(ثقافات)
لمحات من تطور الواقع الثقافي في الأردن خلال مئة عام
كايد هاشم*
جاء ارتباط نشوء الحركة الثقافية والأدبية في الأردن بنشأة الدولة ضمن سياق تاريخي وموضوعي لمرحلة شهدت أحداثاً مصيرية، كان لها تأثيرات ممتدة في التشكُّل الحديث لبلاد الشام بعد انتهاء أربعة قرون من الحكم العثماني مع نهاية الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، بما في ذلك حركة اليقظة العربية متمثِّلةً في إشعاعات الفكر النهضوي العربي، التي بدأت تضيء فضاء الوعي القومي منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وتوهَّجت بعد إعادة العمل بالدستور العثماني وإطلاق الحريات سنة 1908، ثم عبرَّت عنها بوضوح مبادىء الثورة العربية الكبرى بزعامة شريف مكة الحسين بن علي سنة 1916، كحاضنة لتطلّعات العرب وآمالهم في هذا المشرق، والذين وجدوا في الثورة طريقاً نحو التحرّر والاستقلال وتحقيق دولة الوحدة .
كانت الحكومة العربية التي أُعلنت مع دخول قوات الثورة العربية إلى دمشق بقيادة الأمير فيصل بن الحسين بمثابة نواة لتحقيق الدولة العربية الموحَّدة المنشودة، وكان شرقي الأردن جزءاً من هذه الدولة الناشئة، لكن التطورات في الأحداث جرت سريعاً ولم يستمر هذا الحكم العربي سوى أقل من سنتين عملياً أو 22 شهراً (30/9/1918- 24/7/1920)، فانتهى باجتياح القوات الفرنسية سورية الشمالية، بعد أن أنجز دستوراً ديمقراطياً متقدماً بمقاييس العصر، وأقام أساساً للتعددية وإدارة التنوّع الثقافي، وعمل على مأسسة الحالة الثقافية من خلال تعريب التعليم، وخاصة التعليم العالي في الحقوق والطب، وإنشاء المجمع العلمي العربي، والاهتمام بالمكتبات والآثار، وأُعلِنَ في أواخر عهده مملكةً عربية، غير أن المخططات الاستعمارية كانت قد أصبحت أمراً واقعاً تفعل فعلها على الأرض؛ وفقاً لاتفاقية (سايكس – بيكو) (1916)، ووعد بلفور (1917) بمنح اليهود وطناً قومياً في فلسطين، وفرض الانتداب الأجنبي على بلاد الشام والعراق بتقاسم فرنسا وبريطانيا النفوذ في المنطقة.
