طوف ميدوزا..قراءة في لوحة

  • هشام روحانا

سمح لي جيريكو برؤية اللّوحة وهو ما زال يعمل عليها. لقد كان تأثيرها عليَّ هائلاً بحيث أنني وحال ما خرجت من الأستوديو بدأت بالجري كالمجنون دون توقف حتى وصلت مسكني” (2) أوجين ديلاكروا يوميات 1817 (3).

هذه واحدة من أهم التحف الفنية العالمية ومن أكثرها تأثيرًا والتي يعرضها متحف اللوفر في باريس في ذات القاعة التي تضمّ لوحة موناليزا، وعند مرورك بالمكان لن تستطيع تجاهلها لا بسبب حجمها الهائل الذي يكاد يبلغ خمسة أمتار على سبعة فحسب بل بقوة التأثير الذي تسيطر فيها مشاهدها على الناظر. فهذه اللوحة تشكّل كما الواقعة الحقيقية وراءها تكثيفًا للسقوط الوحشي للبشر وللحالة الإنسانية تحت وطأة الانقسام الطبقي من جهة ومكبس فقدان الأمل من جهة أخرى. من هذا الجانب فإنها تذكرني برائعة جوزيه ساراماغو العمى(4). لكن ثيودور جيريكو ينجح فنّيًا أيضًا، مستخدمًا في اللّوحة التقنيات التي تمتع بها كل من ليوناردو دافنشي سيد تناسق الأبعاد وهندسيات المشهد ورامبرانت بتحكمه بالظلّ والضوء ومايك انجلو أستاذ رسم الأجساد وتشريحها.

ترك لنا جيريكو الفنان الهشّ الحساس والسوداوي هذه اللوحة التي شكّلت تحفة فنية تعد من أوائل الاعمال الرومانسية التي استحوذت وما تزال تستحوذ على قلوب المشاهدين مثيرة تعاطفًا خامًّا غير مصطنع مع مركباتها الوحشية. ورغم صغر سنّه، استطاع أن ينغمس في أعماق النفس البشرية ويعكس متاهاتها. والحادثة التي يصوّرها هنا هي واحدة من أكثر حوادث القرن التاسع عشر مأساوية وإثارة للرأي العام بعد أن تعرف على تفاصيل أحداث طوف النجاة الذي هيئ على عجل حاملاً نحو 150 شخصًا يسيطر عليهم الشعور بفقدان الأمل والفاجعة مدفوعين إلى ظلمات النفس البشرية والانعدام المطلق لأفق الخلاص حيث لا رجاء ولا أمل، أي حيث يفقد الانسان إنسانيته ويسود القرف.

كنت قد تناولت في مقالة سابقة لوحة الفنان الرومانسي الألماني كاسبر فريدريك الجوال فوق بحر من الغمام والتي رسمها الفنان في نفس العام الذي رسم فيه جيريكو لوحته هذه. وذكرت بأن: “الرومانسية نشأت كتيار فنّي متعدّد الأوجه في أواخر القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر في رد فعل على قيم ومعايير عصر التنوير (المنطق، العقل، الواقعي التجريبي والنظام) وعلى الثورة الصناعية المتزامنة بتأثيراتها المدمرة على البيئة الحيوية والمجال الطبيعي للإنسان وعلى الفرد ذاته. اتجهت أعداد متزايدة من الفنانين والشعراء والكتاب نحو المشاعر والخيال والجليل. غدت الطبيعة البرية الجامحة والبكر الموضوع المحبب. بهذا المعنى فإن الرومانسية تشكّل حنينًا الى المجتمعات ما قبل الرأسمالية ونقدًا ثقافيًا للرأسمالية” (5). فالرومانسية تشكّل رد فعل على الحركة الكلاسيكية الجديدة. نظرًا لأن الفنانين الكلاسيكيين الجدد ركزوا على مواضيع مستقاة من التاريخ بينما يستقي الرومانسيون مواضيعهم من الإنسان لذاته والطبيعة المحيطة به والعلاقات التبادلية بينهما. تشكّل هذه اللوحة إذا مثالاّ إضافيًا على الفنّ الرومانسي ولكن هذه المرة على الجانب الآخر من الراين.

رسم جيريكو هذه اللّوحة التي تعدّ من أمهات الأعمال الرومانسية وكان عمره 27 عامًا في رد فعل مباشر ويكاد يكون فوريًا على أحداث واقعية كتب تفاصيلها اثنان نَجَوَا من رحلة الموت. وتجسّد اللوحة على القماش لحظة محددة تصورها الفنان ليعكس الأحداث الفجة والوحشية والواقعية والتي ينبعث الدمار واليأس من ثناياها ليصدم الجمهور الفرنسي المرهق أصلاً جراء الأحداث المتتالية للثورة الفرنسية المستمرة. إن ما يميّز هذا العمل هو أن الفنان شرع بتنفيذه بتوكيل ذاتي دون أن يكلّفه أحد بذلك وهو الأمر الذي لم يكن مألوفًا حينها بل كان مدفوعًا بحمى الشعور بهول الأحداث التي عاناها الأفراد الملقى بهم إلى لجة المحيط على طوف خشبي أعد على عجل بأعداد كبيرة والقليل القليل من الماء الصالح للشرب والزاد.

أبحرت الفرقاطة الحربية الفرنسية ميدوزا وبصحبتها ثلاث سفن امداد صغيرة من سواحل فرنسا متوجهة الى السينغال حاملة على متنها دبلوماسيين وضباط فرنسيين لإعادة حكم فرنسا الملكية في السينغال بعد أن كانت بريطانيا قد استبدلته في سنوات الثورة الفرنسية ولكن وبما أن الحكم الملكي قد عاد إلى فرنسا فقد تم الاتفاق على إعادة الترتيب القديم لتقاسم نفوذ الضواري الاستعمارية كما كان في سابق عهده.  كانت فرنسا عندها تحت حكم الملك لويس الثامن عشر، الأخ الأصغر للويس السادس عشر الذي أعدم بالمقصلة في الثورة الفرنسية، والذي عاد بعد أن أقصي نابوليون بونابرت عن الحكم.

ضمت السفينة الحربية ما يقارب الـ 400 شخص، سوية مع تناقضات المجتمع الفرنسي وصراعاته المعاصرة؛ ممثلو الملكية العائدة الى الحكم في اشخاص ربان السفينة قليل التجربة والحاكم المستقبلي للمستعمرة الفرنسية في السينغال الأفريقية وحاشيتهما من جهة والضباط والجنود الذين كان الكثير منهم ما يزال على ولائه لنابوليون بونابرت المنفي. أوكل لويس السادس عشر المهمة لهذا الربان بسبب ولائه للحكم الملكي وعلاقاته به متغاضيًا عن قلة تجربته لقيادة ابحار السفينة في مسار معقد ومحفوف بالمخاطر.

إن ما سيتلو هذا الإقلاع مع كل هذه الحمولة القابلة للانفجار وفي هذا المسار بالذات سيكون مأساويًا سوداويًا وملعونًا وسيقود ضحاياه الى المرور بدروب التهلكة الجسدية والعذاب الأخلاقي وسيضع علامات سؤال كبرى على ما بشر به فلاسفة الثورة الفرنسية بأن الانسان خير بطبيعته. انقضى الأسبوعان الأولان على خير رغم تراكم الأخطاء الصغيرة للربان عديم التجربة، لكن الاستياء والتوتر تصاعدا رويدًا رويدًا لدى الضباط والجنود الذين وجدوا أنفسهم تحت قيادة ربان فرضته الملكية التي كرهوها وحاربوها حين كانوا في صفوف الثورة أو تحت إمرة نابوليون. لاحقًا سيأمر الربان بالإسراع في الإبحار معتدًا بنفسه ومبتعدًا عن سفن الامداد ومقتربًا من منطقة خطرة قريبة من ساحل موريتانيا ذات قاع مرتفع نسبيًا تعلوه نتوءات صخرية حادة وتشكل مصدر خطر للسفن المقتربة منها. يحاول الربان طوال بضعة أيام المرور من بين هذه النتوءات معرضًا السفينة للخطر ويتصاعد غضب وقلق الركاب. وعندها تصطدم السفينة بمجموعة نتوءات صخرية بقاعها لتكون نهايتها قريبة.  يأمر الربان الركاب بترك السفينة لكن المشكلة هي أن قوارب الإنقاذ كانت قليلة ولا تستطيع أن تحمل سوى قرابة 250 شخصًا يتم انتقاؤهم وفق المرتبة الاجتماعية؛ الأغنياء وعلية القوم يعتلون قوارب الإنقاذ بينما يتم بناء طوف انقاذ خشبي على عجل بعرض سبعة أمتار وطول عشرين مترًا، وسيزدحم عليه من تبقى من الركاب، أي 150 شخصًا هم بأغلبيتهم جنود وبحارة وضباط متدنو الرتب وكذلك طبيب السفينة والمهندس العسكري. سيزود هؤلاء بالقليل من ماء الشرب وبعض البسكويت والقليل من النبيذ. لسبب ما غير معروف تنقطع الحبال التي تربط قوارب الإنقاذ بالطوف الخشبي. ويغدو طوف الإنقاذ وحيدًا في اليم.

وعلى مدار ما يقارب الأسبوعين ستشكّل مساحة الطوف الخشبية ساحة صراع؛ صراع البقاء. يرتفع الطوف ويهبط مع كل موجة أو ضربة ريح تصيب ساريته الهزيلة. وسيتبين الركاب أن مركز الطوف هو المكان الأكثر أمانًا. من سيكون على أطرافه سيكون عرضة للانزلاق الى الماء، وعلى الأغلب لن تمتد يدٌ شل الجوع والعطش قوتها، لإنقاذه؛ فليذهب الى حال سبيله laissez-passer .   سيكتب الطبيب والمهندس لاحقًا: “كنا 152 شخصًا. غاص اللوح الخشبي تحت وطأة أوزاننا مترًا واحدًا تحت سطح الماء وتراكمنا على بعض بكثافة لم يتمكن فيها أحدنا من الخطو خطوة واحدة باي اتجاه”.

تُرك الرجال الـ 152 في قلب المحيط على طوف خشبي تتناوب عليهم الأمواج والريح وتحت وطئه الجوع والعطش وحرقة الشمس والملح وبدون هداية غير الأفق والنجوم. ومع انقضاء الليلة الأولى وبزوغ الفجر سيتبين المساكين أن عددهم قد قل بعشرين، عشرون محظوظًا؛ لقد خفف الطوف من حمولته وغادر الأمل سماءه. وسيرى من تبقى منهم مصيره يقترب. وسيكون اليأس وهو حقًا جنرال عديم الرحمة، قائدهم منذ الآن. سيجد الآن بعضهم أن الانتحار غرقًا سيكون أرحم مما ينتظرهم؛ سيقفز ثلاثة منهم الى لجة اليم بعد أن القوا تحية الوداع الأخيرة على من بقي متشبثًا بالحياة، سيحتفظون بإنسانيتهم بالموت انتحارًا. مع مرور الوقت ستسيطر الهلوسات والجنون على بعضهم. وستغادر الرحمة سماء الطوف الخشبي؛ هنا يسيطر صراع البقاء. سيرمي الجميع ثياب الحضارة وأخلاقها وسيغدون أدوات حية للحفاظ على الذات، إنسان الأمس هو حيوان اليوم.

سيسرد الطبيب والمهندس اللذان كانا من بين الناجين الخمسة عشر بعد انقاذ الطوف في كتابهما التفاصيل المرعبة لهذا الصراع الوحشي الذي قتل فيه البعض وألقي بالضعفاء والمرضى الى البحر. وحيث سيطر الجوع بأنيابه على البعض الى الحد الذي تحولوا فيه الى أكل لحم رفاقهم الموتى. وسيثير هذا الكتاب ومجمل تبعات الحادثة الرأي العام الفرنسي والعالمي.

تتركب اللوحة من لحظتين تنتظمان داخل هرمين منفردين يتداخلان عند القاعدة. ستذهب الأعين متجهة من الأسفل نحو قمتين مركزيتين، القمة على الجهة اليسرى من اللوحة تقع تحت تهديد موجة مقتربة قد تبتلع من تبقى من الناجين؛ الفناء، والقمة الأخرى في الوسط وعلى اليمين قليلاً، بالعلم الذي يلوح به شخص أسود البشرة لسفينة في الأفق البعيد تكاد لا تُرى، بقية أمل؛ النجاة.

لنلاحظ الآن الحركة الدينامية لمعظم الناجين بأذرعهم تمتد في اتجاه القمة اليمنى المحملة بالأمل. لا تبدو هنا آثار الجوع والشمس على جلد وأجساد الناجين، إذ يجتهد الرسام في الحفاظ على البنية الجسدية المصقولة والعضلية. حركتان؛ حركة تمد بعنقها وتتقدم الى الأمام نحو الأمل وهنالك حركة انكفاء وموت في الزاوية التحتية اليسرى للطوف. هنا تبرز على وجه الخصوص المعاناة التي لا طائل تحتها ولا أثر لأي ادعاء لبطولة ولا لأي تضحية مأساوية؛ بل عذابات لا تستجيب لها أمواج محيط لا يتعاطف مع نداءات الخلاص. في هذه الزاوية يحوم الموت بعتمته وبالتلميحات لحوادث اقتات فيها بعض الناجين على جثث الأموات. هنا تيبست الروح.  يعكف رجل متقدم في السن قليلاً، يطويه اليأس الممزوج بالحزن والندم، على جسدٍ ما زال يبدو طريًا لفتى غض فارق الحياة، لربما ولده. هل هو الكونت أوغالينو (Ugolino)؟ الذي تغذى على لحم ابنائه الموتى(6). سيكون هذا استدعاء لجحيم دانتي وللحلقة التاسعة بالذات وهي دركه الأسفل، في هذه الحلقة يُسام بالعذاب خونة شعوبهم سوية مع آكلي لحوم البشر.

من الممكن التعرف في اللوحة على ملامح الطبيب والمهندس اللذان قابلهما الرسام عدة مرات واستمع اليهما يرويان الرعب. كما أن الرسام دأب على زيارة المستشفيات وغرف تشريح الموتى ليتعرف على تحولات ألوان وتفاصيل الجسد بعد أن تفارقه الحياة.

ينجح جيريكو في صياغة تمثلات الأمل وفقدانه في لوحته لينقلها الى المشاهد متجاوزًا مقاربة سياسية فجة للموضوع فيقدم مشهدًا أصيلاً ومباشرًا، يهز مشاعر المُشاهد بعمق ويبني تعاطفًا إنسانيًا اوليًا مع ضحايا حقيقيين وملموسين. ان ما يجعل العمل الذي أمامنا رومانسيًا من جهة الموضوع هو هذا الأمر بالذات؛ أي انتقال الفنون مما هو كلاسيكي ومستمد من الديانة المسيحية أو الميثولوجيا الاغريقية والرومانية الى تساؤلات وهموم وعذابات الفرد المعاصر. يتصاعد التأثير الدرامي للوحة لأنها تصور المحنة الكابوسية التي مر بها الرجال الذين تم انتقاؤهم ليصعدوا على متن الطوف لتدني مرتبتهم الطبقية ومن ثم تم تركهم لمصيرهم بفصلهم عن قوارب الإنقاذ. لا يتم تصوير الأشخاص على متن الطوف كأبطال يستحقون الإنقاذ وعندما نكاد أن نتحقق من ملامح وجوههم فإننا سنرى فراغها وهي تنظر الى اللا- شيء، تندمج ألوانها بالسماء العابسة بغيومها المتلبدة وبألوان البحر بأمواجه العكرة وقد فقد زرقته، ألوان تفوح منها روائح الموت والانحلال. يتمرد جيريكو على المعتمد السائد في تناول المواضيع الكبرى والجدل السائد فيعرض البعد الإنساني المباشر والفج لهذه المأساة دون رتوش وتأنق وتلتحم في اللوحة الطبيعة ذاتها بتفاصيل المأساة التي عاشها هؤلاء الناجون كما تلتحم ريشة الفنان وألوانه بها أيضًا.

لم تكن العبودية قد ألغيت في فرنسا رغم إعلان الثورة الفرنسية وقيام الجمهورية الأولى، وستنتظر فرنسا حتى اربعينيات القرن التاسع عشر، القرن الذي قام به جيريكو بإنجاز هذه اللوحة، لإلغائها. انه هنا يسبق عصره ويضع على قمة الهرم الذي يبشر بالخلاص عبدًا أسود يرفع ما يبدو وأنه علم فرنسا. خلاص الإنسانية الذي يصيغه جيريكو في لوحته هو هذا التضامن الإنساني المعتمد على المساواة الحقيقية.

 

 

//مراجع وإشارات.

 

 

  1. ميدوزا، وفق الميثولوجيا الاغريقية: كانت ميدوزا الفتاة الأجمل من بين أخواتها لكنها تجرأت وقالت انها أجمل من الربة أثينا، فمسختها أثينا لتصير رمزا من رموز القبح والرعب، يتجمد كل من ينظر اليها مباشرة.
  2. https://medium.com/lessons-from-history/deconstructing-the-raft-of-the-medusa-bf12399f1ec8.
  3. أوجين ديلاكروا فنان انطباعي فرنسي https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AF%D9%8A%D9%84%D8%A7%D9%83%D8%B1%D9%88%D8%A7
  4. جوزيه ساراماغو روائي برتغالي حائز على جائزة نوبل للأدب تعد روايته العمى واحدة من أعظم الروايات العالمية.
  5. الجوال فوق بحر من الغمام، هشام روحانا   https://short.link.alittihad44.com/Y7Bk
  6. الكونت أوجلينو ويدعى أيضًا كونت أكلة لحوم الاشر، ارستقراط وسياسي عاش في القرن الثالث عشر في مدينة بيزا الإيطالية اتهم بالخيانة وأسر سوية مع أبنائه في برج مودا في بيزا.  سيأتي دانتي على ذكره في الكوميديا الإلهية وهو يصف كيف أن الجوع حين اشتد عليهم بدأ أبناؤه يتوسلون اليه كي يأكل من لحمهم ويشبع جوعه. يقوم لاحقًا النحات اوغوست رودان بتصميم مجموعة من التماثيل المستوحاة من هذه القصة لدى دانتي. يظهر الكونت في بعضها وهو يأكل أصابعه. https://en.wikipedia.org/wiki/Ugolino_and_His_Sons_(Rodin)

 

  • عن الاتحاد

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *