الكتّاب العرب يهاجرون من القصة إلى الرواية


*محمد أبو عرب

يتساءل الكثير من متابعي المشهد الأدبي العربي اليوم، ما هو موقع القصة القصيرة بين بقية الأجناس الأدبية؟ وأين هي الأجيال الشابة المجددة في القصة، التي تكمل مشوار الرواد الذين خاضوا هذا الفن منذ أوائل القرن العشرين؟ وهل غابت القصة في ظل سيادة الرواية؟ وهل وجد القصاصون في القصة جنساً لا يتماشى مع متغيرات الحالة الراهنة؟ 

لكن التساؤل الذي يبدو أكثر جوهرية وخطورة في مسيرة الأجناس الأدبية؛ هل باتت القصة القصيرة عتبة للدخول إلى الرواية ولم يعد هناك من مشتغل يكرس جهده لها، بوصفها جنساً إبداعياً راقياً؟ 
الإجابة عن كل تلك التساؤلات تحتاج إلى قراءة تاريخية راهنة لمسيرة القصة القصيرة، ومشوار روادها ومجدديها في الوطن العربي، إذ يعود تاريخ ظهور القصة المرجح إلى قصة “في القطار” لمحمد تيمور، الذي جاءت ريادته نتاج انفتاحه على المشهد الثقافي الغربي، ففي الوقت الذي يعود تاريخ القصة العربي إلى أوائل القرن العشرين، كانت القصة ظهرت على يد “عرابها الروسي غوغول” في قصته “المعطف” منتصف القرن التاسع عشر .
منذ ذلك التاريخ ظهرت القصة في الوطن العربي، وبدأت تظهر تجارب رائدة تشكل أساس القصة، فبرزت أسماء عدة منها: فؤاد الشايب رائد القصة السورية، الذي لم يترك سوى مجموعة قصصية وحيدة تحت عنوان (تاريخ جرح) اشتملت على إحدى عشرة قصة، ومحمد عبد الحليم عبد الله، الذي قدم مجموعة من الأعمال تحولت إلى أفلام سينمائية منها “غصن الزيتون”، و”شجرة اللبلاب”، ويحيى حقي الدبلوماسي الذي انشغل بالأدب منذ سن مبكرة، وقدم أعمالاً لافتة في القصة والرواية، ومظفر سلطان صاحب المجموعة القصصية “ضمير الذئب”، وعيسى عبيد، وطاهر لاشين، وغيرها من الأسماء . 
هؤلاء الذين شكّلوا بدايات القصة القصيرة العربية رغم تفاوت ريادتهم، يجد المتتبع أنهم انهمكوا في التأسيس للقصة وتكريس قواعدها، لتأتي بعدهم الأسماء اللامعة الرائدة والناهضة بالمشهد القصصي العربي، والذين يمكن التأريخ لبداية التطور الحقيقي في القصة القصيرة العربي على أيديهم، وأبرزهم: حسين فوزي، ويحيى حقي، ونجيب محفوظ، ومحمود البدوي، وصالح موسى، ويوسف إدريس، وزكريا تامر، وغسان كنفاني . . وغيرهم .
في هذه المرحلة من تاريخ القصة القصيرة العربية، بدأ الأدباء يشتغلون على مسارين، الأول يمضي في مشواره القصصي، والآخر يتفرع إلى الرواية . 
هذا التفرع إلى الرواية لم يكن وليد الصدفة، بل هو مسلك انتهجه الكتّاب العرب نتيجة ظهور الرواية في أوروبا، وتحول الكثير من أعلام القصة فيها إلى روائيين كبار، فمنذ بدايات تولوستوي القصصية إلى حالته الروائية الفريدة، وكذلك ديستوفسكي، ومشروعه الروائي الضخم، وغيرهما من الأسماء، ظهر المشهد الأدبي العربي متماثلاً مع المشهد الأوروبي مع فارق زمني يقدر بثلاثة إلى خمسة عقود، وكانت تلك المماثلة نتاج التأثر بالترجمات، وانفتاح الأدباء العرب على الحالة الأدبية الغربية بوصفها حالة سبّاقة، ومشروعاً مجدداً، وفي الوقت نفسه هي نتاج الغرب الذي ظل في الذهنية العربية وربما إلى اليوم، يكتسب مكانة مرموقة وعلى الصعد كافة . 
ومن أهم القاصين المعاصرين للقصة القصيرة فاروق مواسى، ومحمد الحاج صالح، وعزت السيد أحمد، وعدنان محمد، وعدي مدانات، وجمال ناجي، ونور الدين الهاشمي، ومحمد منصور، وإبراهيم خريط، وفوزية جمعة المرعي . وحسن برطال، وسعيد منتسب، وعبد الله المتقي، والمقتدر إبراهيم درغوثي . وفهد المصبح، وغيرهم الكثير . 
ورغم بروز أسماء قصصية فاعلة في المشهد الأدبي العربي إلا أن حضورهم ظل شحيحاً، وانتشارهم مقتصراً على النخب المثقفة، وهذا مرده إلى أسباب عدة، ربما أبرزها أن القصة كجنس أدبي ظل يُنظر إليه في مرتبة أقل من الشعر والرواية، وكذلك أن الأسماء القصصية لم تستطع أن تشكل حضوراً شعبوياً كما صنعت الرواية، بل إن الكثير منها انزاح نحو الرواية بعد ما وجد فيها المساحة التي تكرس أمسه وتثبت حضوره، إضافة لذلك غياب المسابقات ذات الطابع الدولي في القصة، في الوقت الذي ظهرت فيه برامج مسابقات تسلط الضوء على الشعر، وظهرت مسابقات عالمية للرواية . 
في ظل هذا التراجع في القصة العربية، يجد المتتبع أن أسماء ألمع الروائيين في الوطن العربي خرجوا من القصة إلى الرواية كأن الأجناس الأدبية تهاجر مثل البشر، حتى بات الكثير من الأجيال الشابة يرى في القصة عتبة للدخول إلى الرواية، فهم يحذون حذو التجارب الرائدة والأسماء الكبيرة في شق طريقهم الإبداعي، والأسماء الروائية الكبيرة التي خرجت من الرواية كثيرة وربما أبرزها؛ نجيب محفوظ، وحنا مينه، والطيب صالح، وبهاء طاهر، وغيرهم من الذين يشهد تاريخهم الإبداعي على منجز طويل مع القصة . 
ليس أولئك بحسب، بل الكثير من الروائيين الذين لحقوا بتلك التجارب، بدأوا بداية قصصية، ومنهم؛ علاء الأسواني، حيث أصدر مجموعتين قصصيتين “الذي أقترب ورأى”، و”جمعية منتظري الزعيم”، وإلياس خوري ومجموعته “المبتدأ والخبر”، وحيدر حيدر في “حكاية النورس المهاجر”، و”الفيضان”، ويوسف القعيد في “البكاء المستحيل”، “الفلاحون يصعدون إلى السماء”، إضافة إلى أن أغلبية الروائيين إن لم يكن كلهم نشروا كتابات قصصية في الدوريات والمجلات، قبل نشر أعمالهم الروائية . 
________
*الخليج الثقافي

شاهد أيضاً

أبورياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع لإنارة الطريق

الأديب موسى أبو رياش: المثقف معني بكل شيء في وطنه وعليه إشعال المزيد من الشموع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *