إحياء ذكرى أ. د. ياروسلاف ستيتكيفيتش (١٩٢٩-٢٠٢١)

(ثقافات)

 

“الشعر حياتي”

إحياء ذكرى أ. د. ياروسلاف ستيتكيفيتش  (١٩٢٩-٢٠٢١)

تُوفي الأستاذ الدكتور ياروسلاف ستيتكيفيتش، أستاذ متقاعد للأدب العربي في جامعة شيكاغو، في ١٢ من يونيو\حزيران ٢٠٢١ في مستشفى جامعة جورج تاون في واشنطن بعد فترة مرض قصيرة.
وُلد ياروسلاف قسطنطين ستيتكيفيتش في ٢٥ أبريل\نيسان عام ١٩٢٩ لأبيه فولوديمير ستيتكيفيتش، الذي كان يعمل قاضياً في المحكمة العليا، ولأمه آنا ميديكي، في قرية أسلافه بوركانيف، بأوكرانيا، حيث قضى معظم طفولته المبكرة. بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية، وجد نفسه لاجئاً في مدينة غوتنغن الألمانية حيث بدأ دراسته الثانوية في مدرسة Statsgymnasium، ثم أكملها في المدرسة الثانوية الأوكرانية Ukrainian Gymnasium في بيرشتسغادن في ١٩٤٧، وبعدها في المدرسة الألمانية في ميونخ في ١٩٤٩. بدأ دراسته الجامعية في جامعة مدريد في إسبانيا حيث نال شهادة ليسانس مع أعلى درجة تقدير في فيلولوجيا اللغات السامية عام ١٩٥٩. وخلال ذلك الوقت درس في برنامج الدكتوراه في الأدب العربي في جامعة القاهرة (١٩٥٧-١٩٥٨). ففي عام ١٩٥٩ حاز على منحة من مؤسسة روكفلر لمتابعة دراسته في اللغات السامية وآدابها في جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأمريكية.
في جامعة هارفرد، درس الدكتور ياروسلاف الأدب العربي على يد السير هاميلتون غيب ونال شهادة الدكتوراه عام ١٩٦٢. عمل أستاذاً للأدب العربي الكلاسيكي والحديث والنحو وعلم اللغة في قسم لغات الشرق الأدنى وحضاراته في جامعة شيكاغو من عام ١٩٦٢ حتى عام ١٩٩٦. فقضى سنوات تقاعده المبكرة في مدينة بلومنجتون في ولاية إنديانا حيث انصرف إلى البحث والكتابة. في عام ٢٠١٢، انتقل مع زوجته الدكتورة سوزان بينكني ستيتكيفيتش إلى مدينة واشنطن، عاصمة الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تعيينه باحثاً منتسباً لدى قسم الدراسات العربية والإسلامية بجامعة جورج تاون.
امتدت اهتمامات الدكتور ياروسلاف البحثية ومنشوراته إلى اللغة العربية الكلاسيكية والحديثة وأدبها، مع انخراطه العميق في الشعر العربي. كما تطور عمله في اللسانيات العربية وفقه اللغة ابتداءً من كتابه عام ١٩٧٠، اللغة الأدبية العربية الحديثة: التطورات المعجمية والأسلوبية، ليشمل دراسات تتراوح من اللغة العربية المعاصرة على خشبة المسرح، إلى تأويل المصطلحات التفسيرية القرآنية الكلاسيكية، وشعرية وسيميائية التسميات الحيوانية في القصيدة الكلاسيكية. وكان ناقداً جريئا للاستشراق التقليدي، كما يظهر جلياً في المحاضرة التي ألقاها في جامعة أكسفورد في عام ١٩٦٧ بعنوان: “الاستعراب والأدب العربي: نظرة ذاتية لمهنة”. وقد نشرت هذه المحاضرة مع أخرى ألقاها في مؤتمر ليفي دلا فيدا عام ١٩٧٩ مرفقة بترجمة عربية في كتاب بعنوان الشعر العربي والاستشراق عام ٢٠٠٤.
أما أبرز مساهمات الدكتور ياروسلاف فإنها دراساته للغنائية والجمال في التراث الشعري العربي، والتي تجلى في كتبه الذائعة: صبا نجد: شعرية الحنين في النسيب العربي الكلاسيكي، ١٩٩٣، وكتابه، محمد والغصن الذهبي: إعادة بناء الأسطورة العربية،١٩٩٦، والذي قام فيه بدمج دراسة الأسطورة العربية والإسلامية في المجالات الأوسع لدراسات الأساطير والأديان المقارنة ، وكتابه الصيد في الشعر العربي: من البطولية إلى الغنائية إلى الميتاشعرية، ٢٠١٥، والذي تتبّع فيه ظاهرة الاستمرارية والانقطاع في غرض الصيد ونوع الطردية في الشعر العربي عبر العصور ابتداءً بالقصيدة الجاهلية و انتهاءً بالشعر الحر الحديث.
كانت مساهماته الأخيرة في الأدب والثقافة العربية عبارة عن مقالين: الأول بعنوان “عينية أبي ذؤيب الهذلي: الرثاء وإنجاز التمثيل (Allegory) في الشعر العربي القديم”، نشر عام ٢٠٢٠. أما الثاني، بعنوان “المجال الشخصي والمجال العام في أعمال المفكر المصري يوسف زيدان: رواياته ومقالاته”، فنشر في مارس ٢٠٢١. وفي عام ٢٠١٩ حصل مع زوجته سوزان ستيتكيفيتش على جائزة الشيخ زايد المرموقة للكتاب: جائزة شخصية العام الثقافية (أبو ظبي، الإمارات العربية المتحدة).
كان الدكتور ياروسلاف مخلصا وفيا للعائلة والأصدقاء والزملاء والوطن. وحظي بحياة طويلة كريمة، وصحة جيدة. وامتدت شبكة أصدقائه وطلابه وزملائه عبر العديد من الدول والقارات والأجيال. ولكونه لاجئا ومسافرا حول العالم فقد أتقن العديد من اللغات، وزار وعاش في العديد من البلدان. وبعد وطنه أوكرانيا، كانت مصر أعز البلدان إلى قلبه. وكانت آخر رحلاته إلى أوساكا، وكيوتو، وفيينا، وبازا (في إسبانيا)، وأبو ظبي، والمنستير. أما زيارته الأخيرة للقاهرة فكانت في شتاء ٢٠١٩-٢٠٢٠.
وقد سبقه في رحلته الأخيرة شقيقه المرحوم الدكتور ألكسندر ستيتكيفيتش وشقيقته المرحومة بوهدانا ميلنيشوك. وقد خلّف وراءه المحزونين عليه: زوجته الدكتورة سوزان بينكني ستيتكيفيتش؛ وولديه من زواجه الأول: جورج ستيتكيفيتش وزوجته جودي دانسكومب، وجونزالو ستيتكيفيتش وزوجته ليليان رانجل؛ وأبناءه من زواجه من الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش: جوليان (غيلان) وزوجه ريتشارد ستيفنسن، وقيس وزوجته ماريا أوسيرو بيرناس، وخالد؛ وأحفاده الخمسة: أليسا وكاثرن ونيكولاس وروبرت وأندرو.

لمؤلفات الدكتور ياروسلاف ستيتكيفيتش انظر:

https://chicago.academia.edu/JaroslavStetkevych

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *