يا بلدي
* ناهض حتّر
في الخمسين أو نحوها،
ما زلتُ قادراً على البكاء..
تنهمرُ الدموع من عينيّ في لحظة وجد يتعانق فيها الحبُ والغضبُ، الخيبة ُوالأملُ، الكابوسُ والحلمُ، العقلُ والقلبُ، التشاؤمُ والإرادة: ملكة ُالعرب والروح، فيروز المعظّمة، تشدو للعبقري عاصي الرحباني، بضعَ كلماتٍ كالبرق، في لحن فرح حزين مقاتل، كلَّ ما يمكن أن يُقال عن الأردن: الواقع والمثال، كلَّ ما نخبّئه من مشاعر، وكلَّ ما نرجوه من مستقبل لبلدنا؛ بل صورةَ الأردنّ الذي في خاطري، أردنَّ الكرامة والمحبة والتحدي، وحبيبي الذي من صلابة وجمال صخور بترا، يمتدّ من غابات جلعاد حتى السهوب والصحراء، نشيدًا للخير والجمال، وصرخةً تزلزل الأرضين عزةً في وجه الغزاة الصهاينة، والكمبرادور العميل، والليبرالية الجديدة التي تأكل الروحَ الجمعيَّ وتدمّر المعنى.
كيف تسنّى لعاصي أن يفهم الأردن، ويوجزه شِعرًا؟
كيف تسنّى للّحن أن ينبع كانبجاس الماء من الصخر؟
كيف تسنى لفيروز أن تصهرَ الجبالَ والتلالَ والوديانَ والبوادي والألم َوالعشقَ والفَخارَ وأحاسيسَ الناس الطيبة في ذبذبات صوتية؟
البكاء وجداً بوطن…؟
ففي الخمسين أو نحوها لا تعنيكَ النساء ولا يغرّك الطموح، وتتوحّد مع الكليّ والمطلق في الوجد الصافي، تظنّ أنك غادرتَ زمن الحرائق العاطفية والدموع، حين يأتي صوتُ فيروز ويأتي الأردنُّ، ليعيدكَ طفلاً.
أيها الأردنيون العائدون إلى مجاهل العصبيات القبلية والجهوية ممّا قبل الدولة إلى ما قبل الدعوة، لاتكسروا قلب البلد، لا تجتمعوا مع أعداء الخارج وأعداء الداخل عليه، تحطيماً وتفتيتاً وبهتاناً وزوراً…
لا تقتلوا المسيحَ بأيديكم !
أيّها الأردنّ
يا نؤومَ الضحى
استيقظ الآن
أيقظْ فرسانكَ، وصلابةَ قلبك، ووحدتك.. واذهبْ صوب مشروعك الوطني؛ صوب المساواتية والتقدم الاجتماعي والحرية؛ صوب صخرة الفجر، حيث لا شمال ولا جنوب ولا وسط، لا قبائل ولا عشائر سوى الوطن، ولا مستقبلٌ شخصيٌ سوى الوطن، وطنَ الروح لا وطن التجار، وطنَ الأحرار لا وطن العبيد، وطنَ المنجل والبندقية، وطنَ المعنى والوجد، حين الحياةُ وقفةَ عز .. وما سواها إلا عيشٌ ذليل…
أنا .. من حزب الأردن الذي في البال .. من حزب الحرية .. من حزب فيروز، من حزب الغضب والتحدي..
هل تأتون ؟
إني أنتظركم وحيداً .. وطريدا