علي السوداني *
( ثقافات )
كنتُ عزمتُ الليلة قبل البائدة ، أن أعجن وأخبز نصاً مقهوراً عن رحيل أم الفقراء ” البطاقة التموينية ” بعد عمر زاد عن العشرين بسنة ، لكنني الآن ركنت المكتوب على الرف ، حيث المعمعة ما زالت قائمة ولم تقعد . طبعاً لم تخرج مظاهرة مليونية ، ولا ثورة خبز ، ولا عصيان جياع ، ورعية بلاد ما بين القهرين ، سادرة سائرة ، وهي تتمطّق بطقطوقة مبروكة من خلق الشاعر المفكر المقهور معروف عبد الغني الرصافي ” ناموا ولا تستيقظوا ، ما فازَ إلّا النُوَمُ ” قلت لنكتب اذن عن جيفة الفساد المنبعثة من صفقة السلاح المبصوم عليها بين العراقيين والروس ، وقد اضافت رؤوساً جديدة ، الى مافيا الحرامية والفاسدين . أجّلت الكتابة عن هذا المزاد ، بعد اصابة غادرة بمغص معوي شديد القوة ، ومن أجل تخفيف وجع البطن ، وثلم دوخة الرأس ، قررت الذهاب حافياً ، في نزهة مبروكة ، بحديقة النبأ الخفيف ، والفكر الظريف ، واللطيف الذي غالباً ما ينشر على مؤخرات الصحائف ، فسقطت عيني ، فوق تفصيلات مزاد ، بيع فيه ، ثوب قطني ، كانت الممثلة الأمريكية جودي جارلاند ، قد لبسته أثناء تصويرها فلم ” ساحر الأوز ” بمبلغ أربعمائة وثمانين ألف دولار أخضر لا شك في خضرته وقوته . قبل هذه الموقعة ، كنت قرأت متشابهات ، تتحدث عن بيع ملابس ومقتنيات المشاهير ، خاصة الملابس ، وستكون أسعار حمالات أثداء ولبسان الممثلات الهوليوديات المذهلات ، أغلى من أثمان القبعات والقمصان والكتب . من هذه اللقطة العظيمة ، ومن أجل ضمان مستقبل العائلة ، قررت أن أجاهد بقوة ومن دون يأس ، من أجل الحصول على مقتنيات ممكنة من خزائن المشاهير الأحياء ، لأن ممتلكاتي من الأموات ، ما زالت تراوح حول لفّاف رقبة شتوي أخضر عزيز ، من عبد الوهاب البياتي . سأطلب من أنجلينا جولي ، إن صادفتها متجولة بباب مفوضية اللاجئين ، أن تهبني بنطروناً عتيقاً من أوائل أفلامها . سأستعير من غورباتشوف قبعته . سأحضر احتفائية منتظرة بغونتر غراس في البتراء ، كي أنتزع من على وجهه نظّارته . سأتصل بمنتظر الزيدي ، وأطلب منه معلومات ثقة ، عن مكان قندرته التي رجم بها وجه جورج دبليو بوش ، ببغداد العباسية . سأذهب الى مناطق خارج الضوء ، وأشتري كمشة لوحات رخيصة ، من رسامين مبدعين خلاقين ، لكنهم الآن ، غير مشهورين . سأغزو صبحية الغد ، أحد الأسواق المسمى واحدها ظلماً وعدواناً ، سوق الحرامية ، وقد أجد هناك ، بسطال لورنس العرب . سأركز عيناي ، فوق بسطات العجائز ، فلربما عاونني ربي على قنص قماشة كانفس عتيقة ومطوية ومسخمة . سأشتريها من بسطة عجوز فلسطينية عمرها ثمانون سنة ، هجّرت من يافا ، ونزلت بمخيم الحسين . للعجوز ولد طيب كان عتّالاً في احدى ضواحي الأندلس بأسبانيا . في واحدة من قصار الإجازات ، زار الولد أمه الحنون ، وعلّق فوق جدار غرفتها ، تلك القماشة المطوية . سأشتريها بعشر ليرات . سترش العجوز الرحيمة بوجهي ، دعاء الصحة والرزق والعافية . سأبوس يدها ورأسها ، تماماً مثلما كنت أصنع مع أمي . في الدار ، سأفتح القماشة . سأستعين بالله الجبار الكريم الجميل ، كي لا ينقرص صمّام قلبي ، على منظر التوقيع النائم في أخير القماشة . قماشة العجوز ، كانت لوحة من صنع الرسام العظيم بيكاسو . سأبيع اللوحة بمائة مليون دولار . سأهبط صوب بسطة العجوز الفلسطينية ، فأمنحها نصف الدولارات . ألرصيف فارغ . العجوز غائبة . سألت عراقية مقمطة بالسواد ، عن عجوزي الجميلة أم الخير . قالت : ماتت عجوزك يا فتى . بكيتُ بقوة عشرة مجالس عزاء ، وعندما فززتُ من نومتي الثقيلة ، وجدتُ مخدتي خالية ، إلّا من جملة : تصبح على خير . تصبحون على خير ، وبلاد ممكنة .