بعيدًا عن اللَّغوِ والسَّابلة – نصٌ شعريٌّ

( ثقافات )

*الأديب السُّوري موسى رَحُوم عبَّاس

نحنُ آخر الأحياءِ من البدو

على هذا الكثيب نشد حبال الخيام كي تمرَّ العاصفة

وينجو القطيعُ من البرقِ والقَائلة

نُلقِّنُ أبناءَنا فنونَ المراعي والرَّعي، لعلَّ الذي يأتي يكونُ

سلاما

ونحن نرعى خرافَ الكلامِ في مروجِ المعاني

  حتى إذا شبعت، اطمأنَّتْ

وراحتْ تقافَزُ بينَ الفواصلِ، “تغدو خماصًا، وتروحُ بطانًا”[i]

لكنَّها مطمئنة!

فدَمُ الأسلافِ بين السُّطور يسيلُ كما السَّاقية

يسيلُ، وهي تنامُ عميقًا

 وقد لوَّتْ أعناقَها نحوَ خطِّ النِّهاية مختومًا بنقطةٍ واحدة!

تُشْبِهُ البئرَ التي جرى ماؤها مالحًا نحوَ عينِ المَطايا

ليأتي القصيدُ بعيدا عن اللَّغوِ

مِثْلَ قَيْظِ الصَّحارى ساخنًا، جارحًا مِثْلَ شوكِ

الدُّروبِ، تجترُّهُ العِيرُ، وقد أغمضتْ عينَها

نعم، سيأتي القصيدُ بعيدا عن اللَّغو والسَّابلة

نحنُ آخر الأحياءِ من البدوِ

إذا كَظَّنا الجوعُ أكلنا آلهةَ التَّمر التي جادَ بها نخلُنا

ورحنا إلى السُّوقِ، سوق الكلام نبيعُ أشعارَنا

حتى إذا حَمِي السُّوق بِعْنا!

لكنَّها أشعارنا تعودُ إلينا بعد أن يهبطَ اللَّيلُ

فالمَرَاييعُ[ii] تحفظُ كلَّ دروبِ القبيلةِ، تعودُ خلفَ حَمِير الرُّعاةِ

بأجراسِها الصَّادِحة!

ينامُ البيانُ بملءِ عينيه، وتنأى نجومُ البديعِ عن المشهدِ

ونحنُ آخر الأحياءِ من البدوِ

نَشَدُّ الحِبالَ، لعلَّ عاصفةَ اليومِ تَمُرُّ سلاما!

أحاولُ أن أكتبَ النَّصَ وفْقَ القواعدِ

مُفْسِحًا للنصبِ والجرِّ والرفعِ الطَّريقَ إلى قلبِ هذي البلاد

لعلَّ الحروفَ تجوزُ المقابرَ، تطيرُ فَرَاشًا

ثمَّةَ ضوءٌ ينوسُ هناك

أُبصِرُهُ خَافِتًا

أذرُّ النِّقاطَ فوقها، تحتها، كما السُّكر فوقَ العَجينِ

تُومِضُ كلُّ إشاراتِ المُرورِ على الأحمرِ

قِفْ

قِفْ

وأسمعُ خلفَ المتاريسِ قعقعةَ الأسلِحة

وصوتَ الجنودِ في النَّصِّ

توقف! فقد تجاوزتَ كُلَّ المدارسِ في النَّحوِ والصَّرفِ

فلستَ  بَصْريًا، ولا الكوفة أهلك

فلا “تتبغْدَدْ علينا ونحنُ من بغدادَ”[iii] أخا العَرَبِ العَاربة!

لذا لذتُ بالصَّمتِ بين الحروفِ

بعيدا عن اللَّغو والسَّابلة!

[i] حديث شريف
[ii] المراييع: ج. مِرْيَاع وهو كبش خصي تعلق الأجراس في عنقه، يتبع حمار الراعي
[iii]  عبارة عراقية معروفة، تضرب لمن يتشاوف على أهل المكان، وليس منهم

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *