الحلة الزهية في شرح الزائية

 الحلة الزهيّة في شرح الزائيّة 

أحمد عامر بن رصيف

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم:
سألتني أطال اللّٰه بقاءك بطاعته وسلك بك سبيل أحبائه، أنك وجدت عناءً في كشفك عن معاني الشماخ في زائيته المشهورة التي صدرها بـ (عفى بطن قو من سليمى فعالز). فقلت لي: إن فيها كذا رواية، وأن بعض الحروف الغريبة عسرت على فهمها لاختلاف رواتها. وكلفتني أن أبين لك الصواب فلا أطيل، وأقرب لك المعنى ولا أُحيد. فعلى الرغم من أني بعثت بك إلى كتابي أستاذنا المجتهد (صلاح الدين الهادى) _رحمه اللّٰه_: (الشماخ_ حياته وشعره) و(ديوان الشماخ) الذي حققه أحسن وأدق تحقيق، إلا أنك شكوت استدركاته على مختلف الألفاظ، بين النقلة والرواة. وقلت: في كثير من الأبيات أحاط الأستاذ بمعنى المفردة دون الشرح الكلي للبيت مما جعلك لا تستطيع تركيب المعاني بصورة جديرة بالفهم والإفهام.
فكلفتني بوضع طرة أقدم فيها ترجمة يسيرة للشاعر متبوعة بحديث عن القصيدة مع مختصر حاوي لمعانيها يستغني به المرء عن المطولات. وإن كنتُ قد عقدت العزم، فهذا لأني أتمنى أن يفهم هذا التراث ويقرب إلى الجميع، وليس لتمتين أوصار محبتنا وصحبتنا، فهي لا تقام على المصالح كما تعلم ! ثم كان شرطي بعد الموافقة، أن أشرحها وأقربها لك برسمها الذي جاء في الديوان، وذلك لضبط صلاح الدين الهادى الأقرب صواباً من باقي رواة القصيدة ونساخ الديوان وناشره الأول. وقلتُ لك: إن أردت أنت وغيرك التوسع، في المختلف من لفظها المضر بالمعنى، فعليك بمن أخذوا بعض لفظها في معرض حديثهم بكتب اللغة والأدب والمختارات. أما هنا فلا أحسبك ناظراً إلا لصواب ما صح وندر، وأهمل إهمالا شديداً وهجر، حتى بتنا غير مبصرين من شعر الجاهليين إلا المعلقات، والمشهور من المختارات!
فإن أردت أن تلتمس سهلاً مرشداً وصاحبا كيسا، فعليك بما جادت به يدي وقربته. ولا أريد لأجل هذا عطية خالصة، إنما أريد وجه اللّٰه وتقريب هذا الأثر بكل حب، لأنه جزء لا يتجزأ من أضلعنا. ثم أهدي هذا الصنيع لأول من أهديه، ولأول من هو أحق بالإهداء: أستاذنا الفاضل الكريم صلاح الدين بن محمد الهادى، رحمه اللّٰه. فلولا فضله وقلمه لما كان هذا الصنيع!
وبعد:
ولد شاعرنا الشماخ بن ضرار الذبياني في بوادي نجد، أدرك الجاهلية والإسلام. و”الشماخ” لقب، واسمه معقل. قال ابن الكلبي: كان الشماخ أوصف الناس للحمر وللقوس، وأرجز الناس على بديهة، وهو كثير الهجاء، له مهاجاة مع “الحليج بن سعد” التغلبي. وله شعر في مدح “عرابة” الأوسي، وكان قدم المدينة، فأوقر له عرابة راحلته تمرا وبرا وكساه وأكرمه. وكان له أخوان: مزرد وجزء، رويت مقطعات صغيرة من شعرهما. وللشماخ ديوان شعر مطبوع نشره محمد الأمين الشنقيطي ثم نشره صلاح الدين الهادي كما قدمنا. قال عنه ابن سلام: فأما الشماخ: فكان شديد متون الشعر، أشد أسر الكلام من لبيد، وفيه كزازة. ولبيد أسهل منه منطقا، وكان للشماخ إخوة، وهو أفحلهم، ومزرد هو أشبههم به. وروى أبو الفرج في الأغاني أن “الوليد بن عبد الملك” أنشد شيئا من شعره في وصف الحمير، فقال: ما أوصفه لها، إني لأحسب أن أحد أبويه كان حمارا. وذلك لأنه كان يتدسس في ضمائر الحمر فينطقها بما تكتم! وجعله “الجمحي” في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، وقرنه بالنابغة الجعدي، ولبيد، وأبي ذؤيب الهذلي. وقال: إنه كان شديد متون الشعر، أشد كلاما من لبيد. وكان معاصرا للحطيئة، ويروى أن “الحطيئة” كان يعده أشعر بني غطفان.
وقيل عنه صحابي، ومقتر، وأنه ظلم امرأة من بني سليم بعد زواجه بها، وغير ذلك من الأخبار التي بين صحتها أستاذنا صلاح الدين الهادى. ولعلك لن تجد ترجمة ودراسة لحياته وشعره كما ستجدها عند الأستاذ. وعملي هذا، ليس لي منه إلا التلخيص والتفرد بهذه القصيدة التي رغم أنها من عيون أشعار العرب، إلا أن أحداً لا يكاد يرجزها في عصرنا! بل ولا يعرف البعض من هو الشماخ! فلعل هذه القصيدة تكون بابا يلج إليه محبي الأدب لشعره الذي تدارسه محمد مهدي الجواهري في صغره، وثعلب مع شيوخه، وغيرهم من الأدباء الأعلام. حتى إذا أرادوا وصفا دقيقاً للقوس والحمر كان الشماخ ممن ذكروا.
وقصيدته هذه الزائية عدها أستاذنا (واسطة العقد) في شعره. وكان ممن ذكرها كاملة أبي زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب، في الطبقة السادسة من أصحاب المشوبات، وابن منظور في اللسان إذ استند في أكثر من مادة على بعض أبياتها، وكذلك فعل الزبيدي في تاج العروس، وغيرهم من الأدباء والنحاة في مختلف كتبهم وشواهدهم النحوية.
واختار منها _ حديثاً _ شيخنا الفاضل أبي فهر محمود محمد شاكر، ثلاثة وعشرون بيتا، في رائعته قصيدة (القوس العذراء) وقدمها _ وكذاك ختمها _ برسالة نثرية مخاطباً بها الأستاذ شفيق متري صاحب دار المعارف. وكانت بمثابة بيان لصلة القربى بين العمل والفن، وإعلانا بأن العمل الذي لا يبلغ مبلغ الفن، يكون دليلا على فساد الفطرة عند صانعه. ثم انكبت أقلام الأدباء تدرس الشماخ وحياته، حتى خلص لنا ما لا نجهله.
وهذه الزائية كما سترى، افتتحها الشاعر بالوقوف على الأطلال ثم بذكر ناقته وتشبيهها بالأتن، وكيف تخاف هذه الأتن القواس، حتى يصل بك إلى قصة قوسه كيف نمت وأخذها القواس معتنيا بها، محافظاً عليها من ندى الصباح إلى أن قصد بها السوق، فباعها.
وأنت حين تنظر فيها، وتعطيها نفسك ولو بتكلف، سترى أنها ليست قصة طريفة كما وصفها البعض من المعاصرين، بل هي قصة تحكي الضمير الإنساني، فتعبر لك عن رقته وحزنه وفرحه في آن واحد. وهي مكتملة الأرجاء، لا يعيبها عائب له حصافة في الشعر. قال عنها الأصمعي في فحولة الشعراء: ما قيلت قصيدة على الزاي أجود من قصيدة الشماخ في صفة القوس. حتى قال عنه: فحل. أي من فحول الشعراء.
وروى الجاحظ في الحيوان أبياتا منها ثم قال: ولهذه الأبيات كان الحطيئة والفرزدق يقدمان الشماخ بغاية التقديم. وقال عنها الأستاذ عادل الغضبان: شمخ بها الشماخ على عظماء الشعر ممن استلهموا الهياكل والجبال المقدسة.
أفبعد هذا حديث يقال عن أهمية هذه القصيدة؟!
أسأل اللّٰه أن ينفعنا بما علمنا، ويعلمنا ما ينفعنا، ويرزقنا علما.
الفقير إلى ربه، والمحب لك أبدا.
أحمد عامر بن رصيف
* * * * * * * *
١ عَفا بَطنُ قَوٍّ مِن سُلَيمى فَعالِزُ = فَذاتُ الغَضا فَالمُشرِفاتُ النَواشِزُ
عفا : أي انمحاء الأثر، وبطن : هو بطن الإنسان أو الحيوان معروف خلاف الظهر. وقو : منزل للقاصد إلى المدينة من البصرة، بقيت آثاره إلى يومنا هذا في السعودية، ويسمى الآن ببلدة ” القصيباء ” في القصيم، وقو أيضا: واد يقطع الطريق تدخله المياة ولا تخرج. وعالز : جذر عَلِزَ: عَلَزاً وعَلَزاناً : أي قلق وفزع. وعالز. بكسر اللام، والزاي معجمة: موضع في ديار بني تغلب. فذات الغضا: ذات بمعنى صاحبة، أي: فالأرض ذات الصخور الملساء. والغضا : أرض في ديار بني كلاب، وواد بنجد. وهو أسم لضرب من الشجر يكثر في رمال الجزيرة، ولا يكون غضا إلا في الرمال . والمعنى هنا: فالأرض ذات الغضا. والمشرفات النواشز : الجبال الشديدة الإرتفاع.
أي عفى بطن ذلك الوادي من رحيل سليمى التي هي من أهل نجد والجبال المرتفعة الشديدة
٢ فَكُلُّ خَليلٍ غَيرُ هاضِمِ نَفسِهِ = لِوَصلِ خَليلٍ صارِمٌ أَو مُعارِزُ
خليل: صديق محب وخالص. والهضم : الظلم. والصارم: القاطع. والمعارز : المعاندة والمجانبة.
يريد: كل خليل لا يظلم نفسه لأجل خليله، هو قاطع لوصله ومنقبض عنه.
٣ وَمَرتَبَةٍ لا يُستَقالُ بِها الرَدى = تَلافى بِها حِلمي عَنِ الجَهلِ حاجِزُ
المرتبة: المنزلة؛ أي المقام الشديد والموقف الصعب. لا يتسقال: استقال ( فعل ) استقال من يَسْتقيل اسْتِقالةً، فهو مُستقِيل، والمفعول مستقالٌ منه. وهنا يستقال من مصدر أقالَ؛ أي إبعاده وإعفائه. والردى: الهلاك. وتلافى هنا كقولنا: تلافى الخطر. أي تداركه وتجنبه.
 يعني: تدارك حمله وأيقن أن الجهل حاجز من نفسه.
٤ وَعَوجاءَ مِجذامٍ وَأَمرِ صَريمَةٍ= تَرَكتُ بِها الشَكَّ الَّذي هُوَ عاجِزُ
عوجاء مجذام: ناقة ضامرة سريعة، عجفت فعوج ظهرها من كثرة السفر. وأمر صريمة: يعني عزيمة. والشك: خلاف اليقين.
أي: رب عزيمة أمضاها على ناقته العوجاء الضعيفة التي اعتادت السرعة لادمانها السفر، تاركاً الشك لأنه عجز.
٥ كَأَنَّ قُتودي فَوقَ جَأبٍ مُطَرَّدٍ = مِنَ الحُقبِ لاحَتهُ الجِدادُ الغَوارِزُ
القتود: خشب الرحل الذي يوضع على ظهر الناقة. والجأب: من حمير الوحش، وهو الصلب الشديد. وقوله : ” كأن قتودي فوق … “. يريد تشبيه راحلته بحمار وحش يطلب ماء في شدة القيظ مع أتنه. والمطرد : الذي طردته الرماة. والحقب: جمع أحقب، الحمار الوحشي في بطنه بياض. ذكره امرؤ القيس بقوله : ( كأني ورحلي فوق أحقب قارح… ). ولاحته: غيرته. الجداد : هي التي يبس لبنها. والغوارز : جمع غارز : التي قلت ألبانها.
المراد بقوله في هذا البيت : كأنه هو وخشب رحله فوق حمير وحش فرت من الرماة وتغير لبنها.
٦ طَوى ظِمأَها في بَيضَةِ القَيظِ بَعدَ ما= جَرَت في عِنانِ الشِعرِيَينِ الأَماعِزُ
طوى: من الطي. والضمىء : بالكسر ما بين الشربتين. والضمىء، صفة مشبهة تدل على الثبوت من ظمئ: ظمآن. يقال: وجدته ظمئاً : أي عطشان. في بيضة القيظ: أي حر الصيف. جرت: من الجري. وعنان : جمع عُنة. والشعريين : الشعرى العبور، والشعر الغميصاء، وهما من نجوم القيظ النيرة. والأماعز: جمع أمعز. أي جرى بها سراب بعدما طلعت الشعرى.
 أي: بعد أن وصف حمار الوحش في البيت السابق، يخبرنا أنه _ الحمار _ أخفى عطشه وكتمه في الحر بعدما جرى السراب من شدة القيظ أمامه، وكأنه أيضا يجري بين الشعريين.
٧ فَظَلَّت بِيَمئودٍ كَأَنَّ عُيونَها = إِلى الشَمسِ هَل تَدنو رُكِيٌّ نَواكِزُ
ظلت: أي أقامت. ويمئود: _كما معجم البلدان لياقوت_ واد لغطفان. وربما الصواب هو البئر الذي قصده في قوله:
( … على ماءِ يَمْؤودَ الدلاءُ النواهِزُ )
وهل تدنو: هل تغيب. والركى : الآبار، واحدها : ركية. والنواكز: الغوائر، نكزت البئر تنكز نكوزا : إذ فني ماؤها.
أي إنها تقرب من الغروب. يقول: ترقب مغيب الشمس لتنهض نحو الماء.
أي هذه الأتن ما زالت في ذلك الواد _ ويبدو أنها متعبة وحزينة من شدة القيظ والعطش _ تنظر إلى الشمس لعلها تغيب، وقد غارت عيونها وأصبحت كالآبار التي غار ماؤها بعد أن ضمرت من شدة الجهد.
٨ لَهُنَّ صَليلٌ يَنتَظِرنَ قَضاءَهُ = بِضاحي عَذاةٍ أَمرَهُ وَهوَ ضامِزُ
الصليل : صوت يسمع من الإبل إذا عطشت. والضاحي: الظاهر والبارز من الأرض. والعذاة : الأرض الطيبة التربة، كريمة المنبت. والضامز : ضَمَزَ يَضْمِزُ ضَمْزاً: سكَتَ ولم يتكلَّم.
يريد أن هذه الأتن تنتظر قضاء عطشها بينما هي واقفة ساكتة لا تتحرك ولا تصيح.
٩ فَلَمّا رَأَينَ الوِردَ مِنهُ صَريمَةً = مَضَينَ وَلاقاهُنَّ خِلٌّ مُجاوِزُ
الورد: ورود الماء. والخل : الطريق النافذ بين الرمال المتراكمة، وسمي خلا لأنه يتخلل أي ينفذ. والمجاوز : النافذ إلى غيره.
يقول: لما رأت الأتن الحمار مصمم على الذهاب إلى الماء، اسرعن خلفه، فلاقهن الرمل فقطعنه إلى الماء.
١٠ وَلَمّا رَأى الإِظلامَ بادَرَهُ بِها = كَما بادَرَ الخَصمُ اللَجوجُ المُحافِزُ
بادره بها : أي ساق حمار الوحش أتنه فور حلول الظلام. والخصم اللجوج: المتمادي والمعاند في الخصومة. والمحافز : دفعه من خلفه في السوق أو غيره، وقال الأصمعي: معنى حافزته: دانيته.
أي أن حمار الوحش بعد أن وجد الماء كما بينا في البيت السابق وساق اتنه إليها، بدأ يدفعها فور حلول الظلام كما يدفع الشخص المعاند خصمه من الخلف. وهذه تعد من أجمل الصور بيانا وايضاحا !
١١ وَيَمَّمَها مِن بَطنِ ذَروَةَ رُمَّةً = وَمِن دونِها مِن رَحرَحانَ مَفاوِزُ
ويممها: أي قصد إليها واتجها نحوها، أي نحو بطن ذروة. وبطن : سبق بيانه وهو خلاف الظهر. وذورة : بفتح أوله وإسكان ثانيه، وهي من بلاد غطفان.
والرمة: سبق ذكره وهو قاع عظيم بنجد تصب فيه جماعة أودية. ورحرحان : اسم جبل قريب من عكاظ، خلف عرفات. وذكر البكري: جبل كثير القنان، وقنانه سود بينها فرج، وأسفله سهل، وهي لبني ثعلبة بن سعد ( رهط الشماخ ).
والمفاوز: جمع مفازة أي فلوات وصحارى. وسميت كذلك تفاؤلاً بالفوز، أي النجاة.
يريد أن حمار الوحش قصد هذه الوديان والمفاوز التي ذكرناها.
١٢ عَلَيها الدُجى مُستَنشَآتٍ كَأَنَّها = هَوادِجُ مَشدودٌ عَلَيها الجَزاجِزُ
عليها: لا بد أن نشير بأن الضمير في هذه الكلمة وقع على المياة التي مرت بها الحمر. ونلاحظ أن الشاعر في البيت السابق، بين لنا بنقلة سريعة مفاجئة كيف أن الحمر عدلت عن المياه وراحت تسير في الوديان لسبب غامض، الآن سنعرفه. والدجى : جمع دُّجْيَةُ. والدجية، قترة الصائد : ما يبنيه الصائد ليستتر فيه. ومُستنشآت: المرفوعات أو المستحدثات: يعني الزبى المرفوعات. وهوادج : جمع هَودَج. وهو محمل يوضع على ظهر جمل، يصنع من العصي ثم يجعل فوقه الخشب فيقبب، لتركبه النساء. وجزاجز : جمع جِزْجِزَةُ؛ وهي خصل العهن والصوف المصبوغة، تعلق على هوادج الظعائن يوم الظعن، وهي الثكن _ كما قال صلاح الهادى.
والمراد أن على هذه المياه ارتفعت قتر الصيادين كأنها هوادج النساء. لهذا فرت الحمر من المياه التي قصدتها في البداية، ورجعت إلى الوديان كما في السابق قد بينا.
١٣ تَفادى إِذا اِستَذكى عَلَيها وَتَتَّقي = كَما تَتَّقي الفَحلَ المَخاضُ الجَوامِزُ
تفادى: تتفادى : اي يلافي بعضها بعضاً. استذكى: أشتد عليها وغضب، يعني الفحل. المخاض : إسم للنوق الحوامل، وقيل النوق التي أتى على حملها عشرة أشهر. والمخاض: آلام الطلق قرب الولادة، حالة الوَضْع، وجع الولادة نتيجة تحرك الجنين في بطن أمه. والجوامز: السير القريب من العدو.
يريد: أن هذه الأتن كانت تتفادى حمار الوحش إذا قسى عليها ووتقيه كما تتقي النوق الحوامل السرعة في السير.
١٤ وَمَرَّت بِأَعلى ذي الأَراكِ عَشِيَّةً = فَصَدَّت وَقَد كادَت بِشَرجٍ تُجاوِزُ
ومرت : اجتازت. ذو أركٍ وأركٍ: واد باليمامة وجبل في بلاد غطفان. والعشية: أي في العشاء. والشرج: بفتح أوله وسكون ثانيه من شرج، مسيل الماء، والجمع: شراج، مجرى الماء من الهضاب إلى السهل. والشرج : ماء أو واد لفزارة.
يعني: أن هذه الحمر اجتازت أعلى الوادي عشية ظلام الليل ثم امتنعت وكأنها التفتت للخلف، وانتبهت أنها كادت أن تجتاز مجرى المياه فرجعت لمكانها.
١٥ وَهَمَّت بِوِردِ القُنَّتَينِ فَصَدَّها = حَوامي الكُراعِ وَالقِنانُ اللَواهِزُ
همت : نوت. والورود والقنان : هما جبلان متصلان لبني أسد. والكراع: كُراع كل شيء: طرفه من الأرض. والقنان : جمع قنة: وهي الجبل الصغيرة. وقُنةُ الجبل: قمته أو أعلاه. وقيل: قنة كل شيء أعلاه. واللواهز : جمع لاهز : الجبل الذي يضر بالطريق ويصعب المسلك فيه. وإذا التقى جبلان حتى يضيق ما بينهما، فهما لاهزان.
أي نوت هذه الأتان أن تذهب للجبلان، فصدها فتيت الحجارة الساقط من الجبل، والمنظر المخيف لأعلاهما، وما يضيق بينهما مما يشبه الزقاق.
١٦ وَصَدَّت صُدوداً عَن ذَريعَةِ عَثلَبٍ = وَلِاِبنَي غِمارٍ في الصُدورِ حَزائِزُ
وصدت صدوداً: أي انصرفت أو تنحت تنحيا قوياً. والذريعة: جمل يختل به الصياد، يمشي الصياد إلى جنبه فيستتر به ويرمي صيده إذا أمكن. وعثلب: كما يفهم من الخليل وجامع الديوان، إسم لرجل مجهول يعرفه الشماخ وربما من عادته الإحتال على الناقة ذكره هنا. وابن غمار: قناص مجهول. والحزائز: وجع في القلب أو غيظ في الصدر.
أي وصدت هذه الاتن وانصرفت أيضا عن ناقة الصياد فضاق صدره لانصرافها.
١٧ وَلَو ثَقِفاها ضُرِّجَت مِن دِمائِها = كَما جُلِّلَت فيها القِرامَ الرَجائِزُ
ولو ثقفاها: ظفرا بها وصادفاها. ضرجت: لطخت بالدم. وجللت: البست. والقرام: ثوب يستتر به في الصيد لونه كالعهن. والرجائز: ما زين به الهودج من صوف أحمر.
أي لو ظفرا بها الصائد ولم تهرب للطخت الحمر بالدم ولبسته كما زينت الهوادج بالصور الأحمر.
١٨ وَحَلَّأَها عَن ذي الأَراكَةِ عامِرٌ = أَخو الخُضرِ يَرمي حَيثُ تُكوى النَواحِزُ
وحلأها: أي منعها من الماء_ يعني الحمر _. والاراكة: هنا تقتضي أنه موضع فيه ماء. وعامر أخو الخضر: قانص مشهور ذكره البلاذرى وابن حجر. والخضر هم ولد مالك بن طريف بن خلف بن محارب بن خصفة بن قيس عيلان. وسموا بذلك لشدة سمرتهم، والخضر في ألوان الناس: السمرة. والنواحز: التي بها نحاز، وهو داء يضرب الإبل في رئاتها فتسعل سعالا شديداً.
أي منع الصياد الذي إسمه عامر الحمر من الإقتراب إلى الماء، فرماها في رئاتها حيث المكان الذي يضربه الداء بالابل.
١٩ قَليلُ التِلادِ غَيرَ قَوسٍ وَأَسهُمٍ = كَأَنَّ الَّذي يَرمي مِنَ الوَحشِ تارِزُ
التلاد: أي أنه قليل العدة لا يملك إلا قوس وأسهم. وتارز: أي جامد ويابس يصيبه حيث يريد.
يعني أن عامر الذي رمى الحمر الوحشية لا يملك إلا قوس وأسهم يرميها على حمر جلدوهن يابسات.
٢٠ مُطِلّاً بِزُرقٍ ما يُداوى رَمِيُّها = وَصَفراءَ مِن نَبعٍ عَلَيها الجَلائِزُ
مطلاً: أي مشرفاً. والزرق: النصال. رميها: المرمى بها. والصفراء هنا: القوس. والنبع: شجر أصفر، وهو أجود ما تتخذ منه القسي. والجلائز: عقبات تلوى على كل موضع من القوس لتشدها من دون عيب بها.
والمراد أن القواس مطلاً بنصاله التي إن رماها في مكان ما من جسد الحمر، لا يتداوى أبدا. وهذه النصال صفراء من أجود أنواع الشجر الذي يصنع منه القسي، ومشدودة بعقبات حتى تظل منتصبة لا تحيد عن هدف الصائد.
٢١ تَخَيَّرَها القَوّاسُ مِن فَرعِ ضالَةٍ = لَها شَذَبٌ مِن دونِها وَحَواجِزُ
تخيرها القواس، صوابه: القوس. والضالة: شجر السدر، من شجر الشوك، أصفر طيب الرائحة، وهو ينبت في السهول، فإذا نبت على شط الأنهار قيل له: العبرى. وفرع الضالة: أعلاها. والشذب: قشر الشجر، وقيل هو ما يقطع مما تفرق وتهدل من أغصان الشجر، وهو المراد هنا. واحدته: شذبة. وحواجز: موانع من الوصول إليها.
أي أن القواس تخير قوسه من أغصان الشوك، وعليها ما تهدل من بقايا الأشجار وما يحيطها من الحواجز.
٢٢ نَمَت في مَكانٍ كَنَّها وَاِستَوَت بِهِ = فَما دونَها مِن غيلِها مُتَلاحِزُ
نمت: طالت. كنها: سترها في ركن. والغيل: الشجر الكثيف الملتف. متلاحز: أي متضايق دخل بعضه في بعض.
أي أن هذه القوس التي في يد القواس طالت في مكان مستور بين الشجر الملتف والذي لا يصلح لصنع القيسي.
٢٣ فَما زالَ يَنجو كُلَّ رَطبٍ وَيابِسٍ = وَيَنغَلُّ حَتّى نالَها وَهوَ بارِزُ
ينجو: يقطع. وينغل: أي يدخل.
أي أن القواس حين رأى القوس بارزة في الأرض أخذ يقطع كل رطب ويابس ليأخذها.
٢٤ فَأَنحى إِلَيها ذاتَ حَدٍّ غُرابُها = عَدُوٌّ لِأَوساطِ العِضاهِ مُشارِزُ
فأنحى إليها: أي أقبل يقطعها. وذات حد: فأس ذات حد. غرابها: حدها. والعضاه: شجر عظيم له شوك. مشارز: معادى أي شرس.
أي بعد أن نالها قطعها بحد فأسه الذي هو عدو للشوك.
٢٥ فَلَمّا اِطمَأَنَّت في يَدَيهِ رَأى غِنىً = أَحاطَ بِهِ وَاِزوَرَّ عَمَّن يُحاوِزُ
ازور: أعرض ومال. يحاوز: أي خالطه.
يعني أن الصائد حين رأى أن القوس بعد تشذيبها أصبحت في يديه، شغلته عن الأهل والأصدقاء.
٢٦ فَمَظَّعَها عامَينِ ماءَ لِحائِها = وَيَنظُرُ مِنها أَيَّها هُوَ غامِزُ
فمظعها: أي شربها. لحائها: قشر العود. وغامز: من غمز القناة، أي سوى المعوج منها. يعني جسمها ليعرف أين يسويها.
والمعنى: أنه ترك القوس في الظل _ مخافة تصيبها الشمس فتصدع وتتشقق _ لتشرب ماء لحائها، أي ماء نفسها فتجف في حر نجد الملتهب _ وأخذ يتعهدها بالنظر فيها وجسها ليحسن تسويتها.
٢٧ أَقامَ الثِقافُ وَالطَريدَةُ دَرأَها = كَما قَوَّمَت ضِغنَ الشَموسِ المَهامِزُ
الثقاف: خشبة في رأسها ثقب تدخل فيها الرماح فتقوم. والطريدة: قصبة توضع فيها السكين يبرى بها القداح. ودرأها: اعوجاجها. والضغن: السخط. والشموس: الشوامخ من الخيل. والمهامز: جمع مهمزة: وهي حديدة تنخس بها الدابة.
يريد أن القوس صلحت بعد أن أدخلها بثقب موجود بالخشبة التي تقوم الأقواس، فنحتها نحتا، وأصبحت قائمة جاهزة كما يقوم الخيال خيله بوغزة بعد اعوجاج.
٢٨ فَوافى بِها أَهلَ المَواسِمِ فَاِنبَرى = لَها بَيِّعٌ يُغلي بِها السَومَ رائِزُ
وافى بها: أتى بها وقصد. أهل المواسم: أي أهل الأسواق التي يجتمع فيها الناس للبيع والشراء. وانبرى لها: اعترض لها ليشتريها. البيع: المراد به هنا المشترى. والمقصود به: عامر أخو الخضر. والسوم: المساومة في البيع. والرائز: المجرب، المختبر لشدتها ولينها.
أي قصد بها أهل السوق فاعترضه أحد المشترين، فأخذ يتفحص شدتها ولينها، فساومه وهو يغلي بها، ويثني عليها.
٢٩ فَقالَ لَهُ هَل تَشتَريها فَإِنَّها = تُباعُ بِما بيعَ التِلادُ الحَرائِزُ
التلاد: الموروث من الإبل، سبق ذكره. والحرائز من الإبل: التي لا تباع نفاسة بها.
أي قال له المشتري: هل تبيعها فإنها تباع بمثل ما تباع الإبل النفيسة.
٣٠ فَقالَ إِزارٌ شَرعَبِيٌّ وَأَربَعٌ = مِنَ السِيَراءِ أَو أَواقٍ نَواجِزُ
إزار: ثوب يحيط به المرء. والشرعبي: الطويل الخفيف. والسيراء: ثياب مخططة. والاواقي: يعني أواقي من ذهب، والأوقية الأربعون درهماً. والنواجز: النقد.
والمعنى أنه أيضا أغراه واضاف قائلا: أثوابٌ طويلة خفيفة، وأربعة من الثياب المخططة النظيفة أو أواقي من الذهب.
٣١ ثَمانٍ مِنَ الكيرِيِّ حُمرٌ كَأَنَّها = مِنَ الجَمرِ ما ذَكّى عَلى النارِ خابِزُ
ثمان: صفة لأواق في البيت السابق. والكيري: ما خلص في كور الصائغ بعد ما خلص من تراب المعدن.وأذكى: أوقد. والخابز: صانع الخبز على النار.
أي يغري به أيضا في معرض حديثه فيقول: ثمانٍ من الأواقي التي خلصت من معدن الصائغ حمرٌ كأنها بسبب الجمر مستماسكة جميلة كالخبز على النار.
٣٢ وَبُردانِ مِن خالٍ وَتِسعونَ دِرهَماً = وَمَع ذاكَ مَقروظٌ مِنَ الجِلدِ ماعِزُ
البردان: واحدها بردة، وهي كساء يلتحف به كالعباءة. وخال: نوع من البرود _ أي الأثواب _ مخططة بالأحمر والأخضر. والمقروظ: المدبوغ بالقرظ. والماعز: الشديد.
أي: وعرض عليه أيضا: اكسية بألوان زاهية مع تسعون درهما ومعها عباءة من جلد الماعز مدبوغة بحرفية.
٣٣ فَظَلَّ يُناجي نَفسَهُ وَأَميرَها = أَيَأتي الَّذي يُعطى بِها أَم يُجاوِزُ
أميرها: قلبه. ويجاوز: يقبل.
يريد: أنه تردد في قبول البيع، وأخذ يشاور نفسه: هل يبيعها بما عرض عليه أم يطلب الزيادة.
٣٤ فَقالوا لَهُ بايِع أَخاكَ وَلا يَكُن = لَكَ اليَومَ عَن رِبحٍ مِنَ البَيعِ لاهِزُ
لاهز: دافع مانع.
يعني: فهتف من حوله في السوق: بيع أخاك ولا تتأخر.
٣٥ فَلَمّا شَراها فاضَتِ العَينُ عَبرَةً = وَفي الصَدرِ حُزّازٌ مِنَ الوَجدِ حامِزُ
شراها: باعها. والحزاز: بضم الحاء وفتحها، ما تولد في قلبه من الغم والحزن، ولومه نفسه على بيع هذه القوس الحبيبة إليه. والوجد: أشد الحب. والحامز: الشديد المحرق.
يقول: فلما باعها الصياد _ عامر أخو الخضر _ فاضت من عينه دمعة لما اعتمل في قلبه من الحزن الشديد عليها.
٣٦ وَذاقَ فَأَعطَتهُ مِنَ اللينِ جانِباً = كَفى وَلَهاً أَن يُغرِقَ السَهمَ حاجِزُ
وذاق: الضمير هنا للمشترى، يقال ذقت القوس: إذا جذبت وترها لتنظر ما شدتها. وقولها: ولهاً: أي الحزن. والحاجز: من يجعل السهم حاجزاً بينه وبين من يريده. قال الهادى في بين هذا البيت: وفي هذا المعنى غموض وتعسف.
والمعنى أنه جرب القوس بجذب وترها فأعطته من اللين جانباً، ولها جانب آخر من الصلابة حاجز من أن يغرق السهم.
٣٧ إِذا أَنبَضَ الرامونَ عَنها تَرَنَّمَت = تَرَنُّمَ ثَكلى أَوجَعَتها الجَنائِزُ
أنبض: أي أن تجذب الوتر ثم ترسله فتسمع صوتاً. ترنمت: رجعت في صوتها ورفت، وهو مجاز. والتكلى: التي مات ولدها. والجنائز: المراد بها هنا: الميت نفسه.
أي إذا جذبت أوتار هذه القوس بأيدي الرماة، سمع لها ترنما وهي ترف في القوس، كما تترنم الباكية على ولدها الميت.
٣٨ قَذوفٌ إِذا ما خالَطَ الظَبيَ سَهمُها = وَإِن ريغَ مِنها أَسلَمَتهُ النَواقِزُ
قذوف: تشديد القذف بالسهم. وريغ منها: انحرف ومال عن سهمها. أسلمته: خذلته. والنواقز: القوائم.
يقول: إذا فزع الضبي من صوت القوس اسلمته قوائمه فسقط.
٣٩ كَأَنَّ عَلَيها زَعفَراناً تُميرُهُ = خَوازِنُ عَطّارٍ يَمانٍ كَوانِزُ
الزعفران: من الطيب أصفر، تتزين به النساء. تميره: من أمار الزعفران بالماء ليذوب، وتميره: بمعنى تحركه. والخوازن: النساء اللائي يخزنه. والكوانز: اللائي يكتنزنه في وعاء. وأهل اليمن مشهورون بصناعة العطر وبيعه.
يقول كأن على القسي زعفرانا أضافته أيدي العطارين من اليمن المليء في اوعيتهم التي يخزنون بها أنواع الطيب والزينة.
٤٠ إِذا سَقَطَ الأَنداءُ صينَت وَأُكرِمَت = حَبيراً وَلَم تُدرَج عَلَيها المَعاوِزُ
الأنداء: جمع ندى، وهو بلل الصباح. والحبير: الثوب الجديد والحسن. والمعاوز: خلقان من الثياب.
أي أنه صانها بالثياب لئلا يصيبها الندى في الصباح فتتبلل فيؤثر في أوتارها.
٤١ فَلَمّا رَأَينَ الماءَ قَد حالَ دونَهُ = زُعافٌ لَدى جَنبِ الشَريعَةِ كارِزُ
فلما رأين: الضمير هنا للأتن المتقدم ذكرها. وزعاف: أي موت زعاف شديد. ولدى: بمعنى عند. والشريعة: مورد الشاربة. وكارز: مستخفٍ.
يريد أن الأتن لما رأت الماء، والقواس غائب عنها، ذهبن باستخفاف للشرب .
٤٢ شَكَكنَ بِأَحساءِ الذِنابِ عَلى هُدىً = كَما تابَعَت سَردَ العِنانِ الخَوارِزُ
شككن: من قولهم: شك القوم بيوتهم يشكونها شكا: إذ جعلوها على طريقة واحدة، ونظم وأحد. وأحساء: موضع فيه ماء، وهي حفرة قريبة من القعر، قيل لا تكون إلا في أرض أسفلها حجارة وفوقها رمل، فإذا أمطرت نشف الرمل، فإذا انتهى إلى الحجارة أمسكته، فيستخرجون الماء بعد أن أصبح عذباً بارداً. والذناب: المراد به هنا الذيل. على هدى: أي على اهتداء. والسرد: الخرز.
وهو هنا يشبه تتابعهن واحدة في إثر وأحدة على نسق واحد بخرز العنان، لأن خرز العنان متسرد مستو.
٤٣ وَلَمّا اِستَغاثَت وَالهَوادي عُيونُها = مِنَ الرُهبِ قُبلٌ وَالنُفوسُ نَواشِزُ
الهوادي: أوائل الحمر الوحشية، واحدتها: هادية. والرهب: الخوف الشديد. والقبل _ بالتحريك _ وهو مثل الحول. والنواشز: الارتفاع كما تقدم، وقلب ناشز: مرتفع من الرعب.
يقول أنها من الرعب تنظر عن جوانبها فكأن في عيونها حول، فجاشت نفوسها من الفزع.
٤٤ فَأَلقَت بِأَيديها وَخاضَت صُدورُها = وَهُنَّ إِلى وَحشِيِّهِنَّ كَوارِزُ
وحشيهن: أي جانبهن الأيمن. وكوارز: مائلات
يريد أن الأتن من الفزع ألقت سريعاً بيدها على الأرض وفرت بصدرها المليء بالرعب، فمالت إلى جانبها الأيمن.
٤٥ نَهِلنَ بِمُدّانٍ مِنَ الماءِ مَوهِناً = عَلى عَجَلٍ وَلِلفَريصِ هَزاهِزُ
نهلن: شربن من أول الورد. ومدان: يجوز أن يكون تحريف بمران: وهو موضع على ليلتين من مكة على طريق البصرة. والوهن: نحوا من نصف الليل. والفريص: مكان في جسدها بين الكتف والثدي. وهزاهز: اهتزاز واضطراب وحركة.
يعني أن هذه الأتن نهلت _ بإحدى الأماكن_ من الماء على عجل وهن خائفات بمنتصف الليل.
٤٦ غَدَونَ لَهُ صُعرَ الخُدودِ كَما غَدَت = عَلى ماءِ يَمئودَ الدِلاءُ النَواهِزُ
صعر الخدود: كبيرة الوجوه. ويمئود: موضع بغطفان، وذكره هنا الشماخ كإسم للبئر كما قال ابن سيده. والنواهز: إذا ضرب الدلو في الماء لمتلئ.
يقول غدت هذه الحمر الوحشية لهذا الماء، كما غدت الدلاء النواهز لماء يمئود.
٤٧ يُحَشرِجُها طَوراً وَطَوراً كَأَنَّما = لَها بِالرُغامى وَالخَياشيمِ جارِزُ
يحشرجها: ضمير الفاعل للحمار، وضمير المفعول للأتن، والحشرجة: تردد الصوت في الصدر. والرغامى: زيادة الكبد، وقيل: قصبة الرئة. والجارز: السمال. والخياشم: جمع خيشوم، وهو أقصى الأنف.
أي أن حمار الوحش يصيح بأتنه تارة حشرجة، وتارة على هيئة السمال.
٤٨ وَلَمّا دَعاها مِن أَباطِحِ واسِطٍ = دَوائِرُ لَم تُضرَب عَلَيها الجَرامِزُ
أباطح: جمع أبطح، وهو سيل ماء واسع فيه دقاق الحصى. وواسط: موضع. قال ياقوت في معجم البلدان: ( وهي كثيرة، واسط بنجد، واسط الحجاز، واسط الجزيرة..). ودوائر: جمع دائرة: وهي الشيء المستدير. ويجوز أن يكون المراد بها هنا: المياه المستديرة أو الرمال المستديرة التي يستنقع فيها الماء. لم تضرب: لم تبن عليها. والجرامز: جمع جرموز، وهو الحوض الصغير، والركية.
يريد دعتها مياه لم يبن عليها: أي لم تسكن.
٤٩ حَذاها مِنَ الصَيداءِ نَعلاً طِراقُها = حَوامي الكُراعِ المُؤيِداتُ العَشاوِزُ
الصيداء: الأرض التي تربتها غليظة الحجارة كما في اللسان. والكراع: كل أنف سال من جبل أو حرة كما تقدم. والعشاوز: جمع عشوزن، من المواضع، ما صلب مسلكه وخشن.
يعني أن العير سلك لهذه الأتن طريقا صعبة خشنة.
٥٠ فَأَقبَلَها نِجادَ قَوَّينَ وَاِنتَحَت = بِها طُرُقٌ كَأَنَّهُنَّ نَحائِزُ
قو: واد سبق ذكره. وانتحت: مالت. والنحائز: ثياب مخططة.
يريد أن الحمار ساق أتنه في طريق مالت بهم إلى طرق أخرى.
٥١ حَداها بِرَجعٍ مِن نُهاقٍ كَأَنَّهُ = بِما رَدَّ لَحياهُ إِلى الجَوفِ راجِزُ
نهاق: صوت الحمير. ولحياه: أي حائطا الفم. وراجز: منشد.
أي نادى العير أتنه بنهاق خرج كالنشيد حين رد الصوت إلى جوفه.
٥٢ فَأَورَدَهُنَّ المَورَ مَورَ حَمامَةً = عَلى كُلِّ إِجرِيّائِها هُوَ رائِزُ
المور: الطريق. وحمامة: على لفظ الطائر، ماء لبني سعد بن بكر بن هوازن. والإجريا: ضرب من الجري. والرائز: المختبر والمجرب.
أي قاد أتنه إلى طريق الماء وهو ينظر إلى أرجلهن ليختبر جريهن.
٥٣ يُكَلِّفُها طَوراً مَداهُ إِذا اِلتَوى = بِهِ الوِردُ وَاِعوَجَّت عَلَيهِ المَجاوِزُ
الطور: الجبل. التوى: اعوج وانعطف. والمجاوز: الطرق.
أي يكلف أتنه صعود الجبل إذا صعب عليه الورد، ورأى أن الطريق معوج.
٥٤ مُحامٍ عَلى عَوراتِها لا يَروعُها = خَيالٌ وَلا رامي الوُحوشِ المُناهِزُ
محام: مدافع. عوراتها: مواضع مخافتها. لا يروعها: أي لئلا يفزعها. والمناهز: المبادر المسابق.
يريد أن هذا العير يدافع عن ما تخافه الأتن لكي لا تفزع من خيال أحد، حتى ذاك الذي يسابق ليرمي أولادها.
٥٥ فَأَصبَحَ فَوقَ النَشزِ نَشزِ حَمامَةٍ = لَهُ مَركَضٌ في مُستَوى الأَرضِ بارِزُ
النشز: المكان المرتفع. الحمامة: ماء سبق بيانه.
يرد وصل العير أخيرا إلى المكان المرتفع، فأصبح فوق الماء، ومن جانبها مكان بارز تستطيع أن تركض فيه.
٥٦ وَظَلَّت تَفالى بِاليَفاعِ كَأَنَّها = رِماحٌ نَحاها وِجهَةَ الريحِ راكِزُ
تفالى: أي تحتك بعضها على بعض.
يعني: وبقيت هذه الحمير بعد أن بلغت مأمنها، تتحتك ببعضها، كما تحتك الرماح حين يميل بها الريح.
انتهى بفضل اللّٰه
كتبه الفقير

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *