمرد حيث الزوج ميسور الحال يكدس أمواله تاركا إياه لتعمل في بيوت الناس قانعة بحرمانها. إلى صورة المراة المهشمة من طرف الزوج حيث أنها ليست من ضمن دائرة اهتمامه وقد جسدتها في شخصية بطلة القصة الموسومة ب (الحلم الأخير) التي لم تمنحها الكاتبة اسما ربما لتعمم القضية. فعلى لسان الساردة عن البطلة وهي تتوجه بصحن الفاكهة حيث يجلس زوجها فتتمنى منه كلمة حلوة أو لمسة يد تشعرها بحنانه ص21( أخذ التفاح من يدها بصمت ,ودون أن يلتفت إليها….قررت النوم واللجوء إلى أحلامها حيث تلتقي زوجها الحنون…حققت كل ما أرادته ورحلت في هدوء,دون جلبة ودون اعتراض). فإهمال الزوج وبروده مع زوجته وعدم مبالاته بها صنع عندها فجوة عاطفية جعلتها تلجأ إلى الهروب من الواقع إلى النوم من أجل أن تعيش الحلم. فتسبب بموتها. وقد ذكرت الكاتبة إلى طريقة رحيلها التي كانت صامتة ودون اعتراض فكانت بمثابة دعوة للمرأة أن ترفض هذا الإهمال فتعترض وتتمرد.
كما جسدت ألوان الاستبداد والتعاسة التي تعانيها المرأة في بيئة تحكمها التقاليد القديمة فصورت لنا الكاتبة صورة المرأة المسلوبة الإرادة التي فقدت حريتها أمام مظاهر التسلط الذكوري من اختيار شريك حياتها. فالبطلة حياة في القصة الموسومة ب(حياة؟!) التي تعيش في أسرة, الأخوات فيها خادمات للأخوة الذكور. أسرة ترفض التنوع في الزواج. فتعشق زميلها البدوي في الجامعة وتعلن تمردها بالرفض بعد أن يقرر الأب تزويجها قسرا لتنتهي القصة ص104(شعرت حياة بشر قادم,أو بخير عارم,لا خير بعده وشربت الكأس كلها وهي مدركة تمام الإدراك أنها آخر ما تشربه في هذه الدنيا..). وبهذا الاستسلام من طرف البطلة المسكونة بالحلم يأتي الموت لينتزع منها فرصة الحياة التي حلمت بها.وهنا تتجلى لنا صورة البطلة الحالمة المتمردة ثم المستسلمة التي تقبلت الموت وهي تعلم, حيث تعلن الكاتبة إخفاق حياة في إسماع المجتمع صوت قلبها واختيارها لأنها تحمل استعدادا مسبقا للخضوع.
كما رصدت لنا الكاتبة صورة المراة المكتئبة في القصة الموسومة ب(اكتئاب ما بعد الولادة) فالبطلة تصاب باكتئاب ما بعد الولادة وسط واقع يرفض هذه الحالة ولا يتقبل أعراضها التي تصاب بها المرأة من قلق وخوف. فبطلة القصة تنفر طفلها مرة ثم تبالغ في اهتمامها به وسط انتقاد الزوج والحماة ويتضح هذا ص56 عن البطلة على لسان الساردة (خوف من الرضيع وعليه كان يقودها إلى قمة الجنون.جعلت الجميع ينفر منها).
وتأخذنا إيفا إلى الأم العجوز التي أخبرت بطلة القصة الموسومة ب (بالعكس..عابرة سبيل) والتي اجتمعت بها في عيادة الأسنان بعد حوار دار بينهما أنها تبدد وحدتها في عيادات الأطباء وصالونات التجميل. فهذه الأم التي أنجبت وربت ولها أبناء وأحفاد وأفنت صحتها وحرمت نفسها من الملذات من أجل الأبناء باتت تعاني الوحدة وتخافها ويتجلى هذا بما أفصحت عنه للبطلة بقولها ص43( كان بودي أن أمررك قبلي أيتها العابرة,لكنني أخاف البقاء وحيدة في فراغ قاعة كبيرة).وفي نفس القصة يتجلى عالم المرأة الإبداعي حيث جعلت من البطلة كاتبة لتفسح المجال لحروفها بأن تتفجر من بواطنها فتخرج كالماء الزلال الذي يشفي من الآلام فتكون الكتابة هنا بمثابة العلاج من تلك الآلام التي تضعفها كأنثى لتنطلق كأقوى عنقاء.
وإيفا متنوعة متجددة كتنوع وتجدد المرأة لذلك نجدها تعري المرأة من ضعفها وخنوعها وتأخذ بيدها لترفض الخنوع لواقع يسلبها كرامتها وحقها في الاستمتاع بالحياة فنجدها في القصة الموسومة ب (كعكة الطلاق) تلك المرأة القوية التي تتمرد على التقاليد فتصنع كعكة الطلاق ثم تهاتف طليقها ليأخذ أغراضه ففي ص32 على لسان الزوجة لطليقها بعد أن أحضرت جرة من المطبخ( الله معك! وكسرت الجرة خلفه لتخلق بداخله رعبا وذلا يسمانه ما عاش على هذه الأرض…أغلقت الباب ونادت أطفالها وقالت فلنحتفل بكعكة الحرية). وهنا نجد البطلة وقد تخففت من ذلك الزوج الذي كان يسلبها حريتها بالتمرد على المجتمع وتقاليده.
ثم تنطلق بنا إيفا إلى قصة (همس القواقع) لتكشف لنا عن صورة المرأة الحالمة العاشقة والمحبة التي سرعان ما تدمجنا معها لنرافقها في أحلامها وعشقها فنتوه في همس قواقعها كما تتوه هي ومنها تنقلنا إيفا إلى صورة المرأة الباحثة عن الذات فنجدها في قصة ( مفهوم خاطئ) لتقول لمن مارس عليها سطوته الذكورية بعد أن ظنها انساقت له فكان المدار الذي قيدها ولن تخرج عنه يوما ص90( أنا الكوكب الدري, أنا مداري).
لقد رصدت وداد أبو شنب الكثير والكثير من صور المرأة في قصص واقعية كل واحدة منها تحتاج إلى قراءة كاملة منفردة.
بقي أن نقول بأن إيفا كشفت عن مرجعية ثقافية غنية بالمعرفة الخلفية الزاخرة بكم معرفي أدبي,فني وعلمي استطاعت وداد أبو شنب أن تصهرها في مجموعة سردية موحية أبدعت في كتابتها بقصد إيصالها كرسالة مهمة للمجتمع.