رسائل الشاعر ستيفان مالارميه (الرسالة3)

     (ثقافات )

   *ترجمة: سعيد بوخليط

 

*تقديم : تتمتع غالبا رسائل ستيفان مالارميه بقيمة مدهشة.فقد أبرز من خلال عرضها حدود الفكر والمادة،وكذا تصوره للشعر حسب رؤيته،والقصائد التي اختبر كتابتها،هكذا تتجلى بين طيات رسائله تلك(1862- 1871) إلى جانب أخرى انصبت حول الشعر(1872- 1898) معلومات لايمكن لأي جانب ثان ضمن حيثيات عمله بالمعنى الخالص للكلمة الكشف عن هذه المعطيات أو مجرد إتاحته المجال لتوقعها.

لاتشكل فقط رسائل مالارميه فكرا جديدا قدر عمقه،بل تتحدث عن ولادة هذا الفكر، تحولاته، مخاوفه، وتعمل على تصوير دراما فكر لم ترصد لنا قصيدته خطاب مأتمي- قصيدته الوحيدة الواضحة شيئا ما- بعد انقضاء خمس أو ست سنوات،غير خاتمة،بدت مظهريا هادئة تماما.

يقول مالارميه :الشعر تعبير،باللغة الإنسانية وقد استعادت إيقاعها الجوهري،وكذا المعنى المدهش لمناحي الوجود : هكذا تضفي أصالة على إقامتنا وتعكس المهمة الروحية الوحيدة.

                            الرسالة (3)

إلى  أمي إليزابيت

بلدة سانس ،27 يناير 1862

جدِّي العزيز،

وصلتني منذ قليل رسالتكَ الجميلة والرائعة.يبدو جليا الآن اطلاعكَ على رسائلي السابقة.لقد استبقت مضامين أجوبتها،دون أن تدري جانبا من اعتراضاتك.اسمح لي بهذا الخصوص  مناقشتكَ قليلا مرة أخرى.

أؤكد بأني لاأحتقر قط إدارة السجلات،فقط أعتبرها فضاء لايتناسب كفاية مع مؤهلاتي مقارنة مع التواجد داخل أسوار الجامعة.

لقد أخبرنا مدير الثانوية بأن أساتذة اللغات الحية الذين تمكنوا من اجتياز الامتحان ينتسبون إلى الجامعة.إن اتفقنا وسلمنا بعدم صحة تقديره :بمجرد الظفر بمنصب أستاذ للغات،يمكنني حينها اجتياز مستوى الإجازة.تحقق سعي كهذا،يجعلني تحديدا عند ذات موقع زملائي،وليس موقعا تاليا.

أشار حديثك إلى مدرسة المعلمين وكذا أستاذية الآداب.أعتقد،بهذا الخصوص أن مستقبلي سيضيِّع كثيرا من آفاقه قياسا لمستوى الطموح الذي يسكنني: هذا مايراه أيضا مدير الثانوية.

نادرا،يضيف،بل يستحيل،بالنسبة لأستاذ يدرِّس اللغات،مثقف،بوسعه الكتابة أو التكلم،وحائزا على درجة الدكتوراه عدم توفر إمكانية انتسابه إلى الجسم الأستاذي لكلية معينة.غير أن الأصعب بالنسبة إلي،قبل ذلك،يتمثل في شهادة الإجازة،وسأتمكن بفضل الاجتهاد من تحقيق هذا الانجاز،ثم تحت حافز يتماهى أكثر مع ذوقي قياسا ببقائي في إدارة السجلات،شيء من السحر ينبغي لذهن جاد امتلاكه.

لذلك،حسب تصوري إن لم تكن الأستاذية في الكلية أكثر اعتبارية فهي على الأقل أكثر إشعاعا من المكوث داخل مكتب إداري :أود القول أكثر إشعاعا بالنسبة إلي.

أما عن الجانب الصحي،فالعديد من أصدقائي الأساتذة يؤدون حصصهم داخل الفصل الدراسي دون صراخ ولايبذلون مجهودا يشعرهم بالتعب،مع ذلك يبدو عليهم الإرهاق، بالتالي،لاأتوخى أن أكون سواء قويا جبارا لأقصى حد،ولاأيضا في غاية الضعف .

حدثتني عن شخص اسمه السيد ”لويس”،”لاو” أو ”لان”(1)؟لاأعرف قط أحدا معينا بهذا الاسم. ذلك أن صديقي،وهو أيضا أستاذ في مدرسة سان سير العسكرية لاينحدر من لندن بل مدينة أوكسير،إنه فرنسي كما الشأن معي بحيث يبرهن اسمه على ذلك. للإشارة، ليس ارتقاؤه السريع،تجلت مراحله داخل بلدة سانس نفسها، من ألهمني هذا الطريق.

لاتجد أمي الوقت للكتابة إليكما :بدوري،لاأغادر مكتبي سوى في حدود الساعة الخامسة،ولايبقى امامي سوى حيز قصير للانكباب على تدوين أفكار وتأملات منصبة على ماجرى خلال اليوم،لأن المنصب في نهاية المطاف سينقضي أجله.

إلى اللقاء جدِّي العزيز،أقبلك وجدَّتي بمجموع قلبي،وأقدم لكما وعدا بإسعادكما من خلال نجاحاتي المهنية،لكن شريطة أن تفسحوا لي مجال انتشال ذاتي مما أرغب في مغادرته مؤمنا بعدم قدرتي في خضم السياق الحالي على تقديم الأفضل.

                                              ستيفان.

 (1)يتعلق الأمر تحديدا باسم ”لان” ( Lane).فقد بادرت السيدة ديسمولانس إلى مراسلة أستاذ اللغة الانجليزية في سان سير العسكرية بهدف تجميعها لمختلف المعطيات حول المسار الجامعي،انطلاقا من اعتقادها بأنه الشخص الذي ألمح إليه ستيفان مالارميه في رسالته ليوم 17يناير.

*المصدر : رسائل مالارميه،غاليمار،1995

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *