أيُّهما أولى : حياة مجتمع المواطنة أو موت”الوباء” ؟

      (ثقافات)            

   *  سعيد بوخليط

                                                           

من المؤكد حسب اعتقادي الشخصي،بأن أهم درس تاريخي انطوى عليه اختبار كورونا،يكمن حقا باللغة الأمنية الجارية منذئذ في الانتقال إلى استراتجية الطارئ،أي المواكبة الآنية والفورية لاحتياجات المجتمع؛وباللغة الشعرية المجازية من سياق المفعول إلى الفاعل والمبادر،بالتالي القطع مع مرحلة القصور والموت والاستلاب والجمود،صوب أفق الفعل والحياة والمبادرة والإبداع.

فعلا،يقتضي الانتماء إلى المجموعة الإنسانية القادرة على فهم لعبة مايجري خلف كواليس الدوائر الضيقة الكبرى السياسية والاقتصادية،حتمية استيعاب معنى الطارئ بدلالاته المتمدنة المتكاملة؛التي تبدأ وتنتهي في نهاية المطاف عند المفهوم القديم/الجديد، الراهن/المستقبل، الذي لايختلف بشأنه عاقلان،المتمثل أساسا في  بناء مجتمع المواطنة بغية تحقيق مناعة المواطنة المتحضرة،بدل المفهوم البذيء المتداول حاليا بكثير من الخفة والنزق وانعدام التبصر،المتمثل في مابات يعرف ب”مناعة القطيع”لأغراض غير إنسانية قط،بل يشكل مبدئيا نزوعا يقوض جذريا هوية الإنسان.

عندما يتأمل الواحد منا،المرجعية الخلفية لمحددات البروتوكول الوقائي المباشر قصد مواجهة كورونا،وقد أصبحت الآن متواترة تفاصيله أشهر من نار على عَلَم،معروفة لدى الطفل الصغير قبل الشيخ الكبير المنزوي في أعالي الجبال:الفرد/الجماعة، الوعي، الضمير، المسؤولية الفردية والعامة،الحرية الشخصية وحرية الآخر، الحقوق/الواجبات، المصير الفردي والجماعي،تقاسم الفضاء العام بكيفية حرة.

حين استخلاص البعد الجوهري،انطلاقا من المعطيات الحسية للإرشاد الطبي،فالأمر ينتهي قبل بدايته عند المدخل العام الواجب توفره كسياق لاغنى عنه لمواجهة وباء كورونا بمتحوراته الحالية والمستقبلية،ألا وهو إطار الدولة المواطنة وفق روافدها المؤسساتية،التي لاتكف تبعا لسيرورة  منطق الحداثة الكوني،عن تثوير وتطوير أسانيد مشروعيتها الحقوقية والدستورية سياسيا واقتصاديا واجتماعيا،بحيث يصب مختلف روافد ذلك في خدمة المواطن قصد تكريس التعاقد الثنائي لماهيات الحقوق والواجبات.

إذن،أكبر عبرة توخى حرب كورونا تلقينه للجميع،وأساسا المتخلفين عن الركب الحضاري،القابعين للأسف في غياهب الجبِّ،ضرورة الانتقال جديا وبكيفية غير قابلة للتردد،نحو تبني مشروع تلتف حوله مختلف مكونات المجتمع،يتعلق بتكريس دولة المواطنة.غير هذا المدخل والقصد والمنتهى،ستكون معركة الوباء خاسرة منذ البداية،جملة وتفصيلا،بل ولن تحقق قط النتائج المأمولة.

إن طرح التساؤل بخصوص أولوية حياة مجتمع المواطنة أو”موت الوباء”،مثلما أشار العنوان،لاينم عن هرطقة سوفسطائية،على شاكلة إحالات السؤال الإغريقي الشهير:أيُّهما أسبق الدجاجة أم البيضة؟بل الدلالة واضحة لاتحتمل تداخلا مفهوميا.يمكن إعادة صياغتها بكيفية ثانية :وحده النسق الحي والدائم الحيوية لدولة المواطنة،التي تضع الفرد ضمن نواة برامجها،وتسعى باستمرار لانتشاله من حضيض الاستلاب والاستعباد،ثم الارتقاء به نحو أعلى مراتب  تجليات الحس الإنساني.

بناء عليه،يستحيل تصور إمكانية الاكتفاء بتفعيل نجاعة المقاربة الطبية لحماية الفرد من موته بالفيروس،مهما بلغ تطورها اللوجيستيكي وذكاؤها المختبري،في ظل انعدام أبسط شروط مقومات مجتمع المواطنة،والارتكان إلى مجتمع مستبد قلبا وقالبا؛قوامه التسلط والترهيب والاحتقار وبث الرعب،لايوفر أصلا ممكنات الحياة الحقة للفرد/القطيع ويحكم على مصيره بالبؤس والعوز والشقاء والحرمان؛من ثمة الموت البطيء يوميا بمختلف الأساليب والطرق.

بالتالي،ماجدوى أطروحة ادعاء الحفاظ على البقاء؟بمقاربات تدعي لنفسها أنها طارئة يعني على مقربة من الحدث وبجواره،تغلق تماما تبعا لحسابات جد ضيقة،تلبي فقط أهداف سياسوية فئوية عابرة،باسم مقتضيات التصدي للوباء،جلَّ المداخل التي تقود إلى نسق المواطنة،الترياق الحقيقي لكل الفيروسات والأوبئة.غير هذا،مجرد إضاعة عبثية للوقت والفرص.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *