الروائي يحيى يخلف يستعيد شيئاً من ذكرياته في إربد وعنها

في شهادة ضمن فعاليات مؤتمر الرواية الأردنية

يحيى يخلف يستعيد شيئاً من ذكرياته في إربد وعنها

كتبت بديعة زيدان:

“عندما حدثت النكبة، هاجرتْ عائلتي إلى شمال الأردن القريبة من البحيرة، فمن بلدة أم قيس هناك إطلالة على طبريّا، إطلالة على بلدتي سمخ.. يمكن أن ترى شاطئ البلدة، ويمكن أن تحمل لك الريح رائحة هوائها.. لوالدي علاقات مع شخصيات مهمة في قرى شمال الأردن باعتباره من كبار المزارعين في سمخ، وبينه وبين كبار الشخصيات زيارات متبادلة.. مررنا في رحلة الهجرة في بلدة (الحمّة) ذات الحمامات المعدنية ثمّ عبرنا نهر اليرموك إلى قرية (المخيبة)، ثمّ صعدت بنا العربة إلى مرتفعات مؤدية إلى قرية (أم قيس)، حيث توقفت قافلتنا التي تضم الوالد وأخوتي والنساء والاطفال وأنا واحد منهم.. توقف الجمع فيها طويلاً، ولعلّه كان بإمكانهم أن يشاهدوا من أعالي (جدارا) قريتنا سمخ والبحيرة.. نمنا ليلة واحدة ثمّ استمرت القافلة في طريقها إلى محطتنا الأولى، وكانت في قرية ملكا.. لم يذهب الوالد الى مخيمات وكالة الغوث لكنّه سجّل اسمه واسم افراد العائلة في سجلات الوكالة.. إخوتي وجدوا عملاً في مدينة إربد، وبعد عامين انتقلت العائلة كلها إلى المدينة، بعد أن استقر وضعهم، وبنوا بيتاً كبيراً من عدة غرف فيها”.

كان هذا شيئاً ممّا قاله الروائي يحيى يخلف، في إطار تقديم شهادة إبداعية في جامعة اليرموك بإربد، ضمن فعاليات الدورة الثامنة من مؤتمر الرواية الأردنية، أول من أمس.

“تم تسجيلي في عمر السادسة في مدرسة وكالة الغوث بمخيم إربد.. كانت المدرسة عبارة عن مجموعة خيام.. لم يكن هناك مقاعد.. كنّا نجلس على حصيرة وكانت أمامنا السبّورة.. كانوا يوزعون علينا حبوب زيت السمك وعند الظهيرة يقدّمون لنا وجبة من البيض المُجفف.. لم تكن الخيام تصمد أمام الرياح، وفي أيام الشتاء القاسية كانوا يعيدوننا إلى بيوتنا.. شتاء العام الثاني كان قاسياً.. تساقطت الثلوج، ودمرت الخيام، وعدنا الى بيوتنا ونحن نرتجف.. بعد يومين طلبوا منّا العودة، وكان هناك خيّاط يأخذ مقاساتنا كي يصنع لكل منا معطفاً من البطانيات”.

واستعاد يخلف شيئاً من ذكرياته في إربد التي سكنها، والتي أطلق منها شهادته هذه، بقوله: انتقلتُ بعدها الى مدرسة حكومية، وكانت نقلة نوعية أدخلت الى قلبي الفرح والسرور.. حينها بدأ يتفتّح وعيي.. كانت إربد مدينة صغيرة، لكنها مدينة ثقافة، حيث كان بها مكتبة عامة تابعة للبلدية، ومدارس تُعنى بالثقافة، ومدرسة خاصة تصدر مجلة ذات طابع ثقافي (مدرسة العروبة)، وكان رئيس تحرير المجلة الشاعر وحيد سليمان.. كان في إربد مكتبات خاصة تبيع الكتب والمجلات، وفيها كتاب وشعراء، ومنهم: الشاعر الكبير مصطفى وهبي التل (عرار)، والشاعر عادل الروسان، والشاعر مصطفى السكران.

“عندما كنت في الصف السادس تعلقت بالقراءة.. أخي بشير أهداني كتابين: كتاب (دمعة وابتسامة) لجبران خليل جبران، وديوان إبراهيم طوقان، وكانت تلك البداية.. سحرني كتاب جبران، وأحببت قصائد إبراهيم طوقان.. حفظتُ عن ظهر قلب بعض قصائده الوطنية”.
واستذكر يخلف: شكلت تلك الحادثة بداية تعلقي بالقراءة، واقتناء الكتب، وترددي على مكتبة البلدية.. كان هناك أيضاً باعة الكتب على الرصيف، أتذكر منهم: عطيّة والزرعيني.. كانا وغيرهما يبيعوننا الكتب بأسعار زهيدة.

في المرحلة الثانوية، والحديث ليخلف، “انتقلت إلى مدرسة حسن كامل الصباح الكائنة على تل إربد.. كانت مدرسة عريقة، ونظراً لتفوقي باللغة العربية كُلّفت بالإشراف على مجلة الحائط فيها، وكان معي في هيئة التحرير طلاب بعضهم من مدينة المفرق، ومنهم: سمير إسحق الذي صار روائياً، وكنت أزوره باستمرار، ومن خلاله تعرفت على الشاعر سرحان النمري، والكاتب محمد داودية الذي صار سفيراً ثمّ وزيراً في الحكومة الأردنية.

“في تلك المرحلة بدأتُ أنشر خربشاتي الأولى في الصحف اليومية، وكانت تُنشر في صفحة
القراء أحياناً، وأحياناً أخرى في الصفحة الثقافية.. وفي مرحلة التوجيهي (الثانوية العامة)، أرسلتُ قصة قصيرة الى مجلة (الأفق الجديد)، وكانت تصدر من القدس.. كم كانت فرحتي عندما تم نشرها.. كان ذلك مصاحباً لصدور النتائج.. نظراً لظروفنا، وعدم توفر إمكانية الذهاب الى الجامعة، تقدمت للدراسة في دار المعلمين التابعة لوكالة غوث اللاجئين في رام الله، وكانت الضفة الغربية، وقتذاك تابعة للمملكة الأردنية الهاشمية”.

ولم تنته حكاية يخلف مع إربد بتوجهه للدراسة في رام الله.. يقول: أنهيتُ دراستي في دار المعلين في العام 1965، وفي السنة الدراسية 1966 عيّنت معلّما في الأغوار الشمالية الأردنية ثمّ نُقلت الى مدينة إربد، وفيها التقيت ومجموعة من الأدباء، بينهم: نمر سرحان، ونمر حجاب، وعصام سخنيني، واتفقنا على الانتساب الى النادي العربي الرياضي لتشكيل لجنة ثقافية، لكنّ الفكرة لم تنجح لأنّ الرياضة غلبت الثقافة.. ظللت معلماً في إربد، حتى غادرتها إلى سورية، ثم إلى لبنان، بعد أحداث أيلول 1970″.

  • عن جريدة الأيام الفلسطينية

شاهد أيضاً

قناع بلون السماء.. أضداد متمازجة وأحكام مُعلَّقة

(ثقافات) قناع بلون السماء.. أضداد متمازجة وأحكام مُعلَّقة سامر حيدر المجالي على غير ما يُظَنُّ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *