بيروت صانعة للحداثة

بيروت صانعة للحداثة

حسن مدن

بعد نشر مقالي، قبل يومين، عن مدن الحداثة، وإشارتي إلى بيروت، كإحدى الحواضر العربية، التي صنعت الحداثة العربية، طالعت خبراً عن معرض عنوانه: «بيروت 1840 – 1918»، سيفتتح في العاصمة اللبنانية قريباً، ويقدّم، عبر الصور الفوتوغرافية والخرائط، جوانب من تاريخ المدينة، وينقل الخبر تصريحاً للمؤرخ اللبناني بدر الحاج قال فيه: «إن المعرض تجسيد لمرحلة تاريخية عاشتها بيروت، ومآس مرت عليها خلال فترات زمنية، وما طرأ من تحولات ودمار خلال الحرب الأهلية»، مشيراً إلى أن المعرض يعكس تفاصيل الحياة في لبنان، وما تميزت به بيروت من طبيعة وبنية عمرانية، إضافة للأبواب والحارات.

ثمة التفاتة مهمة في تصريح الحاج عن علاقة الناس في تلك الفترة بالطبيعة والأشجار، وهو ما انعكس في تسميات الأحياء والأزقة التي لا تزال موجودة حتى الآن في بيروت، كأحياء الجميزة، الزيتونة، التينة والصنوبرة، وهو أمر له دلالته أمام انحسار المساحات الخضراء في عالمنا العربي عامة.

سيعرفنا المعرض على الفرق بين بيروت الماضية وبيروت الراهنة التي دمرتها الحروب والتدخلات الخارجية، وليس خافياً تزامن العصر الذهبي لبيروت، ثقافياً وفنياً، بوصفها صانعة للحداثة ورافعة لها مع تبلور الهوية الوطنية اللبنانية، التي احتوت المكوّنات المختلفة للمجتمع في كيان وطني واحد، صنع القواسم المشتركة بين أبنائه وطوائفه، وترافق ذلك مع تعزز البعد العروبي في المجتمع اللبناني، الذي أعطى لبنان مكانته ودوره العربيين.

ولن يستقيم الحديث عن تاريخ الحداثة العربية دون الوقوف على الدور التنويري المهم الذي أدته بيروت في صنع ميراث هذه الحداثة وتقاليدها، لا لبصفتها مطبعة العرب، كما يردد أحياناً، رغم حيوية الدور الذي أدته دور النشر اللبنانية منذ وقت مبكر في طباعة وترجمة الأعمال الأدبية والفكرية المهمة للمبدعين والمفكرين العرب، وحيث كان لمناخ الانفتاح وحرية النشر دوره الكبير في تعميم المؤلفات والكتب الحاملة لأفكار الحداثة، وإصدار الدوريات التي كانت رافعة للمدارس الحديثة في الشعر والنقد والسرد وفي الفكر، وإنما لأن بيروت، ولبنان عامة، قدّم للعرب وجوهاً بارزة في التجديد الثقافي والفكري والفني، فهو ولّاد للمبدعين، أدباً وفكراً وموسيقى وغناءً، الذين تجاوزوا في صيتهم وأهمية ما أبدعوه نطاق لبنان الجغرافي، ليبلغوا الفضاء العربي كاملاً، ولعبت بيروت دور المصهر للفكر والسياسة والفن، تتجاذب وتتقاطع فيه التجارب والأفكار.

* عن الخليج

شاهد أيضاً

قراءة في رواية ( قناع بلون السماء ) لباسم خندقجي

(ثقافات) قراءة في رواية ( قناع بلون السماء ) لباسم خندقجي ( ثيمة الملامح) زينب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *