جُمْلةٌ ناقصة!

جُمْلةٌ ناقصة!

نصٌ شعري

الأديب السُّوري موسى رحوم عبَّاس

وحيدا

شَمال الشَّمالِ وحيدا

مثل حصانٍ عجوزٍ يشارك بالعَرْض

لآخر مرة

رصاصةٌ ، ثم يُطوى الزمان

رصاصةٌ واحدة!

وأسأل

لماذا النهار قصيرٌهنا

هل الشَّمسُ تسرعُ نحو المغيب، لتأخذنا للدفء

أم للمدارِ البعيد؟

أم ليلنا ليل امرئ القيس الطَّويل، الطَّويل مازال

يُرخى سُدولًا فوق نهر الفُرات هناك؟

حيثُ البلاد التي تبني المَقاماتِ للأولياء

والتماثيلَ للعسكرِ الخائبين

وتعزفُ لحنَ الخلودِ والنَّصرِ للموتى كي تَقَرَّ

عيونُ الكتبِ الصَّفراء

في مَجْمَعِ الخالدين؟!

أم يكونُ النَّهارُ قصيرًا؛ كي نجُوزَ سِراعًا صِراط َالحياة إلى

الضَّفَّة الثَّانية

وحيدا

مثل حصانٍ عجوزٍ يشارك بالعرض

لآخر مرة

 أفتِّشُ في جيوبِ المعاني

لعلِّي أحوزُطريقا إلى سِدْرةِ المُبتغى

أو سُرَّة الكون

حيث يكون  الكلام مُباحا

والرَّصيف تشغله قُبْلةٌ عالقة

من بقايا سهرة الأمس

لعاشقَيْن في شرفةٍ واحدة

وتسألني

هل تحبُّ الغناءَ في رُدْهة ِالقصر، قصر الخليفة

لينثرَ فوق رأسك الدُّرَّ

أو ربما غصتَ في بِرْكةِ الخمرِ بين يديه

قلتُ

لا رأسَ لي، فأنا أمشي بلا رأسٍ

وتأخذ الرِّيحُ سَاقيَّ إلى حيث تشاء

وقلبي يدور كدرويشٍ

في لجَّة العاصفة!

فكيف يُنثَرُ الدرُّ على ظلٍّ بلا رأسٍ

ورأس بلا جسد هناك

هناك

هناك يدور، يدور كأغنية

مثل أغاني الفرات

يطير فوق رمال الجزيرة مثل القطا

عندما كان يعْبُرُ نحو بلادٍ لا بنادقَ فيها

أو عيونا ترصد الطَّير

كي تنصبَ فخًّا له في ملتقى الماء باليابسة!

وخيطُ الدِّماء يسيلُ، يسيلُ مِ النَّهرِ للبرِّ

ومِ البرِّ للنَّهر

يسيلُ

يسيلُ، كي يُكمْلَ الخارطة

وأنا

تراني وحيدا

وحيدا

في شمال الشمال بلا رأس

أرسم شمسًا، بل شموسًا لا تغيبُ سريعا

ألوِّن أطرافها بالأصفر الفاقع مثل لون الصَّحارى

يأتي البياض عليها

فتبدو الدوائرُ خلف البياض

وجوها مدامعها جارية

وتبدو الظلال نخيلا وإثْلا وشيئا من السِّدر

يختفي في ورق الرَّسم؛ لأبقى وحيدا

وحيدا في شمال الشمال

أبحث عنِّي فيما تناقلته الرُّواةُ

في قصص الأبطال أو الخائنين

أو الهائمين على وجوههم في شوارع بغداد

بين الرُّصافة والكَرْخ

في باب بغداد بالرَّقة الحَوْراء

في خان الحرير

في حلب الشَّهباء

أمام الجامع الأموي في مكتب عَنْبَر

أسأل عني مُطربَ القصر

وشيخ الطَّريقة الورَّاق في سوق المجاز

جملةٌ ناقصة

خبرٌ ليس له مبتدا

وبقعةُ دمٍ تأتي في آخر النص

كي يكونَ الخِتامُ

مثلَ البداية

وحيدا

وحيدا

في شَمالِ الشَّمال

كي أكونَ في سِفْرِ هذا الكونِ

جملةً ناقصة!

السويد

12/2021

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. الصديق الأديب د. موسى عباس:
    كل التحية والود والتقدير لنصك الشعري “جملة ناقصة” واسمح لي أن أخالفك العنوان وأستبدله بجمل شعرية متشظية ،ثرية الرؤى والدلالات..وأستأذنك لقراءة أسلوبية سيمائية لقصيدتك في قادم الأيام . دمت بخير وإبداع دائمين..
    أخوكم سامي التراس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *