إبراهيم العجلوني في كتابه ( مسلمون وصهاينة وأمريكان)

(ثقافات)

إبراهيم العجلوني في كتابه ( مسلمون وصهاينة وأمريكان)

نايف النوايسة

   صدر هذا الكتاب سنة ٢٠٢١ في دار الخليج للنشر والتوزيع، ويجمع بين دفتيه ثلاثاً وسبعين مقالة نشرها العجلوني في صحيفة الرأي ما عدا واحدة نشرها في صحيفة الرائد العربي في أيلول سنة١٩٨٨، وبدأ بنشر هذه المقالات من سنة ١٩٨٢ وحتى سنة ٢٠١٦, وهي بكليتها تبحث في ثلاثة موضوعات( المسلمين والصهاينة والامريكان. ) وحينما يكون دأب المثقف توجيه بوصلة فكره وخلاصة علمه للدفاع عن قضايا وطنه وعناصر هويته تأتي كتاباته عميقة وجادة وهذا هو الهدف الأسمى لإبراهيم العجلوني في كتاباته وتوجهاته منذ عرفته قبل أربعين سنة.

    إن الهاجس الذي يسكن قلب هذا المفكر هو أحوال أمته العربية الإسلامية، وجوهرة ذلك هي فلسطين بكل مدنها وبلداتها ومقدساتها.

    وستبرز لنا من كتابه هذا عناوين عديدة نختصرها ب( فلسطين، العرب، الإسلام، اليهود، وامريكا), وسنسلط الضوء على الأفكار التي طرحها العجلوني في مقالاته.

 فلسطين:

    يرى العجلوني أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية عند العرب والمسلمين، وهي المعيار الفاحص للمواقف المتحدة، وله تجارب خاصة في تمحيص هذا المعيار وصدقية الالتزام به وقدسية الهدف الذي ينتهي إليه النظر، وبالمقابل يراهن الأعداء على عجز العرب من خلال هذا المعيار، لكن رهانات العدو ستخسر آجلاً أو عاجلاً أمام ثبات الحق وقوة المقاومة الفلسطينية التي لا يخفت أوارها.

   هذه القضية المحورية ننشدُّ إليها في المناسبات وبعض الأغاني والأناشيد الوطنية مثل( اخي جاوز الظالمون المدى…) ويرى العجلوني بأن القدس عروس المدائن.

   وفي حديثه عن الانتفاضة يرى أن الأطفال الذين يمطرون العدو بحجارتهم يُعلّموننا درساً في كيفية المواجهة، ويحملنا من خلال قراءاته إلى ما يقوله الأديب الراحل عبدالحليم عباس عن فلسطين بأنها( المبدأ) وأنها قضية العرب والمسلمين المركزية كما أسلفنا، ووقف عند مقولة عباس عن( الدم المراق) في سبيل تحرير فلسطين، ويقارن بين الشتات اليهود الذين ليس لهم وطن وشتات الفلسطينيين الذي هُجِّروا من وطنهم قصراً، كما أنه ينظر في فتاوى علماء المسلمين التي تذهب إلى قدسية القضية الفلسطينية التي هي غير قابلة للبيع أو التنازل أو التعويض.

   وتتجلى هذه القدسية حين نقرأ ما قالته زوجة رابين لباراك مُنكرةً ما قدمه من تنازلات في القدس وبينت أن زوجها الذي وقع اتفاقيات السلام لم يقدمها، لذلك ووفق هذا النظر يقولون عن حقوقهم المزعومة الزائفة في فلسطين بأنها( محض قومية تاريخية)، ويكشف العجلوني عن حميمة القربى بين الأردن وفلسطين وذلك بعد مقاربة بلدانية من معجم البلدان لياقوت الذي قسّم به جنوب بلاد الشام إلى أجناد تقسيماً جعل بلادنا مع فلسطين، وهذا ما يؤكد أهمية الاطلاع على الجغرافيا الإسلامية قبل أن نتورط في تقسيمات سايكس بيكو.

     وينظر في طبيعة المواجهة مع اليهود، فيقول: رغم القوة التسليحية لهذا الكيان الغاصب فإنه وُجِهَ بثورة عارمة من الشعب الفلسطيني والعربي في كل مكان( الانتفاضة، الصواريخ العراقية، معارك باب الواد، الكرامة، حرب تشرين، ومقاومة غزة) وهذا يدل على أن ما تفعله إسرائيل يواجه دائماً بحائط عربي صلد، وعّرّت الانتفاضة وصمود الأسرى مقولة العدو بأن لديها جيش لا يقهر ولا يصيبه الخذلان، وزرعت الرعب في حياة هذا الكيان، وأن ما يقولونه هو مجرد وهم.

   وبين أن جسم المقاومة الفلسطينية الذي يقف وحده بوجه العدو يفضح ضراوته ومن يقف وراءه من الأعداء وكذلك تخاذل الموقف العربي.

   ويؤكد العجلوني الهدف الأسمى الفلسطيني وهو تحرير أرضه ونفسه من نير الاحتلال البغيض وتقرير مصيره وحقه في الحياة، ومن أجل هذا يحول اليهود دون امتلاك الفلسطيني القوة اللازمة التي تُمكّنه من الوصول إلى هدفه، وأدرك هذا الشعب في انتفاضته الباسلة أنه أمام ثلاث حقائق هي( يأسه من اتفاقيات السلام، غضبه من انتهاكات العدو للمقدسات، ورفضه للواقع العربي الممزق).

   أمام هذا الواقع واجه الكيانُ الصهيوني الغاصب المقاومةَ بالبطش وسفك الدماء، وبالمقابل وضع الفلسطيني دمه الزكي بيرقاً للجهاد، منطلقاً من إيمانه بأن البطش والتنكيل من قبل الصهاينة لا يقابله إلاّ بالمقاومة ورد الاعتداءات.

    ويتصدى العجلوني لمقولات قادة الصهاينة ويردها بالحجة الداحضة، إذ قال أحدهم بأن مكونات المجتمع الإسرائيلي أربعة، ويقول العجلوني: لا بل هما فريقان في فلسطين؛ الإسرائيلي المحتل الذي يمارس القتل والدمار وانتهاك المقدسات والحرمات، والفلسطيني مالك الأرض والذي يدافع عن نفسه وعرضه وأرضه ومقدساتها.

العرب:   

   يتكئ العجلوني على ثقافة موسوعية عريضة مكنته من الوقوف على حقائق الأمور وخفاياها، فتجلت مواقفه ونظراته الفاحصة العميقة في كتاباته التي كرّس جُلّها لقضايا الأمة العربية والإسلامية، وقد سبق وبينّا طرفاً من مواقفه تجاه القضية الفلسطينية.

   يؤكد العجلوني إيمانه المطلق بأن العرب لا يكون لهم وجود ومَكَنةٌ إلاّ إذا حصّنوا جبهتين في حياتهم هما( جبهة قوتهم العسكرية وجبهة ثقافتهم العربية الإسلامية)، مثل هذا كنت وإياه نتحاور به ونكتبه في مقالاتنا ونختصره أحياناً بأن ما ينبغي على أمتنا فعله هو أن تكون( أمة السيف والقلم)، ونتفق دائماً على ضرورة إدامة القتال لحماية جبهة العقل، حتى لا نركن إلى الاستخذاء فيخاله العدو فينا ضعفاً وخنوعاً.

   وينقل لنا من تاريخنا صفحات مجد وعزة، إذ أثرت الحضارة العربية الإسلامية بشعوب الأرض وظهر أثرها في آداب الكثير من هذه الشعوب مثل تركيا وإيران والعديد من الدول الآسيوية والإفريقية.

  ومن جهة ثانية يضعنا العجلوني أمام تغلغل الأعداء إلى الجسم العربي كالذي بفعله الصهاينة ودهاقنته من خلال ماكنتهم الإعلامية لتشويه صورة العرب، وبالمقابل يتصف العربي بالمروءة والعنفوان وعزة النفس وهذا يحتم علينا أن نرفع راية الجهاد لمقاومة العنصرية الصهيونية وتحرير الأرض منهم.

   ويكتب عن المبادرة العربية للسلام التي يراها نتاج ضعف واستخذاء، في حين يسخرُ منا الأعداء، إلا أن الفلسطيني وحده تحمّلَ عبء المواجهة مع هذا العدو والذود عن القدس وفلسطين التي هي حمى عربية إسلامية.

   ويؤشر العجلوني إلى هزائم العرب أمام العدو وقوبلت بتضحيات الشعب العربي الذي أظهر ضعف الأنظمة، وبرز من جراء ذلك نخبٌ جديدة تؤمن بالحق العربي في فلسطين ومواجهة العدو ومقاومته لإيمان هذه النخب بنوايا العدو الخفية والمعلنة وغير المعلنة لتمزيق الجسم الحضاري العربي الإسلامي.

   وللعجلوني نظرته الثاقبة في شؤون التراث، إذ يرى ضرورة دمج تراثنا بالحياة المعاصرة، على خلاف ما يرى المفكر زكي نجيب محمود في تعليقه وميله لآراء المفكر( هربرت ريد) الذي له آراء في التراث معادية لأمتنا  العربية الإسلامية، ويذهب العجلوني إلى ضرورة الأخذ من تراثنا بما يوافق شريعتنا الإسلامية وفضائل أمتنا العربية.

   ويبحث في واحدة من مقالاته في موضوعة الصراع العربي الصهيوني، إذ يصنع الصهاينة والغرب الذرائع لآلة القتل الصهيونية، ويبدي العجلوني ملاحظاته حول من ينجر وراء تلك المسوغات من المخدوعين العرب، وتحول هذا الصراع من صراع عربي صهيوني ليكون صراعاً فلسطينياً إسرائيلياً، والقصد منه تحييد العرب والاستفراد بالفلسطينيين، والحقيقة التي لا يمكن دحضها هي أن الصراع في أساسه صراع عربي اسلامي مع عدو شرس مدعوم من الغرب المستعمر الكريه.

   ويتحدث العجلوني عن ملمح متصل بتعزيز الروح الوطنية وهو بث الأناشيد التي تلهب مشاعر الناس، ويتساءل: اين هي الأناشيد مثل( أخي جاوز الظالمون المدى) التي غناها محمد عبدالوهاب، ونادى بجمع ( ديوان فلسطين) من قصائد الشعراء العرب وتحليلها ونشرها.

الإسلام:

   عُرِف ابراهيم العجلوني بدقته في القراءة وبوعيه المُدْرِك وتحليلاته الصائبة ولغته القوية الدالّة، فهو غير منقطع عن القرآن الكريم ودروسه وغير بعيد عن علوم الحديث وعلمائه ولا التراث الثقافي العربي الاسلامي، لذلك حين ينظر في كتاب مثل كتاب( دراسات فنية في الأدب العربي) لعبد الكريم اليافي فإنه سيضعنا في محتواه بدقة، هذا الكتاب الذي يبين أن الإسلام عدّلَ المسار الحضاري للشعوب التي انضوت تحت لوائه، وكان له الفضل في رُقي لغاتهم وعلومهم وطبائعهم مثل تركيا وإيران وسواهما من شعوب الأرض، واسترجع صوراً من  عطاء ومآثر علمائهم، وذكر فضل الإسلام على بعض الدول الأوربية مثل إسبانيا..

هذا الحضور القوي للإسلام لم يعجب فرنسا التي طردت أحد مفكريها الذي أسلم حين تبين نور الإسلام وهو( روجيه جارودي) بحجة مناهضته للدولة الفرنسية.

   من هنا واجه العجلوني المهووسين بالحضارة الغربية من العرب والمسلمين وبخاصة من يقول منهم بأن الإسلام ليس البديل الحضاري للغرب الذي ينهار، ويؤكد بأنه البديل لأنه دين سماوي ووعي كوني، له مهمة عالمية وفق ما ذهب إليه العقاد.

   كما ثمّن ما ورد في كتاب شبنجلر ( تدهور الحضارة الغربية) الذي رصد انهيار قيم هذه الحضارة في كل المجالات، لذلك يرى العجلوني بأن أقوى الصيغ وأسلمها للحياة هي الصيغة الإسلامية، كما ينظر في أفكار زعيم البوسنة علي عزت بيجوفيتش الذي يرى أن الإسلام هو مجرد دين سماوي جاء ليضع الناس على الطريق السوي في العقيدة، إلاّ أن العجلوني يؤكد بأن الإسلام هو صيغة بناء وإعمار في الدنيا والآخرة.

   ويرى أن العرب المسلمين أسبق من غيرهم إلى موضوعة حقوق الإنسان، فعمر بن الخطاب يقرر بأن الإنسان حرٌّ من ولادته حتى مماته، في حين يبني البيان الشيوعي لماركس على أن هذه الحرية لا تتأتى إلاّ بالقوة والصراع الدموي، ويذكر العجلوني بأن( البيان الاسلامي) الذي أصدره مؤتمر الوسطية الإسلامية سنة٢٠١٦ ــــــ وكان للعجلوني الفضل صياغته ــــــ تضمن ست مواد هي( وحدانية الله تعالى، مقاصد الشريعة في حفظ حقوق الإنسان بالعقل والنفس والدين والعرض والدين، الأرض كلها جيرة واحدة، وقف أسلحة الدمار الشامل، تأسيس هيئة عالمية للنكبات والجوائح، والمحافظة على البيئة الطبيعية).

   ولا يفوت العجلوني أن يذكّر بقضية مسلمي القرم الذين تلقوا من البلاشفة وعوداً بتحسين أحوالهم، وبدلاً من ذلك نكّلوا بهم قتلاً وتهجيراً، ولم تنجُ من هذا المصير الجمهوريات الإسلامية الأخرى.

اليهود:

   هم العدو وبكل الأسماء الدالة عليهم( إسرائيليين، وصهاينة) لهم صورة ثابتة عند العجلوني مرتبطة بالإحرام والدمار ونقض المواثيق والعنصرية والكراهية وعداوة الشعوب، وهم جسم غريب في فلسطين زرعه الاستعمار وسخر كل شيء لدعمه وابقائه حياً ومؤذياً.

   وتنوع حديث العجلوني عن اليهود لكنه يُجملُه دائماً إجمال المفكر الملم لا حديث المستعجل المنفعل المُسِف، فهو ممن تطاوعت له اللغة وانساقت بين يديه الأفكار من مكامنها العزيزة، فيأخذنا دون ملل إلى جُدُرِ اليهود وقراهم المحصنة لنرى من كيدهم ما أغضب وجه الله، ونقف على الظاهر منه والخفي، وتُعدُ الجاسوسية ديدنهم منذ كانوا ولهم فيها أفانين ومسالك.

   ويبين لنا أن ما حمل اليهود إلى التخفي هو أنهم يعرفون بطبيعة وجودهم مصطنع، وإن هذا الوجود لا يدوم إلاّ بشن الحروب، أما ما يسمى بالسلم فهم له تاركون ولا يسيغونه، وهو عندهم مجرد هدنة موقوتة، فبات من المحتوم مقارعتهم بالجهاد.

   ويقارن العجلوني بين نهج النازيين ونهج اليهود، فشارون وجه قبيح لهتلر، ويستدل على قبحهم وإجرامهم بما يقوله البير كامي في كتابه( الوعي المتمرد) بأن الزعيم النازي قد صوّر للألمان بأن عدواً ما يتربص بهم ويجب الاستعداد لمواجهته والقضاء عليه، وسار على دربه شارون وأضرابه من قادة الكيان الصهيوني، ويرى العجلوني بأن أسباب الحربين العالميتين من صنع الصهيونية كجزء من هذا النهج.

   كل هذه الحروب التي تشنها إسرائيل هي نابعة من إحساسهم بأنهم كيان دخيل، وبأنها غير مقبولة في المنطقة، وقالوا ذلك لإدامة الحرب والتوتر، ويقول بعض الضعاف من العرب وغير العرب( بأنها تعرف ما تريد), وهي في حقيقتها قد تمكنت من اختراق البيت الأبيض ووجهت سادته لتنفيذ أغراضها الخبيثة، ولأنها تزرع الكراهية وتسفك الدماء في المنطقة فهو مؤشر بأنها  تدق المسمار في نعشها، فالبقاء الأدوم لا يكون إلاّ بالحب.

   ويفتح العجلوني بروتوكولات حكماء صهيون ويُجمل ما فيها بأن الصهيوني يريد تحطيم عدوين يعترضان طريقه هما( الإسلام والكاثوليكية)، ويناقش ما قاله أحد مفكري اليهود( افنيري) في محاضرته التي عنوانها( الحرب والسلام كحالة نفسية)، ويرى من خلالها أن اليهودي يُسوِّغ لنفسه احتلال فلسطين باعتبارها أرضًا خالية من السكان، واليهود شعب بلا أرض، ويرد العجلوني عليه بالحجة الداحضة بأن فلسطين أرض عربية اسلامية ويسكنها الفلسطينيون منذ آلاف السنين وقبل اليهود بزمن طويل.

    أما السلاح النووي الذي يمتلكه اليهود فقد حصلوا عليه من أوروبا وأمريكا، فقد زودتهم بريطانيا بالمواد الثقيلة خاصة، وهو سلاح مُوجه لردع العالم الإسلامي.

   وركز العجلوني على الماكنة الإعلامية الصهيونية التي وظّفت كل إمكاناتها الخبيث للتحريض على العرب والمسلمين بحيث بظل منحنى العداوة ضدهم صاعداً عند الغرب، وهذا ما يدفع بالمقاومة الفلسطينية بتأجيج تأثيرها وإيلامها  لردع اليهود وكبح آلة دمارهم.

   يعتمد اليهود على التلمود في غياب دستور خاص بهم، فهم فيه يعتمدون على روايات وحكايات يشوبها الخيال والوهم، وجُلُّ ما ورد في التلمود هو صناعة للكراهية وعداوة الشعوب وأولهم العرب والمسلمون وبخاصة في فلسطين، وحذوا فيه حذو  النازية في عنصريتها الاستعلائية.

  ويقرأ العجلوني مضامين خطاب أحد البابوات وكان قد ألقاه في أمريكا، ويضع أصابعنا على جهل هذا البابا بالإسلام وبنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، ومنه يكشف عن دور الصهيونية في مثل هذا الخطاب وغيره، وي مدى تأثرها بأوهام المدرسة الغنوصية العرفانية( القبالا).

   وتُجدد الصهيونية ثوبها كما يرى العجلوني في كل انتخابات أمريكية سواء أكانت الغلبة للحزب الجمهوري أم الحزب الديمقراطي، وقد تمكنت مع مرور الزمن من توجيههما لتبادل الوقوف معها بدون تبصر، ومثل ذلك تفعل الدول الأوربية.

    ويحقق العجلوني في دعاوى الصهيونية( الصقور والحمائم)، ويرى أنهم كلهم صقور في احتلالهم لفلسطين والبطش بأهلها وتدمير الوجود العمراني الفلسطيني وتهجيرهم، لأن غايتهم هي الحرب والإجرام، ويسترجع العجلوني فصولاً من التاريخ يثبت فيه أن نهج اليهود مُؤذنٌ بزوالها، مثل ما أصاب الرومان والصليبيين والاستعمار فغابت من الوجود دولهم وصولاتهم، وإسرائيل مثلهم لأن ذلك مصير كل جسم غريب غير قادر على التواءم مع نسيجنا الحضاري الكوني الذي يبني الحياة بالمحبة والسلام لا بالدم والكراهية واستعباد الشعوب وتدمير البلدان.

   وقرأ ما كتبه الدكتور موسى الكيلاني عن صندوق الأسرار اليهودية/التابوت) وكان اعتقاد اليهود أنه تحت المسجد الأقصى المبارك، فحفروا سنين ولم يجدوه، وعادوا إلى كتبهم فاستلموا إشارة من سفر ارميا بأن هذا الصندوق في كهوف جلعاد في السلط، فتجنّد لمهمة العثور على الصندوق ثلاثة حاخاماتهم جاءوا من أوروبا وأمريكا إلى السلط وعرضوا على أهل كهوف جلعاد ما يطلبون من مال في سبيل بيعهم الكهوف، لكنهم رفضوا رفضاً قاطعاً ليقينهم بغايات اليهود الخبيثة، ويرى العجلوني أن كل ما ذهب اليهود هو محض وهم، لذلك من السهل عندهم أن يدسوا صندوقاً مزيفاً في هذه الكهوف ويعلنون عن اكتشافه في سبيل تصديق زعمهم، ويدّعون حينئذٍ بأن جلعاد هي من أرض إسرائيل.

أمريكا:

   ويتعمّق العجلوني في الداخل الأمريكي ليقف على طبيعة هذا المجتمع وتفاصيله وكيفية قيامه ومكامن القوة فيه والفساد، وماذا يُكِنّون للعالم الذي يجدون أنفسهم أقوى منه، الأمر الذي جعلهم يعلنون بأن أمريكا سيدة العالم الأولى، وهذا المجتمع وساسته حين يتحدثون عن الفساد في العالم فإنهم لا يرون في الفساد إلاّ ما يظنون أنه يضرب أمنهم القومي ويضعف منجزهم الحضاري فيقاومونه بعنف وتدمير.

   وبدْءاً من فلسطين فإن أمريكا شريكة لإسرائيل في ضرب أبناء فلسطين وقتلهم من خلال السلاح الحديث والسيطرة على القرارات الدولية المناهضة للصهيونية.

   والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف تغلغل اليهود للداخل الأمريكي وسيطروا عليه، وإن ما كتبه العجلوني في هذا الصدد ليدل على نظر المفكر الحكيم إذ رأى أن الأمريكان أخضعوا انتخاباتهم بجانبها السياسي للجانب الاجتماعي حتى لا يتغول السياسي على الاجتماعي، من هنا يتسنى للصهيونية الدخول بقوة واندفاع والتأثير في التفاصيل الاجتماعية الأمريكية ومن مفرداتها المال والإعلام والمرأة والدراما وحقوق الإنسان التي من شأنها إخضاع الإدارة الأمريكية السياسية لغاياتهم بواسطة( لوبيات) مهيمنة تملك القدرة بأذرعها المختلفة لخدمة مصالحهم حول العالم وتدعيم كيانهم الصهيوني الغاصب في فلسطين.

   والعرب إذ يطلبون من الأمريكان أن ينظروا إلىقضية الصراع  العربي الاسرائيلي بعين فإن اللامعقول الاسرائيلي يواجه ذلك بعنف.

   والأمريكان وفق ما يرى العجلوني يقيمون سياساتهم على ثوابت لا يتجاوزنها وهي الوحشية والإجرام باعتبار أنهم قوة عظمى وقد وقر في خَلَدِها أن ما يقع اضطرابات في دول العالم يضخّم من المخاوف في داخلهم، وفي الذهن عندهم الصين وكوريا الشمالية وإيران ودول أسيوية وأوروبية وكذلك روسيا، وترى أمريكا أن هذه الدول مراكز انفجار قد تحدث في أي لحظة.

    ومن الخطأ وفق العجلوني الاعتقاد بأن امريكا تسعى لحل سلمي إنساني في عالمنا العربي الإسلامي وبخاصة في فلسطين، والخطأ الأكبر هو مظنة أن نرى امريكا حارسة للديمقراطية وحقوق الإنسان طالما أن الصهيونية تسيطر على مقاليد القرار الأمريكي.

    ويرى أن العقل الأمريكي غارق في الخيال وعاجز عن تصور الأشياء، والدليل هنا تضخيمهم لصورة ابن لادن وجعلها أسطورة للرعب والإرهاب، كل ذلك من أجل ضرب العالم العربي الإسلامي.

ويعود العجلوني إلى ما يقوله سياسيو أمريكا ومنظروها مثل( ديك تشيني) بقاعدته المعروفة ب( نسبة١٪) وما قاله بريحنسكي عن أيران في مقالته التي حملت جانبين ظاهرها مقبول وباطنهما شر عظيم، كما لاحظ العجلوني جملة من التناقضات في الخطاب الأمريكي بين الساسة والكتاب مثل( توم هيدن) وأوهام رامسفيلد التي تنبثق من قناعات صهيونية، كما يقارن بين النموذج الفيتنامي في مشوار التحرير، إذ كان الفيتناميون حريصين على الكتمان في كل أمور تحريرهم من الاستعمار الأمريكي، أما النموذج العربي فلا يعرف إلاّ الضجيج وفضح المستور.

   وتحدث العجلوني عن الفوضى البناءة أو الخلاقة التي تصب أولا وآخراً في أهداف الصهاينة..

   والعجلوني في كتاباته يزرع الامل في الآتي بأن الأمة العربية الإسلامية ستنهض ذات يوم لأنها نتاج دين كوني يجمع بين الوعي الديني والوعي الكوني كما يقول العقاد، وما سوى ذلك إلى زوال.

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *