-
(ثقافات)
*منال رضوان
بعد الحياة بخطوة. رواية للروائي الأردني يحيى القيسي صدرت عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
يتضح لنا أنها بسط لعاطفة ما قوية، وشديدة التأثير، قد اختلجت فى صدر كاتبها وأجاد التعبير عنها، بنص يحمل عمقاً فلسفياً حول رؤيته لما بعد الموت أو ما أطلق عليه “بعد الحياة بخطوة”.
النص يحمل رؤى أدبية شديدة التميز من خلال البطل الذي لا يغادرنا منذ اللحظة الأولى للأحداث وحتى نهاية السطر الأخير، حيث تبدأ الرواية بمولد مريم (الأخت) بحجرة صغيرة فى إحدى قرى الريف الأردنى لتأخذ الأحداث مجرياتها، تتشابك الشخصيات وتتقاطع الأزمنة وتتنوع الأمكنة، فمن بين جدران حجرة ضيقة نعبر معه إلى رحابة جنة المأوى فى رحلة تعددت فيها أرصفة الانتظار ومحطات الخذلان ووثْبات فلتان السهم من الرمية.
الإطار المكاني:
فى بداية الأحداث تجد أن خصوصية البيئة وتفردها هى المسيطرة من خلال استخدام مفردات دلالية شديدة الولوج إلى عمق هذه الحياة البسيطة (صابون ماركة مفتاحين، أسلاك عمود إدريك، سمن غزالين) حتى يتكشف لك الصراع بين أشخاص الرواية ومدى تفاعلهم مع بيئتهم وعادتهم دون التأثير على الملامح العامة لأطروحة تصلح لكل زمان ومكان.
عدة صفحات، تتلاحق السنوات فيها ويمر البطل خلالها بمراحل عمرية تمهد للحدث الأكبر الذى يقلب حياته رأسًا على عقب، ويتميز الأسلوب فى هذا المجزوء بالسرد الخالي من الحوار، ويلعب القيسى كعادته بثقة شديدة على زخم وثراء المفردات التى تشبه الماسات فى مواضعها؛ فحلياته على تعددها تحمل تفرداً شديد التميز، ويعد انثيال الجمل القصيرة المنتهية بنقطة دلالة مهمة على بداية ونهاية المراحل المختلفة لحياة البطل يَعْبُر من خلالها تلك المراحل بكلمة أو جملة واضحة، فالتعبير عن مرحلة الصبا ومفردات مثل كرة شراب وكشكول الطبيعة وحصص الرياضيات ثم مرحلة الشباب فيمنحها مفردات ثائرة (فتح والمخابرات ولا تصالح) ثم مرحلة الزواج تناكحوا وتكاثروا.
حتى تضعنا حالة الغيبوبة (Coma) التى فقد وعيه على إثرها أمام نقطة التحول والحقيقة الغائبة، وهى أن أعمارنا البشرية على الأرض قصيرة مهما طالت وأن الروح تعجز عن إدراك الكثير مادامت مطمورة داخل جسد يصيبه الوهن والتعفن جراء الأوجاع والأمراض.
ينتقل البطل بروحه إلى عالم آخر يعاين فيه ما لا يسعه العقل المحدود بداية من رؤية شقيقته المنتقلة وأمه والجد الذى كان أمينا عليه أثناء حياته على الأرض يحاول أن يلزمه جادة الصواب قدر ما يستطيع وكأنه يمثل الضمير أو «فطرة الله التى فطر الناس عليها» (سورة الروم ٣٠) وهنا ستجد ان الأسلوب أضحى أكثر رحابة والعبارات بلسمية شافة كاشفة يحرر الكاتب فيها معجمه من أي لهجات مميزة أو خصوصية حدودية ففى رحاب الله متسع للجميع.
جاء استخدام الحوار فى مواضع قليلة فى الجزء الثانى، كما ظهر الراوى غير المباشر لشخوص أوجدتها الأحداث تباعًا (المهندس المعمارى وطبيبة الأسنان وربة المنزل…) ومن الأشياء الداهشة واللافتة دخول عش دبابير الموروث واقتحام إشكاليات الموت وعذاب القبر والثواب والعقاب والجنة والنار التى برع المؤلف فى تقديم رؤى أخرى حولها فى جرأة أغبطه عليها وذلك من خلال بطل روايته الذى تنتهى حياته بعد محاولة طيبة يعلمنا فيها أن الحياة سوف تبدأ بعد خطوة لا مفر منها ولا هروب.
- كاتبة من مصر
- (عن المصري اليوم)