الإهداء

الإهداء 

لينـا كيـلاني 

 

إهداءات الكتب ..إهداء المؤلف كتابه في الصفحة الأولى.. من ثم ما مصير الكتب المهداة برأيك..؟. هل الإهداءات مجاملة؟.. وهل تدخل حفلات توقيع الكتب ضمن إطار الإهداءات أم المجاملة، والنفاق الأدبي…؟ ترويجية ..أم …
يعتقد القارئ أن الكتاب يكتسب قيمة إضافية إذا ما مُهر بتوقيع كاتبه.. لتكتسب بالتالي الإهداءات قيمتها، وخاصة عندما يمثل الكاتب قدوة لقارئه، أما الصفحة الأولى التي تحمل التوقيع فقد تدفع مقتني الكتاب لأن يحرص على ألا يفقد ذاك الكتاب حتى لا يفقد معه ذلك الشعور من أن الكاتب يهتم لأمره إلى درجة أنه كتب له عبارة رقيقة هي إهداء منه مخصصاً له، وحتى لو اضطر لأن يتخلى عن الكتاب الذي يحمل توقيع الإهداء فإنه لن يتخلى عن صفحته الأولى تلك.
إلا أننا كثيراً ما وجدنا كتباً تحمل إهداءات مؤلفيها مرمية في (بسطات) الكتب (المستعملة) زهيدة الثمن تنتظر مَنْ يأتي ليلتقطها، والإهداء الأول مازال ملتصقاً بحبره بها، ظاهرة شاعت في فترة ما، وانتشرت على الأرصفة مخلفة حسرة في قلوب المؤلفين الذين جرت أقلامهم في كتابة إهداءات شتى على أمل أنها تحفز على قراءة الكتاب، وهذا الأمر دفع بدوره كثيراً من المؤلفين أن يتريثوا في اندفاعتهم قبل أن يتورطوا في إهداء كتاب قد يجد مصيره بين كتب مهترئة على الأرصفة.
ولا أستغرب الاستغناء عن كتبٍ مهما بلغت قيمتها الفكرية إذا ما كانت لا توافق ذائقة القارئ الثقافية حتى لو زينتها في صفحتها الأولى عبارات يهديها مؤلفها لزميل، أو لعابر سبيل، ومن بعض إهداءات الكتب ما يمكن أن ندرجه تحت مسمى النفاق الأدبي عندما تستدعيه الضرورة، ولا يكون الحبل موصولاً بين الكاتب وقارئه، ليصبح هذا النفاق وكأنه استدراج للقارئ، أو دعوة له ليقبل على قراءة النص المطبوع.
كما أنه ليس أدعى إلى الخيبة من إهداء المجاملة الذي قد يجده مَنْ أُهدي له كتباً أنه لا ينتمي إليه، وكان يتوقع من مؤلفه أن يخصه بكلماتٍ ربما فيها الامتداح، أو الثناء، لتصبح المجاملة من دون أي قيمة، وكأن الصفحات عارية منها.
أما حفلات التوقيع، وأنا عموماً لا أحبذها، بل لا أحبها، لأنني أجدها دعوة صريحة لشراء الكتاب، وترويجه، وتسويقه على حساب مَنْ يُدعى لتلك الحفلات حتى ولو لم تكتمل القناعة حول المضمون الفكري لذلك الكتاب، أو أنه نوع من الإحراج اللطيف. إلا أن الجمهور الذي يُقبل من تلقاء ذاته إلى حفل توقيع بعينه ليقتني كتاباً بعينه أيضاً فسوف يخرج به وهو يمتلئ سروراً بأنه قد فاز بتوقيعٍ من المؤلف، وكأنه فاز بكتابٍ قد كُتب خصيصاً له.
وأظن أن على الكاتب أن يُقدّر قيمة كتابه لأنه التعبير الحقيقي عن القيمة الذاتية للكاتب نفسه فلا ينثر كتبه بالمجان هنا وهناك في محاولة للترويج لشخصه، والدعاية لإنجازه المطبوع، ولتبقى الإهداءات لمن يبحث عنها، أو يقدّر قيمة الكتاب، وكاتبه.
الإهداء عموماً يشبه القصة القصيرة جداً فإذا لم يكن صاحبة مشحوناً بما يكفي لأن يكتب ما يختصر مضموناً ما، يكثفه في بضع كلمات ليجد بالتالي صداه عند من يتوجه له الإهداء فإنه سيخرج باهتاً لا لون له، ولا صفة تميزه، ولا يضيف إلى الصفحات صفحات من الارتباط بالنص، وبمؤلفه.
حادثة بريئة، نقية نقاء الطفولة، لعلّ ما يشبهها تكرر معي، إلا انها هذه المرة وصلتني مباشرة، وصريحة، فصديقي (يوسف) اليافع المتفتح للحياة، والمتلهف للقراءة باستمرار، وبعد أن أهديت له بعضاً من رواياتي، وكتبت على واحدة منها إهداءً له، وصلتني منه رسالة يخبرني فيها أن صديقه الذي استعار منه ذلك الكتاب ليقرأه لم يصدق أن صفحته الأولى ممهورة بإهداءٍ، وتوقيعٍ من كاتبته!.. وعند هذه الحادثة الصغيرة أتوقف لأقول: إن إهداء أي كتاب إذا لم يكن في موقع تقديرٍ فلا قيمة له.

  • عن ملحق جريدة الثورة – سوريا

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *