هاجس الموت عند محمود درويش

 هاجس الموت عند محمود درويش

 

زياد أحمد سلامة

وما الموت إلا سارق دق شخصه …. يصول بلا كف ويسعى بلا رِجْل

“المتنبي”

سأل عبده وازن محمود درويش: أليست الفنون قادرة على هزم الموت كما قلتَ في قصيدتك “جدارية”؟

أجابه: هذا وهم نتخيله كي نبرر وجودنا على الأرض، لكنه وهم جميل”.

  تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة عشرة لوفاة الشاعر الفلسطيني “محمود درويش “فيوم السبت 9/8/2008رحل الشاعر عن هذه الدنيا وأفضى إلى ربه، فهل كان الموت يعني شيئاً لدرويش؟ وهل كانت له نظرة فلسفية في الأمر؟ أم كان يعتبره مجرد نهاية “بيولوجية” لكل كائن حي؟

    الموت: هذا السارق الذي يصول بلا كف ويسعى بلا رِجْل، والذي قيل فيه إنه هادم اللذات ومفرق الجماعات، كان رفيقاً للشعر والشعراء منذ أن عُرف الموت وعُرف الشعر، وسيبقى هاجسَ الإنسان إلى يوم البعث، كان لهذا ـ الكائن المتربص بنا ـ تجربةً عملية مع الشاعر محمود درويش صاغها فنياً في ديوانه “جدارية محمود درويش” الصادر عام 1999، وبطبيعة الحال كان حديث الموت شغل الشاعر كلما تقدم به العمر، حتى أصبح هاجساً يهاجمه في كل لحظة.

 من المعروف أن درويش قد عانى أزمات قلبية وأجرى عمليتين قلبيتين، فكان اعتلال قلبه يشعره أنه يحمل في صدره قنبلة قابلة للانفجار في أية لحظه، فتولد لديه هاجس بأن الموت قاب قوسين منه أو أدنى، وأنه عرضة للموت فجأة، حاول محمود درويش التعايش مع فكرة الموت، ففي ذروة هواجسه هذه كتب قصيدة “جدارية” عام 1999 بعد تجربته الثانية مع عمليةٍ للقلب خطيرة أجراها في باريس ونجا من الموت فيها بأعجوبة إلهية، فكتب “الجدارية” ليتصالح مع الموت، على اعتبار أنه أمر طبيعي في الحياة، ففي شباط 2004 وفي حوار بين الشاعر والكاتب “ناصر عراق” جرى حديث عن الموت تظهر فيه محاولة درويش الهرب من فكرة الموت، فقال إنه بعد إجراء عملية القلب الثانية عام 1998توقع الجميع أنه سيموت ولذا ظلوا ثلاثة أيام يعدون الجنازة، وهنا دار الحديث بين “ناصر عراق” و”درويش” على هذا النحو:

” سألته: هل تخاف الموت يا أستاذ محمود؟

لم يفكر كثيراً قبل أن يجيب عن سؤالي:

ـ بعد أن كتبتُ “جدارية” أصبحتُ لا أخاف الموت.

قلتُ له: لقد وصفتَه بأنه “حقير” في أمسيتك أول أمس، فأردف مسرعاً:

هذه الكلمة ليست في القصيدة أصلاً، بل أضفتها فجأة في أثناء قراءتي للقصيدة في تلك الأمسية! ثم عاد بجذعه إلى الوراء وقال بصوت يقطر حكمة:

“الموت لا يؤلم الميت، بل يؤلم أصدقاء الميت”

الأستاذ فاروق عبد القادر، “وهو ناقد أدبي من أصدقاء درويش وكان حاضراً الحوار سأل درويش:

ـ محمود… بعد العملية كيف ترى علاقتك بالحياة والعالم الآخر؟

تلقى درويش السؤال وراح يجيب بعفويةِ مَنْ عَضَّ على الحقيقة بكل نواجذه، قال: بعد العملية، أصبح شعوري ميالاً إلى العبثية، وإلى أنَّ الحياة لا تستحق منا كل هذا العناء، بل يجب أن نستمتع بها في حدود المعقول، ثم ضرب مثلاً: لقد كنتُ أعشق السفر والملابس الأنيقة، والآن صرت غير مبال كثيراً بهذه الأمور!

ثم يقول ناصر عراق: فاجأتني هذه الإجابة فسألته على الفور:

ــ والخلود يا أستاذ محمود؟

بسرعة البرق وبحسم هتف:

ـ الخلود لا يعنيني، أهم شيء أن أستطيع التعبير عن حياتي بالكتابة!”[1]

  ولَّد هذا الإحساس الحيادي تجاه الموت عند درويش ما مرَّ به من تجارب قاربته من الموت، فيروي محمود درويش قصة عملية جراحية سابقة أجريت له وما حصل قبلها وخلالها وبعدها من أمور إنسانية، قائلاً: في عام 1998 كنت في بلجيكا، أعطوني شهادة دكتوراه فخرية من جامعة هناك، وعرجت على باريس لإجراء فحوص طبية، قرر الطبيب إجراء جراحة عاجلة، فتحمست لإجرائها، لم أتردد أبداً رغم أنه قال لي إنها خطيرة، لكن طبيب القلب اعترض على إجرائها لأن قلبي لا يتحمل، وبعد نقاش اتفق الطبيبان على القيام بها، إنها مغامرة، فدخلت غرفة التخدير وكانت آخر كلمة سمعتها من الطبيب “نلتقي” وبعدها نمت .يواصل درويش:”

  صار الأستاذ محمود درويش في فترة حياته الأخيرة ينتظر الموت، وكأنه على موعد معه فيكثر من النظر إلى ساعته، وكأن ملك الموت قد تأخر عن موعده، أو أنه يخشى أن يفاجأه في لحظة عدم استعداد، وكل ما في الأمر أن الموت غدا عنده نهاية “بيولوجية” طبيعية ليس إلا، فعليه أن يستقبله كأي أمر آخر في الدنيا، نقرأ له في قصيدة “بقية حياة”:

“إذا قيل: ستموت هنا في المساء

فماذا ستفعل في ما تبقى من الوقت؟

ــ أنظرُ في ساعة اليد

أشرب كأس عصير

وأقضمُ تفاحةً

وأطيل التأمل في نملة وجدتْ رزقها…

ثم أنظر في ساعة اليدِ/
ما زال ثمَّة وقتٌ لأحلق ذقني
وأَغطس في الماء/ أهجس:
“لا بُدَّ من زينة للكتابة/
فليكن الثوبُ أزرق”/
أجْلِسُ حتى الظهيرة حيّاً إلى مكتبي
لا أرى أثرَ اللون في الكلمات،
بياضٌ، بياضٌ، بياضٌ…
أُعِدُّ غدائي الأخير
أَصبُّ النبيذ بكأسين: لي
ولمن سوف يأتي بلا موعد،
ثم آخذ قَيْلُولَةً بين حُلْمَينْ/
لكنّ صوت شخيري سيوقظني…
ثم أَنظر في ساعة اليد:
ما زال ثمّةَ وَقْتٌ لأقرأ/
أقرأ فصلاً لدانتي ونصْفَ مُعَلَّقَةٍ
وأرى كيف تذهب مني حياتي
إلى الآخرين، ولا أتساءل عَمَّنْ
سيملأ نقصانها
ـ هكذا ؟
ـ هكذا ،
ـ ثم ماذا ؟
ـ أمشّط شَعْري، وأرمي القصيدة…
هذي القصيدة في سلة المهملات
وألبس أحدث قمصان إيطاليا،
وأُشَيّع نفسي بحاشيةٍ من كمنجات إسبانيا
ثم

 أمشي

 إلى المقبرةْ!”[2]

  والمعنى نفسه نجده في قصيدة “الحياة… حتى آخر قطرة”
وإن قيل لي ثانيةً: ستموت اليوم،
فماذا تفعل؟ لن أَحتاج الى مهلة للرد:
إذا غلبني الوَسَنُ نمتُ. وإذا كنتُ
ظمآنَ شربتُ. وإذا كنتُ أكتب، فقد
يعجبني ما أكتب وأتجاهل السؤال. وإذا
كنت أتناول طعام الغداء، أضفتُ إلى
شريحة اللحم المشويّة قليلاً من الخردل
والفلفل. وإذا كنتُ أُحلق، فقد أجرح
شحمة أذني. وإذا كنتُ أقبِّل صديقتي،
التهمتُ شفتيها كحبة تين. وإذا كنت
أقرأ قفزت عن بعض الصفحات. وإذا
كنتُ أقشِّر البصل ذرفتُ بعض الدموع.
وإذا كنتُ أمشي واصلتُ المشي بإيقاع
أبطأ. وإذا كنتُ موجوداً، كما أنا الآن،
فلن أفكِّر بالعدم. وإذا لم أكن موجوداً،
فلن يعنيني الأمر. وإذا كنتُ أستمع الى
موسيقى موزارت، اقتربتُ من حيِّز
الملائكة. وإذا كنتُ نائماً بقيتُ نائماً
وحالماً وهائماً بالغاردينيا. وإذا كنتُ
أضحك اختصرتُ ضحكتي الى النصف احتراماً
للخبر. فماذا بوسعي أن أفعل؟ ماذا
بوسعي أن أفعل غير ذلك، حتى لو
كنتُ أشجع من أحمق، وأقوى من
هرقل؟”[3]
ويرى في قصيدة “جار الصغيرات الجميلات”[4] أن الزمن/ العمر يمر ويشعر بحيادية الأشياء

  ولكن هل استطاع محمود درويش أن يهادن فكرة الموت ويتعايش معها على أنها مجرد نهاية بيولوجية للجسد ينتهي الإنسان بموته؟ لا نتوقع ذلك بدليل انشغال فكره بفكرة الموت بشكل ملحاح، لا سيما في أواخر حياته، وإذا انتقلنا لأخريات قصائده فسنقرأ في “لاعب النرد” ما يشعرنا بقلقه من الموت:

“ومن حسن حظيَ أني أنام وحيداً

فأصغي إلى جسدي

وأصدق موهبتي في اكتشاف الألمْ

فأنادي الطبيب قُبيل الوفاة، بعشر دقائق

عشرُ دقائق تكفي لأحيا مصادفةً

وأخيِّبُ ظنَّ العدمْ

مَنْ أنا لأخيبَ ظن العدم؟”[5]

  كان يُسِّرُ لأصدقائه بأنه لم يكن يحب اسمه “محمود درويش” لأنه ممدود كالتابوت[6].ويحدثنا صديقه خيري منصور الحكاية التالية عنه فيقول:” في إحدى الليالي احترقتْ الكفتة بالطحينية التي يطهوها بمهارة عازب محترف، ونحن مستغرقان في حوار لا علاقة له بالشعر، ولكنه في الصميم من جذر الشعر، وهو الموت… قال محمود ليلتها ما لم تقله القصيدة… وهو أننا في الأصل موتى والحياة عطلة نقضيها في مكان آخر… وما إلحاحه على الأبدية إلا لأنه مهجوس منذ لثغ بالحرف الأول بالموت، لكن ليس بمعناه الفيزيائي أو العضوي الصغير، بل بذلك المعنى الذي يحول الموت امتيازاً للكائنات بدءاً من الوردة حتى الإنسان، فالزهور الصناعية لا تموت، والموتى أيضاً لا يموتون”[7]وتابع خيري منصور فقال: “من يصدق أن محمود درويش كان يعاني في بعض الليالي من وضع المفتاح في قفل الباب، بحيث ينزعه… ثم يعود ليضعه، والهاجس هو باختصار خوفه أن يموت وحيداً في الليل، ولا يعلم بذلك أحد إلا بعد أيام، إنها فوبيا صاحبته منذ رحيل [الشاعر الفلسطيني] معين بسيسو [1928 ـ 1984م] في أحد فنادق لندن حيث بقي ميتاً ليومين لأنه وضع على باب غرفته تلك اللائحة المكتوب عليها “الرجاء عدم الإزعاج”[8]

  وكم كان محمود سعيداً عندما أجرى فحوصات طبية في باريس ذات مرة، وعندما وصلته النتائج في عمان تبين أنه مصاب بالسرطان، ولم يمض يوم حتى وصله خبر آخر بأن النتائج المرسلة إليه خاطئة وأنها لشخص آخر، وبالتالي فهو ليس مصاباً بالسرطان، يقول منصور: ضحكنا حتى البكاء واحتفلنا بهذا الخطأ وهو الأجمل والأدق من أي صواب”[9]

  وتجربته مع مرض القلب وعملياته الجراحية كانت الأرضية لحديثه الكثير في قصائده الأخيرة عن الموت، يقول الناقد جابر عصفور: هذه التجربة الرهيبة مع المرض تركت أعمق الأثر في وعي محمود درويش الإنسان، واللاوعي الإبداعي لمحمود درويش الشاعر. وقد تجلى التأثير الرهيب لهذه التجربة (التي لامست فيها الحياة الموت وكادت تغدو إياه) في الدواوين الأخيرة التي تصاعد فيها هاجس الموت دالاً، ملحاحاً، متعدد المستويات والأبعاد، وذلك في توتر إيقاعي، سرعان ما تتحول دواله إلى مدلولات تغدو دوالَّ بدورها، لا تكف عن التكاثر. ولا غرابة – والأمر كذلك – أن تتحول التجربة إلى ديوان شعر كامل هو «جدارية محمود درويش» الذي يدور كله حول الموت المتربص بالحياة التي لا تملك سوى أن تصارعه بالإبداع الذي يهزم الموت، فينبعث الشاعر من بين براثن الموت كالعنقاء التي تتولد من رمادها، مؤكداً ديمومة الإبداع الذي يعني الحياة والتجدد والخصب والنماء. وكما أن الإبداع قرين الحياة في عنفوانها، وفي حضورها الذي ينفي الغياب، فالموت نقيض الحضور قرين الغياب: حيث العدم الكامل اللا هنا واللازمان واللاوجود، كلي الحضور، كأنه البياض المطلق، البياض الذي توحِّدنا النهاية فيه: بياض الكفن.”[10]

  هذه التجربة الرهيبة مع المرض تركت أعمق الأثر في وعي محمود درويش الإنسان، واللاوعي الإبداعي لمحمود درويش الشاعر. يقول جابر عصفور أيضاً: وجاءت بعد “جدارية” قصيدةٌ ملحمية طويلة، متتابعة في فقرات كتبها محمود أثناء الحصار الإسرائيلي في رام الله وأصدرها في ديوان بعنوان “حالة حصار” سنة 2002، وجاء بعدها ديوان “لا تعتذر عما فعلت” سنة 2004، ثم كزهر اللوز أو أبعد” وأخيراً “أثر الفراشة” سنة 2008وكان واضحاً في كل هذه الدواوين الأخيرة الحضور المنبسط على القصائد للموت الذي أصبح هاجساً لا يفارق حضوره أي ديوان، حتى السيرة الذاتية التي مزجت النثر بالشعر، أعني “في حضرة الغياب” حسبي ـ والكلام لعصفورـ أن أشير إلى “إجازة قصيرة” من الكتاب الأخير” أثر الفراشة” حين نقرأ:

“صدَّقتُ أني متُّ يومَ السبت

قلت عليَّ أن أوصي بشيء ما

فلم أعثر على شيء

وقلت عليَّ أن أدعو صديقاً ما

لأخبره بأني متُّ

 لكني لم أجد أحدا

وقلتُ عليَّ أن أمضي إلى قبري

لأملأه، فلم أجد الطريق

وظل قبري خالياً مني”[11]

ويقول عصفور: ويمكن للقارئ بعد قراءة هذا المقطع الأخير أن يرى إلى حد تهوِّس شعر محمود بالموت وكيف ظل يشعر أنه قريب منه، وأنه في الطريق إليه، وأنه سيكتب السطر الأخير من شعره على الظل، ويعمل عملاً يليق بميت، فلم يملك سوى أن يكتب: هذا الموت لا معنى له، عبث وفوضى في الحواس:

“ولن أصدِّق، انني قدمت موتاً كاملاً

فلربما أنا بينَ بينْ

وربما أنا ميتٌ متقاعد

يقضي إجازته القصيرة في الحياة”[12]

  ولا يضيع الهوَّس بالموت إجازته القصيرة في الحياة، فيمضي بمحاربة الموت بالشعر ويكتب “لاعب الشطرنج” وبعض قصائد غيرها.”[13]  لقد استبد به هاجس الموت في سنواته العشر الأخيرة، فلا تكاد قصيدة من قصائده تخلو من ذكر الموت، يقول عنه صديقه الناقد فخري صالح في رثائه موجهاً خطابه له (أي لدرويش): “كنتَ في الشهور الأخيرة مهموماً بفكرة العمر، تهجس بالموت في كل حديث، في كل مهاتفة، وكأنك تعد نفسك للموت الذي قلتَ له في جداريتك: “هزمتك يا موت” كأنك تريد مصالحته بعد خصام ليأتي سريعاً وينهب روحك التي تعبت من هذا الصراع الطويل الطويل على أرض بقَّعها الدم، ومزقها الخصام”[14] وكما كتب في “أثر الفراشة” بأنه سيموت يوم السبت ( في النص الذي اقتبسناه قبل قليل من قصيدته “إجازة قصيرة” والتي كتبها بين صيف 2006و2007) كتب أيضاً:

“وأُشيِّعُ نفسي بحاشية من كمنجات إسبانيا

ثم أمشي إلى المقبرة”

ويكتب:

“لم أكتب السطر الأخير من الوصية

لم أُسدد أيَّ دَيْنٍ للحياة”

وكما طلب من الموت أن يمهله قليلاً ريثما” أنهي حديثاً عابراً مع ما تبقى من حياتي قرب خيمتك، انتظرني ريثما أنهي قراءة طَرَفَة بن العبد…. ص 49″ نجده في قصيدة “لاعب النرد” يستمهل الموت أيضاً، فيقول:

“للحياة أقول: على مهلك، انتظريني

إلى أن تجفَّ الثمالةُ في قدحي…

في الحديقة وردٌ مشاع، ولا يستطيع الهواءُ

الفكاكَ من الوردةِ /

انتظريني لئلاَّ تفرَّ العنادلُ مِنِّي

فاُخطئ في اللحنِ/

في الساحة المنشدون يَشُدُّون أوتار آلاتهمْ

لنشيد الوداع. على مَهْلِكِ اختصريني

لئلاَّ يطول النشيد، فينقطع النبرُ بين المطالع،

وَهْيَ ثنائيَّةٌ والختامِ الأُحاديّ:

تحيا الحياة!

على رسلك احتضنيني لئلاَّ تبعثرني الريحُ/

حتى على الريح، لا أستطيع الفكاك

من الأبجدية/ “[15]

  استمر الشعور بالقلق من الموت ومواجهته في بال الشاعر، بل وتعمق الإحساس لديه بأن الموت قادم، فإننا نقرأ في قصائده الأخيرة الكثير من “حديث الموت”، إننا نلمس ذلك في يومياته “أثر الفراشة” في قصائد ويوميات مثل: “غريبان” و”جار الصغيرات الجميلات” و”الحياة حتى آخر قطرة” و”كما لو كان نائماً” و”الطريق إلى أين” و”فاكهة الخلود”، يقول في قصيدة” بالزنبق امتلأ الهواء” من ديوانه الأخير:

” لا أنسى ولا أتذكر الغدَ… ربما أرجأتُ تفكيري به، عن غير قصدٍ،

ربما خبأت خوفي من ملاك الموت عن قصد، لكي أحيا الهنيهة بين منزلتين:

حادثة الحياة وحادثة الموت المؤجل ساعة أو ساعتين، وربما عامين…”[16]

وقال في قصيدة “لاعب النرد” مصوراً قلقه من الموت:

” ولاثنين من أصدقائي أقول على مدخل الليل:

إن كان لا بد من حُلُم، فليكنْ

مثلنا … وبسيطاً

كأنْ: نتعشى معاً بعد يومينِ

نحن الثلاثة،

محتفلين بصدق النبوءة في حُلْمنا

وبأنَّ الثلاثة لم ينقصوا واحداً

منذ يومين،

فلنحتفل بسوناتا القمرْ

وتسامح موت رآنا معاً سعداء

فغض النظرْ!”[17]

وهنا نتوقف مع الأستاذ “محمود شقير” الكاتب وصيق الشاعر إذ يقول عن صديقه الذي بات الموت هاجسه: “تمثلت ثيمة الموت في الاستعداد لمجابهة ثالثة مع الموت، بدت نذرها قبل سنة أو أكثر من رحيل محمود، حينما حذره الأطباء من توسع متزايد في شريان قلبه الأورطي، ما يعني أن الجراحة قد لا تنفع معه، وما يعني أن خطر انفجار هذا الشريان ممكن في أي وقت. كان محمود درويش أمام سؤال حرج جراء ذلك، وكان يشعر على ما يبدو بأن النهاية تقترب. لذلك مال إلى التخفف من مهماته اليومية الكثيرة، وأوقف إصدار مجلة “الكرمل” واعتذر عن عدم قبول رئاسة لجان ثقافية ومهمات ثقافية أخرى، وذلك لكي يتفرغ فيما تبقى له من وقت لكتابة الشعر. ولعل قصيدته “لاعب النرد” التي كتبها بوحي من ضعف الكائن الفرد أمام الموت، لا بوحي من قوة الكائن المبدع كما كان الحال في الجدارية، تعتبر تجسيداً لما كان يعتمل في نفسه من هواجس حول الموت، هذا الموت الذي أودى بحياته بعد أربعين يوماً من قراءته لقصيدته هذه ولغيرها من القصائد، في آخر قراءة شعرية له في الوطن، في قصر الثقافة في رام الله”[18]

 ولكن يبدو أن درويش لم ينجح في محاولته الهرب فعلاً من الموت، فصار الموت مع مرور الأيام هاجسه اليومي والليلي، يقول صديقه “أكرم هنية” رئيس تحرير صحيفة “الأيام” التي تصدر في رام الله بأنه عندما استلم قصيدة “لاعب النرد” من محمود درويش وقرأها شَعَرَ أنها إعلان من محمود درويش عن توقعه الموت وقبوله، وقال بأن هذه القصيدة هي نقيض قصيدة “جدارية” التي أعلن فيها انتصاره على الموت، وعندما أخبر محموداً بذلك رد محمود سريعاً: لا أحد يستطيع قهر الموت[19]

 وقبيل إجراء عمليته الأخيرة التي توفى على إثرها، كان قلقاً وخائفاً، وهذا أمر طبيعي، فقد حذره الأطباء بشدة من خطورة العملية، وهنا تغلب محمود درويش الإنسان على محمود درويش الشاعر ـ كما أشار أكرم هنية بعد قراءته للاعب النرد ـ  فتغلب لاعب النرد على شاعر الجدارية، يصف أكرم هنية ـ الذي كان مرافقاً لمحمود درويش عندما سافر إلى هيوستن في الولايات المتحدة لإجراء العملية الجراحية ـ أحوال درويش في أيامه الأخيرة بقوله: ” وفي تلك الأيام، كان محمود يكافح هواجسه ومخاوفه بالمزاح مع الأطباء والممرضين عند إجراء الفحوصات، وبالسخرية السوداء أحياناً مع أصدقاء، وفي أحيان كثيرة كان يُعَبِّر لهم عن قلقه الشديد من القسطرة واحتمالات تناثر الكولسترول، ولكنه كان ـ رغم القلق ـ هادئاً ودافئاً ومرحاً وهو يرد على الاتصالات الهاتفية، ولم ينس أن يتصل بالجديْدة (البلدة الفلسطينية حيث يقيم أهله منذ هجرتهم عن بلدة البِروة عام 1948) ليطمئن على سير زفاف ابنة شقيقه زكي.

  ويتابع هنية: وذات صباح هبط “نؤوم الضحى”[20] مبكراً إلى لوبي الفندق، حيث اعتدنا أن نتظر بعضنا البعض لتناول الإفطار، وألقى التحية ثم ذهب ليحضر فنجان قهوة من متجر خاص في اللوبي ليعود ويبلغنا متجهماً: “الليلة زارني مُعين.. الليلة حلمتُ بمُعين بسيسو”، وموت مُعين في الثمانينات[21] كان لافتاً بمأساويته عندما ذهب للنوم في غرفة فندق في لندن بعد إنْ علق على بابها لافتة “رجاء: عدم الإزعاج” وتوفى، ومضت ساعات (وقيل يومان) على وفاته قبل أن يفتح موظفو الفندق الغرفة ويكتشفوا ما حدث، ثم يتابع أكرم هنية فيقول عن تلك الليلة من ليالي هيوستن في انتظار إجراء العملية لدرويش: وعندما افتقدنا، بعد وصولنا بأيام، اتصالات “منى غزال”[22]  المثابرة من المستشفى استفسرنا فكان السبب صادماً لمحمود المتطير.. لقد توفيتْ والدتها، ففهم الشاعر: إنه فأل سيء، وفاجأنا محمود ذات مساء ونحن نتناول طعام العشاء في مطعم للأسماك: أفكر أن أكتب وصيتي. فقاطعناه على الفور طالبين منه بمزيج من الجد والهزل أن ينبذ هذه الأفكار؛ وأن كل شيء سيكون على ما يرام”[23]  لقد شكلت حادثة موت الشاعر مُعين بسيسو في لندن هاجساً بالموت لدى درويش الذي كان يعاني من المرض المنذر بالموت المفاجئ وكونه ينام وحيداً في بيته دون زوجة أو ولد، يقول درويش: الآن كلما نزلت في فندق لا أضع هذه الإشارة (الرجاء عدم الإزعاج) على الباب، ولا أضع مفتاح البيت في القفل عندما أنام[24] ولمزيد من الحرص كان لشقة محمود درويش في عمان ثلاثة مفاتح أحدها معه وآخر مع صديقه “علي حليلة” والثالث مع الخادمة الفلبينية التي كانت تأتي يومياً لترتيب الشقة وتنظيفها إذ بإمكانهما الدخول إلى البيت إذا لم يرد عليهما مثلاً أو تأخر بالاتصال بهما، وكما يقول صديقه طاهر رياض فقد كان درويش خائفاً من الموت وحيداً دون أن يشعر به أحد وكان يخاف من الموت حرقاً بسبب تسرب الغاز مثلاً ولهذا كان يستخدم فرن طبخ كهربائي[25].

جدارية: محمود درويش:

 قصيدة كُتبت عام 1999[26]

  عندما سَمى محمود درويش عمله الشعري هذا بـ “الجدارية” أشعرنا بأن هذا العمل عظيم يحاكي في قيمته معلقات الشعراء العرب الكبار في جاهليتهم، فمن المعروف أنه وللقيمة الفنية العظيمة لهذه المعلقات تم تعليقها على جدران الكعبة، وهو هنا يعلق قصيدته على جدار الفن والخلود، في حفل خاص للتوقيع على ديوان “الجدارية” جرى في مركز خليل السكاكيني في رام الله عام 2000م، بيَّن الشاعر أن الجدارية هي العمل الفني الذي يُعلَّق على الجدار ظنًّا من الكاتب أن العمل جدير بأن يحيا، مذكرًا بمكانة المعلقة في الشعر العربي القديم واعتقادًا من الشاعر أنها قد تكون آخر مرَّة يَكتب فيها، وقال أيضاً: “حين كتبتُ هذه القصيدة طيلة العام الماضي استبد بي هاجس نهاية أخرى؛ لن أحيا لأكتب عملاً آخر، لذلك سميته جدارية، لأنه قد يكون عملي الأخير الذي يُلخص تجربتي في الكتابة، ولأنه نشيد مديح للحياة، ومادمت قد عشت مرة أخرى فإن عليَّ أن أتمرد على كتابي هذا، وأن أحب الحياة أكثر وأن أحبكم أكثر.”[27]

  وقال عنها درويش قبيل وفاته بأيام بأنه يعتبرها أهم قصائده[28]،  ويقول عنها الدكتور محمد أحمد القضاة: “ﻫﺫﻩ ﺍﻟﺘﺠﺭﺒﺔ ﺃﻏﻨﻰ تجارب ﺍﻟﻭﺠﻭﺩﻴﺔ ﺤﻴﺙ ﻴﻘﻑ ﺍﻹﻨﺴﺎﻥ ﺃﻤﺎﻡ ﻤﺼﻴﺭﻩ، ﻭﺃﻤﺎﻡ ﺸﺭﻴﻁ ﺤﻴﺎﺘﻪ ﺒﻜﺎﻤﻠﻪ ﺃﺜﻨﺎﺀ ﺍﻻﻗﺘﺭﺍﺏ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﻭﺕ، ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻜﺎﻥ ﻻ ﺒﺩ ﻤﻥ ﺘﺴﺠﻴل ﻤﺎ ﻴﺸﺒﻪ ﺍﻟﺴﻴﺭﺓ ﺍﻟﺫﺍﺘﻴﺔ ﻜﺨﻠﻔﻴﺔ ﻟﻤﻭﻀﻭﻉ ﺍﻟﻤﻭﺕ”[29] والخلود بالنسبة للشاعر هو أن يبقى اسمه وذكره باقياً وخالداً، يقول عبد القادر الجموسي في مقال له بعنوان” التجلي الشعري في جداريّة محمود درويش” فنحن أمام جدارية أو معلقة كتبت لتخلد اسم صاحبها بماء الذهب على عادة فطاحل شعراء العرب. يقول الشاعر: “لا شيء يبقى سوى اسمي المُذَّهَب/ بعدي[30]

 أنْ تعايش الموت وتقترب منه ويهز جسمك؛ أمرٌ مثير، فما بالك إن كان الموت قد اقترب من شاعر عميق الشاعرية يرى الأشياء بعين الشاعر وبقلبه الحساس، ومن هنا كانت قصيدة درويش الطويلة ـ جدارية ـ جديرة بالقراءة المتأنية الواعية.

 من المعروف أن شاعرنا اشتكى في سنوات عمره الأخيرة مرضاً في قلبه ألزمه المستشفى؛ وأجريت له عمليات جراحية في قلبه، فكتب الله له السلامة والنجاة، وكتب له الاقتراب من الموت ومعايشته، فكانت هذه اللوحات الجدارية خلاصة هذه التجربة؛ وهي سلسلة لوحات فنية حدثنا فيها شعراً عن رؤيته للموت وفلسفته لهذه النهاية التي (سنعايشها ونحياها يوماً ما).

  سبق للشاعر أن حدثنا عن الموت في لقطات هنا وهناك في قصائده، حدثنا عن الشهيد الذي عاد في كفن، أو عن الشهيد الذي قال (إنني عدت من الموت لأحيا وأغني) فالحديث هنا عن موت الشهيد والشهادة، في قصيدته الشهيرة (أعراس) تحوَّلَ العريسُ إلى شهيد عندما قصفته طائرات العدو في ليلة زفافه؛ فغنت له كل الفتيات:

” قد تزوجتَ…

تزوجتَ جميع الفتياتْ

يا محمد!

وقضيتَ الليلة الأولى

على قرميد حيفا

يا محمد!”[31]

وهكذا فالموت هو حياة ومجد وعطاء وشهادة، أما في هذه الجدارية فالموت هو الموت، والحديث عنه هنا أقرب إلى الفلسفة.

  ابتداءً لا بد من القول إن التنقل في دهاليز “ما بعد الموت” كما ينقلنا إليها محمود درويش في هذه الجدارية لا بد له من الصبر وإعادة القراءة مرات ومرات، فالقصيدة مكثفة مليئة بالصور المتلاحقة المتولدة من بعضها بعضاً بالإضافة إلى الكم الهائل من الاستعارات والمجازات والتشبيهات، وفيها أيضاً بعض الأساطير والخيال المجنح.

  أول ما يشد القارئ إلى هذه القصيدة الطويلة (96 صفحة) التي استغرقتْ كتابتها قرابة العام (1999) هو موسيقاها المتلاحقة، فقد اعتمد الشاعر تفعيلة” متفاعلن” الموسيقية، وزاد تدوير التفعيلة بين أسطر القصيدة إمساكاً بها؛ حتى إنك لتستطيع متابعة القصيدة مرة واحدة رغم وعورة الإمساك بالمعنى والمراد أحياناً.

    الدخول إلى عالم القصيدة

   ندخل مع الشاعر عالم القصيدة، في البداية عندما يدخل الشاعر ذلك العالم ـ عالم الموت ـ يجد امرأة ـ كأنها سكرتيرة ـ ترشده إلى اسمه المدون مع أسماء الموتى ليجد نفسه بعدها يحدق في المحيط به من أشياء:

“هذا هو اسمك/

قالت امرأةٌ،

وغابت في الممر اللولبي…

أرى السماء هناك في متناول الأيدي” ص 9

ثم يطير في ذلك العالم الرحب على جناح حمامة بيضاء ليجد كل شيء أبيضاً:

“ويحملني جناح حمامة بيضاء صوبَ طفولة أخرى.

ولم أحلمْ بأني

كنتُ أحلمُ. كل شيء واقعيٌّ” ص 9

ثم يقول:

“وكل شيء أبيضُ،

البحر المعلق فوق سقف غمامةٍ

بيضاء. واللا شيء أبيضُ في

سماء المطلق البيضاء.” ص 10

ولمَّا كان قد جاء إلى (عالم الموت) قبل ميعاده كما يقول، فلم يجد ملاكاً ليقول له:

” ماذا فعلتَ هناك في الدنيا،

 ولم أسمع هتاف الطيبين ولا أنين الخاطئين،

أنا وحيد في البياض،

 أنا وحيد …” ص10

أما حالة الإنسان بعد أن يعايش الموت فإنه لا يشعر بالزمان أو المكان:

” فلا عدم هنا في اللا هنا في اللازمان، ولا وجود” ص11

ومع هذا فهو لا يشعر بالغربة. وفي ظل هذا العدم يحلُمُ:

“سأصير يوماً ما أريد” ص 12

فيحلم أنه سيصبح: شاعراً، أو كرمة، أو رسالة ورسول. ص14

في إحدى صور الجدارية يخاطب نفسه في المرايا فيرى نفسه ممثلاً، حتى إنه لينكر نفسه فيقول:

” وأنظر نحو نفسي في المرايا:

هل أنا هو؟

هل أؤدي جيداً دوري من الفصل الأخير؟

وهل قرأتُ المسرحيةَ قبل هذا العرض،

أم فُرضت عليَّ؟

وهل أنا هو مَنْ يؤدي الدَّورَ

أمْ أنَّ الضحيةَ غيَّرت أقوالها

لتعيش ما بعد الحداثة، بعدما انحرف المؤلف عن سياق النص

وانصرف الممثل والشهود؟ ” ص 24

في عالم الموت هناك، وبعد أن توقف الزمن؛ يصور لنا حالة الموتى:

“ورأيتُ ما يتذكر الموتى وما ينسون …

همْ لا يكبرون ويقرأون الوقت في ساعات أيديهمْ.

وهمْ لا يشعرون بموتنا أبداً ولا بحياتهمْ” ص 27

أما هو فقد عاش رحلة ضياع هناك، حتى إنه لم يعد يميز بين الأشياء:

” وتنحل العناصر والمشاعرُ.

لا أرى جسدي هناك،

 ولا أحس بعنفوان الموت، أو بحياتيَ الأولى.

كأني لستُ مني. مَنْ أنا؟ أأنا الفقيد أم الوليد؟” ص 28

وفي خضم هذا الفقدان للتوازن وللذاكرة يرى طبيبه الفرنسي وأباه العائد من الحج وشباباً مغاربة، ورأى أبا العلاء المعري ـ فيلسوف الشعراء ـ وهو يطرد نقاده، ويرى آخرين، فهل اختلط الموت بالحلم بهلوسات المرضى؟!

يبدو أن الشاعر عندما رحل إلى عالم الموت قد أُخِذ على حين غرة، فهو لم يكن مستعداً إلى هذه الرحلة:

” لم أُولدْ لأعرف أنني سأموتُ، بل لأحبَّ محتويات ظل الله” ص 36

يصر الشاعر على حوار نفسه وكأنه حوار بين النفس والجسد:

“مَنْ أنتَ يا أنا ؟

في الطريق اثنان نحنُ، وفي القيامة واحدٌ

خذني إلى ضوء التلاشي كي أرى

صيرورتي في صورتي الأخرى.

فمن سأكون بعدك، يا أنا؟

جسدي ورائي أم أمامك؟

مَنْ أنا يا أنت؟” ص 44

والعلاقة بين الجسد والنفس في حالات تجارب الموت معروفة في عالم (الميتافيزيقيا) وعند المتصوفين المسلمين؛ الذين يقولون بأن الإنسان مركب من نفس وجسد وروح، وأن الروح هي سر الحياة من أمر الله لا يعرفها أحد سواه جلَّ شأنه، وأن الجسد هو مجموعة الأعضاء الظاهرة الملموسة المؤدية وظائفها في حين أن النفس قسم أيضاً من الإنسان فيها المشاعر والأحاسيس والأفكار والشهوات والرغائب، وهي كائن مستقل عن الروح والجسد، والنفس قد تنفصل أحياناً عن الجسد فتراه مجرد (جثة)، يحدث هذا أحياناً مع بعض الناس خاصة في حالات مرضية كأن يكون المريض في غرفة العمليات أو العناية المركزة، وقد يحدث الانفصال في حالة النوم أيضاً، فقد يرى الإنسان وهو في حالة من اللاوعي بأن الأطباء يعبثون بجسده وهو ينظر إليهم من سقف الغرفة أو من النافذة وكأن شيئاً لا يعنيه، هذه الظاهرة التي تُسمى “تجربة الموت” ظاهرة معروفة رواها شهود عدة عايشوا التجربة واُلِّفتْ فيها الكتب، ويبدو أن شاعرنا مرَّ بشيء شبيه من هذا فقد أصيب درويش بنوبة قلبية وأجريت له عملية لإنقاذ حياته سنة 1984، وأجريت له عملية جراحية قلبية أخرى سنة 1998. أثناء عمليته الجراحية الأولى يقول:” توقف قلبي لدقيقتين، أعطوني صدمة كهربائية، ولكنني قبل ذلك رأيت نفسي أسبح فوق غيوم بيضاء، تذكرت طفولتي كلها، استسلمتُ للموت وشعرتُ بالألم فقط عندما عدت إلى الحياة “.

  وفي موضع آخر قال عن هذه التجربة:” شعرتُ بمليون ناي يمزق صدري “ثم قال: “استسلمت للموت، وشعرت بالألم فقط عندما عدتُ للحياة”[32] ولكن في المرة الثانية، كان قتالاً، رأيت نفسي في سجن، وكان الأطباء ورجال شرطة يعذبونني، أنا لا أخشى الموت الآن، اكتشفتُ أمراً أصعب من الموت: فكرة الخلود، أن تكون خالداً هو العذاب الحقيقي، ليست لدي مطالب شخصية من الحياة لأنني أعيش على زمان مستعار، ليست لدي أحلام كبيرة. إنني مكرس لكتابة ما عليَّ كتابته قبل أن أذهب إلى نهايتي.[33]”  وعن المرة الثانية التي كانت عام 1998 يقول أيضاً:” لا أعرف ماذا جرى لي، لكن بعد الصحو قيل لي إنني مررت بخطر الموت الحتمي، بل حتى جرى البحث في ترتيب جنازة، لكني كنت غائباً، هذا لم يكن عذابي ولا ألمي، كان عذاب أصدقائي، هم الذين كانوا يعذبهم هذا الموت، أما أنا فكنت نائماً، لكن بعد أن صحوت وعرفت ما حدث لي “كانوا أناموني نحو أربعة أيام تنويماً اصطناعيا” صرت أحس بهلوسات، وهذيان”.ويمضي قائلاً : كنت مقتنعا بأنني لست في مستشفى، بل في قبو سجن، وبأن سجانيَّ يعذبونني في كل يوم، ومرة زارني الياس خوري[34]، دخل غرفتي في جناح العناية الفائقة، وتناقشت معه عن روايته بوعي كامل، ثم طلبت منه أنْ يهربني من السجانين الذين يضربونني، فإذا كنت في لحظة ما في كامل صحوي، وفي لحظة أخرى تحت الهلوسة نتيجة البنج، دخلت في عوالم قاسية جداً، واستعدتُ ذكريات بعيدة جداً، ورأيت مشاهد عجيبة، مثلا رأيت نفسي قاعداً مع رينيه شار، ورأيت المتنبي والمعري، فاختلطت الأزمنة والأمكنة، وكنت على يقين بأن ما أراه هو الواقع وليست مجرد خيالات، بل إن أصدقائي خافوا علي، قالوا ربما أصبت بالجنون، وخصوصاً انني دخلت في خوف عميق من أنني نسيت اللغة العربية.[35]

  فهنا يرى في عالم ما بعد الموت مجرد خيالات وهلوسات واختلاط الحقيقة بالخيال، فلا شيء إذاً بعد ان تغادر الروح جسمها.  لم يتوقف درويش أمام هذه التجربة كثيراً، واكتفى بتفسير الأطباء بأن ما رآه وشعر به كان نتيجة حقنه بكميات من المخدرات التي أخذها بعد إجراء العملية، ولعلَّ هذه التجربة هي الأرضية لهذه الجدارية التي تصوِّر عالم الموت، فهو هنا نفسٌ تحدث جسدَها.

  في لوحة تصور حواره مع الموت يَطلب درويش من الموت أن يتأخر قليلاً لينهي بعض مشاغله وأمنياته:

” أيها الموت انتظرني خارج الأرض،

انتظرني في بلادِك، ريثما أُنهي

حديثاً عابراً مَعَ ما تبقى من حياتي

قرب خيمتك، انتظرني ريثما أُنهي

قراءة طَرْفَةَ بن العبد. يغريني

الوجوديون باستنزاف كلِّ هُنَيْهَةٍ

حريةً، وعدالةً، ونبيذ ألهة…/

فيا موتُ! انتظرني ريثما أُنهي

تدابير الجنازة في الربيع الهش

……” ص 49

إنه التشبث بالحياة فكأنه يعترض على فكرة الموت المفاجئ قبل أن يحقق المرء أمنياته وأهدافه:

” يا أيها الموت انتظر! حتى أُعدَّ حقيبتي:

فرشاة أسناني، وصابوني

وماكنة الحلاقة، والكولونيا، والثياب.” ص 50

ويتساءل الشاعر عن العالم بعد الموت سؤالَ مَنْ يُقْدم على أمر مجهول:

“هل المناخ هناك معتدلٌ؟ وهل

تتبدل الأحوال في الأبدية البيضاء،

أم تبقى كما هي في الخريف وفي الشتاء؟

وهل كتاب واحد يكفي لتسليتي مع اللا وقت،

أم أحتاج مكتبة؟

وما لغة الحديث هناك،

دارجةٌ لكل الناس؟ أم عربية فصحى/ ” ص 51

إنه ما بين حيرته حول طبيعة العالم الآخر وفكرة الموت يطلب فجأة من الموت أن تكون العلاقة بينهما ودية وصريحة:

” فلتكن العلاقة بيننا ودية وصريحة: لك أنت ما لك من حياتي حين أملأها …

ولي منك التأمل في الكواكب” ص 51

ثم يأخذ في فلسفة طبيعة الانتقال إلى العالم الآخر وأنَّ الموت ليس هو الفناء والنهاية، وإنما هو تغير في الشكل:

“لم يمت أحدٌ تماماً. تلك أرواح تغيِّر شكلها ومُقامَها” ص 52

وأمام استسلامه لسطوة الموت، يقول له بأنه ـ أي الموت ـ ليس بحاجة لاكتشاف نقاط ضعفه ليقتله منها، وليس بحاجة إلى أن يكون المرء مريضاً ليميته من خلال مرضه:

“لا تحدق يا قويُّ إلى شراييني لترصد نقطة الضعف الأخيرة.

أنت أقوى من نظام الطب.

أقوى من جهاز تنفسي.

أقوى من العسل القويِّ

ولستَ محتاجاً ـ لتقتلني ـ إلى مرّضي ” ص 53

 يطلب الشاعر من الموت أن يكون فارساً وشجاعاً؛ يأتي ويأخذ الأرواح بكل جرأة ووضوح، فها هو يحادث الموت ويقول له:

“فكن أسمى من الحشرات.

كن مَنْ أنتَ، شفافاً بريداً واضحاً للغيب.

كن كالحُبِّ عاصفةً على شجر، ولا

تجلس على العتبات كالشحاذ أو جابي الضرائب.

لا تكن شرطيَ سير في الشوارع.

كن قوياً، ناصعَ الفولاذ، واخلعْ عنك أقنعة الثعالب.

كن فروسياً، بهياً، كامل الضربات”. ص 53

وسط تقريع الشاعر للموت والطلب منه أن يكون واضحاً ونبيلاً، يتذكر أنَّ الموت وإن بدا لا يُقهر ولا يُهزم، يَتذكر أن شيئاً ما استطاع هزيمة الموت، فما هو؟

“هزمتك يا موتُ الفنونُ جميعُها.

هزمتك يا موتُ الأغاني في بلاد الرافدين.

مِسَلَّةُ المصريِّ، مقبرة الفراعنةِ،

النقوش على حجارة معبدٍ؛ هزمتك وانتصرتْ،

وأَفْلَتَ من كمائنك الخلود…” ص 55

فقد هزم الموتَ: الفنونُ التي بقيت خالدة منذ أيام الإنسان القديم، وحضارة ما بين النهرين، فهذه آثارهم باقية تدل عليهم لم تمت، وهذه آثار الفراعنة باقية رغم مرور آلاف السنين، ألم تبقى هي ولم تعرف الموت؟!

  بعد أن يعتبر أن هذه الآثار والأعمال الفنية والحضارية البشرية قادرة على هزيمة الموت ببقائها آلاف السنين، يوجه خطابه للموت بشيء من التحدي، فيقول:

” فاصنع بنا واصنع بنفسك ما تريد” ص55

ثم يشن هجوم تَشَفٍّ تجاه الموت الذي (يعيش) على موت الآخرين، وكأن الموت فكرة بغيضة كريهة:

” كأنك المنفيُّ بين الكائنات

ووحدك المنفيُّ.

لا تحيا حياتك. ما حياتك غير موتي.

لا تعيش ولا تموت.

وتخطف الأطفال من عطش الحليب إلى الحليب” ص57

فالموت مجرد من المشاعر النبيلة لأنه لم يتذوقها، فهو لم يكن طفلاً تهز له طيور الحساسين السرير، ولم تداعبه الملائكة الصغار:

” ولم تكن طفلاً تهزُّ له الحساسينُ السريرَ،

ولم يداعبْكَ الملائكة الصغارُ ولا قرونُ الإيِّل الساهي،

كما فعلتْ لنا نحنُ الضيوفَ على الفراشة.

وحدك المنفيُّ، يا مسكين، لا امرأةٌ تضمك بين نهديها، …” ص 58

ولكن الشاعر ومهما استعلى على الموت أو تقرَّب إليه، أو نفَرَ منه، فإنه حاضر في الذهن، فبعد أن يوجه خطابه للموت قائلاً: “وأنا أريد، أريد أن أحيا وأن أنساك” ص 59 نرى الموتَ يطل ـ في البال والخاطرـ ساخراً: “لا تنس موعدنا” ص 60 ،وعندما يدرك أن الموت لا مفر منه يخاطبه بلطف ومودة:

” كن صديقاً طيباً يا موت!” ص60

فعندما يخاطبُ الشاعرُ الموتَ بتودد ولطف، يريد أن يدرك فلسفة الموت ولماذا كان هناك موتٌ أصلاً ” كنْ معنىً ثقافياً لإدرك كُنْه حِكمتِك الخبيثة!” ص 60

ثم يحاول شن هجومً آخر ضد الموت (ص60).

   وإذا كان الموت هو نهاية الجسد كما يبدو في ظاهر الحياة، فإنه عند الشاعر هو موت اللغة ـ القدرة على التعبيرـ فبعد أن عايش درويش تجربة المرض الشديدة، والتي يبدو أنه قد شعر باقتراب الموت منه، أخذ يتساءل:

“ما قيمة الروح إن كان جسمي مريضاً؟ ولا يستطيع القيام بواجبه الأولي” ص 65 ثم يقول بعد أن أخذت أعضاؤه تفقد حيويتها:

“فاتركوا كل شيء على حاله،

وأعيدوا الحياة إلى لغتي!..” ص 66

ثم يقول: “لا أريد الرجوع إلى أحد،

لا أريد الرجوع إلى بلد،

بعد هذا الغياب الطويل…

أريد الرجوع فقط،

إلى لغتي في أقاصي الهديل” ص67

ثم يتساءل صراحة وهو يخاطب ممرضته التي تقوم بتمريضه:

“هل الموت ما تفعلين بي الآنَ أم هو موت اللغة؟” ص 67.

فكأنه يقول بأن القيمة الصحيحة للحياة في بقاء اللغة، أي التواصل الإنساني ولا قيمة للجسد الفاني. أي أن التواصل من جيل إلى جيل هو الذي سيواجه الموت، ويأتي بالخلود:

“وكلما صادقتُ أو آخيتُ سنبلةً تعلمت البقاء من الفناء وضده:

” أنا حبة القمح التي ماتت لكي تخضر ثانية.

 وفي موتي حياةٌ ما …” ص68

ولأن كل شيء باطل وزائل، فلم ينس أن يحثنا أن نعبَّ من الحياة قدر ما نستطيع، لذا يقول:

” كل شيء باطل،

فاغنم حياتك مثلما هي برهةً حبلى بسائلها،

دمَ العشب المقطَّر.

عش ليومك لا لحلمك.

كلُّ شيء زائل.

فاحذر غداً وعش الحياة الآن في امرأة تحبك.

عش لجسمك لا لوهمك

 وانتظر

ولداً سيحمل عنك روحك

فالخلود هو التناسل في الوجود.” ص 84

  بعد أن أدرك الشاعر حتمية الموت، يريد لنفسه ومنا أن نغتم ونأخذ قدر ما نستطيع من متع الدنيا، ثم بعد ذلك نجده يبحث عن مقابل الموت الذي لا مهرب منه، إنه يبحث عن الخلود، والخلود يكون في التناسل والتكاثر. ولكن ذكرى ما مضى من الأيام لا تعني له في فلسفة الموت شيئاً كثيراً، وليست أكثر من وقت يمضي هو توأم للموت الطبيعي المرادف للحياة، فإننا نعيش أيامنا ونحن في غفلة من الموت الذي سيزورنا بغتة:

“كم من الوقت انقضى منذ اكتشفنا التوأمين:

الوقت والموت الطبيعي المرادف للحياة؟

ولم نزل نحيا كأن الموت يخطئنا،

فنحن القادرون على التذكر قادرون على التحرر، …”ص80

بعد أن ينقلنا الشاعر إلى عالم الموت، نراه يحدق في هذه الحياة الدنيا، فماذا وجد؟ لنسمع:

“باطل، باطل الأباطيل… باطلْ

 كل شيء على البسيطة زائلْ”

أبعد مشوار العمر هذا يردد بيت الشاعر الجاهلي لبيد بن ربيعة:

ألا كــل شيء ما خــلا الله باطل … وكــل نعيم لا مــحالة زائــل

أبعد هذا التطواف في الحياة نصطدم بجدار قاسٍ يقول لنا بأن كل شيء باطل باطل؟!.

ثم إنه ليجد أن كل شيء عاشه وعايشه على هذه الدنيا رتيب متكرر ممل:

” الرياح شمالية

والرياح جنوبية

تشرق الشمس من ذاتها

تغرب الشمس في ذاتها

لا جديد، إذاًّ

والزمنْ

كان أمسِ،

سُدىً في سدى.

الهياكل عالية

والسنابل عالية

والسماء إذا انخفضت مطرتْ

والبلاد إذا ارتفعت أقفرت

كل شيء إذا زاد عن حده

صار يوماً إلى ضده

والحياةُ على الأرض ظلٌّ

لما لا نرى …؟” ص 88

وفي موضع آخر يقول:

“ولا شيء يبقى على حاله

كل نهر سيشربه البحر،

والبحر ليس بملآن.

لا شيء يبقى على حاله،

كل حي يسير إلى الموت،

والموت ليس بملآن” ص90

ولكن ورغم الشهرة والانتشار والمجد الذي عاشه الشاعر، وأنه “عاش كما لم يعش شاعر: ملكاً وحكيما” فإن هذا المجد سوف لن ينفعه بعد الموت، فيقول:

“لا شيء يبقى سوى اسمي المُذَّهب بعدي،

سليمان كان …

فماذا سيفعل موتى بأسمائهم

هل يضيء الذهب

ظلمتي الشاسعة

أم نشيد الأناشيد

والجامعة؟” ص91

  خلاصة الأمر أن الموت متربص بنا، وأن الشهرة والمَجْدَ غير مُجْدٍ، وأن الحياة رتيبة مملة، وقد نقابل الموت بالخلود من خلال التناسل، وأن ما نعتقد أنه قاهر للموت كالفنون والآثار الباقية ليست بقاهر على وجه الحقيقة، وأننا مهما أخذنا من الحياة فهي إلى باطل وزوال، وما دام كل شيء في هذه الدنيا باطل وزائل، وأن المجد زائل ولن ينفع صاحبه بعد موته حتى لو كان مثل سليمان “النبي عليه السلام”، فإننا نتساءل ونسأل الشاعر: ما قيمة الحياة إذاً؟ وما قيمة الإنسان؟ وما هو دوره في هذه الحياة؟ الشاعر يشير من بعيد إلى أن البديل لهذا الباطل والزائل هو في الانهماك والانغماس في الدنيا وقيمها ومباهجها، فيقول:

” يغريني الوجوديون باستنزاف كل هنيهة،

حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ…/ ” ص 49

ولكنه يعود في آخر القصيدة ليحاور نفسه حواراً فلسفياً، وفي هذا الحوار نتبين حيرة الشاعر في حقيقة الوجود، فبعد حوار مع ظله قرب سور عكا سأل ظله:

” أتعرفني؟

بكى الولدُ الذي ضيعتُهُ:

ـ لم نفترق. لكننا لن نلتقي أبداً ـ … ” ص 94

ومرة أخرى نقرأ حواراً مع سجان عند الشاطئ الغربي:

“فقلت: كن مَنْ أنت لكني ذهبت ومن تراه الآن ليس أنا، أنا شبحي” ص 95

ولم يكن هذا السجان سوى جسده الذي قال له:

” أنت السجين، سجين نفسك، والحنين ومن تراه الآن ليس أنا، أنا شبحي” ص 96

وفي أواخر القصيدة يرى أن الموت وحديثه عنه لا يعني للآخرين شيئاً، ففي عكا وعند ساعة الميناء فيها يقول:

” لم يكترث أحد بليل الوقت،

صيادو ثمار البحر يرمون الشباك ويجدلون الموج.

والعشاق في الـ “الديسكو”

وكان الحالمون يربتون القبرات النائمات

ويحلمون” ص 97

فالحياة رتيبة مكررة.

  في نهاية القصيدة يكرر تشبثه بالحياة من خلال قوله إن كل شيء في الدنيا له، وكأنه عاد ليصرخ في وجه الموت، فيقول:

“هذا البحر لي

هذا الهواء الرطب لي

هذا الرصيف وما عليه من خطاي لي”

هذا في حاضر الشاعر، وأما تراثه وماضيه، فله أيضاً:

” وآنية النحاس وآية الكرسي والمفتاح لي…”

وله أيضاً ذاته واسمه ودلالات أحرف اسمه:

“واسمي،

وإن أخطأتُ لفظ اسمي

بخمسة أحرف أفقية التكوين لي:

ميمُ / المتيم والمتمم ما مضى

حاءُ/ الحديقة والحبيبةُ، حيرتان وحسرتان

ميمُ/ المغامر والمُعَدُّ المُستَعدُّ لموته

الموعود منفياً، مريض المشتهى

واو/ الوداع، الوردة الوسطى،

ولاءٌ للولادة أينما وجدتْ، ووعد الوالدين

دال/ الدليلُ، الدرب دمعةُ

دارةٍ دَرَسَتْ، ودوريٌّ يدللني ويدميني/

وهذا الاسم لي…” ص 102

ومع كل هذا فهو عندما يموت فلن يكون له شيء، لقد عاوده الإحساس أن لا قيمة للحياة:

“ولي جسدي المؤقتُ، حاضراً أم غائباً..

متران من هذا التراب سيكفيان الآن…

لي مِتْر و75 سنتمتراً…

 والباقي لِزهْرٍ فوْضويٌ اللونِ،

 يشربني علي مهلٍ” ص 103

وكل شيء بعد الموت ذاهب إلى الذاكرة، إلى التاريخ، التاريخ الذي لا يتوقف عند فلان أو علان:

” والتاريخ يسخر من ضحاياه،

ومن أبطاله…

يلقي عليهم نظرة ويمر…” ص 104

ويتابع التاريخُ مصادرته للأشياء:

“هذا البحر لي،

واسمي ـ

وإن أخطاتُ لفظ اسمي على التابوت ـ لي” ص 104

وعندما تأذن ساعة الرحيل؛ الموت؛ يجد الشاعر أنه لا شيء؛ وأنه لم يكن له شيء، أي أن كلَّ تاريخه وماضيه وأفكاره وأمنياته وأهدافه رحلت ولم يتعلق به شيء:

” أما أنا ـ وقد امتلأتُ

بكل أسباب الرحيل ـ

فلستُ لي

أنا لست لي

أنا لستُ لي” ص 105

فهل الحياة هباء أمام الموت؛ وأن جبروت الموت يطحن الحياة ويهزمها؛، ولا قيمة في الحياة، وأنه هناك في العالم الآخر لا شيء أيضاً! فأين العدالة إذاً؟ أسئلة نسألها للشاعر والقارئ ولأنفسنا؟!

 في نهاية الأمر، فمن هزم الآخر، هو أو الموت؟

********

 

فيم التأزم إذاً؟

  أليس لنا أن نسأل أنفسنا عن سبب هذا التأزم أمام الموت؟ وكيف نواجهه؟ هل بالحوار الفلسفي معه؟ هل بالهروب منه؟ هل نتحداه بأن نعبَّ من حاضرنا، ألم يقل لنا:

” يغريني الوجوديون باستنزاف كل هنيهة،

حريةً، وعدالةً، ونبيذَ آلهةٍ…/ ” ص 49

   انتمى الشاعر للفكر الشيوعي الماركسي، وبقي حاملاً لهذا الفكر حتى بعد تركه الحزب الشيوعي الإسرائيلي وهجرته من فلسطين عام 1971، وهذا الفكر لا يقدم رؤية علمية لما بعد الموت، فاكتفى بالقول بأن الحياة مادية، وأن الإنسان ينتهي بالموت وتحلله إلى تراب، ونظر هذا الفكر إلى ما بعد الموت، الحياة الآخرة، على أنها مجرد فكرة فلسفية ورؤى هاربة من الدنيا إلى الغيب والمجهول واللامعقول، يقول محمود درويش في قصيدة” على محطة قطار سقط عن الخريطة” قال: (سمائي فكرةٌ. والأرض منفاي المفضل[36]) وقال في قصيدة “لاعب نرد”:

“لا أقول: الحياة بعيداً هناك حقيقيةٌ

وخياليةُ الأمكنةْ

بل أقول: الحياة ، هنا، ممكنةْ”[37]

  ويقفز حديث ما بعد الموت مرة أخرى على لسان الشاعر في يومية “في الساحة الخالية” التي ضمها كتاب ” أثر الفراشة”، في هذه اليومية يتصور نفسه في ساحة خالية موحشة، وفي هذا الجو الجاف المقفر من الحياة تخطر أسئلة الوجود على ذهنه فيقول: “وحين تكون الساحة خاليةً تمتد الخواطر إلى ما قبل: إلى حياةٍ كانت هنا. جاءت من أزقة ضيقة، لتتشمس أو تتنفس أو لتعرض براهينها على الممكنات. لم أسأل: من أين جئتُ؟ بل سألتُ: لماذا وصلتُ إلى الساحة الخالية؟ خفت. وحاولت الرجوع إلى أي زقاق ضيق. فتحولت الأزقة كلها أفاعي. أغمضتُ عينيَّ وفركتُهما وفتحتهما لآرى كابوسي أمامي…إلخ”[38] ففي هذه اليومية يصرح بأنه لم يسأل نفسه عن سبب مجيئه إلى الحياة، بل كان المهم عنده ماذا يفعل في هذه الدنيا، وعندما حاول التمعن في هذه الإجابة، غمرته الأمور الغيبية المخيفة إذ تحولت الأزقة كلها إلى أفاعي، فحاول الهرب من هذه الأفكار بأن فرك عينيه فعاد إلى واقعيته، فرأى فيها كابوساً، ومع هذا ففي هذه الساحة ـ الدنيا ـ حياة ولو من بعيد على نحو ما.

الموت: نائم في أعماق النفس

   يبدو أن فكرة “ما بعد الموت” وأن الحياة هناك حياة أخرى، كانت راسخة في أعماق الشاعر مما تلقاه في طفولته، وظلت من مفاهيم الأعماق لديه، ذات مرة؛ أفلت منه السؤال عما بعد الموت عن غير وعي عندما كان في جنازة صديقه سليمان النجاب القائد الشيوعي الفلسطيني، يقول حسن خضر مدير تحرير “الكرمل”: عندما ذهبنا لإلقاء النظرة الأخيرة على أبي فراس، درنا مع آخرين حول النعش الذي وضع فوق منصة مرتفعة، وقفنا أمامه برهة من الوقت وخرجنا من القاعة. وهنا سأل محمود كمن يحدّث نفسه: هل يشعر الآن بشيء؟ كان جوابي بالنفي. وليس هذا هو الـمهم، بل طريقة محمود في طرح السؤال: بدا وكأن السؤال أفلت منه، أو خرج من مكان بعيد في القلب، مثقلاً بالحيرة والتردد. حيرة الحي أمام لغز اسمه الـموت. وتردد من ينتظر موتاً تأجل أكثر من مرّة، لن يطلب منه سوى فروسية القوي إذ يسدد الضربة القاضية، لكنه لا يعرف، بالضبط، كيف سيعبر الجسر القصير بين ضفتي الوجود والعدم.[39]

 استمرت هذه الحيرة أمام سؤال “ماذا بعد الموت؟” تشغل ذهن درويش، فنراه في قصيدة” الطريق إلى “أين”؟ يقول:

” الطريق طويلٌ إلى أين؟ مرتفعاتٌ

ومنخفضاتٌ. نهارٌ وليلٌ على الجانبين.

شتاء قصير وصيف طويل. نخيل

وسروٌّ، وعبَّاد شمس على الجانبين.

محطات كازٍ، مقاهٍ، ومستوصفاتٌ،

وشرطةُ سيرٍ على الجانبين.

وسجنٌ صغير،

ودكانُ تبغ وشاي، ومدرسةٌ للبنين،

وأقبية للبنات، وأجهزةٌ لقياس المُناخ، ولافتةٌ للأجانب: أهلاً

بكم في الطريق إلى أين؟[40]

 في هذه القصيدة التي كتبها عند وفاة صديقه الشاعر العراقي سركون بولص وأهداها إليه، ينظر الشاعر نظرة إلى طريق الحياة فيراه عادياُ ومألوفاً ولكنه طويل طويل، وعندما يلاقي الموتى الموتَ يسألهم عن طريقهم؟  فلم يعطوه جواباً واضحاً، بل بدت الحيرة في الإجابة:

” فألقوا عليه التحية.

قال: إلى أين؟ قالوا: إلى “أين”!

نمشي سوياً كأنا سوانا. كأن هناك / هنا

بين بين.

كأن الطريق هو الهدف اللانهائيُّ،”

وتستمر الحيرة: إلى إين المسير مع هذا الموت؟ ولم يتلق إجابة.

“لكنْ إلى أين نمضي،

 ومن أين نمضي/ ومن

أين نحن إذن؟

نحن سكان هذا

الطريق الطويل الطويل إلى هدف يحمل اسماً

وحيداً: إلى “أين”؟[41]

وهكذا تستمر مسيرة القلق.

   في قصيدته “جدارية” اقترب قليلاً من المعنى الغيبي (الميتافيزيقي) للموت، يقول عبد السلام المساوي في كتابه “جماليات الموت في شعر محمود درويش: بين الشخصيّ والعام ” وكما لخصه عبداللّطيف الوراري في مقال تحت العنوان نفسه في جريدة القدس العربي بتاريخ 29/8/2010 ” يقول الشاعر: ” في هذه القصيدة ـ الجدارية ـ كنت أكثر انتباهاً، أوّلاً للمسألة الوجودية وليس للمسألة الشعرية. كنت أعتقد أنني أكتب وصيّتي، وأن هذا آخر عمل شعري أكتبه. في القصيدة مناطق ميتافيزيقية، وقد حاولت أن أضع فيها كل معرفتي وأدواتي الشعرية معاً، باعتبارها معلَّـقتي” ومع هذا بقي القلق من الموت هو الخط الواصل بين معظم قصائد الشاعر في العقد الأخير من عمره، ولهذا كانت المعاناة والقلق من الموت بل والتمزق والحيرة، فالإجابة عن سؤال الموت هو إجابة عن العقدة الكبرى التي تواجه الإنسان ويسأل نفسه عن حلها: كيف جئت إلى هذه الحياة الدنيا؟ ولماذا جئتُ؟ وإلى أين أسير وما هو المصير؟ وهل بعد هذه الحياة حياة؟

 لم تكن كتابة “الجدارية” وتخصيصها عن الموت مصادفة، فقد ألحَّ سؤال الموت وفكرته على الشاعر بشكل كبير لا سيما بعدما تعرض له من أزمات قلبية استدعت إجراء عمليتين قلبيتين له، كانت الأخيرة، عام 2005.

  سُئل عن “الموت وفلسفته” فأجاب: “لعل سؤال الموت في شعري شديد الصلة بالبعد الميتافيزيقي. هناك نظرتان إلى الموت: نظرة دينية تقول إن الموت هو انتقال من الزائل إلى الخالد، ومن الفاني إلى الباقي، ومن الدنيا إلى الآخرة. وهناك نظرة أخرى فلسفية تعتبره نوعاً من الصيرورة، وترى أن الحياة والموت مترافقان في جدلية أرضية. أحياناً أكتب عن الموت ولكن من دون أن أتعمق كثيراً في السؤال إلى أقصى حدوده. فالذهاب في السؤال إلى أقصاه هو أمر مملوء بالألغام التي لا أستطيع أن أنزعها ولا أن أفجرها. في “جدارية” كتبتُ عن تجربة شخصية، كانت مناسبة لي للذهاب في سؤال الموت، منذ أقدم النصوص التي تحدثت عن الموت، ومنها ملحمة جلجامش التي تحدثتْ أيضاً عن الخلود والحياة. هذه التجربة كانت لي إطاراً صالحاً للسرد أو لما يشبه السيرة الذاتية. ففي لحظة الموت تمر حياتك أمامك وكأنها في شريط سريع. إنني عشتُ هذا ورأيته. كل الرؤى التي كتبتها في القصيدة كانت حقيقية: المعرّي ولقاء هيدغر ورينيه شار… رأيت الكثير ولم أكتب كل شيء. لكنني لاحظت أن القصيدة كانت مشدودة إلى سؤال الحياة أكثر من سؤال الموت. والقصيدة في الختام كانت نشيداً للحياة. أهم عبرة استخلصتها من هذه المسألة أن الحياة معطى جميل، هدية جميلة، كرم إلهي غير محدود، وعلينا أن نحياها في كل دقيقة. أما سؤال الخلود فلا جواب عليه منذ ملحمة غلغامش حتى اليوم. هناك جواب ديني ولكن كشاعر لا أحب أن أدخل في الجدال الديني. الإنسان يؤمن بما يعرف وبما لا يعرف. بل هو مشدود إلى الإيمان بما لا يعرف، وأهم أمر في الصراع بين الحياة والموت أن ننحاز إلى الحياة”. لقد لمس الناقد عبده وازن الذي سأل درويش هذا السؤال تشوشاً ما في إجابة درويش فعقب عليها فقال: “وجهة نظر للشاعر ويعتورها الكثير من التناقض بخصوص البعد الديني المتعلق بالموت … يعتبر الحياة كرماً إلهياً غير محدود…بمعنى أن ثمة إله في الكون…ثم يقرر بعد ذلك أن ما من جواب على سؤال الخلود منذ ملحمة جلجامش حتى اليوم…إذ ما دور الإله مُعتقد في ألوهيته إن لم يكن قد أوحى بأجوبة حتى حول أسئلة كبرى مؤرقة كالموت والخلود؟؟؟ ثم يتابع عبده وازن فيقول: ويبقى بالرغم من كل ما قاله الشاعر في هذا الجواب أن النظرة المادية هي المعتقد الحقيقي البارز والثابت لديه، فالجدارية كجُلِّ إبداعاته محملة في أكثر من مقاطع متعددة بما يبين هذا المنحى ويدلل عليه…فالموت غادر ومخاتل وينبغي دحضه وتَمكُن مغالبته بالفنون…كل هذه رؤى تدل على غياب البعد الديني السماوي كيفما كان نوعه…ذلك البعد الذي يجعل المؤمن يرى أن الموت قدر محتوم وبداية لعالم آخر هو الخلود في النعيم أو الجحيم حسب الطريق المسلوك في الحياة الدنيا”[42]

  وفاته

  كان محمود درويش يعاني من اعتلال في قلبه استدعى إجراء عملية عمليتين جراحيتين له عام 1984 و1998 وفي عام وفاته سافر إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية أخرى في قلبه تحت إشراف الدكتور العراقي حازم صافي الذي كان يساعده فريق طبي معظمه من الأطباء العرب[43]، وبعد بعد وقت قصير من إعلان نجاح العملية الجراحية له، أُعلن أن وضعه خطير، وبعد إجرائه لعملية القلب المفتوح هذه، دخل في غيبوبة أدت إلى وفاته يوم السبت 9/8/2008، بعد أن قرر الأطباء في المستشفى نزع أجهزة الإنعاش عنه بناء على وصيته. ومن ثَمَّ جرى نقل جثمانه إلى عمان حيث كان هناك العديد من الشخصيات من الوطن العربي في وداعه. ومن عمان نُقل إلى رام الله حيث وريَ الثرى بعد أن طافت جموع كثيرة بجثمانه شوارع رام الله يوم 13/8/2008، وقد خُصِّصَت لقبره هناك قطعة أرض في قصر رام الله الثقافي، وتم الإعلان أن قصر الثقافة ذاك تمت تسميته بـ “قصر محمود درويش للثقافة “وقد حضر الجنازة أيضاً أهله من الأراضي المحتلة عام 1948ومنهم والدته الحاجة حورية درويش (أم أحمد) التي عمَّرت نحو خمسة وتسعين عاماً وتوفيت بعد وفاته بنصف عام.

  في عامه الأخير كانت مجموعة ضيقة من أصدقائه في السلطة تدرك حرج وضعه الصحي، فعملت على أن يصدر الرئيس محمود عباس في خريف 2007 مرسوماً بمنح درويش أرفع الأوسمة الفلسطينية، وأقرت السلطة إصدار طابع بريدي يحمل صورة درويش والبدء بإعداد كتاب يتضمن مختارات من أشعاره ليكون جزءًا من منهاج المدارس، وأن تقرر بلدية رام الله إطلاق اسمه على ميدان رئيسي وجميل من ميادينها، [44]وقد تم ذلك خلال حياة الشاعر. وبعد وفاته أطلق اسمه على عدد كبير من شوارع القرى والمدن في فلسطين وخارجها.

  إحساس محمود درويش بقرب أجله جعله يتبرع قبل موته مباشرة بأكثر من ألفي كتاب من كتبه، وكان قد عرض على أصدقائه اختيار ما يريدون منها، ثم تبرع لإحدى المكتبات بما تبقى[45].

زياد أحمد سلامة

عمان / الأردن

ziadaslameh@yahoo.com

[1] حوار نادر لم يُنشر من قبل مع الشاعر الراحل بحضور الناقد فاروق عبد القادر، ناصر عراق، مجلة “دبي الثقافية (ع40 س 4 ص86) سبتمبر 2008
[2] محمود درويش: أثر الفراشة” يوميات” ص 47
[3] أثر الفراشة” الحياة… حتى آخر قطرة” ص 129
[4] أثر الفراشة” جار الصغيرات الجميلات” ص 66
[5] ديوان “لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” قصيدة”لاعب النرد” ص 129.
[6] خيري منصور: مقال بعنوان”الغزال والزلزال” مجلة الهلال ( العدد117، شهر 9/2008م) ص 24
[7] المرجع السابق ص 26
[8] المرجع السابق ص 26
[9] المرجع السابق ص 28و29
[10] جابر عصفور، سلسلة مقالات في جريدة الحياة بعنوان” قراءة في جدارية محمود درويش: جدار الذات وجدار القضية” ونشرت المقالات في 1 و15 و 22/8/2007.
[11] انظر قصيدة ” إجازة قصيرة” ص181 في ديوان “أثر الفراشة”.
[12] انظر قصيدة ” إجازة قصيرة” ص182 في ديوان “أثر الفراشة”.
[13] جابر عصفور: الشاعر المقاوم، مجلة الهلال، العدد117 ص 42 ـ 49.
[14] فخري صالح: صديقي محمود .. سأعود نفسي على غيابك، مجلة دبي الثقافية(س4ع40ص21)
[15] محمود درويش:”لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” قصيدة :” لاعب النرد” ص 46.
[16] محمود درويش:”لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” قصيدة :”بالزنبق امتلأ الهواء” ص 23
[17] محمود درويش:”لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” قصيدة :” لاعب النرد” ص 51.
[18] محمود شقير:انطباعات شخصية عن الشاعر وبعض أيامه/ مجلة الكرمل، العدد90 ص 159.
[19] أكرم هنية:صحراء هيوستن؛ الشاعر في رحلته الأخيرة، مجلة الكرمل، العدد الأخير (التسعون) ص 134.
[20] نؤوم الضحى: عبارة وردت في قصيدة محمود درويش “لاعب النرد” واصفاً بها نفسه.
[21] توفى معين بسيسو يوم 24/10/1984 في لندن في ظروف غامضة، وكانت تربط درويش ببسيسو صداقة وزمالة، وقد كتبا قصيدة مشتركة هي”رسالة إلى جندي إسرائيلي” كتباها أثناء حصار بيروت عام 1982
[22] سيدة لبنانية درست الطب وكانت ضمن الفريق الطبي الذي شارك في إجراء العملية للشاعر درويش.
[23] أكرم هنية:صحراء هيوستن؛ الشاعر في رحلته الأخيرة، مجلة الكرمل، العدد الأخير (التسعون) ص 142
 [24] حوار أجراه عبده وازن ونشر في جريدة الحياة على (5) حلقات بتاريخ 10- 11- 12- 13- 14/12/2005
[25] محمد عبد ربه: محمود درويش من المهد إلى اللحد ص 26
[26] زياد أحمد سلامة، نواة مقال في جريدة “الرأي” الأردنية 23/6/2000
[27] الجزيرة نت: برنامج المشهد الثقافي، تقديم توفيق طه، عنوان الحلقة:” جدارية محمود درويش ومتابعات أخرى” 18/09/2000
[28] أكرم هنية:صحراء هيوستن؛ الشاعر في رحلته الأخيرة، مجلة الكرمل، العدد الأخير (التسعون) ص 127.
[29] محمد أحمد القضاة: الظواهر الأسلوبية في جدارية محمود درويش، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 6 العدد 2ص246
[30] 12 كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦بقلم عبد القادر الجموسي١ من ٢(مقال على الإنترنت).
[31] ديوان محمود درويش، المجلد الأول، “أعراس 1977” ص 592.
[32] محمد القدوسي: مجلة”دبي الثقافية” السنة 4 العدد 40 (9/2008) مقال بعنوان: أساطير كثيرة تحتاج إليه كي تعيش، محمود درويش؛ الخيار “شعر”؛ص 83
[33] موقع ” محمود درويش” على الإنترنت / مقال بعنوان ” نبذة سريعة عن حياة محمود درويش”
[34] روائي لبناني عمل في الثورة الفلسطينية، وصاحب الرواية الشهيرة “باب الشمس”.
[35] انظر كتاب “وترجل فارس الكلمة” مصطفى نمر دعمس، ص273
[36] محمود درويش: ديوان”لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي” قصيدة” على محطة قطار سقط عن الخريطة، ص33
[37] محمود درويش: ديوان”لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي، قصيدة “لاعب النرد” ص 52
[38] محمود درويش: أثر الفراشة “في الساحة الخالية” ص 179.
[39] حسن خضر: محمود؛ صورة أولى لسيد الكلام، مجلة “الكرمل” العدد90 ص 201
[40] محمود درويش: أثر الفراشة” الطريق إلى أين” ص 141
[41] محمود درويش: أثر الفراشة” الطريق إلى أين” ص 141
[42] حوار أجراه عبده وازن ونشر في جريدة الحياة على (5) حلقات بتاريخ 10- 11- 12- 13- 14/12/2005
[43] أكرم هنية: صحراء هيوستن؛ الشاعر في رحلته الأخيرة، مجلة الكرمل، العدد الأخير (التسعون) ص 134
[44] أكرم هنية: صحراء هيوستن؛ الشاعر في رحلته الأخيرة، مجلة الكرمل، العدد الأخير (التسعون) ص 125
[45] محمد عبد ربه: محمود درويش من المهد إلى اللحد. ص

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *