قراءة في المجموعة القصصية “شارب الجنرال” لسمير برقاوي

(ثقافات)

 

قراءة في المجموعة القصصية “شارب الجنرال” لسمير برقاوي

حنان باشا

” صور عن أرض الواقع ، ونداء استغاثة للحرية .
قراءة  لمجموعة “شارب الجنرال ” للكاتب “سمير برقاوي” قصص تحمل عنوانات مختصرة ، تُدخل القارىء الى أجواء النص دون مواربة .
إذعان ، المرآة ، الدميم ، النور والعتمة ، امرأة من زمن آخر .
كما حملت إحداها عنوان المجموعة : “شارب الجنرال ”
في قصة “إذعان” يعود بنا الكاتب إلى المراحل الأولى من التعليم ، فبطل القصة طفل في السابعة
يتجرع مرارة قسوة المعلم . يفرض سطوته
على  صغار لا يملكون حولاً ولا قوة .
إسقاط على فقدان الحرية ،  عدم إمتلاك القرار  ؛  صوته و عصاه ،  يحيل حياة طلابه لجحيم لا يطاق !
و إذ نعيش رعب الطفل وحرمانه من أبسط حقوقه حرية التفكير ، اللعب ،  النظر إلى الأفق . لأن ذلك يعتبر سلوكاً منحرفاً ويجب أن يتم تعديله وإلا فإنه سيشكل خطراً في المستقبل لمبدأ الإذعان القومي !
يؤكد لنا تشريب فكرة العقاب إذا ما تجرأ أحدهم ونظر إلى عصفور حرِّ طليق .
الحرية مجرد كذبة كبيرة و يد السلطة هي العليا على الجميع ، و أنَّ لا حق لأحدٍ أن يحيا إلا كما يرغب ولاة الأمر .
أما قصة “المرآة “والتي قدمت لنا رجلاً  يحاور نفسه أمام مرآته ، يستعيد ماضيه الصعب وما آل اليه ..
كل يوم يقف أمام مرآته يتأمل وجههه ، يسأل نفسه :


هل أنتَ راضٍ عن نفسك ؟ ثم يبصق على صورته
معترفاً أنه رغم ثرائه الان لم يتوقف عن إهانة من هم تحت يده من عمال ومدراء ، وينسى أنه عانى فيما سبق مثلهم  . كارهاً ذاته مدفوع  بذات السؤال : هل أنت راضٍ عن نفسك ؟
ليجد أن الصورة المنعكسة في المرآة تسبقه في البصاق للمرة الأولى ، فيمسحها غير مصدق !
قفلة مفاجئة  كانت أكثر من كافية لعقاب شخصية بشعة ، مع ابتسامة ساخرة من الوجه الذي أطل من المرآة وهنا جاء دورنا كي نسأل هل سيجد الجرأة لذات السؤال في الغد ؟
قصة  “الدميم” حملت عنواناً يصف أخلاق الناس أكثر منه لصاحب الوجه المشوه بطل القصة ، والذي يمتلك بسطة بسيطة ، فقد ملامحه العادية في حادث وأدت عمليات التجميل الفاشلة ، لتحطيم حياته وسلبه راحته ورزقه . يتكيف مع  عسر حياته فيختار امرأة ضريرة لا تفزع لرؤيته فاكتمل النصاب بينهما .
“عند اغلاق الباب دع كل ما يؤذيك ، وعش لذاتك .”
نهاية موفقة إيجابية ، تعوض حجم الألم الذي يتسرب للقارىء من واقع حزين يعيشه البعض ويتحمل تبعاته .
في حين لا يدرك الطرف الآخر همجيته دون وجه حق .
في  قصص البرقاوي طرح واقعي وهو يلقي الضوء بكثافة على مشاعر قد يعيشها البعض ، الانسلاخ المفاجىء كما حدث في قصة “المسيرة” مع البطل  الشاب وهو يقرر فجأة التوقف عن متابعة المسيرة والهتاف للقائد ويعاكس السير ويحث الخطى رغم إدراكه أنه قد يدفع الثمن .
يتأمله الحاضرون  بدهشة وهو يقول :
_لقد مللت لن أستمر !
يعود أدراجه في حين يخشى صديقه عليه وهو يسير معه ، أنَّ هذا ما يريده أيضاً .
النهاية مفتوحة ، لنا أن نتخيل أن هناك العديد قد يلحق بهم وتنعكس المسيرة .
وربما يتم العقاب ، وتحدث بلبلة ومواجهة ما بين قوات الأمن ويختلط الحابل بالنابل ويسقط من يسقط .
حتى الان نجد أن الكاتب يطرح مواضيعاً وقصصاً مليئة بالمواجهة ، مباشرة في معظمها تتحدث عن السطوة والرغبة في التحرر .
مهما طالت فترة الاذعان والانصياع ، سيأتي وقت وينفجر أو يخالف الأبطال في مجريات الاحداث  توقاً وشغفاً للخروج من قفص ما أو روتين معين .
لكن الموقف المحتدم الذي قدمه البرقاوي في قصة : “النصر”
عن الصورة التي عهدناها في احتفالات الجمهور والمواكب  والاهازيج والشعور بالبهجة التي عاشها بطل القصة حتى الساعة الثالثة فجراً جعلت منه رجلا أرعناً حين سألته زوجته وهي تحتضن طفلتها المريضة وتضع لها كمادات :
_ماذا حدث؟
يجيبها بفخر لقد انتصرنا !
وبجمود تكمل زوجته : أسألك عن الدواء .
يتسلل اليه شعور بالذنب ، لكنه يجد الجواب ويقنع نفسه :
_ لم يكن لدي ما يكفي لشراء الدواء ، تعلمين سأرى ما يمكنني أن أفعل غداً .
ويقنع نفسه قبل أن يغرق بنوم عميق في الصالة ، أنه بلا عمل وبصعوبة يدبر شؤون المنزل من طعام وإيجار .
ولولا شاشات التلفزة التي عرضتها الحكومة مجاناً ما كان له أن يحضر المباراة .

لكن “امرأة من زمن آخر”
عنوان يؤكد لك أن ثمة امرأة مختلفة ، بعزيمة قوية كشجرة ليمون عتيقة راسخة يتضوع عطرها ، فتشتهي الاستكانة اليها وترك كل ما يثقل كاهلك .
“العجوز” التي غادرت مسكنها ليلاً وهي مدركة ذلك الأمر الموعود ، تحث الخطى نحو المشفى مليئة بالمشاعر والذكريات .
لعل أقوى عبارة قالتها للصحافيين الذين كانوا ينتظرون وصولها عندما رفعت يدها كي يتوقفوا عندما هتف أحدهم : على العالم أن يرى ..
أجابته بحزم لا يخلو من لطف :
ليس قبل أن تراه أُمه ، لا تفسدوا عليَّ هذا اللقاء الذي انتظرته طويلاً  وأردفت :
غداً سيكون في البيت ، اذا أردتم حضور عرسه .
تطلب  العجوز  من الموظف المسن ألذي أشعل لفافة دخان أن يتركها وحيدة مع ابنها فيغادر دون تعليق .
تهمس العجوز : ما أجملك ! عزيز .
هل الثلاجة باردة عليك يا حبيبي ؟
مثلك لا يليق به سوى حوريات الجنة ، تعانقه تقبله تودعه ببكاء هادىء .
في قفلة غير معهودة تؤكد على الموظف :
_أرجوك لا تدخن هنا ، إنه لا يطيق رائحة السجائر .
كأنه ما زال حيّاً !
“شارب الجنرال” والتي حملت عنوان المجموعة أشارت أن ثمة موقف قد يكون تافهاً ولا شيء يُذكر ، قد يغير مسار حياة كاملة يحرِفها نحو مأساة .
ولعل اليد قد تتوه مع زحمة الأفكار المضطربة واختلاج الروح بسبب حوارات ساذجة تنتج عنها عواقب وخيمة لو كان يدرك لحظتها السيد ” وليد القاسمي ” كم الثمن الباهظ الذي سيدفعه في اللحظة التي حفَّ بها شاربه سهواً .. أنه لن يعود لسابق عهده
لرجل لم يسبق وأن حلق شاربه منذ نما .
وكم أصيب بالذهول لتغير ملامحه وعبثه في محاولات إصلاحه من هنا وهناك حتى إضطرَّ لحلقه .
شعوره بالأسى من إنفجار زوجته بالضحك من غرابة حاله : لمَ حلقت شاربك ؟
ليرد على سؤالها بكبرياء مجروح ومحاولة عقيمة لاسترداد كرامة مهدورة ، بجملة ستبقى ملازمة له ذريعة لفعله المستهجن :
_ عندما أعود رجلاً ، حينها فقط يحق لي أن أُطلقه !
وليته لم يقلها ، ليته صمت وهو يكررها في كل مكان يذهب اليه العمل الشارع المسجد السوق …
لِمَ حلقه ؟
جواب بالمطلق دون تحديد للواقعة التي حدثت مع زوجته يُحِّرجُ السائلَ إذا كان ممن لا يحلقون شاربهم وكأنه يحيل الأمر الواقع السياسي المأزوم في الوطن العربي من احتلالات ومجازر وانتهاكات وتخاذل وانهزامية !
يقلده عدد لا بأس به ، فيحلقون شواربهم إقتداء به .
ليجد نفسه أخيراً في مأزق يودي به إلى السجن والتعذيب متهماً بالإرهاب والإنتماء لتنظيم يهدد بزعزعة الحكم وإخفاء الاسلحة
تهم ثقيلة لا يقوم من تحتها إلا وهو يوقع على ذلك .
وبعد تحقيق مضنٍ يدرك أنه أساء للجنرال الذي يمتلك شارباً ويفهم أخيراً حجم مصيبته، فهل على الجنرال أن يتخلى عن شاربه لأجل مقولته تلك ؟
وإذ إعترف أن يده أخطأت في الحلاقة ما كان للحقيقة أن تشفع له .
في حين أحرج الجنرال بشخصه وهو يحلف على  شاربه يوماً : على شاربي أني لا أخون بنداً نتفق عليه الان وأنتم تعلمون .
وشدة اعتزازه بشاربه لدرجة أنه سخِرَ من شارب هتلر البغيض على حد قوله !
تنتهي القصة بعد سير أولاده في جنازته بسؤال أحمق على لسان زوجته المستهجنة :
” كيف كان يقود تنظيماً لإسقاط نظام الحكم وأنا لا أعلم ؟
كل الذي ظننته  أنه حلق شاربه خطأً”
في نهاية بغيضة محزنة بدأت بمناكفة أزواج وانتهت بتهمة ملفقة ، موت وزوجة تظن أنها مخدوعة وتفقد الثقة .
فهل كان الشارب فعلاً يستحق ، كل ماجرى ، هل هو بتلك الأهمية ، أم لعله الكبرياء الزائف المرتبط به ،
وأن راحة الرجل ليست مرتبطة بشارب .
فلتحذروا أيها الرجال !

نلحظ في مجموعة الأستاذ  ” سمير برقاوي ”
أنه كاتبٌ عينه على الشارع مواكب للأحداث ، وهي في معظمها ترتدي طاقية السياسة ، مليئة بالحزن والكثير من الخيبات ، تفاصيل دقيقة وسرد غير متكلف واضح وبسيط .

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *