“نجوم الشمال”.. محمود الريماوي يقدّم شهادات في مبدعين عرب
بديعة زيدان
“عرفت غسان في بيروت، وكنت في العشرين من عمري، وكان هو في ربيعه الثاني والثلاثين، وبيننا جبل من الفوارق في التجربة. ولم يمنعه ذلك من المبادرة بمد خط إخاء ومودة نحوي، ودون سابق معرفة شخصية.. فاجأني ذلك ومنحني ما يحتاجه الشاب اليافع من الثقة بالنفس ومن اعتراف به، فتح لي صفحات ملحق الأنوار الثقافي، الذي كان يرأس تحريره، وبتسهيل من مدير تحرير ذلك الملحق الشاعر روبير غانم، ثم اصطحبني معه إلى (الهدف)، محرراً ثقافيّاً للمجلة الأسبوعية التي أدارها، وبقيتُ فيها لنحو سنتين”.
كان هذا شيئاً ممّا جاء في شهادة القاص والروائي محمود الريماوي، حول الروائي والمناضل الشهيد غسان كنفاني، من بين “شهادات في حق مبدعين عرب”، نشرها تحت عنوان “نجوم الشمال”، حديثاً، عن “الآن ناشرون وموزعون” في العاصمة الأردنية عمّان.
وبالإضافة إلى كنفاني، اشتمل الكتاب على شهادات عن: إبراهيم أصلان، وأحمد إبراهيم الفقيه، وإلياس فركوح، وأمجد ناصر، وأمين شنّار، وتيسير السبول، وخيري منصور، ورسمي أبو علي، وسعدي يوسف، وسعيد الكفراوي، وصلاح حزيّن، ومحمد العبد الله”.
وأشار الريماوي في تقديم كتابه هذا إلى أن جمع هذه الشهادات التي كتب جلها في أعقاب رحيل أصحابها ممّن تربطه بهم صداقات وعلاقات مباشرة، يأتي من باب إفادة “من لم يطلع على أعمال هؤلاء الأدباء ذوي الأهمية في المشهد الثقافي العربي”، مؤكداً أن شهاداته هذه “لا تخلو من لمسات شخصية في التناول”.
وممّا جاء في شهادته عن إبراهيم أصلان: توقف عن التدخين، لكنه كان يجامل صديقاً له مثلي فيدخن من علبته سيجارتين أو ثلاث، وهو ما فعله، وقد تجاورت جلستنا في عزاء الشاعر محمد عفيفي مطر في أحد المساجد الكبرى في القاهرة.. كنا نتحدث من بين أمور أخرى عن الموت وغرائبه، وارتفاع كلفة مراسم التشييع والعزاء، وسوى ذلك من متعلقات الوفاة، وكان يقول من تحت شعرات شاربه الكث، وهو يكتم ابتسامة: “ده اللي اسمه موت وخراب بيوت”.
وكشف الريماوي في “نجوم الشمال” عن الأصول اليونانية للروائي الأردني الراحل إلياس فركوح، مرجحاً أن أسلافه قدموا إلى شمال الأردن في سنوات حكم الإمبراطورية العثمانية، وتحديداً في القرن التاسع عشر، وأن الشاعر الأردني أمجد ناصر استهل حياته “راديكالياً في السياسة، وفي الشعر الأول الذي لم يجمعه لاحقاً”، وكيف اختار الشاعر والروائي الأردني تيسير سبول بداية الانضواء في خط قومي عربي (بعثي)، متحدثاً بإسهاب، وبكشوفات كثيرة حول “القاتل القتيل” شخصاً وأدباً ومفكراً ومناضلاً من طراز خاص، كما لفت إلى اعتزال رسمي أبو علي الكتابة بعد كتابه “ينزع المسامير ويترجل راحلاً، ليبتعد عن “مساومات أصحاب دور النشر”.
وعبر شهادته عن أمين شنّار، سلط الريماوي الضوء على تجربة مجلة “الأفق الجديد” التي صدرت في القدس العام 1961 نصف شهرية ما لبثت أن تحولت إلى شهرية، وقد ترأس الشنّار تحريرها قبل أن يتم الثلاثين من عمره، لافتاً إلى رياديّة هذه المجلة على أكثر من مستوى من بينها إطلاق إبداعات العديد من الأدباء على ضفتي نهر الأردن، وتسليط الضوء عليها، ومن أبرزهم: يحيى يخلف، ومحمود شقير، وخليل السواحري، ومحمد القيسي، وعز الدين المناصرة، ووليد سيف، وحتى “القاصرون”، وقتذاك، بالمفهوم السِّني لا الإبداعي، ومن بينهم: ماجد أبو شرار، وصبحي شحروري، وفخري قعوار، وغيرهم، معرجاً على التحربة الشعرية لشنّار نفسه.
جدير بالذكر أنه رافق شهادته عن كل مبدع عنوان تدليلي أو وصف للمُتناول فيما كتب، فكان “غياب النيل” عن إبراهيم أصلان، و”الراحل في خضم المعارك” عن أحمد الفقيه، و”حيوية كائن ثقافي” عن إلياس فركوح، و”الغضب يليق” عن أمجد ناصر، و”الوجوديّ المؤمن” عن أمين شنّار، و”بطل من ذلك الزمان” عن تيسير السبول، و”الجميل الذي أكلته الصحافة” عن خيري منصور، و”مبدع كرّمته المقاهي التي أحبها” عن رسمي أبو علي، و”ابن الحياة وحليف المنافي” عن سعدي يوسف، و”شمس الابتسامة” عن صلاح حزيّن، علاوة على عنوان مقالات كـ”رسالة متأخرة إلى سعيد الكفراوي”، و”محمد العبد الله: الحياة لم تحتفل بشاعرها”، و”غسان كنفاني.. حياة ممتلئة وسحر شخصي”.
الحديث عن “نجوم الشمال” يطول لما فيه من تفاصيل وكشوفات مهمة عن مبدعين عرب، جميعهم في مجالات الإبداع العربي، ما يشكل مرجعاً مهماً للباحثين والمهتمين والكتاب والنقاد، مع الإشارة إلى أن “نجم الشمال يقع قريباً جداً من محور دوران الأرض حول نفسها، ولذا فهو دائم الظهور، ولكونه يقع في الشمال دائماً، فهو مهم جداً لمعرفة الاتجاهات”، وهو ما يرمز به الريماوي لمن كتب شهاداته عنهم وعن إبداعاتهم في هذا الكتاب.
- عن الأيام الفلسطينية