ماذا عليّ..؟!

(ثقافات)

رانة نزّال

مَاذا عليَّ لو اقترحتُ هُدنةً بيني وبيني، وأَقمتُ لِدلوكِ الفجرِ صلاةَ الذّكرِ لطيبي الوجوه الذّينَ قَصَفتْهّم رصاصةُ الفِكرةِ، ورمتُهم على قارعةِ النّضالِ قرابينًا أو آلهة. ماذا عليَّ لو نثرتُ فيما تنثُرُ النّساءُ على صُدورهم المُعشبةِ قروشَ الدّعاءِ وحبّاتِ الزّغاريدِ الوافرة، والتَقَطتُ فيما يقصّهُ الرّاوي قطيفةَ الرّجاءِ المُعلّقِ في عيونِ الذّبيحةِ حيثُ قُطعانُ الألم ِ وغِربانُه الرّاجلة. فيما تحطُّ يدُ واحدهِم لتهبطَ حافة النّعشِ وتمسحَ دمعةَ خشبهِ الرّاجفة. خللٌ ما أفضى بنا إلى كلّ هذا الطّريقِ الطّويلِ، وهي أقداحهُم تفجّ في ظلامنا أن هاهي هَلكَ عنيّ سُلطانيه.

ماذا عليَّ لو نَصبتُ رايتي البيضاء فوقَ خِطابهم، وجعلتُ أخصفُ عليَّ بورقِ المَحجةِ ماتفضّحَ من سرّي وما تكسّر في روحي من آنية، ماذا عليّ لو تبتُ قليلاً فيما تيسّر من زمنٍ بين اتفاقينِ عليّ، وانتبذتُ مكانًا أو فرصةً تُؤي الحكاية أَصْلُهَا وفصْلُها ونَصُها الفصيحُ الذّي فيّ يحيا وما كانَ يومًا شقيًّا. فهل ترى؟! تلكَ أشياؤنا التّي لا تُشترى، كلّها تَفِجُ فينا من غيرما هُدى، وتوضحُ فيما تُوضِحُ أن هاهي هَلكَ عنيّ سُلطانيه.

ماذا عليّ لو أَمَلْتُ هُدبَ الشّفقِ نحو رؤيايَ ونحو ما توارثتْهُ فاطمةٌ ؟ ماذا عليّ لوصَحْحّتُ انحرافَ المعاجمِ عن مكانها فيما يتنعّمُ المُنافحُ وأَتْرابُهُ بالرّفاه والبنين وأنا ما زلتُ حيّا، لا ألوي على شيء إلا اعتصامُ الكلامِ بحبلِه وفواصلهِ، ولا أزاحمُ أحدًا على بصيرةٍ أو كتاب، وأتركُ للمُفكرِ نَعماءَ التّبصّرِ في مَقامِ الافتتانِ والضّحك، وأنعطفُ عند ذاتِ المُنحى وأردّد بلادَ العربِ أَشْجاني، وأن يا ظَريفَ الطّولِ بكَ كثيرًا أوصاني، وأنا المُولّهُ فديّتُ عينيها بما يليق بأجراسِ اليدين وأقراطِ الأغاني، خلّيتُ عنيّ ما جاءَ في كذبِ النّعيّ واحترافِ التّجنّي، ماذا عليَّ لو ذكرْتُهم بي وأنا آكلُ أيامي فيما يُدَجَّنُ التّاريخُ ويُقْحَمُ عليَّ من العزيفِ المرّ لحالك التّفاوضِ بينَ حزبينِ أو رواية. ماذا عليَّ لو تذكرتُ دَبيبَ الأماني في جوف اللّيلِ وافترضتُ أنّي أَحنّ فيما أَحنّ إلى خُبزِ أمي ولُقمًا من وردِ الكلام فيّ، وأنا أردّد فيما يُشبِهُ الهذيانِ أنْ هاهي هَلكَ عنيّ سُلطانيه.

ماذا عليَّ لو استهديتُ بالله وقَبلتُ ما يُمْلَى عليَّ، ورضيتُ بما جادتْ به المزاميرُ الثّمانية، وراجعتُ ما تلقّفتُ من الوصايا مكتوبها والمُشافَهة، واسترحتُ تحتَ فيء البلادةِ بلا حياء ولا حياةَ لمن تُنادي. ماذا على دمهم النّائم في الغَسقِ لو رسمتُ بريشِ أوقاتِهِ المشهدَ الحرّ، وتجلّيتُ حيث صلّى الحبيبُ فوق مهمازِ الأبد، ماذا لو فقأتُ عينَ الخُرافةِ وتمغَطّتْ طويلاً في كهفِ الموحدينَ وكلبُهم يزاورُ عن ظلي في هذا الأبد، والنّسمةُ الخريفيّة ترتعُ في حقولِ الذّاكرة تستحضرُ حنظلةَ والمدد، واليتامي يتعلّقون هضبةَ الأملِ يرتعونَ في مشاربهِ تصْفِقُ أردُافهم، ويسلّمونَ على البُغاةِ ينهرونَ حَميرهم ويبصقونَ بلا خجل لما يُذكرُ اسمُ المغضوبِ عليهم ويرددونَ ولا الضّالين. واحداً واحداً ينسلونَ من المخطوطِ العتيقِ عُهوداً تُنذِرُ قومًا ما أُنذِرَ أباؤهم ولاهم منّا أو ممّن نَلِدُ. ووحدَهم يَصهلونَ فوقَ جُنحِ المورياتِ أن هاهي هَلكَ عني سُلطانيه.

الله يا بلد .. الله يا بلد !

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *