اليوم العالمي للحمار

اليوم العالمي للحمار

  • سليمان المعمري

في اليوم العالمي للحمار الذي يوافق الثامن من مايو من كل عام يتجدد السؤال من قبل بعض حسّاد أبي صابر: هل يستحق الحمار أن يُخصص له يوم عالمي لتذكُّره والاحتفاء به وتعداد مناقِبه وفضائله؟. في الحقيقة فإن هذا السؤال ما كان لينطرح أصلًا لولا الصورة النمطية السيئة التي نحملها عن الحمار وارتباطها في أذهاننا به لقرون عديدة؛ وهي أنه غبيّ، ولا يمكنه فعل أي شيء ما لم نجلده بالبردعة على ظهره؛ في حين أن علماء الحيوان يؤكدون العكس؛ فالحمار من أذكى الحيوانات، وهو دؤوب ومثابر، وله حاسة سمع كبيرة وذاكرة قوية، واليوتيوب زاخر بمقاطع كثيرة تدل على ذكائه وحسن تصرفه.

وفي الواقع فإن من يتأمل حال الحمار معنا نحن معشر البشر يجده يستحق كل تكريم، فقد كان –ولا يزال- عنوانًا للصبر على خدمة الإنسان في أحلك الظروف، ليس ابتداءً بحمار الرجل الصالح عزير الذي حدثنا عنه القرآن، والذي أماته الله مع صاحبه مائة عام ليريه كيف يحيي الله قرية بعد موتها، ولا انتهاءً بحمارَيْ المعلّم الكولومبي لويس سوريانو في الألفية الثالثة المسميَيْن “ألفا” و”بيتو”، واللذين ظلا لسنوات طويلة يحملان مع صاحبهما الكتب ويتنقلان بها في المناطق الريفية في كولومبيا لتوزيعها على الأطفال المعوزين ليتمكنوا من إكمال دراستهم وأداء واجباتهم المنزلية بشكل مريح. يحق لهذين الحمارين اليوم أن يتفاخرا بأنهما ساهما في تنوير أبناء كولومبيا وتعليمهم رغم أن الذي يحوز على الثناء في العادة هو سوريانو، فقط لأنه إنسان. وهنا يمكننا استعادة قصة حمار أنطاكية لجبران خليل جبران التي روى فيها أن حمارًا عجوزًا كان يسير هو وحفيده في مدينة أنطاكية فمرّا بالقرب من جسرها وشرع يشرح لحفيده كيف حمل أجداده الحمير الصخور والحديد على ظهورهم من أجل بناء هذا الجسر، الذي عندما وصلا إلى نهايته وجدا لوحة مكتوبًا عليها: “بنى هذا الجسر الملك الروماني فلان”، فتساءل الحفيد باندهاش: “لماذا لم يكتبوا: هذا ما بناه حمير أنطاكية؟!”.

الحمار بالذات هو من أكثر الكائنات خدمةً للإنسان، فقد كان وسيلة ركوبنا الأولى قبل أن نعرف السيارات أو الطائرات أو البواخر أو حتى الدراجات الهوائية، وكان مُعيننا على كثير من أعمالنا اليومية من حمل محاصيل مزارعنا وبيعها، إلى جلب الماء والغذاء وحطب التدفئة إلخ، يفعل كل ذلك دون تذمّر سواء كان في صيف حار أو برد قارس، وإذا لم نتكرم عليه بشيء من الشعير فإنه يكتفي بأكل ما يصادفه في طريقه من حشائش.

إضافة إلى ما سبق ذكره عن الحمار فقد كان أيضًا مُلهِم الأدباء والمبدعين، بدءا من أول رواية في التاريخ حملت اسمه؛ رواية “الحمار الذهبي” للكاتب اللاتيني لوكيوس أبوليوس في القرن الثاني الميلادي التي تسرد تحوّل إنسان عن طريق السحر إلى حمار، والعذابات التي عاناها جراء ذلك، وليس انتهاء بــ”حمار مسقط الحزين” للكاتب العُماني حمود سعود الذي جعله –أي الحمار- شاهدًا أمينًا على تحوّل مدينةٍ من حديقة يزرع فيها الأطفال أحلامهم، إلى غابة تأكل هذه الأحلام. وبين هذين العملين الأدبيين عشرات الأعمال الأخرى التي يكرس بعضها صورة الحمار النمطية السيئة التي تحدثتُ عنها في بداية هذا المقال كما هي حال قصة عزيز نيسين الشهيرة “آه منّا نحن معشر الحمير”، في حين يقدم بعضها الآخر صورة جيدة عنه كما هي الحال في رواية الإسباني خوان رامون خيمنيث “حماري وأنا” التي جعلت حماره بلاتيرو أقرب إلى صديق يشاركه التأمل في الحياة اليومية لقريته وطبيعتها وحيواناتها.

وإذا كنا قد تحدثنا عن ذكاء الحمار ودأبه وصبره، فينبغي أن نتحدث أيضًا عن كونه كائنًا حسّاسا ومُحِبًّا للبشر الذين يعاملونه برفق، وقد رأيتُ بأم عيني في مقطع على اليوتيوب كيف يركض حمار بحبّ إلى طفلة مرتميًا في حضنها وكأنه كان ينتظر طلتها منذ زمن بعيد. ومما يحكى عن حساسيته حكاية أبي دبُّوبة الزنجي التي رواها الجاحظ في “البيان والتبيين”، إذْ كان أبو دبّوبة يُقلّد نهيق الحمير في الكرخ ببراعة، فتستجيب له الحمير، “فلا يبقى حمار مريض، ولا هرِم حسير، ولا مُتعَبٌ بهير، إلا نهق، وقبل ذلك تسمع نهيق الحمار على الحقيقة، فلا تنبعث [أي الحمير] لذلك، ولا يتحرك منها متحرك حتى كان أبو دبّوبة يحركه، فكأنه جمَع جميع الصور التي تجمع نهيق الحمار فجعلها في نهيق واحد”.

ألا يستحق كائنٌ حساس كهذا أن يُجْعَل له يومٌ واحد في السنة للاحتفال به أسوة بالشجرة والنحل والجبال والطيور المهاجرة؟. بلى والله يستحق رغم أنف حساده.

* عن صحيفة عُمان

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *