الشِّعر يموت دون التجريب المستمرّ

(ثقافات)

الشِّعر يموت دون التجريب المستمرّ

أحمد البزور ـ أستاذ مساعد، جامعة الزرقاء الخاصة

تطوّرَ الشِّعرُ العربيُّ تطوراً ملحوظاً شكلاً وموضوعاً، بدايةً بالقصيدةِ العموديّةِ، مروراً بالموشّحاتِ الأندلسيّةِ، كما أنَّ مفهومَ الشِّعرِ ووظيفته ومواضيعه عرفت أيضاً تغيّراً وتطوّراً عبرَ العصورِ.

وقديماً ثارَ عددٌ من الشُّعراءِ على نهجِ القصيدةِ العربيّةِ كأبي نواس مثلاً، الذي رفضَ الاستهلالَ بالمقدّمةِ الطلليةِ؛ كونها أصبحت شيئاً من الماضي، ولا تلبي واقع العصر ومتطلباته.

وفي الشِّعرِ القديمِ كانَ الشّاعرُ حريصاً على الإلتزامِ بالأوزانِ والقوافي في شكلها الخليلي الذي اعتمدَ على الأبياتِ والصّدرِ والعجزِ، أمّا في عصرنا الحديثِ فنجدُ أشكالاً شعريّةً مستحدثةً وجديدةً متعددةً، منها: قصيدة التّفعيلة، والنثر، والتوقيعة، والهايكو.

ولم يعد الشِّعرُ – كما ذهبَ أحدُ النّقادِ – ينطلقُ من موضوعٍ ما، بل صارَ ينطلقُ من حالةٍ نفسيّةٍ أو ثقافيةٍ وفكريّة(1).

إنّ ما حصلَ في المجتمعِ العربيّ عامّة والأردنيّ خاصةً في بداياتِ القرنِ العشرين من تحوّلاتٍ وتغيّراتٍ سياسيّةٍ واجتماعيّةٍ وفكريّةٍ، أسهمَ في ارتفاعِ أصواتَ شعريةٍ حداثيةٍ تتساءلُ وترفضُ القيمَ السّائدةَ، أو في أحسنِ تقديرٍ تُعيد النّظرَ فيها، فكانَ لا بدّ من التّغييرِ على كلِّ المستويات كافةً.

 وعلى الصّعيدِ المحلي، لعلّ الشَّاعرَ الأردنيَّ عِرار أبرزُ وأوّلُ من مثّلَ التّجريبَ؛ بسعيه المستمر والحثيث إلى التّحررِ من ربقةِ الشّكلِ التقليدي، وإيجادِ قالبٍ شعريّ جديد، مؤمناً يقيناً لا يعتوره الشّك بأنّ التغييرَ والتّجديدَ – كظاهرةٍ إنسانيّة وطبيعيّة – أمرٌ ضروري في تحضّرِ الأممِ والشّعوب، وارتقاءُ الشِّعرِ وشعرائه إلى مستوى التميّزِ والعالميّة.

وقد استطاعَ عرار تجاوزَ مقوّماتِ الشّكلِ الشِّعري القديمِ، المتمثّل في نظامِ البيتِ والشّطرينِ المتناظرينِ ووحدةِ القافيةِ والرّوي إلى نظامٍ جديدٍ متمثّلٍ في السّطرِ الشّعري يتلاءم ويناسب العصر.

وأستدركُ هنا، وأقول: بأنّ التّجريبَ بوصفه مغامرةً وثورةً على المطلقِ ورفضاً للسائدِ والمألوفِ والخروج على النّموذج لا يعني اتّساع الفجوة والهوة بينَ الشَّاعرِ وجمهوره أو الشِّعر وجمهوره.

وإذا استعدنا التّغيراتِ التي طرأت على الشِّعرِ العربيِّ، أدركنا إلى أيّ مدى يمكن أن تساهمَ الظّروفُ في تطوّرِ الشِّعرِ واستمراره، حيثُ كانَ التّغيرُ استجابةً لحساسيةِ العصرِ ومتطلباتِ الواقعِ، وجاءَ في المقابلِ، تجسيداً لتلك التّغيرات والتّحولات والتّبدّلات.

والأدب شعراً كان أو نثراً -كما يقول جاكوب: يموت دون التّجريب المستمر(2)، ونستطيعُ القولَ بعبارةٍ أخرى: بأنّ التّحوّلَ الشِّعري العربيّ جاءَ كأداةِ مواجهةٍ وبديلٍ واحتجاج على الواقع الفكري الرّاهن، متأثراً بمناخِ الانكساراتِ النّفسيّةِ وإحباطاتِ العزائمِ والتّطلعاتِ وخيباتِ الآمالِ والطّموحات.

أخيراً، طبيعي أن تكونَ لهذه الظّروف الاجتماعيّة والسّياسيّة والمكوّنات النفسيّة أثرها الواضح على الشِّعرِ الجديدِ والحديثِ، مستهدفاً في الوقتِ ذاته تحقيق صورة من صور مواكبة التّغيرات والأحداث.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر، علوي الهاشمي، جريدة الرياض، ربيع الأوّل، 2 أيلول، 1993م.

(2) جاكوب كورك: اللغة في الادب الحديث، الحداثة والتجريب، ص 45.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *