-
واسيني الأعرج
منذ والتر سكوت، مروراً بألكسندر دوما وغيرهما، ظلت الرواية التاريخية تشتغل في أفقها التاريخي الرومانسي المفترض، أي أن التاريخ هو فعل أنجز وانتهى، وما علينا إلا الاستفادة منه بإدراجه تربوياً في النص الروائي الذي يتحول إلى وسيط فني بين المادة التاريخية والمتلقي.
الروائي الفرنسي، باتريك رامبو وهو يكتب ثلاثيته عن نابليون بونابارت (المعركة، كان الثلج يسقط، والغائب)، والروائي جلبير سينوي وهو يكتب سيرة ابن سينا، لا يختلفان كثيراً في نسف قدسية المادة التاريخية، إذ إن الأمر، بالنسبة لهما، يتعلق بالسيرة التي يصنعها الروائي من خلال المادة التاريخية، فالتاريخ ليس مقصوداً لذاته، فهو لا يتجاوز كونه مادة أولية كما في الجهد البنائي، نحتاج إلى الإسمنت والحديد وغيرهما، لتشييد بناية وفق مقاييس هندسية اختارها المهندس على الورق سلفاً، مخضعاً هندسته للتغيرات أثناء إنجاز الفعل، فقد كان الروائيان حرّين إلى درجة كبيرة في منجزهما الروائي التاريخي، صحيح أنهما اعتمدا على مادة تاريخية فيها الكثير من الحقيقة المروية.
لكن هذه الحقيقة ظلت نسبية جداً، فباتريك رامبو يقول إنه لا توجد سيرة تاريخيَّة بالمعنى المطلق والصافي ولكن توجد مادة أولية، وللكاتب الحق، كل الحق في العمل عليها بحرية وتحريكها وفق عملية التخييل الحر، وإعادة تشكيلها بناء على الحاجة الإبداعية والأدبية، فالذي يكتب عن نابليون ليس مشروطاً بالبقاء في دائرة تاريخ الشخصية بشكل ضيق، إذ يستطيع أن يخلق الطبائع كما يشاء، من حقه أن يضع الحرية على رأس الانشغالات في الرواية.